ما خلفيات تأسيس «الهيئة الصحراوية المناهضة للاحتلال المغربي» بالعيون يوم الأحد قبل المنصرم؟ يأتي تأسيس هذه الهيئة الانفصالية في سياق توالي هزائم جبهة البوليساريو على الساحة الدبلوماسية، وبالخصوص في إطار تأكيد القرارات الأممية الأخيرة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي وتقارير الأمين العام للأمم المتحدة على الأطر المرجعية التي يجب أن تقوم عليها تسوية النزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية، ويتعلق الأمر بتبني الحوار السياسي والواقعية وروح التوفيق وانخراط الجزائر في المسار السياسي بشكل إيجابي وبناء. أي وزن للهيئة الجديدة في ظل السياق الداخلي والخارجي في الوقت الراهن؟ الهيئة لا تعدو أن تكون نفخة في رماد التنظيم الانفصالي الذي يعيش حالة من الاختناق والصراع الداخليين، في ظل انكشاف زيف الأطروحة الانفصالية والمناداة بمعاقبة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي تمارسها القيادة الانفصالية في حق ساكنة المخيمات. في واقع الأمر، يعكس تأسيس هذه الهيئة الانفصالية من طرف أمينتو حيدر بعد حلِّ ما كان يُعرف ب«كوديسا»، سقوط خطط التحريض الانفصالي تحت غطاء حقوقي، وفي الوقت عينه اعترافا ضمنيا من أمينتو حيدر بتزويرها للحقائق وتغليطها للرأي العام بمزاعم المساس بحقوق الإنسان، إذ إن المنتظم الدولي تفطن إلى عدد من الأساطير والأكاذيب التي دأب الانفصاليون وبعض المنظمات غير الحكومية المُتحيزة على ترويجها والدعاية لها. وأي تحد يطرحه للمغرب نزع أمينتو ومجموعتها للقناع الحقوق والكشف عن نواياهم السياسية الحقيقية؟ إن انتقال أمينتو حيدر إلى العمل السياسي بوجه انفصالي بشع ليس إلا تحصيل حاصل، ولا يزيد قناعة المجتمع الدولي والدول والهيئات المكونة له إلا رسوخا بشأن بطلان الادعاءات والافتراءات التي يصوغها الانفصاليون خدمة لمصالح وأجندة قيادتهم التي ليست في الحقيقة سوى ظل بئيس لمصالح وأجندة النظام العسكري الجزائري المعادي للمغرب ولوحدته الوطنية والترابية. عفوا، هل سيؤثر تأسيس الهيئة الجديدة في مسار البحث عن حل لهذا النزاع، أم إننا أمام خطاب استهلاكي؟ إذا ما وضعنا في الحسبان التطورات الأخيرة في ملف الصحراء على الواجهة الدبلوماسية والأممية، نلاحظ أن تأسيس هذه الهيئة الانفصالية وتزامنها مع قرب صدور تقرير الأمين العام للأمم المتحدة وقرار مجلس الأمن؛ يشكل توجها مضادا للمقاربة الأممية التي تتوخى الدفع بالمسلسل السياسي نحو تحقيق أرضية مشتركة للحل التوفيقي والواقعي. من هذا المنطلق، تشكل هذه الخطوة مؤشرا جديدا يثبت جمود وتطرف مواقف المحسوبين على الجبهة الانفصالية، كما يدل على ضعف حسهم الدبلوماسي وتشبثهم بأطروحات وخيارات ثبت بطلانها، بل استحالة تحققها على أرض الواقع بحكم افتقادها للواقعية والمقبولية (Acceptabilité) السياسية، معيار التوفيق لدى جميع الأطراف. في السياق الحالي، اختارت الجبهة ومن يدعمها الاستمرار في نسج وتسويق أوهام وأكاذيب لا يقبلها العقل المستقيم وتلفظها الحجج والبراهين التاريخية والقانونية. بدل تهييء الشروط السياسية للانخراط في الحوار الهادف والبناء من أجل تسوية سياسية دائمة، انشغلت الجبهة والجزائر في حياكة أساطير موجهة للاستهلاك داخل المخيمات الغارقة في كارثة إنسانية يتحملون أنفسهم مسؤوليتها. على ضوء ما سبق، كيف ترون مستقبل ملف الصحراء؟ سيكون من الصعب تحقيق اختراق مهم في اتجاه الحل السياسي المأمول، طالما يستمر غياب الإرادة السياسية لدى القيادة الانفصالية والنظام الجزائري.