هي واحدة من الزيارات القليلة جدا التي يؤديها قائد الدبلوماسية الإيرانية إلى عواصم المغرب العربي جميعا، باستثناء طرابلس. تعودت طهران التوجه شرق المتوسط حيث عمقها الجيواستراتيجي تأسيسا على أحزاب سياسية وأطراف حزبية شيعية منتشرة بين لبنان واليمن والعراق، ما مكنّها من مواطئ قدم راسخة في المنطقة، وحوّلها إلى رقم صعب في كافة معادلات الحرب والتسوية في ملفات العالم العربي. صحيح أنّ إيران تتمتع بوجود اقتصادي معتبر في الجزء الجنوبي من القارة الأفريقية تكرّس خلال الزيارات الماراتونية التي قام بها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد إلى 6 عواصم أفريقية أشهرا قليلة قبل خروجه من كرسي الرئاسة الإيرانية، إلا أنّ ولوج القارة الأفريقية كان محكوما بحقيقتين اثنتين، الأولى أنّه كان في سياق منافسة شرسة من الكيان الصهيوني، والثانية أنّ التوسع الإيراني لم يشمل الجزء الشمالي من القارة الأفريقية حيث الدول المغاربية، نظرا لاعتبارات سياسية وثقافية وإستراتيجية عديدة. اليوم، تريد ?طهران روحاني? فتح صفحة جديدة من العلاقات الدبلوماسية عبر الولوج إلى فضاء جيوسياسي كان يمثّل لدى المسؤولين الإيرانيين السابقين ?منطقة منسيّة?، موظفة بذلك الرصيد الرمزي الذي مكنّها منه الاتفاق النووي مع الغرب، ممثلا في مجموعة الدول الكبرى الخمس مع ألمانيا، في سبيل إعادة تأهيل دورها مع الدول الشريكة مع ذات الغرب متجسدة خاصة في الدول المغاربية. هنا بالضبط تكمن حقيقة تمثّل إيرانللعواصم المغاربية، لا كمغرب عربي واقع على الجهة الأخرى من الشرق العروبيّ، وإنما ك?جنوب متوسطي? يقع في الجزء السفلي لدول أوروبية كبرى (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) أبرمت اتفاقا تاريخيا مع طهران الأمر الذي يسهّل الولوج إلى مناطق نفوذ اقتصادي للدول الأوروبية الكبرى. قد تكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ إيران، ما بعد الشاه، التي تدخل فيه الدبلوماسية الإيرانية الدول العربية من البوابة الشمالية الأوروبية التي أقرت بحقّ إيران النووي في مقابل اعتمادات مالية كبرى لشركاتها التي تعاني الإفلاس، الأمر الذي قد يترجم في تعديل في مستوى الخطاب السياسي والدبلوماسي للدول المغاربية التي كثيرا ما كانت تتوجس من الزيارات الإيرانية إليها في مستوى إمكانيّة التأثير على العلاقات مع واشنطن والدول الأوروبية الشريكة على وجه الخصوص. ليس من باب المصادفة، أن تكون زيارة محمد جواد ظريف قائد الدبلوماسية الإيرانية إلى الدول المغاربية بعد فسخ عبارات ?الموت لأميركا? من الشوارع الرئيسية في طهران، وتغييرها بشعارات أخرى ضدّ دول أخرى ما يشير إلى قرب نهاية حالة العداء ?المعلنة? مع أميركا وإمكانية الدخول في حالة تطبيع رسميّ بتمثيل دبلوماسي واسع. زيارة ظريف إلى الأقطار المغاربية ستكون بمثابة مدّ اليد لتعاون اقتصادي مشترك يفتح السوق الإيرانية أمام السلع ورجال الأعمال ?المغاربيين?، في المقابل يفتح السوق المغاربية، لا تريد إيران سوقا محلية ضيّقة وإنما سوقا مغاربية شاملة، أمام التوسّع الاقتصادي الإيراني وهو ما يفسّر تعمّد وزير الخارجية الإيراني ظريف لزيارة كافة الأقطار المغاربية باستثناء طرابلس، وقد تكون له لقاءات مع بعض القيادات الليبية في تونس أو المغرب. سيكون ظريف ?ظريفا جدا? في الأقطار المغاربية حيث أنّه سيضع جانبا المواضيع المستعصية التي كانت تفعم الخطاب الدبلوماسي الإيراني، فلا حديث في المغرب الكبير عن الأزمة السورية أو المعضلة اليمنية أو الاستحقاق الفلسطيني أو ?الاستكبار? الأميركي أو ?الطاغوت? الإسرائيلي، فكما أنيطت هذه الشعارات بخطبة يوم الجمعة ل?مرشد الثورة? عند التوقيع على الاتفاق النووي، فإنّ ?المصلحة الإيرانية والمصالحة الاقتصادية? هي كلمة السرّ لزيارة ظريف إلى دول المغرب العربي. وله بعد ذلك كلّه أن يضحك ضحكة ?ظريفة? جدا، كتلك التي رسمت على ثغره في جنيف، ذلك أنّ ?الأيديولوجي? ينتهي بانتهاء ?الفيديولوجي? من خطب الإمام والمرشد في طهران وقم.