بانتهاء يوم أمس الجمعة تكون قد انقضت نصف أيام الحملة الانتخابية، وأخذ العد العكسي نحو يوم الاقتراع يتسارع، دون أن تتضح معالم تحول ديموقراطي نوعي في مسار الانتخابات الجماعية ل 12شتنبر، بحيث أن التغييرات القانونية التي مهدت لهذا الاستحقاق الانتخابي (مراجعة الميثاق الجماعي والتغيير الجزئي لنمط الاقتراع في جل المناطق الحضرية الكبرى، تخفيض سن التصويت إلى 18سنة،..) لم تواكبها تحولات سياسية وازنة قادرة على جعل هذه الانتخابات مغايرة للاستحقاقات التي عرفها المغرب في عشرية التسعينيات (الانتخابات الجماعية لكل من 25 يونيو1993 و13 يونيو 1997)، هذا في الوقت الذي ازداد فيه حجم التعويل على الديموقراطية المحلية ورفع مستوى وجودة تدبير الشأن المحلي باعتباره إحدى الأدوات الرئيسية في حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، ولقد شكل الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية أداة كاشفة لمحدودية الرهان المطروح على الانتخابات الحالية، وذلك باعتبار ما صدر أثناء ه من معطيات ليست فقط من أجهزة السلطة بل أيضا من عموم الفاعلين السياسيين في العملية الانتخابية، مما انعكس بشكل بالغ على حيوية الحملة الانتخابية والتفاعل الشعبي معها كما أبرز من جديد الأزمة المستحكمة في قطاع عريض من النخبة الحزبية، ويمكن إبراز أهم المعطيات في العناصر التالية: تفاعل شعبي محدود لعل من أبرز المعطيات الدالة في نهاية الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية هو محدودية التفاعل الشعبي مع هذا الاستحقاق الانتخابي، والذي برز بشكل جلي في الإعلان في أواسط هذا الأسبوع عن أن ما يناهز 6ملايين و300 ألف ناخب لم يسحبوا بطائق التصويت الخاصة بهم، وذلك من أصل 14 مليون و600 ألف ناخب، أي أن أقل من 60 في المائة من مجموع الناخبين هم من سحبوا أو سلمت لهم البطائق وما تزال العملية جارية، وينضاف لهذا المؤشر ضعف الاهتمام بالتجمعات الانتخابية للمرشحين ومحدودية التفاعل مع حملاتهم الانتخابية وهي ملاحظة يكاد يجمع عليها مختلف المتتبعين، بل إن الملاحظ هو تراجع عدد التجمعات المنظمة بعد أن كانت في السابق صبغة لافتة في الحملات الانتخابية، حيث لم يتعد التجمعات المنظمة لغاية أول أمس 209 تجمعا انتخابيا هذا في الوقت الذي تبلغ فيه عدد الجماعات المحلية بالمغرب 1547 جماعة، مما عزز من الشعور بكون هذه الانتخابات تكرار ممل للانتخابات التشريعية السابقة، أي أن الأفق مفتوح على انتظار نسبة مشاركة أدنى من نسبة المشاركة التي عرفتها انتخابات 27شتنبر، وهي وضعية تفسرها عوامل عدة منها هزال الأداء الحكومي والشعور المتنامي بوجود تدخل حزبي فج مستقو بالنفوذ الحكومي في تدبير سير هذا الاستحقاق والتي غدتها كل من نتائج الانتخابات المهنية ل25 يوليوز المنصرم والتلاعبات التي عرفتها عمليات إفراز رؤساء الغرف، واستفحال الأزمة الحزبية والتي برزت مع الاشتداد المفضوح للصراع على المواقع في اللوائح الانتخابية وإصرار عدد من المسؤوليين الحكوميين على الترشيح، كما غذتها مخلفات الحملات المستهدفة لحزب العدالة والتنمية بعد تفجيرات 16ماي والحديث المتكرر عن الاكتساح الانتخابي له، وضعف حملات التحسيس بنمط الاقتراع الجديد والذي يغطي 159 جماعة ضمنها 33 جماعة قروية كلها يتعدى عدد سكانها 25 ألف نسمة مع بقاء 1388 جماعة وفق نمط الاقتراع الأحادي الفردي، كما أن التغييرات التي عرفها نمط الاقتراع قي عدد من الجماعات قلصت بشكل كبير العامل الشخصي في الانتخابات لصالح وكيل اللائحة كما يضاف لهذه العوامل افتقاد هذه التجربة لمناخ سياسي محفز ومعبئ بفعل عدم تقاربها الزمني مع مسلسل الانتخابات النيابية وما ينبثق عنها من هيكلة للعمل الحكومي كما كان في السابق وتم بفعل التأجيل الذي عرفه موعد الانتخابات الجماعية من 13 يونيو إلى 12 شتنبر. الاستهداف المستمر لحزب العدالة والتنمية الخلاصة الثانية التي زادت من تأكيدها حصيلة الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية هي حالة الاستهداف المستمر لحزب العدالة والتنمية باعتماد آليات التشويه والتلفيق والضغط من أجل الحد من نتائجه وتقليص فاعليته السياسية التدبيرية، والحليولة دون استثماره لنتائج الانتخابات التشريعية السابقة خاصة في المدن الكبرى، ولقد برزت طوال عملية التحضير للمسلسل الانتخابي إرادة واضحة في التحكم في السقف العام له، وهو ما ظهر بوادره في المراجعة المحدودة للنظام القانوني وعدم المراجعة الشاملة للوائح الانتخابية وربط تحديد الجماعات المستفيدة من نمط الاقتراع باللائحة بنتائج الإحصاء العام لسنة 1994 رغم تقادمه الزمني الكبير (حوالي تسع سنوات تجعل من الصعوبة الاعتماد فقط على التعديلات السنوية)، واستفراد الجهاز الحكومي بتحديد التقسيم الانتخابي وعدم إجازته من خلال البرلمان، ثم تأجيل موعد الانتخابات فضلا عن تشديد الحديث الإعلامي عن الخطر الانتخابي لحزب العدالة والتنمية والتخويف من الاكتساح الإسلامي لا سيما في المدن الكبرى والعمل على التأثير لتحجيم المشاركة الانتخابية للحزب، حملة شرسة استهدفت حزب العدالة والتنمية أثناء وضع لوائح الترشيحات للانتخابات الجماعية وأدت لإلغاء العديد منها، بحيث لم يتجاوز عدد الترشيحات المقدمة من طرفه 4268 مرشح أي ما نسبته 48,3 في المائة من مجموع الترشيحات وتغطية ما نسبته 19في المائة من مجموع المقاعد المتنافس عليها والمقدر عددها ب23689 مقعد وليتوج كل هذا المسار بقرار وزارة التربية الوطنية القاضي بإلغاء 17لائحة من اللوائح التي تقدمت بها الجامعة الوطنية لموظفي التعليم المنضوية في إطار الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، وهي تطورات تبرز إمعانا في تحجيم حزب العدالة والتنمية بما يصل حد الاستفزاز الموغل في ضرب مصداقية العملية الديموقراطية بالبلاد. وطيلة المدة التي أعقبت وضع الترشيحات، أي منذ 26 غشت الماضي، والنقاش متجدد حول الدواعي التي دفعت بالحزب إلى هذا التقليص الوازن في حجم مشاركته، مما عد تراجعا حتى عن نسبة مشاركته في الانتخابات التشريعية السابقة، ولقد عبر الحزب مباشرة في بيان رسمي يوم 26غشت الماضي عن الدواعي التي حكمت هذه التوجه حيث نص البيان وسيرا على المنهج الذي اعتمده الحزب منذ انتخابات ,1997 وعمل به في انتخابات 2002 ووعيا منه بالظروف الدولية والإكراهات الواقعية التي يمكن أن تؤثر على العمليات الانتخابية وشروط إجرائها، قرر الحزب أن يشارك في الانتخابات الجماعية مراعيا مبدأ التدرج والتركيز على المشاركة النوعية، ولأن نجاح التجربة الديمقراطية المغربية الوليدة مقدم على اعتبارات الكسب الحزبي الخاص، فقد قرر حزبنا أن تكون مشاركته في بعض المدن الكبرى في حدود 50% إلى 60%، كما ربط مشاركته في باقي التراب الوطني بوجود كفاءات الحزب من أعضاء ومتعاطفين وأعرب عن استعداده للتعاون مع الأطراف الأخرى بما يخدم المصلحة الوطنية.، وهو ما يعنى أن هذا الموقف انبثق عن اعتبارات مبدئية في إعمال مبدأ التدرج والتقدم الموزون والمحسوب في العملية السياسية وعدم الاستلام لخيارات المغامرة الشعبوية المتجاهلة لطبيعة موازين القوى المحلية، واعتبارات سياسية ترتبط بالظروف الدولية المحكومة بهاجس الاكتساح الانتخابي الإسلامي وما يترتب عنه من مخاطر على مصالحها وعلى علاقاتها مع النخب المحلية مما تكون له ردود فعل مضادة تؤدي لانتكاس مجمل العملية الانتخابية كما جرى في التجربة الجزائرية دون أن نغفل الاستغلال الممنهج لتفجيرات 16ماي من أجل التضخيم من مقولات الخطر الإسلامي والربط الآثم بين التفجيرات وبين حزب العدالة والتنمية، وهو اعتبار يفرض الموازن الدقيقة بين مقتضيات المصلحة الوطنية والمصلحة الحزبية والتأكيد على أولوية الاستقرار الوطني، ثم اعتبارات واقعية تخضع عملية المشاركة لحجم الإمكانات الذاتية ومدى الامتداد الجغرافي للحزب في الخريطة الوطنية، وهو ما جعل هذا القرار بمثابة قرار مؤلم يصل لدرجة العملية الجراحية وفضلا عن الإرادة الذاتية في ضبط سقف المشاركة تم الوقف على محاولات مستميتة في إرباك المشاركة الانتخابية للحزب بفعل ما سماه بيان الحزب المشار إليه آنفا بالحملة الشرسة التي شنها أعوان للسلطة في عدد من الأقاليم ضد حزب العدالة والتنمية باستعمالهم مختلف أساليب الضغط على مرشحيه من أعضاء ومتعاطفين مما أثر سلبا على حجم ترشيحاته في تلك الأقاليم، ومما يتنافى مع الالتزام الحكومي بإجراء انتخابات نزيهة ويتعارض مع تطلعات الشعب المغربي في بناء مؤسسات منتخبة ذات مصداقية. وتمثل حالة الدارالبيضاء إحدى النماذج الدالة على هذا المسلك الاعتدالي حيث قدم الحزب 208 مرشحين في ثماني مقاطعات، أي ما نسبته 64% من المقاعد المتنافس عليها و50% من المقاطعات(245 مستشارا في مجالس المقاطعات و131 مستشارا في مجلس المدينة)، هذا في الوقت الذي كانت محصلة نتائجه في الانتخابات التشريعية السابقة 11 مقعدا من بين 31 مقعدا برلمانيا على صعيد الدارالبيضاء، وأزيد من 160 ألف صوتا جعلته يحتل المرتبة الأولى في المدينة، وهو ما يعني أن الحزب خرج من دائرة التنافس على منصب رئيس مجلس المدينة (العمدة). تصاعد في وتيرة المتابعة الإدارية للانتخابات بموازاة ذلك شهد هذا الأسبوع عددا من التطورات في مجال التدبير الإداري والسياسي للانتخابات، نذكر منها الإقدام على تجميد أزيد من 250 مساعد أو عون سلطة ( غالبيتهم في المجال القروي 182 شيخ قروي و112 مقدم قروي) كمؤشر على الحرص على ضمان حياد الجهاز الإداري في العملية الانتخابية، ورفع مستوى التفاعل المباشر من طرف وزارة الداخلية لما يصدر في وسائل الإعلام حول الخروقات الانتخابية واعتماد منهج المسائلة والرد المباشر على ما ينشر، وسرعة التعاطي مع الشكايات الانتخابية والحرص على البث فيها في حينها (حوالي 72 شكاية إلى غاية 2شتنبر) ، فضلا عن تحريك المتابعات القضائية في حق المتورطين في التجاوزات الانتخابية، والتي بلغ عدد المتابعين فيها إلى غاية أو أمس الخميس 24 شخصا، والعمل على البث في الطعون الانتخابية (85 طعن صدر الحكم في 77 منها إلى حدود أول أمس لكن غالبيتها رفض مع قبول 12 فقط منها)، وسرعة الحكم القضائي في البرلماني الذي قام بتزوير الإمضاءات في لائحة مرشحيه ببنجرير، وانضاف لذلك مع ما تداولته عدد من وسائل الإعلام عن الإقدام على منع ترشح عدد من المسؤولين المحليين الحاليين في مدينة طنجة على وجه الخصوص كما تم الحديث عن لائحة عممتها وزارة الداخلية تضم حوالي 200 اسم لمنعهم من الترشح. وغني عن الذكر الإشارة إلى أن الانتخابات التشريعية السابقة تعرضت في الربيع الماضي لحملة إعلامية للتشكيك في نزاهتها، بالاعتماد على التوقيف الذي تم للموقع الإليكتروني الخاص بالتقديم المباشر للنتائج، والتأخر الكبير الذي تم في الإعلان الرسمي عنها، والارتباكات التي طالت ذلك، وهو ما جعل استعدادات السلطة الوصية تكون أكثر ضبطا للحيلولة دون تكرر مثل تلك الاتهامات، والمراهنة على نمط الاقتراع الجديد واستخراج بطائق التصويت من الحاسوب حتى لا يتم تكرارها، واعتماد ورقة التصويت الفريدة والدمغة الخاصة بكل مكتب والزيادة في أعداد مكاتب التصويت( حوالي 38 ألف مكتب تصويت بزيادة 2في المائة بالمقارنة مع عدد المكاتب في انتخابات 27 شتنبر من السنة الماضية)، وتوجيه منشور وزاري إلى الولاة وعمال الأقاليم والوكلاء العامين للملك قصد تخليق العملية الانتخابية، إلا أن الامتحان الحقيقي هو امتحان يوم الاقتراع و ما يليه من استحقاقات ترتبط بنزاهة عمليات الفرز والامتناع عن التدخل في تكوين المكاتب ومجالس المقاطعات، وفي المحاربة النشيطة لمختلف وسائل المتاجرة وشراء ذمم الناجحين أثناء ذلك، وهو امتحان يحيلناعلى ما شهدته نتائج الانتخابات المهنية من مفاجآت غيرتها كليا. لم تعد تفصلنا عن يوم الاقتراع سوى ستة أيام وهي مدة مصيرية بالنسبة للقوى الحزبية والسياسية المتنافسة، كما أنها مدة مصيرية لربح رهان التنمية المحلية وتمكين بلادنا من مؤسسات ديموقراطية شفافة ونزيهة. مصطفى الخلفي