ما تزال سلسلة الانهيارات ترعب سكان البنايات القديمة، في المدينة العتيقة بالدارالبيضاء، التي قد تصبح بعد سنوات مدينة مهجورة تسكنها الأشباح، بعد إعادة إسكان أصحابها في دور سكنية جديدة، تتكون من غرفتين وثلاث في ضواحي العاصمة الاقتصادية.مدينة الدارالبيضاء، تحتل مرتبة لا تحسد عليها من حيث الأكواخ والبيوت القصديرية والدور السكنية غير اللائقة والآيلة للسقوط، التي عددها يفوق الستة آلاف سكن، حسب إحصائيات جمعية "كازاميموار"، وزيادة على هذه الأكواخ، فعند مرورك عبر شوارع المدينة القديمة تسمع أصوات النجدة، تنبعث من داخل بنايات هشة، أغلبها مر على إنجازها أكثر من قرن من الزمن. انهيارات متكررة ورغم هذه الأصوات التي تطالب بإنقاذها من هول الانهيارات غير المعلنة، فلا أذن صاغية... لتبقى حياة سكان عشرات من هذه المباني مهددة بين اللحظة والأخرى، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر البناية رقم 403 و405 و406... في عرصة بن سلامة، أما زنقة السنغال ودرب بن حمان وجزء من درب المعيزي ودرب الطليان، ودرب الفصة ودرب باشكو، فحدث ولا حرج. تعرف هذه الأيام العديد من مباني المدينة القديمة، جملة من الانهيارات والتصدعات للجدران والسلالم، وهو ما وقع بعد انهيار منزلين في عرصة بن سلامة، وتسبب في جروح خطيرة في صفوف 13 شخصا، من أبناء الحي المذكور، ورغم هذا، اكتفت السلطات المحلية بإيواء السكان في خيام بلاستيكية، وتقديم مساعدات لأسر الضحايا ووعدها لهم بحل عاجل لمشكلتهم، واقتصر مجهود السلطات المحلية في حصر عدد الأسر المهددة بخطر انهيار المنازل، (يصل عددها إلى 400 أسرة). أغلب العائلات القاطنة بهذه المباني الهشة المرشحة للسقوط، أكدت أن المصالح المكلفة بإعادة إيواء سكان هذه المنازل، اتفقت على الإسراع في ترحيلهم نتيجة الدرجة الكبيرة من الخطورة، التي بلغها المبنى، وهذا منذ سنوات مرت، لكن لا أحد أخذ تقاريرها بعين الاعتبار، والدليل الانهيارات التي تسجل من حين لآخر، يقول أحمد الشرقي، صاحب المنزل المنهار، الذي خلف عشرات الجرحى، "إن هؤلاء الناس يمثلون مسرحية معنا"، وأضاف "في فبراير من العام الماضي، سقط جزء من منزل تابع لشركة صونداك، فراسلناهم، وبعثنا بشكايات إلى السلطات لإزالة هذا الخطر المحدق بنا، وبعد التساقطات المطرية الغزيرة، السنة الماضية، سقط المنزل الذي كنا نعيش فيه، ومنذ ذلك الوقت، ونحن في العراء، إلى أن وقعت الفاجعة اليوم". عائلات متضررة في نظر العائلات المتضررة المحاضر، التي تصدرها السلطات، لا معنى لها، وما هي إلا وثيقة لا تسمن ولا تغني من جوع، ما دام الوضع كما هو عليه، إذ قدمت المصالح المختصة بتوزيع السكن، في أكثر من مناسبة ولم تأخذ بعين الاعتبار الحاجة الملحة لإنقاذ السكان، وتستعمل (المحاضر) كوثيقة تثبت تنقل مصالح هذا الجهاز إلى مكان الحادث. منذ يناير من العام الماضي وخمس أسر، في عرصة بن سلامة ضمنها أسرة الشرقي في العراء، بعد انهيار جزء من منزلهم، الذي تسبب فيه سقوط منزل مجاور لهم، بعد التساقطات المطرية المهمة، التي عرفتها المدينة، السنة الماضية، ومنذ ذلك الحين وأفراد الأسر الخمس يعيشون في خيام بلاستيكية، يفترشون الحصير، ويتجرعون مرارة الظروف المناخية القاسية، رفقة أطفالهم الذين لا يتجاوزون العشر سنوات. أسرة الشرقي، أمضت قرابة الأربعين سنة في حي عرصة بن سلامة، وليست الوحيدة في الحي، المهددة بخطر انهيار المنازل الآيلة للسقوط في أي لحظة فوق رؤوس سكانها، بل يتجاوز عدد العائلات، التي تعيش في هذه المنازل الثلاث مائة أسرة، إذ أن مجرد رؤية الحي من على سطوح إحدى المنازل، يترك لديك انطباعا أنك أمام مدينة منكوبة خاضت حربا ضارية، وقصفت بأشرس وأقوى القنابل المدمرة. في بيت بالحي نفسه، هناك منزل متصدع، تتحدث خرائط الشقوق، التي تزين واجهته على قرب استسلامه إلى نهايته القريبة، في المنزل تعيش ثلاث أسر مكونة من عائلة صاحب المنزل، وأسرة الأرملة حليمة السنيكي، وابنها الذي يعمل في المعرض الدولي وزوجته الحامل. أفراد هذه الأسرة يكترون بيتا لا يتجاوز طوله الستة أمتار وعرضه ثلاثة أمتار، في المنزل الآيل للسقوط، بخمس وخمسين درهما في الشهر، بعد أن كانت تكتريه في وقت سابق حليمة وزوجها المتوفى بخمسة وعشرين درهما في الشهر، تقول حليمة، التي قضت سنوات عمرها وراء جدران البيت "منذ كان الملك محمد الخامس رحمه الله، وأنا أسكن رفقة زوجي في هذا المنزل، وبعد خروج قرار تهديم هذه المنازل، أحصتنا اللجنة، لكي نستفيد مثل باقي السكان من منازل تبلغ مساحتها 50 مترا في أحسن الأحوال، بضواحي مدينة الدارالبيضاء، لكن لحد الآن ما زلنا لم نستفد من أي شيء". سكان متذمرون أزمة السكن في المدينة العتيقة، يحملها السكان إلى المسؤولين في شركة "صونداك"، حيث عبثوا بعمليات التوزيع الشقق السكنية، على حد تعبير سكان المدينة القديمة، الذين لا يزال أغلبهم يتقاسمون البيت مع الجرذان والحشرات. وفي انتظار من يفك عنهم أزمة السكن، يظل حديث هؤلاء يتمحور حول ضعف المنتخبين المحليين والحكومة، عن حل مشكل كان من الممكن تفاديه.