شكلت الرسالة الملكية الموجهة للمنتدى البرلماني الدولي للعدالة الاجتماعية، وثيقة ذات أهمية قصوى، لأنها -بالفعل- أبرزت متطلبات بناء النموذج المغربي لهذه العدالة ورهانات ذلك . وقد اختار جلالته أن يركز بشكل أساسي على الحوار الاجتماعي، باعتباره آلية من الآليات الأساسية لتحقيق هذه العدالة . المنتدى، عقد في ضيافة مجلس المستشارين،بمناسبة اليوم العالمي للعدالة الاجتماعية، الذي أقرته الجمعية العمومية للأمم المتحدة قبل عشر سنوات، ودعت الدول للاحتفاء به، من أجل تدعيم جهود المجتمع الدولي في مجال القضاء على الفقر، والعمل اللائق، والمساواة بين الجنسين، وتحقيق الرفاه الاجتماعي، والعدالة الاجتماعية للجميع. وقد حدد جلالة الملك بالمناسبة، أربعة رهانات، هي -في الحقيقة- الإطار الفكري والتنظيمي لنموذج فعال وناجع : الرهان الأول يتمثل في مأسسة آليات الحوار الاجتماعي، مبسطة في مسطرتها، واضحة في منهجيتها، وشاملة لأطرافها، ومنظمة في انعقادها، ذات امتدادات ترابية، واضحة وأدوار متكاملة، وذات قدرة استباقية. الرهان الثاني، يتمثل في ضرورة توسيع موضوعات الحوار الاجتماعي، لتشمل قضايا جديدة، أبرزها قضايا المساواة الفعلية، ومكافحة التمييز بين الجنسين في مجال العمل، والقضاء –بالفعل- على تشغيل الأطفال، مع ضمان شروط العمل اللائق للأشخاص ذوي الإعاقة، وتأهيل القطاع غير المهيكل، لتوسيع مجالات وفرص العمل اللائق . الرهان الثالث، ضرورة بناء المنظومة الجديدة للحوار الاجتماعي، باستحضار متطلبات المساواة بين الجنسين، ومقاربة حقوق الإنسان، والتزامات بلادنا، بمقتضى اتفاقيات منظمة العمل الدولية، ومتطلبات التنمية المستدامة بأبعادها الثلاثة: الاقتصادية ،الاجتماعية والبيئية». أما الرهان الرابع، فيتمثل في اعتبار مأسسة الحوار الاجتماعي، مدخلا أساسيا لتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. لقد عرف الحوار الاجتماعي ببلادنا- كما هو معلوم- مسارا مشبعا بالتوترات، تميز على العموم، برفض أغلب الحكومات الجلوس –بجدية- إلى الطاولة مع ممثلي الشغيلة . وحتى وإن كانت هناك جلسات، فإن الجهاز التنفيذي، تنصل في أحايين كثيرة، من التزاماته، ودفع الوضع الاجتماعي إلى احتقانات، بلغت حد ردود فعل احتجاجية عنيفة وإضرابات وطنية ... لذلك المغرب بحاجة اليوم إلى مأسسة ذات مصداقية لهذا الحوار، كي يكون ناجعا كآلية نجاعة « لا تقاس بوجودها، ومدى انتظام عملها – يقول جلالة الملك في رسالته السامية - وإنما بما تنتجه من آثار ملموسة على مستوى الممارسة اللائقة، وتحقيق السلم الاجتماعي، والنمو الاقتصادي، والتنمية المستدامة والدامجة لمختلف فئات المجتمع، وبلوغ الغاية المثلى، ألا وهي تحقيق العدالة الاجتماعية» . إن ثمة اختلالات اجتماعية عديدة في الأجور، والحماية واحترام القوانين . ووجدت المفاوضة الجماعية نفسها في مأزق، بسبب تعنت مسؤولين، سواء بالقطاع العام أو الخاص. ولن يكون هناك سلم اجتماعي ما لم يتم مأسسة الحوار الاجتماعي، وتؤمن كل الأطراف، وتترسخ لديها القناعة بأن الحوار، هو السبيل الأمثل لإيجاد الحلول لهذه الاختلالات، وأن الوفاء بالالتزامات، شرط لمصداقية هذا الحوار، الذي يتعين أن يكون –بالفعل- خيارا استراتيجيا من أجل العدالة الاجتماعية .