مراسلة خاصة دعا محمد سبيلا إلى «تفكير جديد في عصر جديد»، يقطع مع اليقينيات التي تعيق تعميق النظر في إشكالات الراهن. واستبعد سبيلا أن تكون الحركات الاحتجاجية الراهنة «مجرد موجة عابرة»، بل هي في تقدير المفكر المغربي ذات «عمق ثقافي راسخ وأبدي في المجتمعات العربية»، حيث يعتقد الإنسان العربي المسلم أنه «في لقاء دائم ومباشر مع الله ومع كلام الله». وقال سبيلا، الذي كان يتحدث في لقاء نظمه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالرباط، أن«هذا العمق الثقافي العربي لم يتجدد ولم تتزحزح بنياته» وكان محمد سبيلا قد أطر لقاء فكريا حول موضوع الحراك العربي والسؤال الثقافي، افتتحته رشيدة بن مسعود، المثقفة وعضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، ذكرت في مستهل كلمتها بالسياق الذي ترد فيه الندوة. وأشارت بن مسعود إلى أن المغرب المعاصر ظلت تحكمه تعاقدات منذ فترة النضال من أجل الاستقلال في الأربعينيات، وهو نفس التعاقد الذي تجدد في 75، مع انطلاق مسلسل استكمال الوحدة الترابية، و98 مع التناوب التوافقي، ثم مع دستور 2011 الذي فتح دورة جديدة في الحقل الوطني. وقالت بن مسعود إن «ما يقع اليوم يسائلنا جميعا»، لا سيما وأن الحراك الذي نشهده أفرز قوة محافظة، وفي ربطها بين التعاقدات وطبيعة النخبة، قالت بن مسعود إنه «التوافق الأول، أفرز لنا المثقف الوطني، وتوافق السبعينيات أفرز المثقف العضوي، كما استحضرت الراحل عبد الكبير الخطيبي، وهي تتحدث عن المثقف العقدي، والمفسر والملتزم عمليا وعلميا والمثقف اللانمطي، والخبير المحلل الإعلامي.. نفى محمد سبيلا في مستهل مداخلته مقولة موت المثقف، قائلا «إن الذي حدث هو تحولات كبيرة في الوقت الذي مازلنا فيه نحاول أن نحتفط في أذهاننا بالمثقف العضوي. وقال المفكر المغربي إن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، وجرت تحولات في الساحة السياسية من أبرزها ارتفاع المتعلمين المنخرطين سياسيا» ، وأضاف سبيلا «لا ننكر أن كثيرا من الزعماء السياسيين كانوا أميين في السابق». كما عرفت هذه التحولات دخول فئات اجتماعية جديدة وأوساط جديدة هذا الحقل، من قبيل الإعلاميين والناشطين الذين عوضوا المناضلين والمجتمع المدني. وأضاف سبيلا أن «تقسيم العمل الضروري داخل المجتمع لم يعد يسمح للفاعل الأكاديمي الجمع بين الفعل السياسي والعمل العلمي»، أو «الجمع بين الاحتراف السياسي والاستنارة الفكرية». وقد بدأ فرز بين الطبقة السياسية، التي تسعى إلى تغيير الأنظمة، والمثقفين الذين يسعون إلى تغيير المجتمع والأفراد. وخلص سبيلا إلى القول أن الخصاص في الفعل، بل في حركة الفكر، لا سيما في مجتمعات يتطور فكرها ببطء أو هو فكر آسن، فئاته تدافع عن الماضي والجمود، لذلك «فالمجتمع كله مؤطر بثقافة تقليدية راسخة». وعند الحديث عن الحراك العربي قال بأنه «لا يوجد إجماع في الرؤية إليه وتحليله»، حيث نجد أن هناك عدة قراءات لما يحدث، منها أولا القراءة النضالية، وهي قراءة تمجيدية تروم الأسطرة، والقراءة غير الأصلية، وهي على العكس، كلها قراءة قدحية، والقراءة الثالثة هي القراءة الموضوعية، وهي التي تضع أحلام الفاعل في الحراك اليوم بين قوسين، ثم القراءة الإشكالية، التي تتوخى أكبر قدر من العلمية.. والقراءة الاستراتيجية التي التي لا تبقى سجينة فعل الفاعل والمعطيات الميدانية، بل تنظر إلى الأمر من منطق الشطرنج العالمي، أي دول ومصالح ومخابرات وتمويلات الخ. وفي سوسيولوجيا الإستبداد تمكن القراءات المتباينة من إعطاء الاستبداد العربي مكانته في الاستبداد العام، باعتباره يتحكم في الجغرافيا والتاريخ والحياة العامة والخاصة. وقال سبيلا إن الحركات التي تحدث اليوم في العالم العربي افتقدت إلى إيديولوجيا واحدة وموحدة، وغلب عليها الطابع المطلبي، مطالب جماهير تريد الأشياء الملموسة.. ، في حين يتم تكييف هذه المطالب من أجل إعطائه البعد الديموقراطي، وبمعنى آخر«فإن النخب السياسية تعمل على تأطير رسمية وتكييف هذه الاحتجاجات. والميزة الأخرى هو أن هناك فرقا بين حركات العنف السياسي - يساري وغير يساري- وبين الحركات الحالية. واستند سبيلا إلى القاعدة الفكرية، وتحدث عن مقاربة فلسفية من خلال مقولة الحرية - العقلانية، ومكر التاريخ - الحياة. فمقولة الحرية تنطلق من منطلق هيجيلي يرى أن التاريخ هو تحقق تدريجي للحرية. مقولة العقلنة تفيد أن العصر الحديث والحداثة نوع من العقلنة السياسية والثقافية. وبخصوص الحداثة، فإن السؤال هو: إلى أي حد يعتبر الحراك العربي شكلا من أشكال الحداثة، وبخصوص مكر التاريخ، نجده في كون النتائج تختلف عن المقدمات... الحياة أخيرا تستند إلى هيدغر، باعتبار التقنية تخلق ثقافتها وأن الشباب العربي يطاله جزء من ثقافة التقنية الحديثة. جيل الحراك جيل حيوي يناضل من أجل حقه في الحياة، بعيدا عن أية مدونة إيديولوجية ورابطة قومية وعن أية منظومة عقدية. جيل عار إلا من بيولوجيته وبدون أشباح أو طوبيا (لا صورة واضحة لمجتمع الغد) وبدون بيروقراطية ثورية وبدون أصنام وبدون عناية فوقية. جيل متذرر، لا يرقى حتى إلى مستوى جماعة «»مجرد كثرة بشرية بلا توقيع شخصي. كثرة هلامية خارج منطق الهوية الذي ابتدعته الدولة/الأمة لتنميط رعاياها..» هذه الأكثرية تستعمل الهوية لإفراغها من مضمونها الملموس ، وتحويلها الى مجهولية مصوبة ضد التصنيف الذي تستعمله الدولة.. تعبئة الهوية ضد الهوية«.