بعد تأسيس ما يسمى «الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي»، في الساعات الماضية، برئاسة الانفصالية أمينتو حيدر، بمعية مجموعة من انفصاليي الداخل، أصبح من المؤكد أن هذه المجموعة لم تعد تلعب على وتر حقوق الإنسان في الصحراء، بل انتقلت إلى ما تسميه «تطبيق القانون الدولي في الصحراء الغربية»، أي أنها خرجت علانية للعمل السياسي ضد المغرب من العيون. لكن بعض الخبراء المغاربة يعتقدون أن الهيئة الجديدة ليست لديها أي قيمة لدى مجموع الصحراويين، ولا وزن لها في ميزان ملف الصحراء في الأممالمتحدة، فيما يحذرون آخرون من هذه الديناميات الجديدة، خاصة في ظل صمت الأحزاب والنخبة والإعلام بالمملكة. وإذا كان البعض يذهب إلى أنه قد تكون لأمينتو حيدر طموحات أكبر قد تربك بها أوراق المغرب والبوليساريو والأممالمتحدة، فإن أمينتو نفسها أكدت بعد تأسيس الهيئة أنها تعمل لصالح البوليساريو، إذ زعمت أن «الجبهة هي الممثل الوحيد والشرعي للشعب الصحراوي»، مشيرة إلى أن الهيئة الجديدة هي «جزء فقط من» البوليساريو، لكنها، في المقابل، تجنبت الحديث عن الخلافات التي دفعتها إلى مغادرة «تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان»، حسب مصادر إعلامية إسبانية. وقد أوضحت مصادر علمية من العيون مطلعة على ملف صراع «كوديسا»، ل«أخبار اليوم»، أن هناك صراعا قديما داخل «كوديسا»، خاصة بين أمينتو حيدر ومحمد متوكل، الناشط الصحراوي في مجال حقوق الإنسان والمعارض، من جهة، وبين علي سالم التامك، الناشط الصحراوي، من جهة ثانية، والذي كان يرفض حل «كوديسا»، ودخل في مواجهة مع أمينتو. وأضافت المصادر أن «كوديسا» الذي أسس سنة 2007 كان بمثابة تتويج لعمل تطور تدريجيا من سنة 1998، لكن لجنة التنسيق للدفاع عن حقوق الإنسان في الصحراء سنة 1998 ستدخل في صراعات بسبب الدعم المالي الذي كانت تتوصل به، وعليه، جرى تأسيس منتدى الحقيقة والإنصاف بالعيون، والذي كان يميل إلى أطروحة البوليساريو من خلال المطالبة بتقرير المصير، والذي انتهى أيضا إلى الفشل. ورغم تأسيس «كوديسا» سنة 2007 من لدن أمينتو حيد ونائبها التامك، إلا أنهما لم يعقدا جمعا عاما، ولم يصادقا على الوثائق التأسيسية، إذ كان تأسيسا دون وثائق. وبدأت تكبر الصراعات بين الأعضاء، خاصة بين المتوكل والتامك في البداية، وفيما بعد بين أمينتو حيدر وعلي سالم التامك، وبينهم أيضا وبين البوليساريو. كما يذهب البعض إلى أن سالم التامك كانت لديه مسافة نقدية دائما تجاه بعض قرارات البوليساريو، فيما كان الآخرون «ملحقين رسميين» تقريبا بالجبهة. غير أن قواعد اللعبة ستتغير بعد أحداث «أكديم إزيك» سنة 2010 مع ظهور جيل جديد من النشطاء لا ينتمون إلى جيل الاعتقالات السياسية، وهم شباب غير مكونين نضاليا، والذين أصبحوا يلعبون في الساحة، وقد لعبت البوليساريو هذه اللعبة، لأنها كانت تتوجس دائما من الناس الذين لديهم الشرعية، حيث إن الجبهة كانت بدأت تضع مسافة إزاء النشطاء الكبار وتتخوف منهم، تبرز مصادرنا. وكانت أمينتو حيدر ترفض في البداية زيارة مخيمات تيندوف، قبل أن تتحول إلى جزء من بنية البوليساريو، أكثر من كونها ناشطة في مجال حقوق الإنسان. ومن هنا جاء نقاش البوليساريو معها حول كيفية الخروج من تلك الصراعات، وإنشاء هيئة للدفاع عن حقوق الإنسان. لكن المفاجئ، وفق مصادرنا، هو الذهاب مباشرة إلى تأسيس هيئة سياسية جديدة بهدف طرح الملف من زاوية القانون الدولي، أي أنهم لم يعودوا يرغبون في الحديث مع المغرب حول حقوق الإنسان، بقدر ما سيبدؤون في الترافع ضده من منطلق أنه «دولة محتلة». وحذرت مصادرنا قائلة: «هذه معركة جديدة في تدبير قضية حقوق الإنسان في الصحراء من منطلق القانون الدولي، وأن تذهب أمينتو حيدر في هذا المخطط الذي لم تكن تفهمه في البداية، وأن يُستبعد آخرون كانوا يفهمونه، يعني أن كل هذا جرى إملاؤه عليها من لدن البوليساريو والجزائر، بمعنى أن هناك مخططا جديدا لإدارة معركة حقوق الإنسان في الصحراء انطلاقا من منظومة القانون الدولي، وانطلاقا من التراكمات التي حصلت في المنازعات التي حدثت في محاكم الاتحاد الأوروبي، خاصة في ما يتعلق باتفاق الصيد البحري، والباخرة التي حُجزت في جنوب إفريقيا». وخلصت مصادرنا إلى أن التامك كان الأقرب إلى أفكار الهيئة الانفصالية الجديدة، لكن ربما رفضه أن يكون حضوره شكليا، جعل البوليساريو تراهن على أمينتو حيدر. من جانبه، يعتقد خالد البكاري، الناشط الحقوقي المغربي، أن تأسيس الهيئة الجديدة «يعني انتقال دينامية مجموعة أمينتو ومن معها من الرهان على العمل الحقوقي لإحراج المغرب ومناكفته، إلى العمل السياسي الصريح، وبالتالي، نحن أمام تطور في الدينامية ولسنا أمام تراجع»، كما تساءل قائلا: «إذا كان هذا المولود السياسي سيضع نفسه تحت إشارة قيادة البوليساريو، فكيف سيكون موقف المغرب إذا اختارت الجبهة بعض أسماء الهيئة في وفدها المفاوض؟ لنتذكر اعتراض البوليساريو على تمثيلية صحراويين في الوفد المغربي، وبالتالي، قد تفكر الجبهة في تمثيلية من الأقاليم الصحراوية في مواجهة صحراويين وحدويين داخل الوفد المغربي». واستغرب البكاري «الصمت المحير للأحزاب والنخبة والإعلام، وكأن ما يقع في الصحراء لن تكون له انعكاسات على كل الوطن»، وخلص إلى القول: «نحن أمام ديناميات جديدة، وغير واضحة للمتتبع المغربي، فلا نكاد نعرف إلا قليلا عن مبادرة «صحراويون من أجل السلام»، وعن الهيئة الجديدة».