سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
رضيع يختطف لحظات بعد ولادته والشرطة تلقي القبض على المختطفة وهي تستعد لإقامة حفل العقيقة أم الرضيع رفضت مغادرة سريرها بقسم الولادة إلا وابنها بين ذراعيها
لم يشهد مستشفى مولاي عبد الله منذ تأسيسه واقعة أغرب وأبشع من تلك التي حدثت يوم 18 يناير من سنة 2008 داخل قسم الولادة، حيث تم اختطاف رضيع بعد ساعات قليلة من خروجه إلى الدنيا، وضع بجانب أمه التي كانت نائمة فوق سرير، بعد جهد وإرهاق آلام المخاض والولادة. دامت عملية الاختطاف أسبوعا كاملا انتهت بعودة الرضيع إلى حضن أمه وسط حضور جماهيري فاق العشرة آلاف من ساكنة المحمدية الذين ملؤوا جنبات وأسقف المستشفى والمنازل المجاورة. بداية الواقعة الغريبة كان الزوج قد حل رفقة زوجته التي تعمل كاتبة في إحدى الشركات البيضاوية، صباحا بالمستشفى، حيث خضعت زوجته لعملية جراحية أنجبت إثرها في حدود الثانية عشر والنصف ابنهما الوحيد، تم إدخال زوجته وابنها إلى غرفة المراقبة والرعاية إلى جانب سيدة أخرى كانت بدورها قد أنجبت طفلة. وزارها الأهل والأقارب والأصدقاء خلال نفس اليوم واليوم الموالي، لتكتشف الأم في اليوم الثالث أن ابنها قد اختفى. سألت عنه الممرضات دون جدوى، فبدأت الصراخ وطلبت زوجها على الهاتف بعد أن تأكدت من أن ابنها تعرض للاختطاف. استقل زوجها سيارة أجرة من منزله بمدينة الدارالبيضاء إلى المستشفى بمدينة المحمدية، حيث وجد زوجته مغمى عليها وعناصر الشرطة القضائية وطاقم إدارة المستشفى في حالة استنفار يبحثون عن الرضيع المختفي. جن جنون الأم والأب واستنفرت كل الأجهزة الطبية والأمنية والسلطات المحلية من أجل فك لغز الاختطاف غير المسبوق. مرت الأيام ورفضت هناء، أم الرضيع المختطف من حضنها من قلب المستشفى، حيث الممرضات والأطباء وحرس الأمن الخاص والأمن الوطني، مغادرة المستشفى، إلى حين العثور على ابنها الأول الذي انتظرته بشوق بعد ثلاث سنوات من عقد قرانها على زوجها محمد. وأصرت الأم ابنة السابعة والعشرين ربيعا، والتي انتزع منها ابنها بعد ساعات قليلة من إنجابه عن طريق ولادة قيصرية كادت أن تودي بحياتها، على البقاء في سريرها، رغم أن فترة الإقامة الطبية انتهت. وفضلت أن تعيش أجواء الولادة وتراقب سرير طفلها وبعض أغراضه والصورة الوحيدة التي اتخذت له بعد دقائق من ولادته، أملا في أن تستفيق ذات يوم لتجد ابنها بجوارها. محمد، الزوج الذي يعمل في إحدى شركات الإنتاج السمعي البصري بالدارالبيضاء، دعم رأي زوجته، وقرر عدم الخروج من المستشفى إلا وابنه معه، وزاده إصرارا الوضع الصحي لزوجته التي تدهورت حالتها الصحية العضوية والنفسية، فاعتبر أن الخروج من المستشفى يعني فقدانهما الأمل في العثور على ابنهما. كثفت عناصر الشرطة القضائية بالمحمدية من أبحاثها، وعرضت على الأم وكل من شاركها غرفة الولادة يومها، ثمان سيدات مشتبه فيهن، ولم يتم التعرف على الخاطفة ضمنهن. هناء لم تكن وحدها داخل الغرفة التي عرفت انتزاع ابنها من طرف سيدة مجهولة، فإلى جانب سريرها كانت ترقد سيدة أخرى أنجبت أيضا عن طريق العملية الجراحية وفي نفس اليوم طفلة، كما كانت في نفس الغرفة أم تلك السيدة، والتي عوضت أم هناء التي قضت معهن ليلة الأربعاء السابقة. انتحلت صفة ممرضة واختطفت الرضيع قالت أم السيدة في محضر الاستماع إليها لدى الضابطة القضائية إن امرأة في عقدها الثالث ترتدي معطفا (كاشمير) ومنديلا أسودين ولجت الغرفة، واقتربت منها على أساس أنها ممرضة، وأنها على أهبة الخروج من المستشفى بعد انتهاء فترة مداومتها، وبدأت تسرد عليها جملة من النصائح والاحتياطات الواجب اتخاذها لضمان صحتها وصحة الرضيع بلكنة قالت عنها إنها تتكلم بلكنة شمالية، وأخذت الممرضة المزورة رضيعتها وقاست درجة حرارتها، وتأكدت من أنها أنثى، وأوصتها بتنظيف غشاء بطنها، وأضافت السيدة النزيلة أن الخاطفة اقتربت من سرير رضيع هناء، وفحصت عضوه التناسلي، حيث تأكدت من أنه مولود ذكر، وأوضحت لهناء أن حالته تستوجب عملية تنظيف سريعة قبل أن يحل الطبيب ويوبخها، وأنها أنهت فترة عملها، حيث حملت الرضيع بين يديها وانصرفت مسرعة دون أن تحمي الطفل من لسعات برد الصباح القارسة، وأن أم الرضيع انتبهت إلى حالة رضيعها فحملت لحافه وتبعتها إلى حيث يتم تنظيف المواليد الجدد داخل قاعة للجراحة، لتفاجأ بأن الغرفة خالية من الممرضة ورضيعها، وتكتشف بعد دقائق أنها وقعت ضحية عملية نصب، وأن ابنها اختطف منها. بحث الشرطة القضائية استمعت الشرطة القضائية بالمحمدية إلى (خ.ل.) الممرضة المداومة خلال فترة الاختطاف والمنظفة (ن. ب.)، وأسفرت الأبحاث الأولية عن أن الممرضة المداومة كانت تغط في نومها داخل مكتبها أثناء عملية الاختطاف، وهو ما نفته الممرضة، وتأكد لعناصر الشرطة القضائية أن الخاطفة تسللت إلى قلب المستشفى من الباب الخاص بقسم المستعجلات وعن طريق باب المطبخ دخلت رفقة مجموعة من الضيوف الذين يأتون كل صباح لعيادة مرضاهم لتمكينهم من وجبة الفطور، وأن الخاطفة فرت بنفس الطريقة مستعينة بأحد الأشخاص كان ينتظرها بجوار المستشفى، وأوردوا احتمال أن تكون الخاطفة على علم بوجود المولود الذكر وأن أمه في حالة متدهورة نتيجة الولادة القيصرية، وهي معلومات قد تحصل عليها من طرف زوار أو عاملين في المستشفى عن قصد أو دونه. وتمكنت عناصر الشرطة القضائية بالمحمدية من اعتقال خاطفة الرضيع ياسين، بعد أسبوع من تنفيذها لعملية اختطاف ناجحة تعد الأولى من نوعها داخل عمالة المحمدية. وجاء اعتقال (سهام.ق) من مواليد سنة 1984 متزوجة وقاطنة رفقة زوجها بالمحمدية، بعد أن فطنت إحدى جاراتها التي تتابع قضية الرضيع المفقود إلى احتمال أن يكون المولود الجديد داخل أسرة جارتها، وهو المولود المختفي، لعلمها بأن جارتها أجهضت في العديد من المناسبات وأنها لم تلاحظ مراحل حملها الذي أثمر الابن الجديد، الذي ادعت إنجابه في نفس اليوم (18 يناير 2008) الذي اختطف فيه رضيع المستشفى. أخبرت الجارة الشرطة القضائية، وأكدت أن مختطفة الطفل قصت شعر الرضيع، وتستعد لتنظيم حفل العقيقة في اليوم الموالي، وأنها ذبحت الخروف الأضحية وأعدت الحلوى ودعت الأهل والأقارب والجيران بعد أن أبلغتهم بأنها أنجبت مولودا ذكرا. نفذ عناصر الشرطة، مباشرة بعد سماعهم الخبر، إنزالا سريا بالمنطقة للتأكد من صحته وإجلوا عملية مداهمة أسرة المتهمة حتى صباح اليوم الموالي، حيث انتقلت الفرقة الأمنية إلى منزل المختطفة، وقاموا باصطحاب المتهمة رفقة المولود إلى مستشفى مولاي عبد الله لتبدأ عملية المواجهة واستخراج الحجج والقرائن المدينة لها. كان المولود يحمل (خالة) فوق عينه اليسرى، وهي نفس العلامة التي يحملها رضيع هناء المختطف. فتعرفت عليه الأم الضحية، كما أن هناء رفقة السيدة التي شاركتها نفس الغرفة يوم الاختطاف، والتي سلم مولودها من الاختطاف بعدما تأكدت المختطفة من أنه أنثى، تعرفتا على ملامح المتهمة، وأكدتا أنها الفاعلة. استمر البحث عن الدلائل بينما ظلت المتهمة تصرخ وتنفي كل ادعاءات الشهود والقرائن، وتردد أن المولود ابنها. تم عرض المرأة على طبيب مختص في أمراض الولادة والنساء بمستشفى مولاي عبد الله، فتبين بعد الفحص أنها لم يسبق لها أن أنجبت ولا وجود لأية أعراض حمل حديثة. عملية تمشيطية لغرف منزل المتهمة أمدت الشرطة القضائية بقرائن جديدة، تمثلت في الحقيبة التي كانت تحملها يوم الاختطاف، وكذا معطفها ومنديلها الأسودين اللذين ارتدتهما يوم العملية، إضافة إلى العثور على قميص للرضيع المختطف، كما حجز عناصر الشرطة شهادة طبية محررة داخل مصحة خاصة بتاريخ 20 غشت من سنة 2004، تثبت أن السيدة مريضة، ولا يمكن أن تنجب لأن حملها سيتعرض دائما للإجهاض. تعددت القرائن أمام المتهمة التي لم تجد بدا من الاعتراف بالمنسوب إليها. اعتقلت المرأة ووضعت رفقة زوجها تحت الحراسة النظرية إلى حين استكمال البحث، والوصول إلى كل الخيوط المشاركة في عملية الاختطاف بطرق مباشرة أو غير مباشرة، ونفى زوجها أن تكون له علاقة بالموضوع، موضحا أنه كان يعلم أن زوجته حامل، وأنه خرج إلى عمله بأحد مكاتب المكتب الوطني للكهرباء، وعند عودته وجد أنها أنجبت طفلا. تصريح الزوج (م. م) من مواليد سنة 1981، وجد معارضة من طرف المكلفين بالبحث في القضية، مستبعدين أن يكون الزوج غير متواطئ مع زوجته في عملية الاختطاف، أو على الأقل يعلم بأن المولود ليس من صلبه وزوجته. فرحة الوالدين بعودة رضيعهما قالت أم ياسين لحظة عثورها على رضيعها إنها لا يمكن أن تصف مدى فرحتها بعودة ابنها، وأوضحت أنها رفضت الخروج من المستشفى قبل اصطحاب المولود ياسين الذي كاد أن يكلفها حياتها بعد ولادة قيصرية. واعتذر محمد الأب للطاقم الطبي والإداري بالمستشفى، على كل ما بدر منه في لحظات الغضب، وشكر كل من ساهم في «الانتفاضة» الوطنية التي استمرت إلى حين العثور على ابنه، مشيرا إلى الفرحة الكبرى التي أبداها سكان مدينة المحمدية الذين حجوا إلى المستشفى ورددوا أغاني وأهازيج بمناسبة عودة ياسين. وكانت المئات من الجماهير الفضالية (نساء ورجالا وأطفالا) تجمعت أمام الباب الرسمي لمستشفى مولاي عبد الله، بعد سماعها بخبر اعتقال المختطفة وعودة الرضيع إلى حضن أمه المعتصمة داخل غرفة الولادة. ولم يفت ساكنة المدينة أن يحملوا معهم الأعلام الوطنية وبعض عتاد الغناء الشعبي، لتتحول الساحة الواقعة بين المستشفى وقصبة المحمدية إلى عرس وهو ما جعل عناصر الشرطة القضائية يلغون عملية تمثيل الجريمة التي كانت منتظرة مساء نفس اليوم. الجماهير الفضالية سارت وراء هناء وزوجها والمولود العائد إلى حضنه الأصلي في موكب كبير، زفوهم إلى حيث السيارة التي أقلتهم إلى منزلهم بمدينة الدارالبيضاء، بينما أخرجت عناصر الشرطة القضائية الخاطفة عبر ممر سري خلف المستشفى، بعيدا عن أنظار الجماهير التي ظلت لساعات مرابطة أمام باب المستشفى تنتظر رؤية الخاطفة.