موتى.. جرحى.. مفقودون.. رعب.. صراخ.. دموع.. صور تجثم على سكان المدينة القديمة منذ ليلة الأربعاء/الخميس. صور تطلق صفارة إنذار على وضع يتطلب أكثر من تدخل وأكثر من برنامج. المدينة القديمة بالدارالبيضاء، وقعت شهادة وفاة ستة من سكانها وأدخلت 15 مواطنا في وضع حرج إلى المستشفى.. ومفقودين لا يعرف عددهم. سكان المدينة القديمة ومحيطها يتحسسون منذ يوم أمس جدران منازلهم ويقرؤون اللطيف على موتاهم وأحيائهم. هؤلاء الذين حولتهم مشاريع إلى أناس دون ذاكرة ولا مستقبل .. إلى الآلاف ممن أدخلوا رغما عنهم في حالة من الموت البطيء . عيون سكان سيدي فاتح، زنقة التناكر، درب الشحومات، درب الجناوة .. عرصة الفتيحات ومعها .. درب حمان، درب المعيزي، درب الطاليان.. درب الصوفي.. تاهت ليلة الأربعاء/الخميس في محاولة إدراك مستقبل منطقة تصنفها الدراسات بالقنبلة الموقوتة التي تتأهب يوما لموت قادم.. وفي حين تضعها برامج وزارة السكنى في باب التحسيس والترميم.. بعيدا عن الصرامة في إنقاذ الآلاف من الأسر التي تحتمي بحيطان وسقوف فاشلة حتى في حماية نفسها من هزة ريح أو زخات مطر أو دقات ترميمات طفيفة. رائحة الموت تنتشر بالمدينة القديمة .. فقبل أسبوع واحد.. انهار منزل بدرب حمان القريب من المدينة القديمة.. وقبل أسبوعين انهار منزل آخر بباب مراكش بنفس المنطقة.. وقبل أسابيع انهارت منازل أخرى بالمكان ذاته.. انهيارات لم تخلف إصابات بشرية، لكنها في كل مرة كانت ترغم سكان المدينة القديمة ومحيطها على قراءة اللطيف تحسبا لكل خطر قادم. انهيارات لم تحرك ساكنا لدى وزارة السكنى والتعمير وسياسة المدينة .. ولم تحرك ساكنا لدى الشركات المكلفة بتدبير مشروع الحسن الثاني.. ولم تجعل لجان اليقظة المشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة السكنى تتحرك من أجل تفادي الخطر الذي يهدد الآلاف من المواطنين القاطنين بهذه الأحياء.. كان هذا لسان الكثير من أبناء هذه المنطقة ليلة الأربعاء/الخميس. الصمت القاتل الذي خيم على هذه المشاريع منذ فترة .. يسمح اليوم بانتشار رائحة الموت بكل الأزقة الضيقة والكثيرة والتي تؤرخ لتاريخ قوي لمدينة تحولها قلبها النابض إلى ركام حجارة وإلى دمار كما لو أنها تعيش على إيقاع حرب لا أحد يعرف متى ستحط أوزارها. حرب.. تثير غضب سكان سيدي فاتح وباقي أحياء المدينة القديمة، الذين عبروا عن حنقهم وتذمرهم أثناء حضور مسؤولين من السلطات المحلية إلى مكان الحادث من عدم تدخل الجهات المعنية لإعادة إيواء المتضررين من انهيار بيوتهم والقاطنين في المنازل الآيلة للسقوط. سكان المدينة القديمة بسيدي فاتح وغيرها .. استرجعوا فاجأة تفاصيل الانهيارات التي أدت إلى موت امرأة مسنة، وعون سلطة يقطن بنفس المنزل، وطفلين وشاب يقطن بغرفة بنفس البناء.. في حين سجلت أغلب الإصابات بجروج متفاوتة الخطورة بمحيط المنزل المنهار والمنازل المجاورة له والتي تضررت من هذه الانهيارات. وأعاد ذات السكان والذين حجوا بالمئات إلى عين المكان، رسم صورة الخراب التي خلفها سقوط مسكن من طابقين والذي تحول «سفاه على علاه»، جعلت من عاينوا الحادث عن قرب، يظنون أن كل من كان يقطن بهذا المنزل أصبحوا لا محالة في عداد الموتى تحت الحطام. الوقاية المدنية التي حضرت إلى عين المكان، لم يتردد عناصرها في البحث فورا بين الأنقاض عن ضحايا محتملين، إلا أن الألطاف الإلهية كانت أرحم من لعنة البيوت الآيلة للسقوط بالمدينة القديمة، التي خلف انهيار عدد منها في السنوات الأخيرة قائمة طويلة من الضحايا والمصابين والمشردين في العراء. المنزل القديم والمتداعي، كانت تقطنه أسرة أحد تجار العطارة، الذي يملك أيضا دكانا في الطابق السفلي، حيث يقضي النهار في ممارسة تجارته، إلا أنه بسبب ظهور شقوق وتصدعات على مسكنه، فضل عدم المبيت خوفا على حياته. ومن حسن حظه أن حادث انهيار المنزل وقع في ساعة متأخرة. سكان «مدينة الحرب» الدارالبيضاء كما يحب أن يطلق عليها أبناؤها، يكاد لا يمر يوم دون أن يسمعوا دوي انهيار داخل أسوار المدينة القديمة أو في الأطراف المترامية لمشروع محج الحسن الثاني أو من داخل الأحياء المجاورة للمشروع والتي هي الأخرى في حاجة إلى الترميم أو إعادة إسكان ساكنتها. دار عزاء .. تسكنها الأشباح بذل رجال الوقاية المدنية قصارى جهدهم وهم يحاولون انتشال جثة ضحية انهيار منزل في المدينة القديمة من بين الحطام .. كل همهم مسابقة الزمن لإنقاذ الضحايا الذين ما زالوا على قيد الحياة أو استخراج جثث الذين قضوا حتى يتمكن أهاليهم من دفنهم ..وبينما تستسلم الجثة بين أيدي المنقذين يتضاعف عبء المسؤولية الملقاة على عاتقهم. وتحولت المدينة القديمة بالدار البيضاء إلى دار للعزاء، بعدما بلغت الحصيلة الأولية لضحايا انهيار ثلاثة منازل بسيدي فاتح بالمدينة القديمة، يوم أمس الخميس، إلى ستة قتلى وأزيد من 15 جريحا واحد منهم يوجد في وضعية حرجة، وسط مطالبات بفتح تحقيق موسع في الموضوع. وأكدت مصادر أمنية أن المصابين، تم نقلهم إلى المستشفى الإقليمي مولاي يوسف، بينما نقلت حالات وصفت جروحها بالخطيرة إلى المستشفى الجامعي ابن رشد. وكشف مسؤولون بمقاطعة سيدي بليوط عن وجود تقارير رسمية لدى السلطات الإقليمية قامت بإعدادها لجن تقنية مختلطة، ومراكز دراسات، تصنف الكثير من مباني المدينة القديمة «داخل السور وخارجه» بالدارالبيضاء بالآيلة للسقوط أو غير لائقة للسكن. أصوات المواطنين والمسؤولين التي تعالت ليلة الأربعاء/الخميس وصرخت قبل أسبوع أمام مقر عمالة مقاطعات أنفا قبل أسبوع، طالبت بفتح تحقيق موسع لتحديد أسباب عدم تنفيذ العديد من البرامج التي سطرت لإنقاذ الأسر القاطنة بهذه المنطقة المهددة بالانهيار الدائم بالدارالبيضاء، مؤكدين أن وفاة 6 من أبناء زنقة سيدي فاتح يعد فاجعة كبرى، لكنه ينذر بخطر أكبر في حال عدم التحرك تجاه القنابل الموقوتة التي يمثلها أزيد من مئات المنازل المهددة بالانهيارات. وأكد مصدر مسؤول في الوقاية المدنية، أن عملية إنقاذ الضحايا تحت الأنقاض كانت بطيئة نوعا ما، بسبب الأزقة الضيقة للمدينة العتيقة، وبسبب وجود بعض المواطنين الذين حاولوا استغلال الوضع لأسباب غير مفهومة، مما عرقل عمليات الإنقاذ، وهو أيضا ما حال دون استعمال معدات متطورة، وأدى إلى حالة من الارتباك في عملية الإنقاذ. وتحولت المدينة القديمة إلى بيت للعزاء للأحياء من أسر الموتى ولجيرانهم الذين يجثم على قلوبهم رعب كبير بسبب ناقوس الخطر الذي دقته المنازل المنهارة ليلة الأربعاء/الخميس. ولاتزال سلسلة الانهيارات ترعب سكان البنايات القديمة، في المدينة العتيقة بالدارالبيضاء، التي قد تصبح بعد سنوات مدينة مهجورة تسكنها الأشباح. مدينة الدارالبيضاء، تحتل مرتبة لا تحسد عليها من حيث الأكواخ والبيوت القصديرية والدور السكنية غير اللائقة والآيلة للسقوط، والتي يفوق عدد القاطنين بها 60 ألف أسرة حسب إحصائيات أخيرة ، وزيادة على هذه الأكواخ، فعند مرورك عبر شوارع المدينة القديمة تسمع أصوات النجدة، تنبعث من داخل بنايات هشة، أغلبها مر على إنجازها أكثر من قرن من الزمن. جلالة الملك يعزي أسر الضحايا ويتكفل بمصاريفهم (و. م. ع): أعرب جلالة الملك محمد السادس عن تعازيه لأسر ضحايا حادث انهيار منزل بالدار البيضاء، كما قرر جلالته التكفل بمصاريف دفن الضحايا واستشفاء الجرحى. وأصدر جلالة الملك أيضا أمره إلى وزير الداخلية بالتوجه إلى مكان الحادث. ويذكر أن أربعة أشخاص لقوا حتفهم ليلة الأربعاء/الخميس في انهيار منزل بالمدينة العتيقة بالدار البيضاء، وهم امرأة في السبعينات من العمر وطفلان وشاب. لجنة حكومية لمعالجة إشكالية البنايات الآيلة للسقوط (و. م. ع): أعلن وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة نبيل بنعبد الله، لدى تدخله في بداية أشغال مجلس الحكومة بالرباط، عن تشكيل لجنة حكومية برئاسة رئيس الحكومة تضم جميع المتدخلين لمعالجة إشكالية البنايات الآيلة للسقوط. وأكد بنعبد الله، في تصريح أدلى به للصحافة قبيل انطلاق أشغال هذا المجلس أن «الحكومة عازمة، بعد الحادث المؤلم الذي وقع بالمدينة العتيقة بالدار البيضاء، على مقاربة هذا الموضوع باستعجال لإيجاد الحلول اللازمة». وقدم بنعبد الله، بالمناسبة، تعازي الحكومة لأسر ضحايا الحادث، مشيرا إلى أن القضايا المرتبطة بالمدن العتيقة تستلزم اعتماد مقاربة حكومية تحدد المسؤوليات لمعالجة مشكل الدور الآيلة للسقوط المعقد، نظرا لارتباطه بالإشكالية القانونية لملكية هذه الدور وبإعادة إسكان الأسر الموجودة فيها. كمال الديساوي: رئيس مقاطعة سيدي بليوط «60 ألف أسرة تقطن في الدور المهددة بالسقوط صرخنا دائما بأن إشكالية المنازل الآيلة للسقوط يجب أن تكون من أولويات مجلس مدينة الدارالبيضاء. حذرنا من خطر منازل آيلة للسقوط باستمرار وسجلنا في الكثير من اللقاءات سواء مع السكان أو بمجلس المقاطعة بسيدي بليوط أو مجلس المدينة، أن وضعية هذه المنازل لا تحتمل الانتظار، وذلك على ضوء ما وقع خلال الأسابيع الأخيرة. ومعلوم أن الأسابيع الأخيرة، عرفت انهيار مالا يقل عن أربعة منازل، ثلاثة بمنطقة المحج الملكي، والأخيرة داخل أسوار المدينة العتيقة، والتي خلفت كارثة بعد أن أسفرت عن ضحايا وجرحى ومفقودين. ومرة أخرى نقول إنه ينبغي اعتبار وضعية المنازل الآيلة للسقوط أولى أولويات مدينة الدار البيضاء، حيث يقطن قرابة 60 ألف أسرة في الدور المهددة بالسقوط وفي منازل غير لائقة بالسكن. على اعتبار أن وضعية هذه المنازل تهدد أرواح المواطنين أكثر من دور الصفيح، إذ يجب أن تتحول اليوم إلى أولوية الأولويات لدى مسؤولي مجلس مدينة الدار البيضاء. ففي منطقة سيدي بليوط هناك ما يقارب 30 ألف أسرة، تعيش في وضعية تهديد مستمر لحياتها، والعدد الكبير من هذه الأسر، يوجد على امتداد مسار مشروع محج الحسن الثاني. و«لا صونداك» عليها أن تواجه هذا الواقع بحلول واضحة وواقعية بعيدا عن أساليب أعاقت تنفيذ برنامج يعمر منذ حوالي 23 سنة، وهنا تبقى الأجرأة الاستعجالية للملفات المرتبطة بهذا المشروع، ضرورة وإلا أصبحنا أمام حالات انهيارات شبه أسبوعية، ولا أحد يتحرك للحد منها مادامت لا تخلف ضحايا، وهذا الأمر نرفضه داخل مقاطعة سيدي بليوط، إذ لا يمكن التعامل بهذه الملفات بأسلوب تمطيطي غير مفهوم. أما داخل الأسوار في المدينة العتيقة هناك برنامج ملكي لتأهيل المدينة العتيقة، أوكل أمر تنفيذه التقني والمادي والمالي للمصالح الحضرية لمدينة الدارالبيضاء. ويتضمن هذا البرنامج محور المنازل الآيلة للسقوط. بدأ هذا المحور بدراسة تقنية أبانت أنه من أصل 200 إقرار بالهدم، هناك فعليا قرابة 17 دارا آيلة للسقوط وتشكل خطرا على سكانها. مع الإشارة إلى أن الدار التي انهارت ليلة الأربعاء/الخميس، لا يشملها هذا الإحصاء، وأسباب انهيارها غير معروفة، الآن يجب إتمام الدراسة للوقوف على جميع الحالات ولكن الأهم وبعد إتمام الدراسة يجب ترحيل ساكنة الدور التي تشكل خطرا على حياة المواطنين بشكل استعجالي. وفي هذا الاتجاه، أود أن أؤكد أن المدينة القديمة وأحياء خارج السور ممن توجد في وضعية تهديد بالانهيار، يرتفع في خطر الانهيار بسبب إقدام العديد من ملاك المنازل بها بإضافة طوابق إليها دون دراسة تقنية مما يؤثر على صلابة البناء المشيد أصلا على شكل منازل بطابق أرضي فقط.. وهنا نتساءل جميعا من كان يقف وراء هذه الإضافات في السابق؟