سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فظائع وغرائب تشهدها أقسام الولادة في المستشفيات المغربية امرأة دخلت لتضع مولودها فتعرضت للضرب والسب بكلام فاحش فأقسمت ألا تفكر مرة أخرى في الولادة وأخرى أجبرت على مسح السوائل التي نزلت منها على بلاط القاعة بسروالها
الكل يرسم صورة طوباوية عن أقسام الولادة بالمستفيات العمومية أو بالمصحات الخاصة، وما يجب أن تكون عليه. تلك الصورة ترى في أقسام الولادة مكانا للرأفة والرحمة والأمان بالنسبة إلى النساء الحوامل. ولكن واقع الحال بالمغرب هو أن هذه الأقسام تتحول في غالب الأحيان إلى أماكن تهان فيها النساء الحوامل وتنتهك آدميتهن، وأماكن تحبل بشتى الغرائب والعجائب التي لا يمكن أن تخطر ببال إنسان: ابتزاز، اختطاف، إهانات وكلام نابي يحط من كرامة المرأة، و مناظر بشعة تقشعر لها الأبدان. الحكايات التي تروى عن تلك الأقسام لا تعد ولا تحصى. إذا وقعت هذه الأمور للمرأة الحامل فهي محظوظة، لأن أسوأ ما يمكن أن يحصل لها هو أن تدخل سليمة إلى تلك الأقسام، وتخرج منها وهي محمولة على نعش. ولهذا يمكن أن ينطبق على هذه الأقسام المقولة الشهيرة «الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود». لا تزال ضحكات فاطمة ن. تتردد في أرجاء بيتها الذي غادرته دون سابق إعلام منذ سنوات قليلة. كانت امرأة في الثلاثين من عمرها، حالتها الصحية جيدة. زارت الطبيب أكثر من مرة خلال حملها بطفلتها الثالثة التي رافقتها في رحلتها الى دار البقاء. لم يكن هناك أي مؤشر يدل على أن ولادتها ستكون عسيرة أو أنها ستعاني من أي مضاعفات، خصوصا أنها أنجبت طفلين قبل ذلك. عندما أحست بقرب موعد ولادتها اتصلت بأمها لتكون قريبة منها، واجتهدت في تهييء كل شيء للحدث السعيد المرتقب، لم تنس تنقية الدجاج الذي ستعد لها أمها به «الرفيسة» عندما تلد، وفضلت أن تذهب إلى المستشفى مشيا على الأقدام لتسهل ولادتها. طيلة مسافة الطريق كانت كعادتها دائما تضحك من أعماقها كلما توقفت آلام المخاض حسب رواية جارتها التي رافقتها، وعندما دخلت إلى مستشفى الولادة ببني ملال ظلت تداعب ملابس طفلتها المنتظرة وتضحك من حجمها الصغير، قبل أن تدخل إلى قاعة الولادة. تقول جارتها الحاجة حليمة إن المولدة طمأنتها بأنها ستلد بعد لحظات، وطلبت منها أن تذهب وتحضر لها طعام الإفطار «علا ما تفكت على خير»، لكن عندما عادت الجارة رفقة الزوج فوجئا بالوجوم يخيم على المكان.. لقد ماتت فاطمة أثناء الولادة وماتت طفلتها أيضا، أصيبت بنزيف مفاجئ، لم يكن معها غير المولدة التي اتصلت بالطبيب المناوب في بيته، ولكنه لم يتمكن من الوصول قبل رحيل فاطمة وطفلتها.. واقع مرير حكاية من عشرات الحكايات التي تتحول إلى مجرد «أرقام مقلقة»، كما يصف المسؤولون في وزارة الصحة النسب المرتفعة لوفيات الأمهات والأطفال حديثي الولادة، إلا أنه في الوقت الذي تعترف فيه دول عربية تعاني من نفس المشكل، ولكن بحدة أقل، بوجود أسباب غير مباشرة لهذه الوفيات، وتقر سوريا مثلا في تقارير وزارة الصحة الرسمية أنه «كل يوم تقريباً تتوفى أم نتيجة الإهمال ونقص الخبرة والتجهيزات الطبية داخل المشافي وخارجها..» حسب ما جاء في دراسة أعدتها وزارة الصحة السورية بالتعاون مع صندوق الأممالمتحدة للسكان، فإن تقارير وزارة الصحة المغربية لا تركز على الأسباب المرتبطة بالإهمال وسوء المعاملة التي تتلقاها الأمهات أثناء الولادة، حيث ترجع أسباب وفيات الأمهات حسب تقارير وزارة الصحة إلى «الأوضاع السيئة للجنين في الرحم وحالات تمزق الرحم، ونزيف الدم، والتعفنات، إضافة إلى ارتفاع الضغط الدموي، كما تعزى أيضا إلى اكتفاء أغلب النساء الحوامل بزيارة واحدة للطبيب، في حين ينصح بثلاث زيارات». ومن جهة أخرى ترجع هذه النسبة المرتفعة من وفيات الأمهات والأطفال حسب وزارة ياسمينة بادو إلى أن أزيد من 31 في المائة من ساكنة العالم القروي تعيش على بعد أكثر من 10 كيلومترات من أقرب مركز صحي، وأن أكثر من 22 في المائة من المناطق السكنية لا تصلها السيارات وتعاني من عزلة تامة. ورغم وجاهة هذه الأسباب «المباشرة» للوفيات، وللإصابة بالاعاقة في بعض الحالات، فإن النساء المغربيات لا يعانين منها فقط، بل تنضاف إليها سوء المعاملة والتعرض للإهانة أثناء الولادة، حيث إن زيارة امرأة نفساء في مستشفى الولادة قد تكون مناسبة لتتناسل الحكايات النسائية، ولتتحدث كل واحدة عن تجربتها المريرة، وتنتهي الجلسة بتنهيدة حارة مع ترديد العبارة التي باتت مألوفة في المجتمع النسائي و«غير الفكاكة على خير..» النجاة من الموت، ونجاة الطفل تكفي لتترك الأمهات خلفهن ساعات رهيبة من المعاناة والألم والإهانات في حالات كثيرة، لتبقى الظروف التي تحيط بالأمهات المغربيات أثناء ولادتهن من المسكوت عنه. معاملة قاسية كوثر التاوناتية، كما تحب أن تقدم نفسها، أم لم يكن يتجاوز عمرها 22 سنة عندما توجهت إلى مستشفى مولاي عبد الله بسلا لتضع طفلتها الأولى، لكنها قررت ألا تنجب بعد هذه التجربة أبدا مهما يكن حسب تصريحها ل«المساء» مضيفة وهي تدفع الكلمات بصعوبة من فمها: «لقد أسمعتني المولدات كلاما لن أنساه أبدا، منذ أن وطأت قدماي باب المستشفى في تلك الليلة الماطرة وأنا أبكي بمرارة، لم يكن السبب هو آلام المخاض والولادة فقط، لكنهن تعاملن معي بقسوة لا توصف، وكن يتهمنني ب»الفشوش» عندما أصرخ من شدة الألم، ولا زلت أذكر كيف أن إحدى المولدات نهرتني وقالت لي «سكتينا من الصداع»، كنت مضطرة لأن أكتم ألمي كلما رأيتها، وعندما وضعت طفلتي وذهبت إلى سريري احتضنتها وبدأت أبكي وكنت أشعر بأنها كانت تبكي معي. كنت صغيرة السن، وكنت في أمس الحاجة لمعاملة أفضل خلال هذه التجربة التي لم أكن أعلم عنها شيئا قبل أن أعيشها، لكني تلقيت بدل ذلك الإهانة، وبما أنني لا أملك مصاريف المصحات الخاصة فإنني قررت ألا أنجب مرة أخرى أبدا..أبدا..أبدا». بهذا التأكيد الحازم أنهت كوثر كلامها وهي تقبل طفلتها التي ستطفئ شمعتها السادسة في شهر فبراير المقبل. السب بكلام فاحش أما حنان. العاملة في شركة النسيج، فتروي حكاية طالما رددتها النساء اللواتي مررن بتجربة الولادة في مستشفيات عمومية، حيث تشتم بعض العاملات في هذه المستشفيات النساء بألفاظ نابية، وتقول بخجل «كانت ولادتي عسيرة، وكانت إحدى القابلات التي لن أنسى ملامحها أبدا تضربني على فخدي بعنف وتقول لي «تعرفو غير تهزو رجليكم» في إشارة مهينة إلى علاقتي الجنسية التي كانت سببا لهذا الحمل.. ولا تجد حنان ما تعلق به على هذه الذكرى الأليمة سوى ترديدها «دعيتها لله..» وتكشف لطيفة.ج. عن وجه آخر للمعاناة فتسرد حكايتها في مستشفى الولادة الذي توجهت إليه في الساعات الأولى من الصباح عندما فاجأها المخاض، فاتصلت بجارتها التي تعمل بنفس المستشفى لتضمن معاملة أفضل، ورغم الرعاية التي لقيتها بفضل «المعارف» كما تقول، فإن روائح المراحيض، ومنظر الأسرة المضرجة بالدماء في قاعة الولادة الباردة، وطوايير المتدربين الذين «يتفرجون» على النساء، ولا يتوانى بعضهم في «تعلام الحسانة فريوس اليتامى» كما تقول لطيفة، يجعل الولادة في هذه المستشفيات تجربة صعبة جدا، وتتذكر كيف أحاط بها عدد من الطلبة أثناء الولادة، قبل أن تطلب من جارتها أن تتدخل لتبعدهم عنها، وتتساءل «هل يحق للمسؤولين أن يسمحوا للطلبة المتدربين بأن يقتحموا قاعات الولادة بهذا الشكل، ويعبثوا في أجساد النساء دون رضاهن، بل دون استئذانهن في مشاركتهن هذه اللحظات الحساسة؟ إنني أشعر بالحرج كلما تذكرت ذلك المشهد». أما فاطمة ن. فقد تذكرت وجه القابلة رغم مرور السنين، عندما قابلتها في إحدى المناسبات العائلية، وتطلعت إليها وهي تتذكر ملامحها القاسية، في تلك اللحظات المؤلمة عندما أرغمتها على تنظيف الأرضية بسروالها من السوائل اللزجة التي تدفقت منها أثناء سيرها في قاعة المخاض. دعوات الخير لكن لحسن حظ النساء أن هناك بعض خيوط الضوء، حيث لا تخلو مستشفيات الولادة من أشخاص يحاولون تأدية واجبهم على أكمل وجه، كما تروي مريم ق. حكايتها الطريفة، عندما اختارت من بين ملابسها معطفا خفيفا به جيوب، حتى تضع فيها بعض الأوراق النقدية التي ستحتاج إليها وفق ما نصحتها به صديقاتها لكي لا تتعرض للإهانة، أو تترك للبرد بعد ولادتها في تلك القاعة المترامية الأطراف، إلا أنها فوجئت بردة فعل الممرضة والمولدة المناوبة في تلك الليلة عندما رفضتا قبول هذه «الهدايا» وبادرتها امرأة متوسطة العمر يبدو أنها كانت هي المسؤولة عن الفريق المناوب حسب اعتقادها «أللا هاد الشي راه ما بقاش، وانتوما عاونونا وما تعطيوش الرشوة» ولتخفف عنها الحرج أضافت وهي تساعدها على الوصول الى سريرها «اعطينا غير شي دعوة ديال الخير ملي تكوني كتولدي..». وتعلق السيدة مريم على هذه الحادثة التي عاشتها قبل حوالي شهرين فقط بقولها «كاينين ولاد الناس فين ما مشيتي، ولكن الواقع باقي ما تغيرش بزاف» ولتؤكد قناعتها أضافت «زوجي أعطى لممرضة عشرين درهما بالباب، لتدخل عندي وتطمئنه علي وتخبره بأني «تفكيت»، وهناك من يدفع خمسين درهما ليتمكن من إدخال الغطاء للمرأة التي تلد، أو ليعرف جنس المولود ويطمئن على صحته وصحة أمه». ولا تنكر كنزة، المولدة الشابة التي تعمل بمستشفى سيدي لحسن بتمارة، وتفضل ألا ينشر اسمها الحقيقي كاملا، أن بعض النساء يتعرضن للشتم والضرب في بعض الأحيان في مختلف المستشفيات العمومية، لكنها استطردت أن «مظاهر القسوة أثناء الولادة رغم ذلك تراجعت كثيرا، بسبب زيادة الوعي لدى النساء ولدى القابلات اللواتي أصبحن يتمتعن بمستويات دراسية عالية عكس ما كان عليه الوضع في السابق، كما أصبحن يخضعن لتكوين متخصص قبل أن يتم تعيينهن، ولكن في بعض الأحيان يشتغلن في شروط صعبة جدا، تضيف كنزة، خاصة عندما يتم تعيينهن في مناطق نائية، فيجدن أنفسهن في مواجهة قلة الإمكانات المادية، لذا على المسؤولين في وزارة الصحة أن يتشددوا في معاقبة كل من ثبتت في حقه الإساءة إلى الأمهات، لكن في نفس الوقت عليهم توفير الإمكانات والظروف التي تسمح لنا بتأدية واجبنا على أكمل وجه». أرقام وشعارات وضعت وزارة الصحة المغربية مخططا يشمل الفترة الممتدة ما بين عام 2008 و2012 تحت شعار «ولادة بدون خطر» من أجل تحسين شروط الولادة وتخفيض نسبة وفيات الأمهات من 227 وفاة بين كل مائة ألف ولادة إلى 50 حالة وفاة، كما يطمح المخطط إلى خفض نسبة وفيات المواليد إلى 15 وفاة من بين كل مائة ألف. ومن بين أهم التوصيات التي سطرتها الوزارة الوصية لتنفيد هذا المخطط، نجد دور الولادة، إعادة انتشار الموارد البشرية، توفير الوسائل والتجهيزات الضرورية، تعميم مصالح الولادة في كل المستشفيات الجهوية في أفق عام 2012، تحديث توفير سيارات إسعاف جديدة، تجهيز الوحدات القروية بأجهزة التصوير بالأشعة (إيكوغرافي)، تطبيق مجانية الولادة سواء القيصرية أو الطبيعية، الاستشفاء الإجباري للأمهات مدة 48 ساعة بعد الولادة. إلا أن بعض التوصيات التي جاء بها مخطط وزارة الصحة تصطدم بالواقع، حيث إن مجانية الولادة غير معمول بها في المراكز الاسشفائية، ولا تعفي شهادة الاحتياج من أداء ما لا يقل عن مائتي درهم، في حالة الولادة الطبيعية، كما أن إجبارية الاستشفاء مدة 48 ساعة بعد الولادة الطبيعية تصطدم بالاكتظاظ في بعض المستشفيات، حيث يصل الحال إلى درجة اقتسام امرأتين لسرير واحد في بعض الفترات من السنة.