الجدل المثار حول الصورتين المتداولتين بشأن أحداث الهجرة الجماعية إلى سبتةالمحتلة أكبر دليل على أننا أمام مؤامرة مكتملة الأركان. لا بد أولا من التنبيه إلى أن أيّ مسّ بكرامة المواطنين سواء من المتهمين بالهجرة السرية أو غيرهم أمر غير مقبول، ولا بد أن يواجه بالإجراءات التصحيحية والعقابية الضرورية. ونحن مطمئنون اطمئناناً بالغاً إلى أن التحقيق الذي فتحه الوكيل العام للملك بتطوان سيؤول إلى مساره القانوني والطبيعي لأننا نعيش في دولة تحترم فيها المؤسسة الأمنية الضوابط القانونية المنصوص عليها في التعامل مع حالات التوقيف والاعتقال، وتحرص باستمرار على التواصل مع الرأي بخصوصها دون أيّ غموض أو تلاعب. وهذا يعني أن كلّ صاحب حق سيأخذ حقه إذا تعرّض إلى انتهاك أو اعتداء أو تجاوز. لكن بغض النظر عن احتمالية وجود خروقات في توقيف بعض المغامرين، ولا سيّما من المراهقين الذين حاولوا التسلل إلى سبتةالمحتلة، من حقّنا أن نتساءل حول الغاية من تسريب هاتين الصورتين اللتين لم يتم بعد التحقق من صحتهما في مثل هذه الظرفية التي تمر بها بلادنا. ومن المنطقي أن نتساءل أيضا إذا كانت الجهة التي سربت هاتين الصورتين تهدف حقا إلى الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية كرامة الموقوفين وضمان إنصافهم في حال ما إذا ثبت ما يتم الترويج له. سيكون من السذاجة بما كان الاعتقاد أن ترويج هذه الصورة بهذه السرعة في مواقع التواصل الاجتماعي يندرج في إطار النوايا الحسنة والدفاع الخالص عن الكرامة والحقوق الإنسانية. وما يؤكد غياب النية الحسنة هو أننا نعيش منذ أيام على إيقاع حملة إعلامية منسقة تجتاح مواقع التواصل الاجتماعي، بدأت بالتحريض وتحديد موعد 15 شتنبر باعتباره موعدا لحدث كبير، ثم الكشف التدريجي عن خطة هذا اليوم الهادفة إلى تنظيم عملية هجرة جماعية، والانتقال بعد ذلك إلى ترويج صور ومقاطع فيديو مفبركة تظهر حجم الحشود المضخمة التي تقف على مشارف حدود سبتةالمحتلة، مع إطلاق وترويج أخبار مسبقة حول فشل الأجهزة الأمنية الوطنية في التعامل مع هذا الحدث، وتطويقه، بل والحديث في بعض المواقع والحسابات عن انهيار كلي للمنظومة الأمنية في بلادنا. في الحقيقة الغاية هنا أكبر من الواقع وأخطر من الوسيلة نفسها. نؤكد مجددا ضرورة التحقيق في طبيعة ما توثقه الصورتان وترتيب ما يتعين من إجراءات إذا ثبتت هناك أيّ خروقات أو انتهاكات، لكننا نريد فقط أن ننبه ذوي العقول وأصحاب الرأي الرشيد إلى أن إمعان البعض في تناول هذه الحادثة من منطلقات تحريضية أمر أضحى مكشوفا للجميع، ويكفي لمن يتساءلون عن أبعاد المؤامرة أن يتابعوا ما تنشره الصحافة الجزائرية ووكالة الأنباء الرسمية في هذا البلد من مقالات سامة وأخبار مفبركة بغرض النيل من صورة المغرب والإساءة إلى سمعتها الحقوقية والإنسانية التي يقرّ بها الأصدقاء والشركاء والحلفاء. وفي انتظار انتهاء التحقيقات بشأن الصورتين المذكورتين واتضاح الحقيقة حول ما توثقانه يجب أن يتجنب بعض المراقبين والإعلاميين والمؤثرين الوقوع في فخ التحريض، وتسميم الأجواء بالتعبير عن مواقف متسرعة وسابقة لأوانها قبل انتهاء التحقيقات الرسمية. ويجب ألّا ننسى أننا نعيش في دولة مؤسسات تخضع فيها مثل هذه القضايا إلى مساطر قانونية مضبوطة ولا يمكن البت فيها بتسرع واندفاع. فإيقاع مواقع التواصل الاجتماعي مختلف تماما عن إيقاع عمل المؤسسات التي تحرص على تحرّي الحقيقة لأنها ملزمة بتحمل مسؤولياتها الكاملة حول كل ما تصرّح به أو تعلنه للرأي العام.