انتهت، يوم الجمعة المنصرم، فصول الجريمة، التي أدمت قلوب أفراد أسرة مكلومة، وأدمعت عيون العديد من سكان مدينة المحمدية، وروعت الرأي العام الوطني، الذي تتبع قضية اختطاف الطفل الرضيع ياسين، بعد العثور عليه، والقبض على المتهمة بالاختطاف "" ومباشرة بعد شيوع خبر العثور عليه، تقاطرت حشود من سكان المحمدية على المستشفى المركزي مولاي عبد الله، الذي غصت جنباته بمئات المواطنين، الذين تدافعوا أمام بوابته الرئيسية، ووقف بعضهم على الحائط المقابل للمستشفى، يحملون الطبول والزمامير وآلات الدف (البنادر) و"الطعاريج"، ويهتفون باسم الطفل ياسين. منهم من اعتبر عودته معجزة، وآخرون ربطوا رجوعه بعودة الثقة في شرطة المدينة، التي بذلت مجهودا كبيرا من أجل الوصول إلى الخاطفة، والبعض الآخر ردد "مازال الخير كاين". وحظي ياسين، البالغ من العمر 11 يوما، باستقبال جماهيري فريد، وكان جميع الحاضرين يتطلعون إلى رؤيته والتملي بطلعته والتقاط صورة معه، يتوسلون إلى والديه، هناء ومحمد الصافي، راغبين في مشاهدته، ولو من خلف نوافذ جناح قسم الولادة في الطابق الأول بالمستشفى المركزي، حيث كانت هناء تحظى بالعناية الطبية. كان محمد يشارك زوجته الغرفة بالمستشفى، منذ يوم السبت ما قبل الماضي، بطلب من مصلحة الشرطة القضائية، للمساعدة في التعرف على المرأة الخاطفة، التي انتزعت فرحة الوالدين القادمين من مدينة الدارالبيضاء، إذ شاءت الأقدار أن تتوجه الزوجة إلى مستشفى مدينة المحمدية للولادة، حيث تعمل الطبيبة، التي كانت تتابع حملها. وكانت فرحة هناء ومحمد الصافي عارمة، عندما علما أن الشرطة اعتقلت المتهمة باختطاف الرضيع ياسين، الذي حملته عناصر الأمن إلى والدته بالمستشفى من أجل التعرف عليه. وقالت مصادرنا إن هناء، بمجرد رؤيتها الرضيع، كادت تطير فرحا، وغمرتها مشاعر الأمومة وهي تحضنه، وتؤكد أن الرضيع هو وليدها، قبل أن يتبين ذلك بالملموس، خصوصا أن الرضيع كان يحمل علامة مميزة على خده الأيسر (خالة)، ساعدت في التعرف علي إجراءات صارمة بعد حادث الاختطاف وأفاد محمد الصافي، والد الطفل ياسين، أن حادث اختطاف ابنه كان له أثر كبير في حالة استنفار همت مستشفى مولاي عبد الله، إذ اتخذت إجراءات أمنية صارمة لتفادي تكرار الحادث. وبفضل زيارة لجنة مندوبية الصحة بالدارالبيضاء، جرى إصلاح الكهرباء في قسم الولادة، كما عادت المياه إلى صنبور مرحاضه. ووقفت "المغربية"، عند زيارتها للمستشفى، على أشغال إصلاحات، أكد محمد أنها ابتدأت بعد اختطاف ياسين. وأضاف قائلا "الإهمال الذي كان يعيشه مولاي عبد الله ساعد المتهمة على تحقيق هدفها، إذ كانت الممرات مظلمة بسبب انقطاع الكهرباء، كما كان الجو قاتما، فانعدمت الرؤية، ولم تكن في المداومة، في جناحي الولادة القيصرية والطبيعية، إلا ممرضة واحدة، لا تضع (بادج) يبين هويتها، شأنها شأن باقي الممرضات، وتغير ذلك بفضل ابني". ويعتبر الطفل ياسين أول ثمرات زواج هناء ومحمد الصافي، بعد قصة حب ابتدأت مع انطلاق سنة 2005، واكتملت بعقد قرانهما في 26 من شهر نونبر من العام نفسه. وقال محمد إنه، منذ التقائهما، أول مرة، علم أن هناء المرأة المناسبة له، إذ قدمت له الدعم المعنوي والمادي، وكانت نعم الزوجة والصديقة المخلصة والحبيبة الوفية، وتعززت علاقتهما بعد حمل هناء، الذي كان مفاجأة سارة أثلجت صدر محمد، في حين كانت هناء قلقة من هذا الحمل الذي اكتشفته بعد 4 أشهر. وكانت العملية الجراحية الدقيقة التي خضعت لها الزوجة في عمودها الفقري، واتباعها لعلاج خاص أكد الأطباء أنها لن تنجب معه، وراء تخوفها، إلا أنها استسلمت لقضاء الله، وقررت الاحتفاظ بالجنين، رغم مشاكلها الصحية. وأخطأت الأشعة المخبرية في تحديد جنس الجنين، الذي كان ينمو في أحشاء هناء، إذ أكد لهما الطبيب المختص أنه أنثى، فاختارا لها اسم "هبة"، وشرعا في شراء ملابس خاصة بالإناث، ليستبدلاها بأخرى للذكور، عندما تأكد خطأ تشخيص الطبيب. وكانت فرحة محمد عارمة بالمولود الذكر، الذي انتظره منذ 3 سنوات. وقال الزوج إن الأحداث التي عرفتها ولادته، وجريمة اختطافه، قربت بينه وبين زوجته ووطدت علاقتهما أكثر. وأشار محمد إلى أن ما جرى هو ابتلاء من الله وامتحان، وأضاف قائلا "ولد لحلال ما يضيع، ولو طالت المدة لرجع إلى حضن والدته". دفء اللقاء بعد أيام عصيبة كاد اليأس من العثور عليه يتملك الأبوين، بعد مرور أزيد من أسبوع على حادث الاختطاف، يقول محمد، الذي التقته "المغربية" بالمستشفى "كدت أفقد الأمل، بعد مرور ثمانية أيام على اختفاء طفلي الصغير، ففي صباح يوم الجمعة، غادرت المستشفى لقضاء مآرب شخصية وبعض أغراض الأسرة بالدارالبيضاء، وفي حدود الساعة الحادية عشرة والنصف، تلقيت مكالمة مختصرة من زوجتي تقول فيها "آجي آمحمد دابا"، لم ترغب هناء في إضافة تفاصيل، أحسست بشيء غريب، فكلمت صهري، الذي أخبرني أن رجال الأمن وجدوا إبني، وددت لحظتها لو أطير بجناحين لأحط في الحال بالمستشفى، كل المشاعر اختلطت علي في الطريق، بين الفرح والبكاء، كنت أود لو أصرخ بصوت عال، وأعانق الجميع، كانت لحظات عسيرة تمر علي قبل الوصول إلى المستشفى، وعندما أخذته بين أحضاني شعرت وكأن ياسين ولد مرة أخرى، بل شعرت وكأنه، أنا نفسي، كتب لي عمر جديد، وزاد من سعادة الأسرة تعاطف سكان المدينة، الذين توافدوا على المستشفى بالمئات، اندهشنا لذلك، رغم أن دعمهم المعنوي لنا، طيلة 8 أيام، هو الذي ساعدنا على تحمل المأساة". سكت محمد للحظات، أطلق فيها تنهيدة عميقة، ثم مضى يقول "كانت أياما عصيبة، عشت خلالها أمر تجربة في حياتي، ورغم أن المصاب كان جللا، كنت أداري حزني وأخفي ما بداخلي أمام زوجتي، التي خشيت أن أفقدها، وكنت أقول، مع نفسي "لن أفقد الأم والابن مرة واحدة". وفي لحظات يائسة، وللتخفيف عنها، كنت أردد "إلى مشى ولد يجي ولد، المهم أن تحافظي على صحتك"، كنت أقولها والألم يمزق أحشائي والقهر يعصر قلبي". أما الأم هناء، فكانت تغالب كثيرا مشاعرها الجياشة، وهي تتحدث إلى "المغربية"، وأكدت أن شيئا في داخلها ظل يمدها بالقوة، والطاقة على التحمل، ويلهمها الصبر، وقالت إنه كان لديها إحساس قوي أن رضيعها الصغير، الذي لم تنعم برؤيته سوى 3 أيام بعد ولادتها القيصرية، سيعود لا محالة بين أحضانها، وأن المسألة مجرد وقت، ولذلك ظلت تصر على عدم مغادرة المستشفى والعودة إلى الدارالبيضاء دون أن يعود معها ياسين. مواجهة بين أم ياسين والمتهمة أكد الوالدان، هناء ومحمد، أنهما لن يتنازلا عن حقهما المدني في متابعة سهام (ق)، خاصة أن المتهمة أصرت على إنكار خطفها للطفل، مؤكدة أن الرضيع هو فلذة كبدها ومن رحمها، وأنها ظلت تنتظر إنجابه مدة سنوات، بعدما أجهضت مرتين متتاليتين. وعندما أجرت الشرطة القضائية مواجهة في المستشفى بين المتهمة باختطاف الرضيع ووالدة ياسين، قالت سهام لهناء "سرقوا ليك ولدك، وابغيتي تاخذي مني ولدي". وخلال المواجهة، لم تتمكن هناء من التعرف على سهام، في حين تعرفت شاهدة عيان، كانت في زيارة لإحدى قريباتها بقسم الولادة، يوم وقوع الحادث، على المتهمة، وأكدت أنها هي المرأة ذاتها التي رأتها في الخامسة من صباح يوم الجمعة، الذي اختطف فيه الرضيع، مشددة على أنها كانت في حالة توتر، ولا تستقر على أمر، وأنها كانت تتحرك ذهابا وإيابا في ممر جناح الولادة، وكأنها من موظفات المستشفى، وكانت كلما رأت ممرضات قادمات أدارت وجهها حتى لا يتعرفوا عليها، وقالت الشاهدة إن فضولها دفعها إلى تتبع حركات المتهمة الغريبة، إلى حين عودتها إلى الغرفة لرعاية قريبتها، التي أنجبت حديثا، فلم تتمكن من متابعة مراقبتها للمتهمة. الحمض النووي يرغم سهام على الاعتراف أكد العميد عبد اللطيف لعوينة، بمصلحة الشرطة القضائية بالمحمدية، أن المتهمة، التي ظلت متمسكة بالإنكار، اعترفت بما نسب إليها من تهم، مساء الجمعة الماضي، مباشرة بعد مطالبتها بإجراء فحص الحمض النووي، وأن نتائج التحليل العلمي ستمكن من التحقق من مصداقية تصريحها أن الطفل ابنها، فانهارت الظنينة، وأقرت بالمنسوب إليها. وأفاد العميد لعوينة أن التحقيقات مازالت مستمرة لكشف كل ملابسات الحادث، مبرزا أنه جرى اعتقال زوج المتهمة للتحقيق معه، ومعرفة مدى تورطه في القضية. بالمقابل، أثبتت نتائج اختبار الحمض النووي، الذي أجراه المختبر الوطني للشرطة العلمية للدارالبيضاء, أول أمس السبت، الصلة الدموية، التي تربط الرضيع المختطف بالمحمدية, بوالديه. وعلمت "المغربية" أن الشرطة القضائية لم تلق القبض، إلى حدود أول أمس السبت، على والدة المتهمة، التي راجت أنباء ومزاعم، لم تتأكد بعد، عن تورطها المفترض مع ابنتها. من جهته، أفاد الضابط عزيز الناجي، بمصلحة الشرطة القضائية بالمحمدية، أن التهمة باتت لصيقة بسهام (ق)، بعد تفتيش منزلها بتجزئة الصديق بحي العاليةبالمحمدية، وحجز الملابس ذات اللون الأخضر، التي كان ياسين يرتديها يوم اختطافه، إضافة إلى العثور على حقيبة السفر الكبيرة، التي استعملتها المتهمة لإخفاء الرضيع وإخراجه من المستشفى، كما جرى العثور على المعطف الأسود، التي كانت ترتديه الظنينة، حين تنفيذ عملية الاختطاف. المتهمة مهووسة بتنبي طفل أكدت مصادر أمنية ل"المغربية" أن سهام، المزدادة سنة 1984 والعاطلة عن العمل، كانت مهووسة بتبني طفل، وأن هذه الرغبة العمياء هي التي كانت وراء ارتكابها الجريمة، خاصة بعدما أكد لها طبيب اختصاصي، بعد فحوصات طبية، خضعت لها في شهر غشت الماضي، أنها لن تستطيع الإنجاب. وقالت المصادر ذاتها إن هوس المتهمة في الحصول على رضيع يكون ذكرا بلغ ذروته بعد أن بدأ زوجها يهددها بالطلاق إذا ما عجزت عن الإنجاب. وأوضحت المصادر أن سهام، بمجرد ما تأكد لها عدم قدرتها على الإنجاب، شرعت في التخطيط لفصول جريمتها، بالإدعاء بأنها حامل، إذ كانت تضع قطعا من الثوب في بطنها لتوهم الجيران والأقارب بحملها الوهمي، وتتمشى كما تفعل الحوامل، في انتظار إيجاد حل لهذه الوضعية. ثم عادت في غشت المنصرم لإجراء فحوصات إضافية، جعلها تتأكد أن حالتها ميؤوس منها، ويتقوى عزمها على المضي في مخططها إلى نهايته. ومع اقتراب موعد الوضع المفترض، تضيف المصادر ذاتها، فكرت المتهمة في تبني طفل رضيع، إلا أنه تعذر عليها ذلك، فبدأت تتردد على مستشفى مولاي عبد الله لتتحين فرصة سرقة طفل ذكر، إلى أن وجدت المناسبة سانحة يوم الجمعة ما قبل الماضي، إذ أوهمت الأم هناء بأنها ممرضة، وسألتها إن كانت تشعر بألم، وأحضرت لها دواء ضد الأوجاع، تبين بعدها أنه مخدر، وأخذت الطفل لتعتني به وتعالج حبل "سرته"، ثم لاذت بالفرار مولدة تكشف سهام في حفل عقيقة ياسين مكنت عناصر الشرطة القضائية من القبض على المتهمة سهام بفضل عمليات البحث الحثيثة، واتصالاتها المتعددة لنشر صورة الرضيع ورصد كل حالات الولادة الجديدةبالمدينة، خصوصا منها ما يثير شكوكا ما أو أي شيء يحمل على الارتياب. ولم يطل الأمر أكثر من ثمانية أيام حين تقدمت امرأة تعمل مولدة، إلى مصلحة الشرطة القضائية، يوم الجمعة الماضي، لتبلغ عن امرأة تقيم حفل عقيقة لرضيعها. وأبرزت المولدة أن تصرفات المرأة أثارت شكوكها، إذ لم تكن علامات الولادة الحديثة بادية عليها، كما كانت تدعي، أمام الجيران والعائلة، أنها مولدتها، التي أشرفت على عملية الوضع في المنزل. وكانت المولدة تجهل واقعة اختطاف الطفل ياسين، إلى أن سمعت الخبر في جنازة حضرتها ممرضة تعمل بالمستشفى المركزي، فتأكدت أن شكوكها كانت في محلها، ما جعلها تبلغ عنها الشرطة القضائية. وأوضحت المولدة أن سهام أقامت حفل عقيقة متكاملا، حضره الجيران وجهزه ممون حفلات، كما أحيت ليلة للذكر، يوم الخميس الماضي، حضرها فقهاء (طلبة) رتلوا القرآن، واستدعت لهذا الحفل أصدقاء زوجها وجيرانها الذكور. وينتظر أن تحيل الشرطة القضائية بالمحمدية سهام (ق) على الوكيل العام بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، اليوم الاثنين، ثم على قاضي التحقيق لتعميق البحث مع المتهمة. وتوقعت مصادر أمنية، ل "المغربية"، أن الملف يحمل مفاجآت، ينتظر أن تكشف عنها التحقيقات.