ذكرت مصادر صحفية جزائرية أن الحكومة قررت وضع خطة عاجلة من محورين لمعالجة تزايد ظاهرة إقدام مواطنين في البلاد على إضرام النار في أجسادهم كما فعل التونسي محمد بو عزيزي مفجر ثورة بتونس منذ شهر تقريبا. ووفقا لموقع صحيفة «الجزائر نيوز» الإليكتروني يتعلق المحور الأول: بإنشاء خلية أزمة تابعة لوزير الداخلية دحو ولد قابلية، والمحور الثانى: تنفيذ حملة توعية عبر المساجد من أجل إقناع الجزائريين بأن هذا الفعل يعتبر انتحارا ويحرمه الدين الإسلامى الذى يعتبر قتل النفس كقتل شخص آخر، أو كمن قتل الناس جميعا. وأضاف أن خلية الأزمة ستعمل على دراسة سبل امتصاص غضب المحتجين وتنفيذ تعليمات الوزير الأول الجزائري أحمد أو يحيى العاجلة لجميع الولاة المؤكدة على ضرورة أخذ بعين الاعتبار اهتمامات المواطنين.. كما تعمل الخلية على الاتصال بمختلف المناطق في محاولة لإقناع المواطنين بالعدول عن مثل هذه التصرفات. وكانت صحيفة «الخبر» الصادرة أول أمس، قد ذكرت أن شابا عاطلا عن العمل أضرم النار فى جسده داخل مقر البلدية بولاية الوادى الواقعة على بعد 630 كيلومترا جنوب شرق العاصمة احتجاجا على البطالة وحرمانه من السكن. وأشارت الصحيفة إلى أن الشاب الذى يدعى «معامير لطفى» 35 عاما ،رب عائلة من ستة أفراد ويعاني البطالة والفقر المدقع منذ سنوات، أقدم على إضرام النار في نفسه داخل مقر البلدية ، مما أدى إلى إثارة حالة من الهلع والذعر بين صفوف الموظفين والعمال في المبنى الإداري للولاية الذى يضم بالإضافة إلى مقر البلدية ديوان الوالي ومديرية التنظيم والشئون العامة ومديرية الادارة المحلية والأمانة العامة للولاية، حيث هرعوا إلى مكان الحادث.. وأن الضحية الجديد أصيب بحروق خطيرة من الدرجة الثانية في النصف الأعلى من جسده. يذكر أن عددا من الشباب العاطلين عن العمل كانوا قد قاموا منذ يوم «الجمعة» الماضي بمحاولة الانتحار حرقا وكان أشهرهم الشاب «بوطرفيف محسن» 27 عاما، الذى أقدم يوم السبت الماضي على إضرام النار في جسده بمدينة «بوخضرة المنجمية» شمالي عاصمة الولاية تبسة الواقعة على بعد 670 كيلومترا شرق العاصمة، وذلك احتجاجا على الرد السلبى لرئيس البلدية الذى أجابه بعدم توفر مناصب الشغل. ومن جهته انتقل والي ولاية تبسه إلى مقر البلدية والتقى بممثلي المجتمع المدني وأعيان المدينة واتخذ عدة إجراءات لتهدئة الوضع في مقدمتها إقالة رئيس البلدية وإمكانية حل المجلس نهائيا، مؤكدا أن مطالب الشاب مشروعة كما أمر بفتح تحقيق إداري في ملابسات الحادثة، وكذا لجنة تنسيق لحصر انشغالات الشباب في ما يتعلق بالتشغيل. وتوصف الجزائربأنها : «دولة غنيَّة.. وشعب فقير»، وهي معادلة تحمل طرفين متناقضين لا يجتمعان إلا في بيئة خصبة بالفساد، والأخير في الجزائر يعدُّ «أسطوريًّا»، حسبما ورد في وثائق ويكيليكس، حيث يحتكر الجنرالات والساسة كلَّ شيء في البلاد، تجارة وصناعة وخدمات، وهناك جزء يديرونه مباشرةً لحسابهم الخاص، والباقي يكتفون بتحصيل «عمولات» إلزاميَّة لأجل تمريرِه، وبدون ذلك فإن مراكب العمل والإنجاز «تتعطَّل». ومعلوم أن أن 75% من الجزائريين دون الثلاثين عامًا، في حين يتجاوز معدل البطالة 20%، كما أن النظام عاجز عن توظيف واستغلال هذه الطاقات الهائلة، رغم عائدات النفط والغاز الضخمة، وفاقم من الأمر افتقاد النظام لمشروع وطني جامع أو رؤية مستقبليَّة وحسب متتبعين للشأن الجزائري فإن بوتفليقة اكتفى بإدارة «توازنات الحكم» التي ورثها ممن سبقوه، فهو من ناحية حافظ للعسكر على امتيازاتهم ومنحهم حصانة من أي ملاحقة عما وقع من تجاوزات خلال المواجهات مع الجماعات المسلَّحَة، في مقابل تراجعهم قليلًا عن صدارة المشهد، والاكتفاء بالمشاركة في إدارة الحكم من وراء الستار، كما أنه سعى لضخّ بعض الدماء في العمليَّة السياسيَّة ومنح هامش من الحركة للأحزاب والقوى السياسيَّة، لكنه أبقى الأمر في دائرة مرسومة سلفًا، ومن حاول تجاوز ذلك جرى إخراجه من اللعبة نهائيًّا، كما حدث مع «علي بن فليس»، الأمين العام لجبهة التحرير الوطني أو تعرّض للتهميش وانشقاقات حزبيَّة، كحال «عبد الله جاب الله». مسؤول حركة الإصلاح الوطني وتقول نفس المصادر إنه وسط هذه التعقيدات فإن آلاف الشباب الجزائري لا يترددون في إلقاء أنفسهم وسط أمواج المتوسط العاتية، آملا في النجاة والوصول إلى الشط الآخر، بحثًا عن فرصة عمل وحياة كريمة في أوروبا، ليس فقط هربًا من الفقر، وإنما كذلك رفضًا لتفشي الفساد والمحسوبيَّة، ولذا لم يكن غريبا أن تنطلق شرارة الاحتجاجات الأولى من سكان الإيواء، الذين يقطنون في «مساكن صفيح» حول العاصمة منذ زلزال عام 2003، منتظرين دورهم في الحصول على شقق بديلة لمنازلهم التي دمَّرَها الزلزال، لكن الانتظار طال، والشقق المتوافرة تذهب لمن يملك الرشاوى المطلوبة أو يعرف أحد النافذين ليتوسَّط له.