منذ يناير من العام الماضي وخمس أسر، في عرصة بن سلامة بالمدينة القديمة بعمالة مقاطعات سيدي بليوط في الدارالبيضاء، في العراء، بعد انهيار جزء من منزلهم، الذي تسبب فيه سقوط منزل مجاور لهم، بعد التساقطات المطرية المهمة، التي عرفتها المدينة، السنة الماضية.خمس أسر تعيش في العراء طيلة 265 يوما (أيس بريس) منذ ذلك الحين وأفراد الأسر الخمس يعيشون في خيام بلاستيكية، يفترشون الحصير ويتجرعون مرارة الظروف المناخية القاسية، رفقة أطفالهم الذين لا يتجاوزون العشر سنوات. الشرقي أحمد في عقده الخامس، صاحب المنزل المكون من طابق أرضي وثلاثة طوابق علوية، وهو في الوقت نفسه رب عائلة مكونة من أسرتي ابنيه وأسرة أخيه، تحدث بحرقة وخيبة أمل عن مأساته، التي لم يجد لها أي حل، وهرب إلى إحدى المساحات الفارغة المجاورة لمنزله، لعله يقي نفسه وأسرته وجيرانه خطر انهيار المنزل فوق رؤوسهم، يقول الشرقي بسحنته السمراء ولحيته التي اشتعلت شيبا "نحن نعاني في هذا المكان، ولم نترك بابا إلا طرقناه، لإيجاد مخرج لمشكلنا، الذي طول كثيرا، فنحن نعاني ويلات الحر والأمطار والصقيع في هذه الخيام رفقة أبنائنا، وأصبحنا مشردين بعد أن كنا مستورين وراء هذا الجدران (مشيرا إلى بيته المهدد بالانهيار)"، وأضاف باستغراب متسائلا "كيف يمكن لخمس أسر أن تهزم السلطات في الدارالبيضاء والحكومة؟". أسرة الشرقي، التي أمضت قرابة الأربعين سنة في حي عرصة بن سلامة، ليست الوحيدة في الحي، المهددة بخطر انهيار المنازل الآيلة للسقوط في أي لحظة فوق رؤوس سكانها، بل يتجاوز عدد العائلات التي تعيش في هذه المنازل الثلاث مائة أسرة، إذ أن مجرد رؤية الحي من على سطوح إحدى المنازل، يترك لديك انطباعا أنك أمام مدينة منكوبة خاضت حربا ضارية، وقصفت بأشرس وأقوى القنابل المدمرة. وعود متوقفة تعود ملكية الأرض، التي بنيت فيها هذه "القنابل الموقوتة"، كما وصفها أحد السكان، إلى شركة "صنوداك"، التي أرادت استرجاع أرضها البالغة مساحتها، حسب مصدر مطلع، 20 هكتارا، وسكانها حوالي 50 ألف نسمة، مع الإشارة إلى أن هناك خمس حدائق عمومية بمنطقة المدينة القديمة، لا ترقى إلى مستوى تطلعات السكان، ولا تفي بالغرض، وبدأت عملية ترحيل السكان في سنة 2006 إلى حي التشارك في سيدي مومن، وإلى سيدي معروف، غرب العاصمة الاقتصادية، إيذانا بتشييد المحج الملكي، الذي كان سيؤدي إلى مسجد الحسن الثاني، لكن بعد توقف مشروع المحج الملكي وهدم ثانوية مولاي يوسف ومدرستي الحريري، تفاجأ السكان باستمرار تشييد بنايات مؤقتة على شريط المحج، لتعود بعض الأسر إلى أماكن سكنها من جديد، متحدية خطر سقوط أسقف المنازل فوق رؤوسهم. في بيت بالحي نفسه، هناك منزل متصدع، تتحدث خرائط الشقوق التي تزين واجهته على قرب استسلامه إلى نهايته القريبة، في المنزل تعيش ثلاث أسر مكونة من عائلة صاحب المنزل، وأسرة الأرملة حليمة السنيكي، وابنها الذي يعمل في المعرض الدولي وزوجته الحامل. أفراد هذه الأسرة يكترون بيتا لا يتجاوز طوله الستة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار، في المنزل الآيل للسقوط، بخمس وخمسين درهما في الشهر، بعد أن كانت تكتريه في وقت سابق حليمة وزوجها المتوفى بخمسة وعشرين درهما في الشهر، تقول حليمة، التي قضت سنوات عمرها وراء جدران البيت "منذ كان الملك محمد الخامس رحمه الله، وأنا أسكن رفقة زوجي في هذا المنزل، وبعد خروج قرار تهديم هذه المنازل، أحصتنا اللجنة، لكي نستفيد مثل باقي السكان من منازل تبلغ مساحتها 50 مترا في أحسن الأحوال، بضواحي مدينة الدارالبيضاء، لكن لحد الآن ما زلنا لم نستفد من أي شيء". من المسؤول؟ رغم مرور عدة لجان في العديد من الأوقات، لإحصاء المستفيدين، كان السكان يتلقون وفي كل مرة وعودا بقرب نقلهم إلى منازل جديدة دون فائدة، ليطول الانتظار وتتفاقم معاناة سكان الحي، خلال الحديث مع حليمة كان ابن صاحب المنزل يقف خارج البيت يسترق السمع، وعند سؤالنا لحليمة عن أسباب تأخر تسلمهم لمنزل جديد، كانت تتحدث بصوت خافت خوفا من سماع ابن المنزل لكلامها، قائلة "نحن ليس لدينا أي مشكل وكان من المقرر أن ننتقل السنة الماضية، لكن صاحب المنزل رفض ذلك، بدعوى أن أبنيه بدورهما يجب أن يستفيدا من الشقق السكنية الجديدة". وحسب يوسف العلوي المحمدي، الرئيس السابق لمقاطعة سيدي بليوط، فإن المشكل القائم في الأحياء السكنية يتطلب فتح اتصال جديد مع سكان المنازل الآيلة للسقوط، حتى يتسنى للأسر المتضررة حل المشكل، وأضاف في اتصال مع "المغربية" أنه لا يبدو أن هناك حلا جذريا للمشكل على الأقل في غضون الأشهر المقبلة، من جهته اعتبر كمال الديساوي، الرئيس الحالي لمقاطعة سيدي بليوط، أن المشكل تسببت فيه شركة "صونداك"، التي أحصت السكان، الذين يجب أن يستفيدوا، وجاءت بعد مرور عشرين سنة لإكمال عملية إخلاء المنازل الآيلة للسقوط، وقال في اتصال مع "المغربية" "لا يعقل أن الشركة بنت دراستها على إحصاء مرت عليه عشرون سنة، بعد أن ازداد عدد السكان، وتزوج من لم يكن متزوجا وخلفوا أولادهم"، وحول مشروع المحج الملكي أكد الديساوي أن المشروع "غير ملغى"، لكن لم يعد يشكل أولوية بالنسبة إلى مجلس المدينة، وقال "على الأقل كان على السلطات المحلية أن تسمح للسكان بإصلاح منازلهم، لإيقاف نزيف المنازل المنهارة"، وأضاف "نحن في جماعة سيدي بليوط لا نرث سوى المشاكل، إذ نكون مضطرين عند سقوط أي منزل أو جدران إلى نقل المصابين إلى المستشفيات، وتقديم المساعدة إلى الأسر المتضررة، من خلال تزويدهم بالخيام والوسائل الضرورية"، وحسب المتحدث فإن الحل إن وجد، فستكون الأولوية لسكان المنازل المهددة بخطر السقوط، وأكد أنه من المنتظر أن يجري إيواء ثلاث مائة أسرة هذه السنة. واستغرب السكان كيف أنهم منعوا عدة مرات من ترميم بيوتهم المتصدعة، بمبرر أن مشروع المحج الملكي قائم، ولا مجال للبقاء في الأحياء المحاذية له، ليتفاجأوا في كل مرة بانطلاق أوراش بناءات مؤقتة مكان المحج الملكي، في مقابل إغفال عدد من المحلات التجارية، التي ظلت مغلقة منذ سنة 1992، ودون أن يعوض أصحابها، نظرا لوجودها على شريط مشروع المحج، مضيفين أن شباب أحياء مجاورة للمحج الملكي، الممتهنين لتجارة الخضر والفواكه بزنقة تازارين، في حاجة ماسة إلى تهيئة عمرانية، تمكنهم من تقنين تجارتهم، من خلال إنشاء سوق نموذجي يحول دون عرقلة عرباتهم للأزقة والشوارع الضيقة، التي لا تسمح حتى بدخول سيارة نقل الموتى، يقول أحد السكان، ووفقا للمعلومات الأولية التي رصدها رجال الأمن، فإن أكثر من 50 في المائة من المنازل الآيلة للسقوط بالدارالبيضاء توجد في المدينة القديمة، وصنفت التقارير نفسها السكن الآيل للسقوط في الصنف الأول، والأخطر من أنواع السكن غير اللائق. "المحج الملكي" كان مقررا إنشاء مشروع المحج الملكي، الرابط بين مسجد الحسن الثاني وساحة الأممالمتحدة، بعد الإعلان عن انطلاقه سنة 1995، في وقت كان يتوقع فيه سكان المنطقة إتمام عمليات ترحيلهم في إطار تهييء مشروع المحج الملكي، إذ رحلت 530 عائلة إلى حي التشارك سنة 1995، ليصل عدد العائلات المرحلة سنة 2005 إلى 1300 عائلة، مع الإبقاء على 900 عائلة رفضت إخلاء دورها، بعدما تراجعت شركة "صونداك" عن الالتزام بمعايير تراعي عدد أفراد السكان المرحلين للشقق المعروضة. من جهتها كانت مقاطعة سيدي بليوط (قسم التعمير والسكن)، قدمت تقريرا في وقت سابق حول المنطقة، يهم عدد السكان المستفيدين من الترحيل في إطار التهيئة لمشروع المحج الملكي، حيث تبلغ مساحة المنطقة المخصصة للمشروع 50 هكتارا، حسب البحث السوسيو اقتصادي، كما تأوي المنطقة حوالي 12.000 أسرة تقريبا. وقامت الوكالة الحضرية للدار البيضاء بإحصاء سنة 1989، من خلال عملية بحث ودراسة تحضيريتين، غطت المجال العقاري والمجال الاجتماعي والاقتصادي، مكنت من معرفة خصاص سكان المنطقة، المقرر هدم منازلها بهدف تشييد المشروع المذكور. جاء ذلك في إطار تفعيل الإجراءات والاستعدادات لإخراج المشروع، الذي سيربط المعلمة الدينية، المسجد الحسن الثاني، بساحة الأممالمتحدة والبنيات التحتية المقرر إحداثها، التي تشمل عدة أحياء شعبية بالمدينة القديمة، كعرصة بن سلامة ودرب الصوفي وجزء من درب بن حمان وجزء من درب المعيزي ودرب الطليان، وزنقة السينغال زنقة 27 ودرب الفصة ودرب باشكو، والأحياء المجاورة لها. ما يوازي 6000 بناية مهددة وحسب قصو أحمد، رئيس جمعية "كازا ميموار"، في عرصة بن سلامة بالمدينة القديمة بعمالة مقاطعات سيدي بليوط في الدارالبيضاء ، وتتركز أغلبية البنايات المهددة بخطر الانهيار، حسب قصو دائما، في شارع محمد الخامس وشارع لالة الياقوت وشارع 11 يناير، وفي شارع الزرقطوني والمدينة القديمة، ومن بين الأسباب التي تعجل بسقوط البنايات، حسب المتحدث دائما، الإهمال الذي تعانيه، وقلة العناية والتنقيص من قيمتها، وعدم اهتمام المستثمرين العقاريين بهذه البنايات القديمة.