ظلت خديجة طارق وزوجها سعيد بادر ينتظران مولودهما الأول على أحر من الجمر طيلة أشهر الحمل، يحاولان رسم تفاصيل وجه الجنين وهو في بطن والدته، ويترقبان إطلالته واللحظة التي سيبادلهما فيها الابتسامة، متمنيات بسيطة تسكن فؤاد كل والدين اثنين، استعدادا لاستقبال المولود الجديد، إلا أنها بالنسبة لكل من خديجة وسعيد ظلت مجرد متمنيات، خابت واندثرت بمجرد ما أن أنجبت الأم رضيعها، الذي لم يكتب له أن يبتسم في وجه والديه ولا أن يفرحا بتلك اللحظة، ولم يقدر له حتى أن يفتح عينيه لرؤية الدنيا التي كانت قاسية بالنسبة له ورفضت استقباله، إذ وجد نفسه ينتقل من ظلام أحشاء رحم والدته إلى ظلمة القبر! تفاصيل الواقعة تكمن في اكتشاف حالة مرضية لدى الرضيع الذي لم يكن يقوى على الرضاعة بسبب مشكل في المعدة، الأمر الذي كان يتطلب تدخلا طبيا مستعجلا لإنقاذ حياته التي باتت مهددة، وهو الذي أصبح محروما من التغذية، فأوصت طبيبة بمستشفى الحسن الثاني بسطات بضرورة نقله إلى المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد لطب الأطفال، وذلك على بعد ثلاثة أيام من ولادته، وهو ما امتثلت له الأم والأب، حيث انتقلا رفقة رضيعهما إلى الدارالبيضاء قاطعين مسافة 72 كيلومترا مرفوقين برسالة الطبيبة، إلا أنهما فوجئا بوصولهما إلى مستعجلات ابن رشد لطب الأطفال، بجواب القائمين على القسم الذي يدعوهما إلى تدبر أمرهما خارجا والاتجاه صوب إحدى المصحات الخاصة لعدم توفر سرير قادر على احتضان الرضيع للخضوع لعملية الجراحية، وهو الجواب الذي كان قد أثار سخط المرضى وذويهم الذين تواجدوا يوم السبت 21 يناير 2012 بمصلحة المستعجلات المذكورة، فشرعوا في التنديد والاحتجاج، الأمر الذي دفع المشرفين على المصلحة إلى دعوة الوالدين للعودة في الساعة السابعة من صباح الأحد، إلا أنه في نهاية المطاف تم توجيههما مرة أخرى صوب مستشفى مولاي يوسف! محنة التنقل بحثا عن سرير لرضيع خديجة وطارق في المستشفيات العمومية استمرت، واستمرت معها محاولة مصادفة من يمكن من «ملائكة» الأرض بالمؤسسات الصحية، أن يكون في قلبه قليل من الرحمة وبعض من الإنسانية التي قد تجعله يتحرك ذات اليمين أو ذات الشمال، عله يجد مخرجا للرضيع من أجل إنقاذ حياته، إلا أن كل هذه المساعي ظلت مجرد خطوات تائهة بدون وجهة محددة مادامت كل الأبواب قد أوصدت، وبما أن كل الأجوبة كانت باردة، برودة الطقس الذي تعرفه بلادنا، وهي البرودة التي ستسري في جسم الرضيع الصغير الذي ظل يقاوم مدة تسعة أيام لكن القدر لم يمهله كثيرا، ففارق الحياة مودعا الدنيا التي كان ضيفا خفيفا عليها لم تدم استضافته بها أكثر من تسعة أيام، تاركا والديه غارقين في بحر من الدموع يلعنان عوزهما وحاجتهما والفقر الذي أذلهما وجعلهما يقصدان مستشفيات لاتحمل من الصحة غير العنوان؟!