شهدت ندوة «خميس الحكامة» المنعقدة يوم 29 يناير الماضي بأحد فنادق العاصمة الاقتصادية والتي كانت مخصصة لمناقشة موضوع «الانتخابات الجماعية 2009 كيف نجعل الانخراط السياسي في خدمة المواطن» بعض التدخلات غير المألوفة والحادة وذلك أثناء المناقشة والتي جاءت من طرف مواطنين ومواطنات مهتمين بتسيير الشأن الجماعي بالمدينة وكذلك من طرف بعض المستشارين من أعضاء مجلس المدينة نفسه، حيث جاءت انتقاداتهم بتلقائيتها وبساطة أمثلتها الحية لتكشف عن عمق الهوة بين الخطاب والواقع. فالواقع حسب المنتقدين هو سيادة الحفر في كل شارع وكل مكان تابع للجماعة وكذا سيادة ظاهرة تردي الخدمات وانعدام التواصل بين الجماعة وعموم السكان وخلق التمييز بينهم باستفادة منطقة دون أخرى من الخدمات الجماعية وغياب الشفافية في التدبير الخ.. فهل بمثل هذه السلوكات المنفرة يمكن إقناع المواطن البيضاوي بالانخراط في الانتخابات الجماعية 2009، ذلك هو السؤال الضمني الذي خلص إليه المنتقدون لواقع الحال الجماعي بالدارالبيضاء. وإذا كنا لانريد الغوص في الحديث عن انتخابات 2009. فإننا نتمنى أن يتغلب وعي المواطن ووطنيته على مجمل الاحباطات والمثبطات ويشارك في الانتخابات الجماعية المقبلة وذلك لقطع الطريق على المستهترين بمصالح السكان والمدينة والساعين الى انتهاز الفرص واختيار من يرى فيه المواطن أهلا لتدبير الشأن العام المحلي. وعلى هامش هذه الندوة التي كان موضوعها انتخابات 2009. تم ترويج كتيب عنوانه : «ميثاق الحكامة المحلية لمدينة الدارالبيضاء» باللغتين العربية والفرنسية، فشيء جميل أن يتوفر مجلس مدينة الدارالبيضاء على ميثاق للحكامة المحلية، لكن ما ليس جميلا، هو أن تتناقض الأقوال مع الأفعال، فمجمل النقط المتضمنة في الميثاق يوجد في الواقع ما يدحضها ويؤكد عكسها تماما، ونحن هنا لانزايد على أي حد ونطرح بدورنا الاسئلة التالية: كيف هي عملية التواصل من طرف الجماعة مع الناخبين وكيف يتم إخبارهم، وكيف يتم نشر المعلومات وتبادلها، مع العلم بأن المستشارين أنفسهم يعانون من شح المعلومات؟ هل هناك امتناع عن الرشوة في ميدان الصفقات؟ وماذا تقول الشركات المقصية في هذا المضمار؟ هل يتم احترام حقوق المواطنين والتعامل معهم بدون ميز أو تمييز؟ ولماذا يتم تفضيل شارع على آخر ومنطقة على أخرى؟ هل الموظفون الجماعيون يمارسون مهامهم بدون تمييز حسب كفاءتهم المهنية؟ وبماذا يفسر إقصاء أصحاب التجربة والكفاءات العليا والسلالم العليا وتعويضهم بمن هم دون ذلك؟ وهل هناك فعلا امتناع عن العمل لصالح اللوبيات ومجموعات المصالح الخاصة عند تفويت الصفقات والمصادقة على القرارات؟ هل يقول لنا السيد العمدة كيف ذلك، وهنا نطرح عليه السؤال التالي: هل تم احترام مبدأ الامتناع عن العمل لصالح اللوبيات ومجموعة المصالح الخاصة عند تفويت صفقة كراء السيارات الجماعية، وقبل ذلك صفقة النظافة ذات التكلفة العالية المعدة بالملايير سنويا والانارة العمومية و... و.... إن مجرد طرح سؤال واحد يمكن أن يقود الى طرح عدة أسئلة أخرى حول واقع تسيير الشأن المحلي بالعاصمة الاقتصادية، وبطرحنا لتلك الاسئلة فإننا نتجنب إعطاء الدلائل الملموسة على عدم استقامة ماتضمنه «ميثاق الحكامة المحلية» مع مسلكيات من يمارسون حاليا الحكامة المحلية السيئة. وعلى كل حال، فالجميع من أغلبية وأقلية من داخل المجلس نفسه ومن الموظفين والمواطنين المهتمين بتسيير الشأن المحلي والسكان، يعرفون حقيقة الأمور الساطعة كالشمس والتي لاتخفيها الخطابات البراقة. إن طبع وترويج كتيب «ميثاق الحكامة المحلية» وكذا تنظيم ندوة في كل أول خميس من كل شهر، سميت «بخميس الحكامة» هو عملية ماركتينغ أو تسويق لتحسين الصورة لا أقل ولا أكثر وذلك كما تفعل المقاولات على الرغم من أن ذلك تم بدعم من الوكالة الامريكية للتنمية الدولية في إطار مشروع الحكامة المحلية. فلو كانت النية سليمة في إقرار وممارسة حكامة جيدة لتم طرح جميع القضايا التي تهم تسيير وتدبير الشأن المحلي ومناقشتها مع العموم في إطار من الشفافية والمحاسبة، ولبدأ الأمر مع المستشارين أعضاء مجلس المدينة أنفسهم بأقليتهم وأغلبيتهم وبلجانهم المتخصصة، ولتطور الأمر الى مناقشة عميقة وليست سطحية لكل القضايا والملفات كيفما كانت طبيعتها، وهذا شيء بطبيعة الحال لا وجود له على أرض الواقع. ولو كانت النية سليمة كذلك لتمت مناقشة القضايا التي تهم تسيير الشأن المحلي في إطار من المشاركة والتواصل مع السكان والجمعيات المتخصصة وأهل الاختصاص في قاعات عمومية قريبة منهم وفي كل عمالة إن تطلب الأمر ذلك، والتحاور معهم بلغتهم بدون أي تعالي أو احتقار. وللاشارة فإن عمدة الدارالبيضاء لايكلف نفسه عناء الحضور الى دورات مجالس المقاطعات رغم استدعائه، فمجلس المدينة لاتعوزه القاعات العمومية فهي أصلا ضمن الممتلكات الجماعية الخاصة الموجودة في كل عمالة، فالقاعات التي تتوفر عليها الجماعة تضاهي قاعات فنادق الخمس نجوم أليس مقر ولاية الدارالبيضاء وقاعة الاجتماعات التي يعقد فيها المجلس الجماعي دوراته ملكا جماعيا من ممتلكات المدينة. ومن ناحية أخرى ألا يمكن القول أنه لو كات ثمة حكامة جيدة، لما لجأ مجلس المدينة الى فنادق خمسة نجوم لاقامة ندوات «خميس الحكامة» ليس فقط لضيق القاعات، وإنما لتوفير المال العام وترشيد النفقات. ومما يؤكد أيضا اللجوء الى (الماركتينغ) لتسويق الخطاب وتحسين الصورة، هو التعاقد مع وكالة متخصصة في العلاقات العامة تكلفت بالاتصال بالصحفيين ومدهم بالملف الصحفي، وكان من باب «الحكامة الجيدة» أن يتم ترشيد النفقات وصرف المال العام في الأمور التي يستحقها، علما بأن الجماعة الحضرية للدارالبيضاء تتوفر على قسم للاتصال يتوفر على جميع المعطيات حول الصحافيين ويتقاضى مسؤولوه وموظفوه رواتبهم الشهرية من الميزانية الجماعية. إن المسلكيات التي تنعدم فيها الشفافية والتي يحميها أمر واقع تنعدم فيه المراقبة والمحاسبة وتمارس أفعالا مناقضة تماما لأقوالها، هو دليل على الحكامة السيئة جدا، وهذا شيء لايحتاج الى مزيد من التوضيحات. فإذا كان «الميثاق» وندوات «خميس الحكامة» يهدفان الى تحسين الصورة بوسائل مخدومة، فالصورة هي أصلا غير قابلة للتحسين لأن هناك ببساطة حصيلة ثقيلة من سوء التدبير والتسيير . أما إذا كان الأمر يتعلق بحملة انتخابية سابقة لأوانها فهذا دليل على استعمال «ميثاق الحكامة المحلية» لبلوغ أهداف أخرى لا علاقة لها بمنظومة القيم والمسلكيات الأخلاقية.