يواصل مسرح الكاف عرض مسرحيته الجديدة "سعادة الرايس" ، فبعد الدارالبيضاء، التي قدم فيها ثلاثة عروض كان آخرها يوم الجمعة الماضي بسينما ريالطو ، والمحمدية ، الرباط ، زاكورة، تيزنيت ووجدة، تستعد الفرقة لتنظيم عروض جديدة بعدد من المدن المغربية كالجديدة، آسفي، مراكش وبركان... عبد الإله عاجل، مخرج المسرحية الذي يؤدي فيها الدور الرئيسي أيضا، يؤكد أن "سعادة الرايس" توليفة تجمع بين التجريبي والشعبي، ومحاولة لتقديم عمل يحظى بإقبال الجمهور مع الحفاظ على جدية الطرح والموضوع، مؤكدا أن الإقبال الجماهيري الذي عرفته دليل على نجاح هذا الاختيار، رغم بعض النقائص التي عرفتها العروض الأولى وعلى رأسها طول المسرحية الذي ناهز الثلاث ساعات، وهو ما حاول تداركه في العروض اللاحقة. عن تجربة مسرح الكاف، و"سعادة الرايس" وخياراته على صعيد الإخراج وإدارة الممثلين، كان لنا هذا اللقاء مع الفنان عبد الإله عاجل. مسرح الكاف ... بعد عشر سنوات في البداية ، يؤكد عاجل بأن مسرح الكاف ، الذي يجر وراءه عشر سنوات من العطاء ، يمثل مختبرا مسرحيا تجريبيا، قدم عددا من المسرحيات الناجحة، مثل "بوتليس" ، وهي من تأليف عبد المجيد سعد الله وحصلت على عدة جوائز بالمهرجان الوطني بمكناس سواء على صعيد الإخراج أو النص أو التشخيص، لكن مسرح الكاف، يعترف علجل، يبقى مسرحا نخبويا ، سواء بالنسبة للموضوع أو الجمهور الذي حضر أعماله ، مقارنة مع تجربة مسرح الحي التي قدمت مسرحيات لقيت إقبالا جماهيريا عريضا ك « حسي مسي » و « شرح ملح » رغم أنها لا ترقى إلى نفس مستوى الجدية من حيث الطرح . "هذه إذن هي المعادلة التي سعينا إلى تحقيقها عبر مسرحية سعادة الرايس ، يقول عاجل ، وقد شجعنا نجاحها على الاستمرار وفق نفس التوجه في الأعمال القادمة، وهي عبارة عن « باناشي » يمزج المسرح الجماهيري بالنخبوي ، أي تقديم عمل جاد يطرح قضايا تمس الواقع بتعقيداته السياسية والاجتماعية". سعادة الرايس الأزمة المالية ، سطوة رأس المال التي تجاوزت كل القيود والحدود، والذي أصبحت له اليد الطولى في تشييئ وصنع الزعماء ، هي ذي التيمة الاساسية التي ارتكزت عليها المسرحية، حسب عبد الإله . وفي الحقيقة، فهذه القضايا ليست جديدة ، بل سبق تناولها إبداعيا في الأدب والمسرح والسينما....كما أن النص الأصلي الذي اعتمدت عليه المسرحية ، والذي ألفه محمد اليوسفي ، تعود كتابته إلى عقد الثمانينيات ، فما هو الجديد الذي قدمته المسرحية ونحن الأن في 2009 ، وهل نجح الإخراج في إضفاء طابع الراهنية عليها ? يقول عاجل إن النص تم تحيينه ، ليجيب عن هذه التساؤلات ، ويلفت الانتباه إلى الاستهلال الذي تبدأ به ،عبر تقديم مشهد للبورصة في عز الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم في الأشهر الأخيرة . الموضوع في حد ذاته قديم /جديد ، لكن الأساسي هو التوليفة الذي تم الاعتماد عليها لتقديمه للجمهور ، ووفق رأي المخرج، فاللعب على الرموز هو ما يعطي لأي موضوع تفرده ، وفي سعادة الرايس يظل الرمز الأساسي الذي تقدمه هو الباب المسدود ، عندما وجد الزعماء أنفسهم محاصرين في غرفة لا منفذ منها ، مع النادل الذي يكشف نقط ضعفهم ، والذي يمكن اعتباره ضمير المسرحية وروحها النقدية ، أي أنه يمثل بشكل من الأشكال رأي الجمهور نفسه وموقفه من هؤلاء الزعماء الذين اجتمعوا فقط ليقرروا عدم الاجتماع، مما يعبر عن خواء هذه الزعامات وعجزها . ملاحظات لا بد منها هناك عدة ملاحظات في إطار تقييم هذا العمل الجديد لمسرح الكاف ، طرحناها على عبد الإله عاجل ، وتخص بالأساس طغيان الطابع الكوميدي على مختلف مشاهد المسرحية بما في ذلك بعض المشاهد والمواقف التي لم تكن تستلزم الفكاهة ، بالإضافة إلى طول المسرحية الذي قارب ثلاث ساعات . عبد الإله عاجل يعترف بأنه أحس بذلك خلال العروض الأولى للمسرحية في الرباط والمحمدية ومركب محمد زفزاف بالمعاريف ، مما جعله يقلص مدتها إلى حوالي ساعتين في العروض اللاحقة ، دون أن يؤثر ذلك على مضمونها. ورغم هذا، ففي العروض الأولى المشار إليها، يقول المخرج إنه لم يلاحظ أن أحد المشاهدين غادر القاعة ، بل على العكس ظل التجاوب مع المسرحية وأداء الممثلين طوال مدة العرض دون انقطاع ، ومع ذلك، يضيف، فقد تجاوبت مع ملاحظات النقاد والمتتبعين ، وجعلت مدة العرض لا تتجاوز الساعتين . وبالمقابل ، يعتبر عاجل أن الجرعة الكوميدية كانت ضرورية ومقصودة رغم جدية الموضوع ، وهو أمر ليس بالجديد ، فقد كان لابد من تمرير الخطاب ، وهو هنا ذو حمولة سياسية ، بشكل بسيط وكوميدي حتى لا نقع في فخ الرتابة وللحفاظ على « الريتم » مع ما يتطلب ذلك من إمتاع المشاهدين وجعلهم يتابعون العرض بنفس الاهتمام من أول إلى آخر مشهد . الإخراج يقول عاجل ، إنه اعتمد خلال إخراجه للمسرحية على تقنيات خاصة ، اغترفها من «المسرح الفقير»، فهناك تقشف واضح في الديكور ، مع الاعتماد على الحضور الجسدي للممثلين ، الذين ملؤوا بأدائهم وحضورهم القويين الخشبة ، وعلى الانارة وتقنية الفلاش باك ، والحفاظ على التوازن بين الممثل والديكور حتى لا يتم السقوط في فخ المسرح النخبوي. "المسرحية ليست معقدة إلى هذا المستوى ، يضيف المخرج، وهنا يلاحظ بأنني جعلت الخشبة تبدو دائرية ، تسهل عملية خروج شخصية ودخول أخرى ، والخروج من عالم إلى آخر ، دون أن يؤثر ذلك على توالي المشاهد، ولذلك لم ألاحظ أن السينوغرافيا تتطلب أكثر من ذلك، خاصة وأن خياري كان هو البساطة في كل شيئ ، تماشيا مع طبيعة الموضوع، مع الاعتماد على الحضور القوي للممثل كما ذكرت" . الممثلون إذا كان هذا هو خيار عاجل على صعيد الاخراج والسينوغرافيا ، فبالنسبة لاختيار الممثلين، مثلما يؤكد عاجل، فهو لم يراهن على « نجوم الصف الأول » لنجاح المسرحية ، فهذا ليس شرطا لنجاح أي عمل فني . يبقى الأهم ، كما يفسر، هو كيفية إدارة الممثلين وطبيعة الدور الذي يؤديه كل واحد منهم ، وفي هذا الإطار يكشف خلال لقائنا معه ، أنه هو شخصيا من كان سيؤدي دور الرئيس ، الذي سيناط لاحقا بالممثل عبد الرحيم المنياري : "لقد رأيت بعد التداريب الأولى أنه يجب أن يكون هناك موزع ، يتحكم في سيرورة العمل ، فكان لزاما علي أن أقوم بدور مساعد الرئيس الذي يتحكم فيه ، وهو ما ترك لي مساحة أخرى للقيام بمهمة الموزع هذه . أداء باقي الممثلين ، كما لاحظ ذلك المشاهدون، كان جيدا . عبد الرحيم المنياري ، الزهرة نجوم ، جواد العلمي والأخرون ، تفوقوا في أداء أدوارهم ، ومحمد مهول، الذي يمكن القول إنه أعيد اكتشافه خلال هذا العمل ، قام بما طلبت منه ، أي أن يكون مهول الذي تعرف عليه الجمهور في السنوات السابقة وقد تفوق في ذلك لدرجة أن الجمهور الذي شاهد المسرحية لحد الآن استحسن أداءه، خصوصا أنه يؤدي دورا مهما ، وهو ضمير المسرحية كما أشرت إلى ذلك ". وفي انتظار أعمال مسرح الكاف القادمة ، أسر عبد الإله عاجل أن مسرحية « الزهرة بنت البرنوصي » تظل العمل المؤسس لتجربته مثلما يستلهم روحها في كل أعماله