في أقل من شهر، ينهار منزل آخر بالمدينة القديمة بالدار البيضاء، صباح أول أمس السبت في الثامنة و20 دقيقة بزنقة تازارين بدرب المعيزي، وهو الانهيار الذي أزهق ثلاثة أرواح، ويتعلق الأمر برب أسرة (حسن . ق من مواليد 1955 وابنته إيمان ذات العشر سنوات)، بالإضافة إلى حارس دراجات (حميد.د، من مواليد 1957، الملقب ب«عمي»، كان يتواجد بالقرب من البيت المنهار)، والذين ووروا الثرى، في موكب جنائزي مهيب، أمس الأحد بمقبرة الرحمة حضر وفد رسمي تقدمه وزير الداخلية. كما خلف الحادث المأساوي الجديد بعض الجرحى من بينهم حالة حرجة، نقلوا جميعا الى المصالح الطبية بكل من مستشفى مولاي يوسف وابن رشد. هذا الانهيار كشف ، مرة أخرى، وفق ما صرح به سكان المنطقة، عن تخاذل جهات في السلطة بعمالة مقاطعات الدار البيضاء أنفا، في التعاطي مع جسامة معضلة الدور الآيلة للسقوط، من خلال سلك أساليب مخالفة للقانون عبر السماح وغض الطرف عن الترميمات والاصلاحات والاضافات في هذه المباني المهترئة، وإسكان متضررين من هذا الوضع بدُور مهددة سبق أن أفرغت من قاطنيها الأصليين! كما أكد بعض السكان أن بعض ممثلي السلطة المحلية كانوا يعطون الضوء الأخضر لمباشرة الترميمات بدعوى أنَّ لا ترحيل في الأفق! وعلى خلفية هذا الحادث، الذي استنفر عددا كبيرا من القوات الأمنية ، ومصالح الدرك الملكي، منها من كان مرابطا بالساحة المجاورة لدرب المعيزي وأخرى بشارع مولاي يوسف وبالضبط بجوار مقر عمالة مقاطعات الدارالبيضاء أنفا، إضافة الى حضور مسؤولين في السلك الأمني منهم من فضل متابعة تفاصيل هذه الفاجعة الانسانية عن بعد ، مكتفيا بإصدار التعليمات عبر جهاز اللاسلكي، خصوصا وأن الأجواء المحيطة بهذه الفاجعة كانت مشحونة، الشيء الذي استدعى سلك منطق ضبط النفس ، وذلك حتى لا تتحول هذه المأساة الى مواجهات مع الساكنة التي رفع بعضها شعارات منددة بالحكومة وعدم ترجمة وعودها على أرض الواقع، علما بأن مجموعة من السكان يعيشون ،الآن، تحت الخيام بسبب تصدع منازلهم المهددة بالسقوط في آية لحظة! وتجب الإشارة إلى أنه خلال شهر ماي الأخير، تم انهيار جزئي أو كلي لثلاث منازل أخرى في نفس الحي ، لحسن الحظ لم يخلف ضحايا، هذا الحي الذي يقع بمشروع المحج الملكي ،الذي يراوح مكانه منذ ربع قرن! فمعلوم أن الدولة أحدثت ، منذ قرابة 25 سنة، شركة «صوناداك» وأوكلت لها مهمة التجديد العمراني بمنطقة المدينة القديمة خارج الأسوار، وهي المنطقة التي تمتد من مسجد الحسن الثاني إلى شارع الجيش الملكي، وتم إحصاء الساكنة المعنية وقتها أي في سنة 1989، حيث تبين أنه يجب ترحيل 12500 أسرة إلى شقق بمناطق أخرى، حتى يتسنى هدم المنازل وتجديد النسيج العمراني بالمنطقة، استشرافاً للمستقبل، إذ أن الدور بهذه المنطقة بنيت وقت الحماية وبعدها بقليل بدون مواصفات تقنية، حين كانت تحج إلى الدار البيضاء أفواج كبيرة من اليد العاملة، القادمة من مختلف جهات المملكة، والراغبة في الاستقرار بالعاصمة الاقتصادية، نظراً لوفرة فرص الشغل بها. فبنيت المنازل بسرعة، وأضيفت طوابق بها بفعل التفرع العائلي في فترات متعددة من تاريخ «عاصمة المال والأعمال». مع تعثر شركة «صوناداك» وتقادم المشروع ب 25 سنة وعدم تمكين الساكنة من صيانة مساكنها، حيث كان المسؤولون عن التعمير بجماعتي مولاي يوسف وسيدي بليوط وقتها، يرفضون منح رخص الإصلاح، بسبب مذكرة أصدرتها وزارة الداخلية في الموضوع. فظلت المنازل، على مر السنين، تعاني من الشقوق و أضحى البعض منها مهجوراً، ليتحول جزء من المنطقة إلى نقط سوداء، ينتشر فيها الاغتصاب والجريمة بشتى أنواعها ! إذن ، عوض التجديد العمراني المتوخى، أصبحت أجزاء كبيرة من المدينة القديمة تشبه أبنية بيروت وقت الحرب الأهلية، مع العلم أن شركة «صوناداك» باعت «مجوهرات الدارالبيضاء» التي أعطيت لها قصد إنجاح المشروع وترحيل 12500 أسرة، إذ قامت ببيع مركز الاصطياف «الوازيس» وأراضٍ أخرى بعين السبع والأراضي التي أعطيت لها بمنطقة النسيم، ولم تتمكن ، بالموازاة مع هذا، سوى من ترحيل قرابة 3000 أسرة! شركة «صوناداك» كانت تابعة لوزارة الداخلية عبر الوكالة الحضرية، وبعد إفلاسها ، بفعل الفساد المالي، الذي كان يعم مصالحها، أصبحت حاليا فرعاً تابعاً لصندوق الإيداع والتدبير منذ قرابة ثلاث سنوات، فكان الجميع ينتظر من «السيديجي» العمل على تحريك المشروع وإنجازه، لعدة اعتبارات، كونها الآلية المالية والتقنية للدولة، وكونها صاحبة العديد من المشاريع العمرانية بجهة الدار البيضاء، وبالمنطقة المحاذية للمشروع: لامارينا، ديار المدينة، العنق... إلا أنه ، مع مرور الشهور، تبين أن صندوق الإيداع والتدبير، يبحث عن مقاربة مالية محضة لكل مشروع على حدة، مع العلم أن ترحيل آلاف السكان المهددين بالموت يومياً، يجب أن تكون له مقاربة اجتماعية وتقنية بعيدة عن الربح المالي. وبالتالي كان من الأجدى خلق آلية على شكل وكالة للتجديد العمراني بالدار البيضاء، لها أهداف خدمة المصلحة العامة، ولا تخضع للمقاربة المالية والربحية المعتمدة إلى حد الآن. الآن ، وبعد الأوامر الملكية القاضية بخلق لجنة لإحصاء الدور الآيلة للسقوط على صعيد المغرب وتعميم إسكان الأسر المعنية، يجب أن يعلم الجميع أن مئات الأسر البيضاوية حياتها مهددة في كل لحظة وحين. فأحياء بكاملها أصبحت منازلها آيلة للسقوط، من ضمنها دور بزنقة تازارين، درب الطاليان، درب المعيزي، عرصة بنسلامة، بوسبير القديم، بوطويل، درب الفصة ... إلخ. الأمر أصبح يقتضي عملا مستعجلا، ولعل انهيار سبعة منازل في شهر واحد من ضمنها حالتا انهيار نجما عنهما إزهاق للأرواح، إذ أن الانهيار الأول بسيدي فاتح كان قد أدى إلى موت 5 أشخاص، أصبح يستدعي اتخاذ إجراءات احترازية عاجلة ، إنقاذا لأرواح آلاف الأسر القاطنة ب«دور الموت مع وقف التنفيذ»!