بعيدا عما هو مضمن في الميثاق الجماعي الجديد، أفرزت لنا التجربة الجماعية ثلاثة أصناف من المستشارين الجماعيين: مستشارون من الدرجة الأولى بيدهم الحل والعقد، يصولون ويجولون في ردهات الجماعات، يقضون مصالح المواطنين للبعض منهم فيها نصيب معين... فكل شيء هنا بثمن! تراهم يتنقلون بين مكاتب الجماعة يتأبطون ملفات، يرابطون أمام مكاتب المنعم عليهم بالتفويض في التوقيع. والويل كل الويل إن تم رفض الإذعان لهم، فدورات المجلس واجتماعات اللجان هي امتحان وعندها يعز المكتب أو يهان! الصنف الثاني من المستشارين هو ممن لم يساعده الحظ في الظفر بمقعد في مجلس المدينة وبقي حبيس مجلس المقاطعة لايملك من الأمر شيئا سوى مباركة قرارات مجلس المدينة و«تقرقيب الناب!» في مكاتب الجماعة مع الموظفين، وفي أحسن الأحوال داخل مكتب الرئيس، ينذبون حظهم العاثر ويتذكرون أيام العز عندما كانوا يملكون مفاتيح «السعد»! هؤلاء، وأمام وضعيتهم الجديدة، تراهم يتسابقون لكسب ود الصنف الأول ويتزلفون طمعا في التوسط لهم لقضاء بعض المصالح لهم فيها أيضا نصيب! تراهم يرافقون الصنف الأول، يتنقلون بين مكاتب الجماعة بحثا عن وصيهم، يقضون الساعات وهم يحاولون العثور عليه. منظرهم يثير الشفقة وهم يحاولون الاتصال به هاتفيا، تلحظهم وقد اكتظت ممرات الجماعة بهم عند كل دورة، ومابين كل دورة ودورة يتيهون بين المكاتب، وفي كل مرة يبحثون عن وكيل لهم، ولكل واحد أجر! الصنف الثالث والأخير من المستشارين هم أولائك الذين وجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل بمجالس المقاطعات واكتشفوا أنهم ليسوا إلا ديكورا لتأثيث المجالس، لايستشارون ولايؤخذ باقتراحاتهم ولايعترف أحد بوجودهم إلا في المناسبات الرسمية وزيارات المسؤولين المحليين والمركزيين، حيث يتم استدعاؤهم لتأثيث الفضاء ليس إلا، من هؤلاء من اكتشف اللعبة وغاب عن الأنظار ولم يعد يظهر له أثر في المقاطعة، ومنهم من اكتفى بدوره الجديد فتجده ينتظر استدعاء من القائد أو دعوة من عامل الإقليم نسخت منها الآلاف! لعل زيارة خاطفة لمجالس المدن والمقاطعات ستمكن من الاطلاع على حقيقة هذا التصنيف الذي لم يأت من عبث، بل من معاينة متأنية لواقع أفرزه النظام الجماعي الجديد والبقية تأتي!