«البيت الذي أسكنه من قصدير. هو ذا البيت، إنه براكة في حديقة منزل كبير يسكنه السيد عبد الهادي وابنه حميد وابنته فاطمة. يقول أبي إنه حين قدم إلى إيفران قبل عشرين عاما استأجر هذا البيت واعتقد أنه سيقعد فيه فترة فقط بانتظار أن تتحسن أوضاعه لكن المؤقت صار أبديا، وحين تزوج أمي استقدمها من جبال ايت عياش لتعيش معه. خلال العطل الدراسية أبدأ يومي بكنس العشة وأحضر الطعام لأمي التي تشتغل خادمة بمطعم الوردة في المركز. بعد الظهر أكنس أمام البراكة وأرش الماء وأقعد لقراءة الكتب التي تمدني بها ابنة السيد عبد الهادي أو التي أستلفها من الخزانة البلدية. في بعض الأحيان أشتغل بطرز اليوغوسلافي. عمري أربعة عشر عاما ولا أفق لبنت في مثل عمري لا تملك مالا بمدينة إيفران، لا أفق سوى قضاء العطل بالبيت. حين سأكبر أكثر سألتحق خلال العطل بأمي في مطعم الوردة. لازلت أدرس بالإعدادي وفي السنة المقبلة سألتحق بثانوية الأرز القريبة. لا أحلم بالذهاب الى تلك الثانوية لأن حلمي هو أن أمثل. أحلم طيلة الوقت بذلك. أقف أمام المرآة وأقلد ممثلات أراهن في التلفزيون. أرقص وأدور حول نفسي وألقي مقاطع من مسرحيات وأفلام قرأتها أو شاهدتها و أخرى لا توجد إلا في رأسي. ليس هناك ورشة مسرح في إيفران ولا دار شباب تهتم بالمسرح والتمثيل. قبل شهور سمعت بمسابقة «سباق المدن» وأفكر بالتقدم إليها لكنني خائفة من الصعود على الخشبة. أخاف من الخشبة ومن حلمي لأنني فقيرة ولست فتاة جميلة. أنا أقرب للذمامة. نحيفة وأسناني صفراء وليس لي شكل مميز. البعض يقولون إن عيوني جميلة وأن شعري المنسدل هو سر جمالي. أود أن أصدقهم لولا هاته الصفرة في أسناني. منذ شهور وحلمي أن أستيقظ بأسنان بيضاء بل الأسنان الأكثر بياضا. الأسنان بالنسبة لي تعني الكثير إنها منبع الكلمة، الابتسامة، ما يشترك فيه شخص مع الآخرين وأول شيء أراه في الناس هي الأسنان. أعرف أن لا أحد سيحبني بهاته الأسنان وقد لا يتقدم أحد لخطبتي ولن يعطيني مخرج ما فرصة لأمثل. «اسمي أسماء وأريد أسنانا بيضاء كي أضحك كالآخرين»، كان هذا ما كتبته أسماء، فتاة من إيفران في مفكرتها ذات صيف 1987. كانت مسابقة المدن قد اقتربت ولم تجد أسماء حلا مع أسنانها الصفراء. استحوذت عليها فكرة الأسنان البيضاء لحد الهوس. صارت بؤرة تفكيرها وسخطها على جسدها. قررت أن لا تحب جسدها قبل أن تصير أسنانها بيضاء. لم تعد تريد أن تخرج بأسنانها الصفراء. قررت أن تتوقف عن الضحك والكلام إلى أن تبيض أسنانها. ظلت على تلك الحال شهرا كاملا وفشلت محاولات أمها في جعلها تتكلم. تظل تومئ بإشارات من رأسها ولا تفتح فمها. لم تحادث أحدا بشأن هوسها لكن المسابقة اقتربت فقررت أن تكلم صديقاتها أمينة ومريم وفاطمة وهن صديقاتها الحميمات. حضرن يوم 25 يوليوز1987 إلى بيتها وحكت لهن وهي باكية عن حزنها من أسنانها الصفراء وكيف أنها تحس بالذمامة الشديدة وباكتئاب عميق كلما تطلعت إلى أسنانها في المرآة. أخبرتهن أنها لن تتردد في الانتحار إذا لم تجد حلا لهاته المعضلة. اعترفت لهن أنها تشعر بنقص شديد جراء أسنانها وأنها قررت أن تركب حلم المسرح ولكي يتحقق ذلك يلزم عليها أن تحل مشكلة أسنانها. تحادثت الصديقات بجدية في معضلة أسماء وقررن الاتجاه فورا إلى طبيب الأسنان في المركز. فكرن أن الحل سيكون عنده لا محالة. قالت لها أمينة: - حلك بسيط لاشك أن طبيب الأسنان سيعالج مشكلتك بسرعة. إنها ليست مشكلة في نظري أنت تهولين. لبسن ملابسهن بسرعة وانصرفن في اتجاه المركز. كانت أسماء تداعب حلم الأسنان البيضاء. تفكر أنها حين ستمتلك أسنانا بيضاء لن يوقف أحد حلمها. ستمثل وستكون وريثة إلهام شاهين، نجمتها المفضلة. تفكر أن إلهام شاهين هي نموذج الغواية الأنثوية وأنها بجسدها الممتلئ البض تدوخ الملايين. فكرت أسماء أنها هي ليست ممتلئة وليست بيضاء مثل إلهام شاهين. أسماء تميل إلى السمرة ونحيفة لكن لا بأس حين ستأكل جيدا وترتاح في الحياة ستمتلئ وستصير سيدة الشاشة الكبيرة والصغيرة. تريد أن تطل على الناس في التلفزيون وأن يحبوها وأن يقولوا «أسماء الصغيرة كانت اليوم على الشاشة.» كانت شاشة التلفزيون طبعا لأن أسماء لم تر يوما السينما إذ لا دور سينما في إيفران. الشاشة الصغيرة بالنسبة لها هي بوتقة الحياة. الحياة تحدث في التلفزيون والعيش في الواقع ليس إلا ظلال تلك الحياة الجميلة. حين ستطل على الناس من تلك النافذة ستمتلئ حياتها بحب الناس وستنسى ماضي الفقر والبراكة والجوع والملابس الرديئة. سيكون عليها أن تعتني كل يوم بجسدها، بيديها المشققتين من أثر البرد والأشغال المنزلية. ستكون لها مهمة واحدة هي الاعتناء بجسدها وبوجهها. ينقصها البياض، لا يهم... هناك كريمات تبيض الوجه وربما حين ستخرج من زاوية الفقر ستصير أقل شحوبا. الفقر يربي شحوبا في الجسد والروح. يتشقق الجسد من فرط الجوع وتتصدع الروح من قلق الحياة. حين ستصير ممثلة مشهورة سترتاح وهذا سيجعل جسدها منطلقا وتقاسيم وجهها أقل تعبا. كانت تفكر في مستقبلها الفني الكبير وهي تعبر ساحة المارشي برفقة صديقاتها. فعلت خيرا بمحادثة صديقاتها برغبتها. يبدو أن الحل بسيط. بعد قليل سترتاح وستعود إلى البيت بأسنان بيضاء وتمضي إلى «سباق المدن» بدون حرج. كانت الأمنيات في مستقبل زاهر تداعب مخيلتها وهي تصل إلى البيت الأنيق الذي توجد فيه عيادة دكتور الأسنان الوحيد في إيفران. شعرت بالحرج. هي دائما تحرج أمام البنايات الأنيقة، تحس أنه ليس من حقها أن تلجها وهي التي تربت وكبرت في براكة قصدير. الأماكن الأنيقة تشعرها بضحالتها ورخصها في هذا العالم الذي لا يؤمن إلا بالمال ولا يثق إلا به. ماذا تساوي في هاته المدينة الأنيقة، سويسرا المغرب، مدينة الحسن الثاني المفضلة والتي تنافس في نظافتها الظاهرية وجمال عمرانها مدنا عالمية. هاته المدينة الأنيقة تخفي فقراءها خلف الهضاب، خلف جبل تيمديقين هناك براريك وبؤس لا يوصف لكنه مقبول مادام الملك لا يراه ولا ينزعج لمنظر الفقر في مدينته المفضلة. الفقراء مثلها محجوبون عن الأنظار في المدينة ولا أحد يراهم حتى أنها تحس في بعض الأحيان أنها بنت خفية. سينتهي هذا الإحساس حين تصير ممثلة مشهورة وتظهر على شاشة التلفاز كل يوم. سيراها الجميع. تريد أن يراها الجميع وأن يدفعوا ليروها في المسارح والسينمات، هكذا تنتقم لإحساسها بأنها خفية لا ترى. لا شيء سيشفيها أكثر من أن يراها الجميع وسيكون أول موعدها مع حلمها هو «سباق المدن». دلفت مع صديقاتها إلى داخل المنزل وتبعن الإشارة «طبيب أسنان إلى درج كبير. صعدن وفي الطابق الأول تراءى لها باب الطبيب، هنا مفتاح سعادتها، هنا سينتهي ألمها، ستخرج من هذا المكان مغسولة من جرح دفين. ستعود إليها الابتسامة وستمضي منطلقة نحو قدر الفرح والجمال الذي ينتظرها. دقت الباب وانتظرت أن يفتح. انتظرت بضع ثوان قبل أن تفتح صديقتها فاطمة الباب. تبعت صديقاتها، وصلن إلى مكتب السكرتيرة وسألنها عن عملية تبييض الأسنان وعن الثمن. مهم جدا أن يعرفن الثمن. قالت السكرتيرة بصوت بارد: -ثمن الزيارة ستون درهما والتبييض بألف ومائتي درهم. تريدين موعدا؟ ألف ومائتا درهم؟ لم تحسب حسابا لأمر المال كيف ستتدبره. سألت الممرضة إن كان هناك تخفيض فأجابتها هاته الأخيرة بنفس البرود: -هنا عيادة طبيب وليس محل بقالة. هل أعطيك موعدا؟ -أجل . -الثلاثاء القادم على الساعة الرابعة بعد الزوال. أخذت ورقة الموعد وخبأتها في جيبها وهي منكسرة إذ أنها لا تملك فلسا واحدا. فكرت مع صديقاتها في حل لمعضلة المال. أشارت عليها فاطمة أن تحكي لأمها. لا شك أن أمها ستتعاطف معها وتسعى إلى تبييض أسنانها. أمها تشتغل وربما وفرت المبلغ. عبرت طريق العودة إلى بيتها وهي تفكر في حقيقة وجودها: الفقر. الفقر هو قهر النفس وكسر الخاطر والإهانة، الإهانة اليومية التي تشعر بها وهي تعرف تماما أن أمها لن تستطيع توفير ثلاث وجبات في اليوم وقد ينتهي اليوم بدون عشاء. الفقر هو أن تنظر إلى الأشياء الجميلة وتجد نفسك ضئيلا، رخيصا وأنك لا تستحق أن تمشي على الأرض، حشرة حقيرة ليس من حقها أن تحلم. يكفيها أن تؤمن وجبة في اليوم لتعود لعملها في الغد. الفقر هو الموت بشكل بطيء. يعتقد الناس أن الموت يأتي حين يتوقف قلبك عن النبض. الموت هو ما تعيشه يوميا من جراح وانكسارات تقضي على روحك وجسدك معا. الموت في حالات كثيرة يأتي لينقذ ما تبقى من حياة. الفقر هو البطن الخالي من الطعام. الدولاب الخالي من الملابس بل والبيت الخالي من دولاب. الفقر هو الأذنان الخاليتان من الأقراط. هو خلو الروح من أية سلوى واطمئنان. لا تعرف ماذا سيحدث غدا. ربما سيطردون أمي من العمل وأين سنذهب بعدها؟ إنها تشقى هي وأبي لكي يستطيعا دفع ثمن هاته المخروبة وإذا فقدا عملهما هل نبيت على الرصيف في مدينة ثلجية؟. هل من حق فتاة فقيرة مثلي وذميمة أن تحلم بالمسرح والأضواء أم أنني من طبقة لا تلزمها الأحلام؟ يلزمها الخبز. الخبز فقط، لا مكان للحلم في براكة. أمي تقول إنني أتعلق فين نتفلق حين أدعو صديقاتي وأهيئ فطائر بالزبدة. إذا كانت الفطائر بالزبدة ترفا فماذا ستسمي أمي حلمي بالمسرح؟ في المدرسة لا أنظر للأولاد لأنه لا أحد سينتبه إلى فقيرة وذميمة. أي إمكانية للحلم لي في هذا العالم؟ لا مكان للحلم في هذا العالم لكنني مصرة على أن أكسر كل الحواجز وسأتجاوز حتى طاقاتي وسأترشح لسباق المدن. لست أقل من الأخريات. فقط أبيض الأسنان وسيرى العالم ما أنا قادرة عليه. ليلتها طلبت من أمها أن تعطيها المال من أجل تبييض الأسنان وردت عليها هاته الأخيرة : -تبييض أسنان؟ هل وجدنا الخبز لتهتمي ببياض الأسنان الآن؟ ما حاجتك لهذا؟ وجدت أن الفرصة مناسبة لإخبار أمها بمشروع التقدم إلى برنامج «سباق المدن» في فئة المسرح: -أريد أن أمثل. أريد أن أشترك في سباق المدن. أريد أن أمثل يا أمي هذا هو حلمي. -حلمك يا بنت بوزبال. (كانت تسمي زوجها ببوزبال لأنه يشتغل في تنظيف المدينة ضمن برنامج الإنعاش الوطني). تريدين أن تفضحينا. المسرح، المسرح يا عاهرة. الفقر والفضائح هذا ما ربحته من زيجة الشؤم هاته ماذا بلاني لأغادر آيت عياش كنت مرتاحة وجلبت الهم لنفسي. أهدم جسدي في الخدمة وابنة بوزبال تحلم بالتمثيل والخلاعة. يعني ماشي ممكن أن تكوني معلمة، ممرضة، سكرتيرة وتساعدينا على حمل هاته القربة المثقوبة؟ عليك أعول في شيخوختي. لا تقاعد لدي ولا توفير ولا بيت يسترني حين يهن العظم. -سأعتني بك يا أمي سأصرف عليك. الممثلات يربحن جيدا سأصير غنية ومشهورة وأنقلك إلى بيت أنيق وكبير. ثقي بي يا أمي. -أثق بك؟ ستفضحينني وستنتهين في السكر والسجائر أقفلي باب هذا الموضوع وإلا أخبرت أباك وسيتكفل بجلدك. هذه عاقبة الذهاب إلى المكتبة. لا مكتبة بعد اليوم وصديقاتك لا أريدهن ان تعتبن البيت بعد اليوم، لاشك أنهن هن اللواتي أشرن عليك هاته الشورى الخليعة. أين تعلمت التمثيل؟ إذا تطلب الأمر سأسحبك من المدرسة وتلتحقين بالعمل في المطعم إنهم بحاجة لخادمة. ابنة الخادمة تصير خادمة وهذا سير الحياة. الحق علي أنا التي أصررت على تعليمك. أذوق المر كل يوم لكي لا تتبهدلي في الشغل عند الناس. هذا جزائي ونتيجة عرقي. التمثيل التمثيل. بدا لأسماء أن الحديث مع أمها لن يأتي بفائدة. قضت الليل دون أن يغفل لها جفن. هاهي أمها ترفض فكيف لها بتدبر ألف وثلاثمائة درهم ولم يبق على المسابقة إلا أسبوعين. لا تعرف أحدا يتوفر على هذا المبلغ. انتظرت الصباح لتحادث صديقاتها في الأمر ربما مجتمعات سيجدن حلا لها. لم تكن تعرف أي حل سيجدن لكن الأهم هو أن تجد من يشاركها همها. الحياة تكون بطعم آخر حين يكون لنا أصدقاء. هي لا تتخيل حياتها بدون صديقات. لا أخت لها وأمها بعيدة عنها كل البعد لولا الصديقات لماتت حزنا ووحدة. أمها تخرج صباحا إلى العمل وتعود منهكة في المساء أما أبوها فهو لا يعود إلا بعد منتصف الليل بعد أن يبدد مصروف البيت في الحشيش. لولا الست مائة درهم التي تربحها أمها لماتوا جوعا. وهل يأكلون؟ هل تسمي حساء العدس كل يوم أكلا؟ منذ أن صار في التلفزيون برنامج طبخ عبد الرحيم برغاش فهم مغاربة كثيرون أنهم لا يأكلون بل يملأون البطون فقط. حين تصير ممثلة ستتفرغ لمسألة الأكل تلك وستشتري كل ما تشتهيه نفسها. يوم لحم مبخر ويوم دجاج ويوم ذلك الطبق العجيب البيتزا. هل تشبه البيتزا خبز الشحمة في طعمها أم أنها شيء آخر؟ كل مستقبلها الغذائي يعول على تبييض الأسنان لهذا ذهبت عند مريم بمجرد ما خرجت أمها من البيت في الصباح الباكر. لم تستطع أن ترفض دعوة أم مريم للإفطار فقد هيأت هاته الأخيرة بيضا مقليا وزيتونا (في بيتها البيض المقلي يشكل وجبة غذاء كاملة ومريم تفطر به يالحظها). سألتها أم مريم عن أخبارها وأخبار أمها. تحادثتا قليلا قبل أن تسحبها مريم إلى غرفتها. هناك تناولتا الموضوع من كافة جوانبه وانتهتا إلى أن تدبر المال سيكون مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة. أعطتها مريم خمسين درهما هي كل ما تملك. شكرتها أسماء وشرحت لها أن الوضع أكثر تعقيدا فأمها لا توافق على حلم المسرح بالمرة بل تهدد بسحبها من المدرسة. أخبرت مريم أنها لن تستسلم وستهرب لتجتاز المسابقة. ستضحي بكل شيء من أجل حلمها. جلستا أمام بيت مريم في انتظار أن تأتي فاطمة ليتدبرن حلا. جاءت فاطمة تحمل معها عشرين درهما هو كل ما تتوفر عليه. -لازال يلزم ألف درهم. كن ثلاثتهن عاجزات أمام مشكلة المال. لم تفكرن من قبل في مسألة المال وكيفية ربحه. لم يجربن بعد الاشتغال في العطل والأهالي لا يعطون مصروف الجيب كي يوفرن منه. لم يكن هناك أفق لمراهقات صغيرات بحاجة إلى المال في مدينة صغيرة مثل إيفران. فكرن في كافة الحلول: العمل أولا ولكن كيف يجدن عملا بسهولة؟ الاستلاف ومن سيسلفهن ألف درهم دفعة واحدة؟ السرقة وهن لا يعرفن كيف ويخفن من القبض عليهن. فكرن في إخبار الأولاد هم أكثر خبرة في مسألة المال. تواصلهن مع الأولاد قليل بحكم الحصار الأسري. فكرن في الاتصال بعلي الفيلسوف وهو ولد متحرر ويحادث البنات في الثانوية. ذهبن إلى رأس الدرب. وهناك كان علي ككل يوم يدخن سيجارته. أومأن إليه أن يتبعهن إلى طرف معزول في الدرب قرب بيت حليمة الثورية المعروفة بأنها قرأت كتاب نوال السعداوي: «الوجه العاري للمرأة العربية». قرب بيتها فسحة بعيدة عن الأعين. سلمن على علي وشرحن له الموضوع ومعضلة أسماء لتبييض أسنانها، أجابهن وهو يشعل سيجارة جديدة: -لا أعرف لماذا تشغلين نفسك بتفصيل كهذا. يجب أن تكون لك إرادة اقتدار حقيقية كما يقول نيتشه. عليك أن تتقبلي نفسك كما أنت وأن تعيشي حياتك بقوة وأن تقاومي أفكارك الغريبة عن الجمال. لك جمالك الخاص ولو بأسنانك الصفراء. - أريد أن أمثل، هل رأيت ممثلة بأسنان صفراء؟ -رأيت كاتبة كبيرة، جانيت فرام كانت أسنانها صفراء ورغم ذلك كتبت واشتهرت وحتى أنها كتبت عن أسنانها الصفراء. اكتبي عن أسنانك وسيزول عنك الهوس. أنت سجينة آراء مسبقة عن الجمال ويجب أن تخرجي من سجنك. هذا تكييف مجتمعي قوي والفرد يستطيع أن يفك نفسه من قيم المجتمع لينتج قيمه الفردية عن الخير والحب والجمال. اسعي إلى أخلاق وقيم فردية وسترتاحين. لم تكن تفهم ما يريد الفيلسوف قوله. انفعلت وتدخلت فاطمة متوجهة بكلامها إلى علي: -أرحنا من الفلسفة. هل لديك ألف درهم؟ بدا كأنه لم يفهم فكررت أسماء السؤال . قال متهكما: -ومن أين لي بألف درهم؟ أنا تلميذ عاطل وحنى ثمن السجائر آخذه من أختي الموظفة. أبي نفسه لا يملك ألف درهم. لكني غير موافق على طريقة تفكيرك وعلى مشاركتك في برنامج للتلفزيون المخزني الذي هو أداة النظام في إلهاء الشعب عن مهامه الثورية. -أنا لا أفهم في هذا الكلام ومهمتي الثورية الوحيدة هي أن أبيض أسناني وأشارك في المسابقة أحست ببعض الإحباط لفشل محاولتها مع علي. فكرت مع صديقاتها أي ولد آخر يمكنهن أن تكلمنه بشأن المال. فكرن بعزيز الطالب الجامعي. لهم منحة في الجامعة لاشك أن معه ألف درهم. ذهبن إلى بيته وراء الهضبة. بيت جميل بحديقة واسعة. كان واقفا عند عتبة البيت وفي يده كتاب. شرحن له الموضوع ورد عليهن بدون حرج: «تنام معي فاطمة وأعطيكن ألف درهم». عليه اللعنة، لا يدع فتاة تفلت من قبضته. هو معروف بمغامراته العاطفية في إيفران وبأنه ضيع بنات كثيرات في المدينة. يقال إنه يغويهن ويقودهن إلى «بريتشه» صديق له في المركز وهي شقة صغيرة يتناوب عليها العزاب مع صيدهم اللحمي.. هناك يمارس معهن الجنس ويتركهن بعد ذلك. البنات لا تستطعن الشكوى لأن في ذلك فضيحتهن. حسب ما يقال فهو يستعمل مخدرا لإخضاع البنات. ندمت لأنها سألته لكنها لم تتوقع أن يكون بتلك الفجاجة. لم يدرين ما هن فاعلات. من سيسألن في حي الشؤوم ذاك. «لا أحد يمتلك ألف درهم في هاته المخروبة» صاحت فاطمة. لنسأل حليمة الثورية قد تساعدنا. ذهبن إلى بيت حليمة. سألن عنها أمها وقالت إنها غائبة في فاس من أجل مؤتمر للنساء. لو كانت هنا لأفادتهن ولحلت المشكلة. أحست أسماء بإحباط شديد وبالمهانة. «هذا ما يحدث للفقراء، المذلة والسؤال. لو كنت غنية لما اضطررت للسؤال ولبادرت أمي إلى تبييض أسناني حتى دون أن أطلب منها. كانت ستفكر في الأمر بشكل بديهي. لا يمكن لبنت أن تواجه العالم بأسنان صفراء مثلي. حتى الضحكة تخرج ناقصة من فمي وأسناني على هاته الحالة. لن أصل إلى شيء مادمت لم أبيض الأسنان لأكون مثل الأخريات. في غالب الأحيان أضع يدي على فمي كي لا يرى الآخرون عيبي. أحس أنني أقل من الأخريات. من كل الأخريات الجميلات. ماهذا القدر يا ربي: الفقر والذمامة؟ لماذا تعاقبني وأنا بعد صغيرة ولم أرتكب بعد ذنبا أستحق عليه العقاب؟ هل أنت غاضب علي لهذا جعلتني بهاته الذمامة؟» الحقيقة أن أسماء لم تكن ذميمة. كانت فتاة مقبولة الشكل رغم ميلها للنحافة. فمها ممتلئ وعيناها جميلتان بلون بني غامق وشعرها بني وطويل ومنساب على غرار الشعر الآسيوي. كان يمكن أن تبدو جميلة حقا لو كانت تملك بعض الملابس والأكسسورات والأشياء التي تحتاجها البنات ليبدين أنيقات. كانت ملابسها القليلة مشتراة من جوطية السوق يوم الأحد وحتى الجوطية لا تملك المال الكافي لتشتري منها. تعطيها أمها ثلاثة دراهم يوم الأحد وتتلقط بعض الملابس الرخيصة من الجوطية. تبدو فعلا رثة في ملابسها. يبدو عليها الفقر والحرمان ويبدو عليها شيء آخر غريب يجعل وجهها شاحبا ومنخطفا وتبدو في أية لحظة كأنها تستعد للنواح. ما يؤلمها حقا هو بعد أمها القاسية عنها. مسافة فظيعة تفصلها عن أمها. باءت كل محاولاتها في التقرب الى أمها بالفشل وكأن أمها ترفض وجودها جملة وتفصيلا. ذنب أسماء أنها تشبه أباها في شكله وأمها تحقد على أبيها وتعتبره سبب فقرها واندحارها. لا تفتأ تذكره بأسرتها في آيت عياش وكأنها تتحدث عن نبلاء فيما هم جملة من الرعاة ينزلون البراري شتاءا ويذهبون إلى الجبل صيفا لترعى أغنامهم. تظل أمها تتذكر آيت عياش وكأنها الجنة المفقودة وتصب كافة غضبها على زوجها وتنعته بأقدح الأوصاف. جو الصراعات هذا في البيت جعل أسماء تفتقد أسس الأمان والراحة وتميل إلى تعويض الحياة البئيسة التي تعيشها بالخيال. تندمج مع شخوصها وتعيش معهم أغلب الوقت وتبدو سارحة في معظم الأحيان. كانت تتخيل حياتها في بيت حقيقي، بيت بجدران حقيقية بدل القصدير الهش الذي يشعرها أنها تبيت في العراء. كانت تتخيل أبا وأما يحبان بعضهما ويعتنيان بها كما يليق بطفلة في عمرها في حاجة إلى الحب والحنان. كانت أيضا تتخيل أن لها أخا أو أختا تشاركها الحياة. كانت تشعر بقهر قوي من الأشياء التي حرمتها الحياة منها. كانت مؤمنة لذلك تتكل على الله وتطلب منه المعونة وبأن يهديها طريقا مستقيما ولا تندحر في الخطيئة. لا تريد أن تخطئ لأنها تعرف عاقبة الخطاة. تريد فقط أن تقاوم وتعمل وتمارس عشقها الأول للتمثيل وفي هذا تعرف أن الله لا يعترض على التمثيل لأنه جميل والله يحب الجمال ولا يرضى أن يخيب رجاء طفلة فقيرة وحزينة. لكن الله يقبل أن تعيش في عشة بينما الآخرون في بيوت حقيقية لكن لله حكمة هي غير قادرة على التعرف إليها. كانت تقول دائما «اللهم لا اعتراض». رغم صغر سنها أدركت أن وراء تقسيم الأرزاق حكمة إلهية ومغزى يغيب عن الإنسان لكنه حاضر عند الله. ما لا تستطيع تقبله هو جفاء أمها لها ووقوفها ضد أحلامها بقسوة غير متوقعة من أم. وهي تحادث أمها عن حلم المسرح فكرت أن هاته الأخيرة ستفرح لابنتها وتدعمها وتغطيها بأنهار الرضى لتنجح في مسارها لكن هاته الأخيرة رفضت واعتبرت حلمها جريمة. فكرت: «سأمضي إلى حلمي يا أمي ولن يمنعني عائق عن تحقيقه. ربما لزم الأمر أن أبتعد عنك، أن أذهب إلى فاس أو الرباط لكنني سأفعل. سأضحي بكل شيء لأنجح وحين سأنجح سأعود لأحملك تعيشين معي في عز ورفاه». رغم جفاء أمها لها إلا أنها كانت دائما تريد إنقاذ أمها من الفقر والمهانة. كانت كل أحلامها منصبة في كيفية انتزاع أمها من دوامة الخدمة والحاجة. لم تكن تمانع في القيام بكل أعباء البيت والطبخ من أجل راحة أمها حين تعود من العمل. تقوم بتسخين العشاء لها وتحضر لها الطشت بالماء الساخن والملح كي تكمد رجليها. كانت تفعل ذلك عن طيب خاطر وعن اقتناع أنها تساعد أمها وتسعى إلى التخفيف عنها من وطأة الإهانة وخزي الخدمة عند الناس. لا تستطيع أن تفهم موقف أمها من حلمها بالتمثيل واحتقارها لرغبتها في تبييض الأسنان. مرات كثيرة تفكر أن أمها لا تريد لها الخير وأنها تحلم بها خادمة مثلها. ما الذي يجعل أما عدوة لابنتها بذلك الشكل؟ « في الطبيعة هناك قطط تأكل أولادها، هل تكون أمها مثل تلك القطط القاتلات؟ « استعاذت بالله من سوء أفكارها وركزت مع صديقاتها في مسألة المال. قالت فاطمة إنها يمكن أن تسرق مجوهرات أمها ويبعنها لكن أسماء منعتها من تنفيذ الفكرة لما فيها من مخاطر. اقترحت أمينة أن تذهبن عند أستاذة الفرنسية الزايدي التي لا تفتأ تثني على قدرات أسماء في الفرنسية. ذهبن إلى المركز عبر طريق المارشي والهضبة. وصلن إلى بيت الزايدي. بيت أنيق بحديقة جميلة. أدخلتهن الخادمة السوداء اللون وأجلستهن على أرائك لم يرين مثلها من قبل. كل شيء أنيق، الستائر واللوحات الفنية وزرابي رباطية حقيقية وأرائك من الطراز الحديث. كل شيء نظيف ومرتب بعناية. كانت السيدة الزايدي زوجة لضابط مهم في إيفران بل إنه الكوميسير القدميري الذي يهابه كل شخص في المدينة. السيدة الزايدي أكيد تملك ألف درهم. لقد حلت المعضلة. أتت السيدة الزايدي في قفطان مغربي مذهب وفي كامل زينتها كأنها ذاهية إلى عرس. رحبت بهن ونادت الخادمة لتهيئ الشاي. سألتهن عن مرادهن فأجابتها فاطمة وأفصحت لها عن المبتغى من تلك الزيارة. بدأت السيدة الزايدي تفكر. سألت إن كان الوالدان موافقان على تبييض الأسنان وعلى الترشح للمسابقة. أجابتها أسماء أن أمها للأسف غير موافقة أما أبوها فلا تجرؤ حتى على مفاتحته بالموضوع. فكرت السيدة الزايدي مطولا والبنات صامتات. أحضرت الخادمة إبريق الشاي مع حلوى مغربية من الصنف الفاخر وكأنهن في عرس. مدت إليهن الأستاذة كؤوس الشاي وطبق الحلوى. انتظرت أن ينهين كؤوسهن ثم قالت بثقة: -لا يمكنني أن أساعدك للأسف باعتبار أن أمك غير موافقة. يجب أن تسمعي لأمك يا أسماء. -إنها تحرمني من حلمي وتعوق بيني والحياة. -لكنها أمك ولا أحد يعرف مصلحتك أكثر منها. لا يمكنني أن أفعل شيئا. حاولت البنات التوسل بمختلف الطرق لكن الأستاذة ظلت متشبتة بموقفها الرافض للمساعدة. وقفن للانصراف، نظرت أسماء إلى أستاذتها نظرة استعطاف أخيرة لكن لا جدوى. الأستاذة قررت ولا راد لقرارها. خرجت أسماء من بيت أستاذتها وهي محطمة المشاعر. كل آمالها كانت متعلقة بأستاذتها. ألا تشيد كل يوم بإتقانها للفرنسية وتتنبأ لها بمسقبل ناجح، هل كذبت عليها طيلة السنة الدراسية؟ لماذا خذلتها بهذا الشكل؟ لماذا تدعها وحيدة تتخبط في مشكلة لا حل لها؟ أما كان يمكن أن تمدها بالألف درهم بدل المحاضرة عن دور الأم وضرورة طاعتها؟ ألهذا الحد هي رجعية أم أنها لا تريد لتلميذتها الفقيرة أن تحلم بالمجد والشهرة والمال؟ كل شيء ينحو نحو إثنائها عن حلمها لكنها قررت أن تصمد وأن تبحث عن حل. لاشك أن في المدينة إنسانا أو إنسانة كريمة تستطيع مدها بالمال. استعرضت مع صديقاتها كل الناس الذين تعرفهم في إيفران، أغلبهم فقراء ولا يملكون حتى ثمن الطعام. جبن المدينة طولا وعرضا يبحثن عن حل إلى أن تعبن فجلسن قرب البحيرة القريبة من منحوتة الأسد في المركز. شاهدن البط وهو يسبح في الماء دون معاناة. فكرت أن البط في إيفران أكثر سعادة من الإنسان خاصة إنسان تيمديقين. لو كانت بطة لما حملت هم الحياة وهي صغيرة. ماذا عاشت لحد الآن؟ حياة قصيرة من تدريب الجسد على الحرمان. أمها لا قول لديها غير ممنوع، ليس في مستطاعنا. لماذا أنجبتها إذن؟ لتعيش حياة البؤس والحرمان؟ فكرت أن الناس الذين يعيشون في براكة لا يجب أن ينجبوا لأنهم لن يستطيعوا أن يمنحوا حياة لائقة لذريتهم. ما الذي يدفع الفقراء إلى الإنجاب غير غريزة حيوانية تتجاوز قدرتهم على التحكم في أعضائهم التناسلية. حقدت على الغرائز وقررت أنها لن تنجب أبدا أو ربما ستفعل حين تصير غنية ومشهورة، ستفعل لتتقاسم ما لديها مع أطفالها ولتجعلهم يسعدون. كانت صديقتاها تنظران إليها وكلهن وجع لحالها. سألتها فاطمة: -أسماء قولي لي حين ستصبحين مشهورة هل ستظلين صديقتنا؟ فوجئت أسماء من السؤال. هي تريد أن تنسى كل شيء في حي تيمديقين المقيت. تريد أن تهرب بعيدا عن مدينة إيفران التي لم تذق فيها غير الجوع والعراء. تريد أن تشم هواء آخرا. أن تلتقي أناسا آخرين. أناس عظماء. فنانون. ممثلون، وربما وزراء سيخطبون ودها. لكنها في نفس الآن لا يمكن أن تنسى صديقاتها. لولاهن ما احتملت الحياة في إيفران ساعة واحدة. فكرت مليا ثم أجابت صديقتها: -لن أنساكن أبدا سأبعث إليكن بسائقي الشخصي ليحملكن إلي الرباط. سأعيش في الرباط لأنها مدينة الفنانين. -سيكون لديك سائق؟ -أجل، ضروري. كل الفنانات لهن سائق شخصي وسيارة مرسيديس وخدم -يالحظك، كم تمنيت لو كانت لي هواية ترفع قدري بين الناس. غاصت الصديقات في تخيل حياة صديقتهن المقبلة. حياة فيها بريق وترف وسفر ومجوهرات وسيارات فاخرة. كن متيقنات من أن صديقتهن ستحقق كل ذلك، ياه لو لم يكن هناك مشكل الأسنان. انتهى اليوم دون أن تجدن حلا. انصرفت أسماء إلى عشتها وهي محطمة الإرادة، مشتتة الذهن إلا من حلمها الذي يأبى أن يتوارى. لا تريد للعراقيل أن تعصف بحلمها. لن تدع أي شيء يحول بينها وبين المجد والغنى. ماذا يحدث لو أن الله يساعدها قليلا لتحقيق حلمها. لو يعطيها إشارة، فقط إشارة، إشارة صغيرة تجعلها تستعيد ثقتها في نفسها وفي الله نفسه ووقوفه معها. الله الذي قبل أن تولد من بوزبال وأن تعيش في براكة. استغفرت ربها وحاولت النوم بعد أن سممت أمها بدنها بكلام جارح لأنها لم تنظف البيت كما العادة. وهي تحاول النوم أينعت في ذهنها فكرة. ستسرق حلي أمها القليلة وستبيعها عند بائع المجوهرات في المارشي. قررت ذلك ثم نامت. في الصباح الموالي، هيأت شاي أمها ووضعت أمامها الزيت والخبز كالعادة. خرجت أمها وانصرفت هي إلى دولاب غرفة النوم. أخرجت الحلي من صرتها، تأملتها جيدا: حلق بولحية الأمازيغي، خاتم من نوع اللويزة وإسورة ذهبية. كانت هاته كل حلي أمها. حملتها وانصرفت إلى المارشي. باعتها بألف وخمسمائة درهم. قطعت المسافة بين المارشي وتيمديقين وهي تقلد تحية كاريوكا في ضحكتها التاريخية. مرت الأيام وجاء موعد دكتور الأسنان وأمها لم تنتبه لاختفاء مجوهراتها. ذهبت أسماء عند الطبيب وبيضت أسنانها. مد إليها الطبيب مرآة فأحبت وجهها وضحكت وبكت من الفرح. أخيرا أسنان بيضاء لم يبق غير اجتياز المسابقة و»إلى ليل الرباط ونهارها» صرخت وهي تكاد تعانق الطبيب منقذها من الذمامة. عادت إلى البيت ووجدت أمها على عتبة العشة وهي غاضبة. أمسكتها أمها من عنقها وهي تصيح: -أين مجوهراتي يا سارقة؟ -أمي سأعوضك.الآن صار بإمكاني أن أحلم، أنظري، أسناني بيضاء لاشيء سيحول بيني وبين حلمي سأنقذك من هاته العشة. تركتها أمها وهرولت باتجاه الشارع. اعتقدت أسماء أن أمها سامحتها. بعد ساعة حضرت الشرطة وألقت على أسماء القبض وأمها تصرخ: -لقد سرقتني الفاجرة أوقعوا بها أقصى العقوبات. حوكمت أسماء بتهمة السرقة الموصوفة ووضعت في السجن ثمانية عشر شهرا. حين خرجت من السجن توجهت للخدمة في مطعم الوردة. هكذا ارتاحت أمها من أحلامها وأيقنت نهائيا بالكثير من الرضى عن النفس أنها محقة في نبوءتها وأن بنت بوزبال لا تصلح إلا خادمة.