«هذا الكتاب يسد فراغا، مثل المعرض الذي يواكبه «أجيال.. قرن من التاريخ الثقافي للمغاربيين بفرنسا»، والذي يعرض حاليا بالمتحف الوطني لتاريخ الهجرة بباريس ما بين 17 من نونبر 2009 إلى غاية 18 أبريل 2010. والذي يسترجع المساهمة المغاربية في تاريخ فرنسا وبهذا يفتح افاقا جديدة في هذا المجال. وذلك بفضل عمل مجموعة من المؤرخين الذين كان لهم السبق في هذا المجال أمثال «بنجمان سطورا، باتريك فاي ولور بيتي» ...وكذا السوسيولوجيين، الذي لا يمكن نسيان المأسوف عليه عبد المالك الصياد، من بينهم. فبفضلهم، أصبح لنا اليوم تاريخ اجتماعي وسياسي للهجرة المغاربية ...». هكذا يقول ادريس اليازمي مندوب المعرض في تقديمه لهذا الكتاب الجماعي الذي يقع في 350 صفحة ضمن منشورات «غاليمار» الفرنسية، والذي ساهم فيه عدد كبير من المختصين في تاريخ وسوسيولوجيا الهجرة من الفرنسيين والمغاربيين. كما يضم هذا الكتاب الجميل مئات من الصور الناذرة، التي ينشر أغلبها لأول مرة، وهي إما مأخودة من الارشيف العمومي اومن الأرشيف الخاص لبعض العائلات. الصور هذه، بالاضافة الى المقالات التحليلية، ترصد قرنا من التواجد المغربي بفرنسا في جميع المجالات: سواء العسكرية او المدنية وكذا حول عمال المناجم والطلبة بالإضافة إلى صور مطربين ورياضيين. أوكما يقول كاتب التقديم «نعرف أيضا وهذا ليس اقل التناقضات، أنه في فرنسا بين الحربين ووسط أول العمال المهاجرين، تم استقطاب أول مسؤولي الحركة الاستقلالية الجزائرية وفي العاصمة الفرنسية درس وتعلم أبجديات السياسة المسؤولون المقبلون للحركة الوطنية للمغرب وتونس». بل إن يضيف أن «قادة الحركة الوطنية في ذلك الوقت كانوا متشبعين في نفس الوقت بأفكار الإصلاحية الإسلامية، ومبادئ الثورة الفرنسية لسنة 1789 وعلاقتهم بالحركة العمالية الفرنسية. وهذا ما مكنهم منه العيش بالعاصمة الفرنسية». طبعا كما قال ادريس اليازمي في تصريح خص به جريدتنا «هذا يعكس ان العلاقة مع فرنسا كانت في علاقة تبادل في الاتجاهين فاذا اعطى المهاجرون الكثير الى فرنسا ، فهم كذلك تعلموا منها عدد كبير من الاشياء وفي مجالات متعددة». واضاف انه حتى في أشذ فترات المواجهة مع فرنسا من اجل الاستقلال كان الوطنيون يستعملون عددا من المبادئ في خطابهم تعود الى مبادئ الثورة الفرنسية. لهذا طبيعي اليوم أن كل طرف يعترف بنسبة الغيرية التي توجد بثقافته واكتسبها من الاخر». الكتاب يتحدث كذلك عن فترات تاريخية مشتركة ومهمة بين الضفتين، بل كانت لها انعكاسات على تاريخ الهجرة لاحقا وشكلت اساس الموجات الاولى لوصول الهجرة. «خاصة انه في هذه الفترة حسب المصار التاريخية وصل 400000 مغاربي الى فرنسا ما بين 1921 و1939 وتركزوا في الناحية الباريسية، وقرب ليون وفي الشمال. هذه الهجرة العمالية التي كانت تعيش في ظروف صعبة وتواجه باستمرار كراهية الاجانب التي لم تكن لها حدود. بالاضافة الى مراقبة إدارية تجمع بين التدقيق والأبوية والتي كان وراءها، حسب الإدارة في ذلك الوقت، حمايتهم من «العدوى الشيوعية» ومخاطر المدينة الحديثة». الكتاب كما يؤكد معدوه، جاء لمحو عدد كبير من الأفكار المسبقة حول تاريخ هذه الهجرة والتي يعتقد عدد كبير من الناس أنها جديدة بل «أن حركاتها الاولى انطلقت في نهاية القرن التاسع عشر. والتي أتت في البداية من الجزائر بشكل خاص. وعدد الأشخاص المعنيين كان قليلا، لكن انعكاسات تنقلهم نحو فرنسا كان كبيرا. وقد لعب الجيش دورا مركزيا في هذه الدينامية والتي تأكدت مع الحرب العالمية الاولى والحروب اللاحقة لها.. اكتشاف فرنسا والعالم العسكري وعدد من بلدان وشعوب الإمبراطورية الكولونيالية كانت لهؤلاء الجنود ومن بعد لعائلاتهم ودواويرهم وقراهم عامل قوي للهجرة التي ستلي ذلك. وقبل العامل الاقتصادي بكثير كانت هذه الهجرة مرتبطة بالمؤسسة العسكرية وفي آخر الامر بالسياسي». ويضيف ادريس اليازمي ولمعرفة هذا التاريخ كان لا بد من تلاثة عوامل: أولها البحث التاريخي والدراسات المنجزة في هذا المجال. ِانيها الوصول الى الارشيف سواء العام او الارشيف الخاص. العامل الِالث كان هو اللجوء الى تخصصات اخرى كانت تحتفظ بجزء من هذا التاريخ كالمختصين بالفن او الادب. وحول مختلف العوامل التي فتحت باب الهجرة في اتجاه فرنسا يقول مدير جينيريك «في نفس الاتجاه يمكننا ان ندافع على فرضية اخرى ان اول السفراء التونسيين والمغاربة الذين وصلوا الى فرنسا في سنوات 1850 ويعودون الى بلدانهم يتحدثون عن القوة الفرنسية ساهموا في فتح دورة ما زالت مستمرة الى اليوم . منذ ما بين الحربين، الروائيون، الرسامون، الطلبة، السينمائيون والفنانون توالى قدومهم الى فرنسا من اجل التكوين والعمل، الى ان طرحت المسألة الكولونيالية بل ابعادها وتراجيديتها سنة 1962». «أعمالهم كانت تكشف في نفس الوقت اكتشافهم للعالم وقلق شعوبهم. وكانوا احيانا مرات بل احيانا صوتا لجالية العمال التي رفض لها أي صوت مدة طويلة. رغم استقرارهم العائلي وتجدرهم بفرنسا. وعلى مستويات مختلفة تعكس هذه الإبداعات التاريخ الطويل لمسار تجدر الهجرة وهو ما يعكس خاصية هذا الكتاب والمعرض الذي استوحاه». الكتاب أيضا يقف حول افتتاح مسجد باريس سنة 1926 الذي كان اعترافا من فرنسا والمؤسسة العسكرية بما قدمه الجنود المغاربيون في الحرب الاولى مساهمة المغرب في بناء هذه المعلمة التاريخية. « كان افتتاح هذا المسجد لحظة خاصة في العلاقة بين فرنسا والنخبة المغاربية، الموظف السامي الفرنسي قدور بنشريت كان سيد هذا الافتتاح في حين ان النواة الاولى للوطنيين كان ينشطها الشاب مصالي الحاج وأصدقاؤه الذي كان يدين الاهداف «الخفية» لهذه المؤسسة الجديدة كما كان حاضرا شيخ الزاوية الإسلامية لمستنغانم العلوي والفنان المبتدئ محي الدين البشترزي. هذه الشخصيات المجتمعة ستشكل مكونات ما سيعرف تاريخ هذه الهجرة: السياسة، الدين والحياة الثقافية». هذا المعرض وهذا الكتاب يحكي تاريخ الهجرة من وجهة نظر السكان المهاجرين وهو ما يغني تصورنا ومعرفتنا لجزء من تاريخ فرنسا.