مع اقتراب اي استحقاق انتخابي يثور الجدل بين الفرقاء السياسيين من جهة ووزارة الداخلية من جهة أخرى حول الإطار القانوني المنظم لهذه الانتخابات، ويثور بشكل خاص الحديث عن اللوائح الانتخابية بين من يطالب بلوائح جديدة ومن يدعو إلى تعديلها. لكن هذه السنة، بادرت وزارة االداخلية إلى القيام بالعديد من الإجراءات التي استجابت فيها لجانب مهم من تطلعات الفرق السياسية وبخاصة المعارضة منها مثل التقييد على أساس الإقامة ببطاقة التعريف الوطنية أو الدفتر العائلي مع شهادة إدارية وتمكين الأحزاب من مستخرج للوائح الانتخابية العامة والجداول التعديلية، لكنها في المقابل رفضت مقترحات تتعلق بالقضايا الرئيسة في إصلاح التدبير الجماعي من قبيل الانتخاب المباشر للرئيس، وهو ما جعل الفرقاء السياسيين وخاصة منهم المعارضة لا ترى في هذه الإجراءات أية انعطافة فارقة نحو الديمقراطية الحقيقية. في هذا الحوار، نناقش مع الدكتور محمد الغالي، قضايا تدبير الشأن المحلي والصعوبات التي تعرقل عمل المجالس الجماعية وإشكال الحكامة فيها، والإجراءات الجديدة المؤطرة. أثارت القرارات الإدارية التي أصدرتها وزارة الداخلية في حق بعض رؤساء الجماعات وبخاصة عمدة مدينة مكناس سؤال سؤالا كبيرا حول العلاقة بين المهني في عمل المفتشية الترابية لوزارة الداخلية بين الاعتبار السياسي، كيف تقينون هذه القرارات، وهل كان الاعتبار السياسي أو المهني هو المتحكم فيها؟ في اعتقادي، المبدأ الذي ينبغي أن يحكم الدولة في تدبيرها للشأن العام هو الشرعية أي احترام القانون، لكن هذا المبدأ ينبغي أن يحترم بشكل كلي لا بشكل جزئي، إذ لا ينبغي أن يكون خاضعا لمنطق الكيل بمكيالين، ففي المغرب، كما لا يخفى، عندنا أزيد من 20 ألف جماعة، وبالتالي الخروقات المتعلقة بعدم احترام القانون أو بعدم احترام مبدأ الملاءمة فيما يتعلق بالمشاريع لم تكن فقط من نصيب هذه الجماعات القليلة التي تقرر عزل رؤسائها، وإنما هي تشمل أزيد من 80 بالمائة من هذه الجماعات، في حين أن قرارات العزل لم تطل سوى ثلاث رؤساء جماعات و70 مستشارا من أصل أكثر من 1500 مستشار، وهي نسبة ضعيفة لا تصل إلى درجة 1 بالمائة، وهي نسبة غير متناسبة ولا متكافئة مع حجم الخروقات التي تتحدث عنها التقارير الرسمية، إذ تؤكد هذه التقارير أن 80 بالمائة من الجماعات المحلية ساقطة في خروقات، وهو الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل حول مصداقية القرارات والجزاءات التي اتخذتها الوزارة، كما يعبر عن وجود حلقة مفرغة فيما يتعلق بالعمل الذي تقوم به المفتشية الترابية لوزارة الداخلية. ليس هناك خلاف في أن أهم المشكلات التي تعترض العمل الجماعي تتجلى في الصعوبات التي تعرقل السير العادي لبعض المجالس الجماعية وإشكالية تدبير المدن ذات نظام المقاطعات وطغيان الهاجس الإداري على حساب التخطيط الاستراتيجي، في نظركم إلى حد استطاعت وزارة الداخلية في مشروعها الجديد تقديم حلول لهذه الإشكالات؟ يجب أن نذكر بملاحظة أساسية كون المشروع الحالي الذي حاول اعطاء هندسة جديدة لعمل تدبير الجماعات المحلية من خلال القانون71/80 المغير و المتمم للقانون 87/00 لم يستطع الاجابة عن الحاجات الملحة في سياسة التدبير الجماعي و الدليل على ذلك أن هذا القانون لم يأخذ الا الشيىء القليل من المقترحات و التوصيات التي رفعت أثناء عمليات التشاور الموسعة التي قامت بها وزارة الداخلية في مختلف العمالات و الأقاليم و ولايات المملكة، فمثلا على مستوى تدبير المدن الكبرى أو يسمى بمجالس المدن التي تدور في فلكها مجموعة من مجالس المقاطعات كما هو حال مدن مراكش، الدار الببيضاء ، فاس ..لم يأت الميثاق بعد مرور حوالي خمس سنوات من التطبيق بتعديلات جديدة تتجاوز الهفوات المسجلة حول مرونة التسيير و اعادة ضبط العلاقة بين رؤساء مجالس المدن و رؤساء مجالس المقاطعات لتكون ذات طابع لا مركزي بدل التركيز الشديد للسلطات بيد الرئيس الذي يظل و دائرته الضيقة من نوابه المقربين الأكثر استئثارا باتخاذ المبادرات و تبنيها مما يجعلنا نسقط في نفس خصائص التدبير المركزي المتسمة بالبطىء و التعقيد و طول المساطر و تجريد مجالس المقاطعات من أية صفة تقريرية لافتقادها كليا الى الشخصية المعنوية التي يمكن أن تسمح لها بذلك على الأقل في حدود معينة تستجيب لمقاربة سياسة القرب التي ترفع الدولة شعار تبنيها في مسلسل اعداد السياسات و تبنيها.. و أشير كذلك الى أنه اذا كان من بين أهداف تبني سياسة مجالس المدن من خلال القانون 87/00 المتعلق بالميثاق الجماعي تحقيق تجميع الموارد و عقلنتها و توزيعها التوزيع العادل المتضامن و المتكافىء بين الجماعات ذات الامكانيات و الجماعات المعوزة فان التجربة أفرزت واقعا عكسيا في مجموعة من الممارسات لأن التدبير يرتبط بمزاج الأغلبية التي تدير مجلي المدينة و ليس بناء على مخطط استراتيجي واضح و متكامل تتوفر فيه شروط الفعالية و النجاعة و الكفاءة.. و يشار الى ملاحظة أساسية أنه في ظل المرجعية الخلفية الحالية التي تتحكم في منطق اعداد السياسات من طرف وزارة الداخلية فيما يتعلق بالتدبير الاقتصادي و الاجتماعي لتراب المملكة فاننا لا نستطيع أن ننتظر أكثر مما هو موجود الآن من خلال القانون 87/00 المغير و المتمم بالقانون 71/80 و بالتنالي المسألة لا تتعلق بكتابة بسيطة لنص قانون ينظم و انما هي مرتبطة استراتيجيا بمصالح و رهانات الطرف الرئيسي في المعادلة السياسي هل تتصورون أن إجراءات من قبيل إقرار التخطيط الاستراتيجي وتجديد نظام انتخاب الرئيس بالإضافة إلى توزيع المهام داخل مكتب المجلس عن طريق التفويض لنواب الرئيس وإمكانية إقالة نواب الرئيس بمقرر يصوت عليه المجلس وغيرها من الإجراءات الجديدة التي أقرها المشروع الجديد لوزارة الداخلية من شأنه أن تطوير وتعزيز الحكامة المحلية؟ أشكرك على هذا السؤال الذي ربطته بكلمة تعتبر بمثابة مفتاح في حقل السياسات العامة و هي الحكامة المحلية، فهذا المفهوم تطبيقه يرتبط أشد الارتباط بدرورة و جود نظام ديمقراطي لأنه لا يمكن تصور حكامة من دون تحقق فعل سيادة حكم القانون و الشفاتفية و النزاهة و المساءلة و المحاسبة و توقيع الجزاء عن الخارجين عن القانون، و في هذا السياق أشير في اعتقادي الى حلقة سوداء في الميثاق الجماعي الحالي و الذي سبقه (و أنا واعي بأن محللين آخرين قد لا يتفقون معي، لا بأس في الاختلاف رحمة) و المتعلقة بانتخاب الرئيس و كيفية احتفاظه بمكانته في الرئاسة، أقول بأنها طريقة غير ديمقراطية لأنها تعطي في البداية التصويت على الرئيس من طرف أعضاء المجلس و تمنعهم بصفة نهائية فيما بعد من حقهم في مراقبة فعل منحهم لثقتهم للرئيس، مما يعني مصادرة لحق أعضاء المجلس الجماعي في المراقبة و المساءلة من خلال حق الاقالة الذي تعتبر المصادقة عليه شبيهة بالمصادقة على ملتمس رقابة ضد الجهاز التنفيذي في حكومة ديمقراطية، و عليه عملية انتخاب الرئيس في دورتين أو ثلاثة دورات لا يحل المشكل بالنظر الى الثقافة السياسية و الاجتماعية المحيطة بل ذلك في اعتقادي يعزز الصراع و التصادم داخل المجالس الجماعية و ثقافة شخصنة التدبير أكثر من تفعيل ثقافة الممأسسة التي يلعب فيها عامل حكم القانون و المساءلة دورا رياديا، أكيد أن فعل الاقالة الذي كان يتحقق بتوفر نصاب ثلثي الأعضاء خلال الميثاق الجماعي لسنة 6791 و الذي غير و تمم فيما بعد بقانون 87/00 ساهم في خلق مشاكل عرقلت تدبير الجماعات المحلية بسبب عدم الاستقرار لكن الوضع الحالي الذي لا يسمح باقالة الرئيس ساهم في خلق ديكتاتوريات رئاسية استغلت امتياز غياب فعل الاقالة لتتشبت بالرئاسة مع أن ذلك في مجموعة من المجالس الجماعية قاد الى شللها بصفة نهائية و وزارة الداخلية هي على علم بكل التفاصيل و كل الحالات و الوضعيات الشاذة التي تم افرزها.. بخصوص منح التفويض مسالة تحديد و ضبط الجهات المخول لها القيام به يعتبر مسلألة مهمة كفيلة بعقلنة التدبير من خلال اعطاء المسؤولية لأشخاص هم مسؤولون بكيفية مباشرة على التدبير الجماعي من خلال موقعهم كنواب للرئيس لكن دائما نقول العبرة ليست فقط في التطبيق و لكن في احترام الأهداف المسطرة من طرف المشرع أثناء عملية التطبيق.. من أهم التعديلات التي جاءت بها مدونة الانتخابات :التقييد على أساس الإقامة ببطاقة التعريف الوطنية أو الدفتر العائلي مع شهادة إدارية وتمكين الأحزاب من مستخرج للوائح الانتخابية العامة والجداول التعديلية، ألا يمكن اعتبار قبول وزارة الداخلية ببعض المطالب الجزئية لحزب العدالة والتنمية محاولة للالتفاف على المطلب الرئيسي وهو وضع لوائح انتخابية جديدة؟ هذا سؤال و جيه من أول الخطوات في اصلاح النظام الانتخابي ضرورة وضع لوائح انتخابية جديدة تتماشى و التحولات الديمغرافية و الاجتماعية التي عرفها المجتمع المغربي و ذلك حتى تعطى ضمانة للمواطن و لمختلف الهيئات السياسية و الحقوقية بأن الصوت الانتخابي ستكون له قيمة فعلية في تحديد أية خريطة انتخابة، لكن مسألة أخرى أشرت اليها في سؤالك حول الادلاء بالدفتر العائلي أثناء عملية التصويت في اعتقادي هذه مسألة غير محمودة و يمكن أن تِدي الى منزلقات و انتكاسات بخصوص هوية المصوتين الحقيقيين، و عليه كان على المشرع أن يتشبت باجبارية الادلاء ببطاقة التعريف الوطنية أثناء التصويت لأن هذا الاجراء كان سيدعم سياسة الدولة المعلنة في عملية تعميم البطائق الوطنية على المواطنين، و كن متيقنا لو فرضت الدولة البطاقة الوطنية اثناء التصويت لقام كل من له مصلحة لدى الكتلة الناخبة بمساعدتها على الحصول عليه. ففي العالم القروي تجد الأشخاص الذين لهم مصلحة في التصويت أنهم يجندون للناس كافة وسائل النقل لمساعدتهم في الوصول الى صناديق الاقتراع.. تتضمن التعديلات الجديدة الخاصة بمراجعة اللوائح الاستثنائية إعادة النظر في المسجلين في اللوائح الانتخابية ممن لا يتوفرون على الوثائق التي تؤهلهم للتسجيل، وتقدر وزارة الداخلية هؤلاء بنحو 51 في المائة، هل تعتقد أن هذا الإجراء يمكن أن يقضي على ظاهرة الإنزالات والتكرارات الموجودة في اللوائح الانتخابية؟ دائما أشير الى كون النص القانوني يعتبر شرطا لازما لكنه غير كافي، حيث يتطلب الأمر اعادة النظر في الاعتبارات الأخرى المحيطة و المتعلقة بوعي الناس و تحمل الأحزاب السياسية و الدولة لدورها الأخلاقي في تغليب منطق قيم الفعاليةو الشفافية و النجاعة و المسؤولية و المصلحة العامة بدل المصالح الشخصية أو الفؤوية الضيقة.. تنتقد المعارضة على الحكومة أنها تأخرت في إخراج المراسيم القانونية الخاصة بالمراجعة الاستثنائية للوائح الانتخابية إلى وقت صار بالإمكان معه الحديث عن إجهاض مفعول التدابير الإصلاحية التي وردت في التعديلات الجديدة، في نظركم إلى أي حد يمكن أن يؤثر هذا التأخير على فاعلية هذه التعديلات القانونية؟ مشكل المراسيم التطبيقية يظل مشكلا قائما ان لم أقل خالدا و للأسف عملية اصدار المراسيم تبقى محكومة بأجندة سياسية غير معلنة توظف لخدمة رهانات و استراتيجيات تظل خارج المؤسسات الرسمية المنتخبة من طرف الشعب، و هنا في هذا السياق ما قيمة الدستور و ما قيمة المؤسسة التشريعية اذا لم تصدر المراسيم التطبيقية؟ و عليه كل تأخير هو لا يمس فقط تطبيق القانون المعني بصدور المرسوم و انما يتعلق بهيبة و مصداقية الدولة ككل وبمشروعيتها كذلك لدى المواطن... يرى كثير من المتابعين للشأن المحلي أن وزارة الداخلية أغمضت الطرف عن القضايا الرئيسة في إصلاح التدبير الجماعي واتت بتعديلات جزئية لا تغير بنية التدبير الجماعي السابقة، هل يرجع ذلك في نظركم إلى هاجس ضبط الخريطة الانتخابية أم أن الأمر يتعلق بإرادة الفرقاء السياسيين؟ كما قلت بأن التعديل هو مرتبط بأجندة سياسية لدى الفاعل الرئيسي في عمل اعداد و تبني السياسات العامة وفقا لما يخدم مركزه و موقعه و يحافظ عليه، لكن في اعتقادي هناك عامل آخر جعل التعديلات المقدمة جد بسيطة ربما للتريث عما ستسفر عنه الاستشارات و المشاورات الموسعة التي أعلن عنها الملك محمد السادس في خطاب المسيرة لـ 60 نونبر 8002 حول الرغبة الملحة والأكيدة و المؤطرة برؤية استراتيجية في تبني تصور جماعي جديد مبني على فكرة الجهوية المتقدمة كما ورد في الخطاب.. اجتمع وزير الداخلية برؤساء الأحزاب السياسية يوم 51 يناير لمناقشة العديد من القضايا ذات الارتباط بالعملية الانتخابية من قبيل مشروع ميثاق شرف بين الهيئات السياسية، التمويل العمومي للحملات الانتخابية، وصندوق الدعم المخصص لتقوية قدرات النساء التمثيلية، واستعمال وسائل الإعلام العمومي خلال الحملات الانتخابية، لكن الملاحظ أن تركيز وزارة الداخلية ينصب على إرساء قواعد التنافسية الشفافة بين الفرقاء السياسيين في العملية الانتخابية وتقوية التمثيلية النسائية في حين أن المشكلة الحقيقة في أي اقتراع هي الرفع من نسبة المشاركة الانتخابية ما هو تعليقكم؟ أتفق معك في طريقة صياغتك لهذا السؤال؛ و أنا أشير في هذا السياق: فعلا أن المرأة المغربية تستحق أن تلعب دورا أساسيا في فعل البناء السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي للدولة لكن الذي لا يقبل هو أن تستغل قضيتها لتمرير مواقف أو لعرقلة تطبيق اصلاحات جوهرية. فالدولة من جهة تطرح مسألة ضرورة تثمين المشاركة الشعبية العامة في الانتخابات و رفع نسبتها و في المقابل تطرح ضرورة توسيع قاعدة مشاركة المرأة في مراكز القرار ذات طبيعة سياسية (البرلمان، المجالس الجماعية، المجلس الدستوري..)، هل فعلا الدولة بنت هذا التوجه على دراسات استراتيجية أي دراسات ميدانية واقعية و عملية شكلت الأساس لاتخاذ هذه القرارات أم أن المسألة لا تخرج عن نطاق القرارات التي تتخذ في الغرف المغلقة التي تهيمن فيها الانطباعات الشخصية و المباهات و المجاملات البينية؟ !! يلاحظ أن وزارة الداخلية عمدت قبل الاستحقات الانتخابية التشريعية إلى ترحيك ملف الفساد الانتخابي بالنسبة لانتخابات تجديد مجلس المستشارين، واليوم وقبل انطلاق الانتخابات الجماعية تصدر قرارات عقابية في حق رؤساء ومستشارين جماعيين، في نظركم هل يتعلق الأمر بحملة موسمية مرتبطة بتوفير أجواء الثقة لانتخابات ,2009 أم أن الأمر يتعلق برغبة حقيقة في الإصلاح في الحقل الجماعي؟ أنا أعتقد أن منطق الحملات صار متجاوزا لا يساعد على حل أوجه الخلل والخروقات التي تعرفها الجماعات المحلية، أنا أعتقد أن أمامنا تقارير رسمية صدرت عن مؤسسات دستورية، وأقصد على الخصوص تقرير المجلس الأعلى للحسايات الذي يلخص في تقريره الأخير في حوالي 800 صفحة خروقات تعلق بالجماعات المحلية ومؤسسات الدولة والمؤسسات التي تحظى بدعم من الدولة، وهي خروقات واضحة تتعلق بمبدأ احترام الشرعية واحترام الملاءمة. أكيد أن الرجوع إلى هذه التقارير وتحريك المساطر القضائية سيعطي مصداقية أكبر وأكثر من مجرد اللجوء إلى تقارير لجان التفتيش، وأعتقد أن الاستعاضة عن تقارير هيئات ومؤسسات دستورية بتقارير لجان التفتيش يعبر عن خلل عميق على مستوى التدبير. تعنى بذلك أن الاستعاضة عن تقاري المجلس الأعلى للحسابات يفتح الباب واسعا للكيل بمكيالين وإعمال مبدأ الاستثناء وتحكيم الاعتبار السياسي؟ هناك تقارير واضحة للمجلس الأعلى لحسايات، وهي لا تحدث فيما يخص الجماعات المحلية عن ثلاث جماعات أو سبعين مستشارا، وإنما تتحدث عن خروقات في ثمانين بالمائة من الجماعات المحلية، وأعتقد أن إعطاء المصداقية للمؤسسات وتنزيه التدبير العمومي من تحكيم الاعتبار السياسي يمر عبر إعادة الاعتبار لتقارير هذه المؤسسات الدستورية، وتحريك آلية القضاء بدون تمييز ولا استثناء. كيف تتوقعون أن تكون عليه الخريطة الجماعية بعد استحقاقات 2009 في ظل المزاوجة بين الاقتراع الفردي والنسبي واعتماد عتبة 6 في المائة؟ وهل هذه الإجراءات ستدفع في اتجاه القضاء على ظاهرة البلقنة الجماعية؟ أشير مرة أخرى الى محصلة أساسية و الكفيل بالاجابة عنها السوسيولوجيا الانتخابية: ظاهرة البلقنة ستظل قائمة في ظل استمرار العوامل التالية: .1 غياب اعتماد نمط الاقتراع على أسس و معايير تتوافق و الثقافة السياسية السائدة و ليس الاعتماد على نماذج مستوردة خاضعة لتجارب و سياقات مختلفة عن تجاربنا فالقاعدة القانونية جوهرها يكمن في كونها تعبير عن الثقافة السائدة في المجتمع.. .2 اعتماد التقطيع الانتخابي على أسس ومعايير سياسوية و ليس على معايير موضوعية تحترم الخصوصيات و المقومات و عوامل النجاعة و المردودية بدل الهواجس الأمنية المفرطة.. .3 غياب عقوبات زجرية تتناسب و الخروقات و الجرائم الانتخابية المقترفة حيث يمكن لمفسد أن يوزع مآت الملايين أثناء حملته الانتخابية و العقوبة الزجرية لاتتعدى عشرة مليون.. .4 غياب الدور الفعلي التأطيري لمختلف الأحزاب الذي ينشىء على قيم المواطنة الحقة و على فكرة القبول بالآخر و البناء الايجابي الذي يكون معيار الحكم فيه اعتماد معايير الفعالية و المردودية و حكم القانون و الشفافية..