في ظل محاولة جبهة البوليساريو، بدعم جزائري، العودة في الأسبوع المنصرم إلى واجهة الأحداث عبر تأسيس «الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي»، والتهديد بإغلاق معبر الكركرات؛ أكد المغرب في خطابه السنوي، هذه المرة عن بعد، في الدورة الخامسة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه بقدر ما يلتزم مبادئ الأممالمتحدة، فإنه لن يقبل استفزازات الجبهة، مؤكدا أن الحكم الذاتي هو الحل الوحيد. لكن يبقى المستجد البارز هو الموقف الإسباني الذي كان قريبا كثيرا إلى الطرح المغربي بتأكيده «مركزية الأممالمتحدة» في حل النزاع، وتخليه عن عبارة «تقرير المصير»، فضلا عن انفجار «مجموعة» انفصاليي الداخل إلى مجموعتين صغيرتين. في هذا الصدد، أوضح سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، في خطابه أمام زعماء العالم، قائلا: «يظل المغرب ملتزما بإيجاد حل نهائي للخلاف الإقليمي حول الصحراء المغربية في إطار وحدته الترابية وسيادته الوطنية»، وتابع: «إن موقف المغرب لا يشوبه أي غموض، فلا يمكن أن ينجح البحث عن حل سياسي نهائي إلا إذا كان يندرج في إطار المعايير الأساسية الأربعة». وشرح العثماني المعايير الأربعة قائلا: «أولا، السيادة الكاملة للمغرب على صحرائه، ومبادرة الحكم الذاتي حلا وحيدا نهائيا لهذا النزاع المفتعل؛ ثانيا، المشاركة الكاملة لجميع الأطراف في البحث عن حل نهائي لهذا النزاع؛ ثالثًا، الاحترام التام للمعايير والمبادئ التي كرسها مجلس الأمن في جميع قراراته منذ سنة 2007، والمتمثلة في أن الحل لا يمكن إلا أن يكون سياسيا وواقعيا وعمليا ودائما ومبنيا على أساس التوافق؛ رابعًا، رفض أي اقتراح متجاوز والذي أكد الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن منذ أكثر من 20 سنة بطلانه وعدم قابليته للتطبيق، والهادف إلى إخراج المسلسل السياسي الحالي عن المعايير المرجعية التي حددها مجلس الأمن». وأكد العثماني أن المسلسل السياسي تحت الولاية الحصرية للأمم المتحدة «حقق زخما جديدا بعقد مائدتين مستديرتين في جنيف التأمت حولها جميع الأطراف لأول مرة، ومن المشجع، بشكل خاص، أن مجلس الأمن كرس هذه العملية باعتبارها الطريق الوحيد لحل سياسي واقعي وعملي ودائم وقائم على أساس التوافق في إيجاد حل لهذا النزاع الإقليمي». وعبر العثماني، كذلك، عن عمق قلق المغرب إزاء «الوضعية الإنسانية الأليمة التي يعيشها سكان مخيمات تيندوف، والتي فرضتها الدولة المضيفة التي تسير جماعة مسلحة انفصالية، في تحد صارخ للالتزامات الدولية بموجب الاتفاقية الدولية لسنة 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، والاتفاقيات الدولية الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني»، وأضاف أنه في سياق كوفيد-19 يزداد هذا القلق حول «مصير تلك الساكنة المحتجزة في مخيمات عهد تسييرها إلى جماعة مسلحة لا تتوفر على أي صفة قانونية وفق القانون الدولي. لقد حان الوقت ليتخذ المجتمع الدولي قرارا حاسمًا لدفع الدولة المضيفة إلى السماح للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بإجراء إحصاء لتلك الساكنة وتسجيلها وفق القانون الدولي الإنساني للاجئين، والنداءات الملحة التي نص عليها مجلس الأمن في كل قراراته منذ عام 2011». وعلى غرار كلمة العثماني التي تضمنت رسائل واضحة إلى كل الأطراف المعنية، في ظل المناورات الأخيرة لجبهة البوليساريو والجزائر بحثا عن استفزاز الرباط، وجهت الحكومة الإسبانية الائتلافية، بقيادة الاشتراكي بيدرو سانشيز، صفعة جديدة إلى الجبهة في خطابه عن بعد أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم أمس السبت، بعدما عبر عن موقف أقرب إلى الطرح المغربي منه إلى الانفصاليين. وقال سانشيز إن ملف نزاع الصحراء يوجد في أجندة حكومته، لكنه قطع الشك باليقين قائلا: «ندافع عن مركزية الأممالمتحدة، ونتمنى أن نساهم في الجهود التي يبذلها الأمين العام للأمم المتحدة من أجل التوصل، كما تنص على ذلك قرارات مجلس الأمن، إلى حل سياسي وعادل ودائم ومقبول لدى جميع الأطراف في إطار مبادئ الأممالمتحدة». وانتقدت جبهة البوليساريو الموقف الإسباني عبر منابر الإعلام التابعة لها، إذ اعترفت بتخلي إسبانيا عن المطالبة بتقرير المصير في الصحراء. لكن أغلب المتخصصين في الشأن الإسباني يعتقدون أن الحكومة الإسبانية اكتوت بنيران الانفصال «الفاشل» في السنوات الأخيرة، لذلك، من المستحيل أن تدعمه، لا من قريب ولا من بعيد، في مناطق أخرى، وتابعت أن الحكومة الإسبانية أصبحت اليوم أكثر برغماتية مما كانت عليه قبل 2018. وبعد صفعتي كلمتي العثماني وسانشيز، تلقت الجبهة، أول أمس السبت، الصفعة الثالثة، بعدما قام التيار المتمرد على جبهة البوليساريو في الأقاليم الجنوبية، يوم الجمعة الماضي بمدينة العيون، بعقد المؤتمر التأسيسي لتجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان، المعروف اختصارا بكوديسا، ردا على حل «كوديسا» في نسخته الأولى، وتأسيس يوم الأحد الماضي «الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي» برئاسة الانفصالية أمينتو حيدر. وقال المؤتمرون إن أشغال المؤتمر التأسيسي تميزت بمناقشة وتعديل والمصادقة على وثائق المؤتمر المقترحة (القانون الأساسي، الأرضية التوجيهية والبيان الختامي)، التي أعدتها اللجنة التحضيرية لهذا المؤتمر، قبل المرور إلى انتخاب أعضاء اللجنة الإدارية المكونة من 41 عضوا طبقا لمقتضيات المادة 10 من القانون الأساسي، وانتخاب المكتب التنفيذي المكون من 18 عضوا، طبقا للمادة 14 من القانون ذاته. تجدر الإشارة إلى أن «كوديسا» أسس سنة 2007، لكنه لم يعقد أي مؤتمر تأسيسي، ولم تكن له أي صفة قانونية، باستثناء أنه كان يضم مجموعة من انفصاليي الداخل الذين كانوا منقسمين إلى تيارين؛ تيار أمينتو جيد؛ وتيار علي سالم التامك. ومع مرور السنوات، تفاقمت الخلافات بينهما، وانتهت بإعلان أمينتو قبل شهرين حل «كوديسا»، قبل أن تؤسس الأسبوع الماضي الهيئة الانفصالية الجديدة، لكن يبدو أنها فشلت في «قتل» كوديسا، حيث يبدو واضحا اليوم أن هناك صراعا بين مجموعتين من انفصاليي الداخل؛ واحدة تعادي المغرب وتريد الحفاظ مع نوع من الاستقلالية عن جبهة البوليساريو، وثانية معادية للمغرب قررت الارتماء في أحضان الجبهة والجزائر. في هذا الإطار، قال نوفل البعمري، الباحث المغربي في ملف الصحراء، في حديث مع «أخبار اليوم»، إن انعقاد الجمع العام لما تبقى من أعضاء جمعية كوديسا، التي حلتها أمينتو حيدر أخيرا، «ينذر بانشقاق حاد في التيار الانفصالي، خاصة بين المجموعة التي تعتبر نفسها قبليا وتاريخيا معنية بالصراع، والمجموعة التي اعتبرتها حيدر أنها لا تنتمي إلى منطقة النزاع، وبالتالي، لا حق لها في الحديث باسم «الشعب الصحراوي» أو اعتبار نفسها طرفا في النزاع، وهو مؤشر كذلك على حسم قيادة الجبهة هذا الصراع لصالح تيار أمينتو حيدر على حساب التامك الذي لُفظ بطريقة مهينة، رغم كل ما قدمه من حريته وصحته وحياته لصالح البوليساريو». ويرى البعمري أن كوديسا في نسختها الجديدة تسعى إلى الحفاظ على مسار كوديسا «الحقوقية» نفسه في نسختها السابقة، لكن المتمعن الجيد سيكتشف أن من صاغ البلاغ الختامي للجمع العام أراد صياغته بمنطقين؛ الأول سياسي ليظهر القادر على أداء الدور نفسه الذي ستقوم به أمينتو حيدر من خلال هيئتها الانفصالية، وهو بذلك يخاطب قيادة الجبهة أكثر من مخاطبته للساكنة الصحراوية، ثم أنه في جزء ثانٍ من البلاغ الصادر عن هذا الجمع العام حاول الحفاظ على خيط نابض مع البيانات السابقة لكوديسا في نسختها القديمة للحفاظ على «شرعية» الحضور، وهي الشرعية التي سحبتها منهم أمينتو في بلاغ حلها لكوديسا عندما اعتبرتهم غير معنيين بالنزاع، وعندما لم تدمجهم في هيئتها الانفصالية. ويظن البعمري، كذلك، أن «الجامع بين كوديسا التامك وهيئة أمينتو هو أنهما معا أعطيا تمثيلية لمجموعة أكديم إزيك؛ فكوديسا التامك أعلنت في مكتبها وجود المعتقل الشيخ بنكا، وهيئة أمينتو أعلنت وجود المعتقل السابق على خلفية الأحداث الإجرامية نفسها، والمسمى الزاوي، أي أن التنظيمين معا يريدان أن يكتسبا شرعية مخيم أكديم إزيك، وهو ما يؤكد ما سبق أن أوردته شخصيا عن أن أحد الأسباب التي دفعت إلى حل كوديسا وإنهاء التيار الانفصالي الحقوقي هو فشله في تجديد شرعيته منذ محاكمة أكديم إزيك الأخيرة التي جرت سنة 2017. وإذا كانت المستجدات الثلاثة، كلمة العثماني وكلمة سانشيز والجمع العام لكوديسا، بعثرت ورقة الهيئة الانفصالية التي لعبتها الجبهة حديثا للعودة إلى الواجهة، فإن حالة الاستنفار التي تعرفها منطقة معبر الكركرات، في ظل الحديث عن رغبة صحراويين في إغلاقه، تنذر بتوتر في المنطقة قد يصل إلى حد التصعيد العسكري، خاصة بعد زيارة مسؤولين عسكريين، وربما حتى وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، للمعبر. وهناك حديث، أيضا، عن إرسال الجيش المغربي تعزيزات عسكرية إلى محيط الكركرات تحسبًا لأي تطور محتمل في المعبر. في هذا يرى البعمري أن ما يحدث في الكركرات يبدو أنه يعكس نوعا من الفوضى التي تعيشها المخيمات، وعدم قدرة البوليساريو على التحكم فيها، فالأمر أصبح يبدو، منذ يوم مساء السبت، نوعا من التمرد على قيادة البوليساريو، ورفض الشباب الغاضب الوضع القائم، وضع اللاحرب واللاسلم، بسبب رفض الجبهة الانخراط الجدي في مباحثات سياسية جدية على قاعدة المعايير التي وضعتها الأممالمتحدة.