الأكيد أن حياة أي ممارس رياضي تحفل بالعديد من المحطات المشرقة، والذكريات الجميلة، لكنها في نفس الوقت تحمل كثيرا من المواقف غير السارة، والتي تبقى راسخة في الأذهان. في هذه الزاوية ننبش في ذاكرة بعض الأسماء الرياضية عن أسوأ الذكريات، ونعود بهم إلى تفاصيل هذه المواقف، التي تُستحضر اليوم بكثير من الطرافة. يرى عزيز داودة المدير التقني السابق لألعاب القوى أن حياة كل رياضي لابد أن تحبل بلحظات غير سارة. فبقدر ما يلهث الرياضي وراء التتويجات والألقاب والإنجازات..بقدر ملا يقف عند محطات قد يكون بلغ فيها مستوي من مستويات الانكسار. يقول داودة إنه خاض الكثير من المعارك والنضالات طيلة مشوراه الرياضي، إلا أنه كان يتغلب عيلها بالإرادة والعزيمة الكبيرة. فكثيرا ماانتفضت ضد محاولات بعض المتهافتين اللاهثين وراء المصالح الخاصة، والباحثين عن توظيف الرياضة لأغراض سياسية أو ذاتية، والأمثلة كانت كثيرة في هذا المجال، وكانت حدة الاصطدام ترتفع كلما كان نفوذ الخصم كبيرا، إلى أن قررت في سنة 2006 سنة وضع حد لمشواري مع ألعاب القوى الوطنية بعد 30 سنة من «النضال»، واخترت المتابعة عن بعد لكل ما يجري، والواقع خير شاهد على هذا الوضع الذي آلت إليه أم الرياضات. وخلال مشواري التدريبي عشت حدثتين كان لهما وقع سيئ على نفسيتي، وكدت خلالهما أن أنهي مشواري كتقني في مجال ألعاب القوى. الأولى تمثلت في الإصابة التي تعرض لها سعيد عويطة خلال الألعاب الأولمبية بسيول سنة 1988. والثانية تجلت في سقطة هشام الكروج في نهائي سباق 1500 متر بأولمبياد أطلنطا سنة 1996. كان سعيد عويطة قد قام بعدة تجارب على سباق 800 متر، وحقق خلالها نتائج جيدة، ليقرر على إثرها المشاركة في الألعاب الأولمبية في مسابقتي 800 م و1500م. قبل السفر إلى سيول خصني الملك الراحل الحسني الثاني رفقة البطل سعيد عويطة باستقبال بالقصر الملكي بالصخيرات، وبعد أسبوع استقبل الوفد الرسمي. سأل الراحل الحسن الثاني حينها سعيد عويطة عن حظوظه في الأولمبياد والميداليات التي سينافس عليها. أخبره سعيد بأنه سيهدي للمغرب ميداليتين في مسافتي 800م و1500م. التفت جلالته إلي وسألني هل هذا ممكن؟ قلت له نعم. سر جلالة الملك حينها كثيرا وتمنى لعويطة أن يعود مظفرا. قبل خمسة أيام من انطلاق منافسات ألعاب القوى بالألمبياد أصيب سعيد عويطة بتمزق عضلي في فخذه، عمت أوساط الوفد المغربي بسيول حالة استنفار، وتدخل طبيب الوفد وكذا الطبيب الخاص بالألعاب الأولمبية من أجل معالجة عويطة، إلا أن خطر الإصابة ظل قائما. كانت مسابقة 800 م مبرمجة قبل ثلاثة أيام من انطلاق منافسات 1500م، اقترحت على سعيد أن يضحي بالمشاركة في 800م وأن يركز على سباق 1500م فقط، سيما وأنه سيستفيد من ثلاثة أيام راحة إضافية، إلا أنه رفض وتمسك بالمشاركة في السباقين، وتحقيق الوعد الذي التزم به أمام الملك. اتفقت معه أن يلتزم الحذر وأن لا يرفع من إيقاع التداريب، وعند انطلاق السباقات الإقصائية سنقرر ما إذا كان سيواصل أم سينسحب. خلال السباق الإقصائي الأول، وعندما كان يقوم بالتسخينات، أخبرني أنه «جاهز»، ومر الدور الأول و الثاني بسلام، وهنا أود أن أشيد بالطاقم التقني الذي رافقنا، وخاصة المدلك الطبيعي عبد الرحيم الدزاز. ويوم السباق النهائي، ارتفعت درجة التخوف عندنا، فرغم أن التسخينات الإعدادية جرت بشكل جيد، إلا أن القلق كان مسيطرا على الجميع. انطلق السباق النهائي، وكان عويطة في موقع مريح، غير أنه وقبل 150 مترا من خط النهاية، وضع يده على فخذه، أيقنت ساعتَها أن الكارثة حلت وقلت مع نفسي «ياربي تْسْتر». لقد أصيب سعيد عويطة من جديد، لكنه جاهد نفسه وأنهى السباق في الرتبة الثالثة، واكتفى بميدالية نحاسية واحدة، بعدما كان يتطلع إلى الذهبية الأولى. قرر الأطباء عدم المشاركة في سباق 1500 م، وغمرت أجواء الحزن والحسرة كل الوفد المغربي. كانت الميدالية النحاسية في تلك الفترة لا تساوى شيئا أمام قيمة سعيد عويطة، صاحب الألقاب والأرقام القياسية، إلا أنه وبعد استعراض ماجرى ، أقول إن أحسن ما حققه سعيد عويطة في مشواره الرياضي هو تلك الميدالية النحاسية، لأنه فاز بها «برِجْل واحدة»! يتبع