هناك حالة من الغليان داخل الشبكة الحقوقية الموالية لجبهة "البوليساريو" بالصحراء المغربية، بسبب شيوع اتهامات متبادلة ب"التخوين والعمالة وتزكية الروح القبلية" لبعض النشطاء الانفصاليين. وحسب معطيات دقيقة حصلت عليها "الأيام"، فإن الشبكة الحقوقية التي لطالما اعتمدت عليها قيادة الرابوني في مناوراتها ضد المغرب على صعيد المنتديات الدولية والإقليمية، بدأت تعيش على أنقاض مشاكل وصراعات تنظيمية وفكرية وحتى قبلية.
تعتمد قيادة الرابوني بمخيمات تندوف بقوة على انفصاليي الداخل، ما دفعها في مؤتمرها الأخير بمنطقة تيفاريتي" إلى الرفع من عدد تمثيلية الانفصاليين الصحراويين من العيون، بوجدور والداخلة، وحتى كلميم، في الأمانة العامة للجبهة، من 10 أعضاء إلى 16 عضواً، في إشارة إلى الاعتماد الكبير الذي باتت توليه القيادة لما تصفه بتشكيلاتها الحقوقية في مناوراتها ضد المغرب.
وإزاء هذا الوضع، ماتزال تعيش اللجان الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالصحراء مرحلة "التعريف بالذات"، وانحصار أنشطتها في إعداد تقارير داخلية، فضلا عن مجموعة من الإكراهات التدبيرية والتمويلية، وهو ما يعكس حالة من التعثر على مستوى الدبلوماسية الحقوقية الرسمية الموازية للمغرب.
الأذرع الحقوقية للبوليساريو بالصحراء المغربية
لجأت قيادة جبهة البوليساريو، بعد القرار الأممي لسنة 1991 القاضي بوقف إطلاق النار بالصحراء، إلى الاعتماد على حرب ثانية، تقوم على تجنيد شبكة من النشطاء الحقوقيين من أجل كشف ما يقال عنه "انتهاكات" حقوق الإنسان المرتكبة من طرف المغرب بالصحراء، لإحراجه داخل الأممالمتحدة وباقي المنتديات الدولية.
ويتجاوز عدد المنظمات الفاعلة ضمن الشبكة "الحقوقية" الموالية للخط السياسي لجبهة البوليساريو العشر منظمات، وتشكل عصب حربها ضد المغرب عن طريق إصدار تقارير قاتمة عن وضعية حقوق الإنسان في أقاليمنا الجنوبية.
وتعد "جمعية المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان" -وتنعت اختصارا بال (CODESA)- وتترأسها أمنتو حيدر، وعلي سالم التامك كنائب للرئيس، من أبرز الهيئات الحقوقية المؤيدة لجبهة البوليساريو بالصحراء، وهي من أول الهيئات التي استدعاها المبعوث الأممي كريستوفر روس خلال زياراته المتتالية للعيون كبرى حواضر الصحراء. وتتواصل بشكل شبه يومي مع وسائل إعلام مختلفة حول جديد بياناتها وتقاريرها، بل إن المستشار السياسي للسفارة الأمريكية بالرباط اجتمع مع قيادييها بالعيون الأسبوع الماضي مع تحفظ المغرب رسميا عن أي رد.
ثاني أهم تنظيم يبقى هو "الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالصحراء" (ASVDH)، ويرأسها إبراهيم دحان، ونائبته الغالية ادجيمي، وتختص الجمعية في إعداد تقارير منتظمة عن مزاعم حالات "التعذيب والاعتقال التعسفي بالصحراء"، واستطاعت إقناع المقرر الأممي الخاص بالتعذيب، خوان مانديز، خلال زيارته للعيون العام الماضي، بتبني جزء من تقريرها. حيث كانت لغة تقرير مانديز متشابهة مع تقريرها في أكثر من موضع.
وينضاف إلى هذه التشكيلة "الحقوقية" ما يعرف ب "رابطة حماية السجناء الصحراويين"، الناشطة في مجال مراقبة أوضاع السجناء الصحراويين، ولا تتوانى تقاريرها عن اتهام المغرب بمزاعم "تعذيب السجناء الصحراويين في السجون المغربية"، وتتوفر أغلب هذه المنظمات على رصيد غني جداً من العلاقات مع نظيراتها الدولية باوروبا وأمريكا.
هذا بالإضافة إلى "لجنة مناهضة التعذيب في الصحراء"، ويرأسها الحمامي عمر سالم، إسباني الجنسية، وتم تأسيسها سنة 2006، بالداخلة، وتنسق مع عدد من المنظمات الدولية خاصة الإسبانية واللاتينية، في مجال "مناهضة التعذيب بالصحراء"،، وتوثق لكل الانتهاكات المزعومة بالصوت والصورة، وتتواصل مع مختلف وسائل الإعلام الإسبانية والعربية.
ويعد "المرصد الصحراوي للطفل والمرأة" هو الأحدث ضمن هذه التشكيلة، إذ تأسس في 29 أبريل 2012 بالعيون، ترأسه فطمتو باري، حيث حضرت جمعه التأسيسي أبرز الفعاليات الحقوقية المناصرة لجبهة البوليساريو.
صراعات بين الحقوقيين الصحراويين
تشيع فكرة "التخوين والعمالة" بقوة بين صفوف الانفصاليين الحقوقيين أنصار البوليساريو، وهو ما يعكس طبيعة الصراع القائم بين هؤلاء النشطاء، فحسب مراسلة سرية من قيادة جبهة البوليساريو بالرابوني، حصلت "الأيام" على نسخة منها، موقعة باسم ما يسمى ب"وزير الأراضي المحتلة والجاليات والريف الوطني" محمد الوالي أعكيك، يتضمن محتواها أمراً بعدم التعامل مع بعض الجمعيات الحقوقية والمنابر الإعلامية الصحراوية بشكل مطلق، بسبب ما اعتبرته الرسالة "شكوكا حول تخابرها وعمالتها للمخابرات المغربية" ، لكن ما هي الجمعيات المعنية في رسالة "الوزير"؟
مصادر "الأيام" الخاصة أكدت أن كلا من "تنسيقية أكديم ازيك للحراك السلمي"، و"الهيئة الصحراوية للإعلام المستقل"، هي من كانت مقصودة في رسالة الرابوني، وذلك على الرغم من إعلان هذه الجمعيات الحقوقية مناصرتها لخيار جبهة البوليساريو.
وتعد الصراعات القبلية العنوان العريض للخلافات بين جمعيات حقوقية في الصحراء، على الرغم من أن المشترك بينها هو المطالبة ب"تقرير المصير للصحراء، ومناصرة البوليساريو ضد المغرب". وقد حصلت "الأيام" على تفاصيل مثيرة حول الصراع بين الرجل الثاني في جمعية "تجمع المدافعين الصحراويين عن حقوق الانسان"، علي سالم التامك، المنتمي لقبيلة "ايتوسى" وعمر بولسان، وهو أحد قياديي الجبهة بالرابوني والرجل التنفيذي لمخابرات البوليساريو بالصحراء، مقيم في "لاس بالماس" الكنارية، ومن أبناء قبيلة "اولاد تيدرارين"، ويقوم الصراع بين الاثنين على أساس قبلي صرف، مفاده أن الأول يتهم الثاني ب"تزكية الروح القبلية بين المناضلين الحقوقيين الصحراويين، من خلال تقديمه الدعم المالي للجمعية التي يسيرها وينشط فيها أبناء قبيلته، دون باقي النشطاء"، وهي "الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في الصحراء"، وهو ما دفع برئيس الأخيرة، المسمى ابراهيم دحان، إلى شن حرب كلامية ضد علي سالم التامك وفقا لمنطق "عدو صديقي عدوي".
يسود لدى قيادة الرابوني قلق كبيرمن الزعامات الحقوقية الجديدة في الصحراء المغربية، التي بات لها دور مؤثر في أوروبا وأمريكا، عن طريق العلاقات التي ربطتها مع منظمات حقوقية دولية ذائعة الصيت، ويكمن التخوف حسب تصريحات ناشط حقوقي وإعلامي بمخيمات تندوف، وأحد أبرز كتاب الرأي لجبهة البوليساريو، التقت به "الأيام" -فضل عدم ذكر اسمه- من قدرة القيادات الحقوقية الجديدة، مثل الناشطة امنتو حيدار، على خطف بساط تمثيلية صوت الانفصاليين من تحت أقدام قيادة جبهة البوليساريو، التي بات لها توجس حقيقي مما وصلت اليه بعض الجمعيات الحقوقية بالعيون، مثل ال"كوديسا" دوليا، حيث أصبحت "الناطق الرسمي باسم الشعب الصحراوي"، بالمنتديات الإقليمية والدولية، عوض التمثيليات الدبلوماسية لجبهة البوليساريو.
ووفقا لتصريحات المتحدث ذاته، فإن الجناح الاستخباراتي للبوليساريو يحاول "إضعاف جزء من الشبكة الحقوقية، على الرغم من مناصرتها للخط السياسي للجبهة"، ويعني بذلك التنظيمات التي تبحث عن استقلالية أكبر في علاقتها بجبهة البوليساريو، والتي وإن لم تكن كل قيادة البوليساريو فإن جناحا فيها على الأقل يرى في هذه الاستقلالية خطرا متزايدا على القيادة. وهذا ما يعني أن قيادة الرابوني أضحت ترى بأن التشكيلات الحقوقية "الفاعلة" بالصحراء، باتت تهدد "الزعامات الحالية بالمخيمات"، الأمر الذي ولَّد للأخيرة قناعة من أجل الدفع بتشكيلاتها "الطيعة" للتخوين والتشويش على الجزء الفاعل والمستقل عن قيادة الجبهة.
وقد يبدو ذلك التكتيك طبيعيا ما دامت البوليساريو لم تستطع بكل عتادها وتمثيلياتها الدبلوماسية، وحلفائها بجزء من إفريقيا، أن تبلغ ما وصلت إليه الانفصالية امنتو حيدر، التي باتت تعرف بلقب "غاندي الصحراء" داخل أوساط مناصري جبهة البوليساريو، في إشارة ضمنية إلى سحبها لبساط "تمثيلية الصحراويين" من تحت أقدام قيادة الرابوني.
توتر العلاقة بين النشطاء ومخابرات البوليساريو
العلاقة التي تجمع بين الجمعيات الحقوقية الصحراوية المناصرة لجبهة البوليساريوومخابرات قيادة الرابوني ليست بالجيدة كما قد يتصورها البعض، إذ توجد حالة من "الاستياء" المستشري في صفوف بعض النشطاء الحقوقيين الصحراوين، بسبب ما يرونه: "إهمالا وتهميشا لنضالاتهم من قبل القيادة"، وكانت حجة ذلك، تسجيل هاتفي، حصلت عليه "الأيام"، وهو عبارة عن مكالمة هاتفية، ضبطت بين الرجل التنفيذي لمخابرات البوليساريو، عمر بولسان، من جزيرة "لاس بالماس" الكنارية، مع أحد النشطاء الحقوقيين "المستائين" بالعيون، المسمى "الحافظ"، الذي أفرغ جام غضبه في عمر بولسان بسبب ما قال عنه "ازدواجية اختيار من يستحق الدعم المالي والمعنوي من طرف القيادة، وكذا من يشاركون في الوفود والمؤتمرات الدولية".
وانتقد الناشط الحقوقي من العيون في مكالمته الهاتفية مع بولسان إهمال القيادة (قيادة البوليساريو) ل"أبطال" حقوقيين بالعيون على الرغم من وفائهم لمبادئ قيادة البوليساريو، وتهميشهم دون اعتبار لتاريخ نضالاتهم ضد المغرب، وحمل الناشط الحقوقي مسؤولية "الإهمال" لعمر بولسان، بصفته رجلا تنفيذيا لجهاز مخابرات البوليساريو. واعتبر الناشط الصحراوي بأن "المعيار القبلي" هو ما تعتمده القيادة في اختيارها لمن يشارك في الوفود الحقوقية الدولية.
بوبريك: عمل حقوقي مؤدى عنه
أوضح رحال بوبريك، رئيس مركز الدراسات الصحراوية، أن عمل الجمعيات الحقوقية الصحراوية المؤيدة لتقرير المصير هو "عمل مرهون بدعم قيادة البوليساريو"، وأعرب عن اختلافه مع فكرة تخوف قيادة الرابوني من الزعامات الحقوقية الجديدة بالصحراء، مشيرا إلى أن القيادة هي من تمول وتدعم وترسم بشكل دقيق خارطة الطريق لعمل النشطاء الحقوقيين الصحراويين بالصحراء . فكيف يصير لها "تخوف" من تشكيلاتها الحقوقية النشيطة بالصحراء التي تراهن عليها في المنتديات الدولية والإقليمية للمناورة ضد الوحدة الترابية للمغرب؟
وأردف في حديثه مع "الأيام" بأن التشكيلات الحقوقية بالأقاليم الجنوبية مرتبطة بأجندات سياسية وإيديولوجية لجبهة البولساريو تحت لواء حقوقي، مؤكدا بأن عملها الحقوقي "مؤدى عنه و لا يدافع عن حقوق الإنسان في بعدها الكوني، لذلك فهي لا تكشف عن خروقات حقوق الإنسان في مخيمات الجبهة بتندوف".
الشرقاوي: لجان المجلس خلقت النقاش
قال محمد سالم الشرقاوي، رئيس اللجنة الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بالعيون، إن عمل التشكيلة الحقوقية المؤيدة لخط جبهة البوليساريو بالصحراء "يشوبه الارتباك وضعف التكوين والمعارف الحقوقية، غير أنه حراك حقوقي يفيد المجتمع، إذا كانت له غايات مجتمعية شاملة، وليست شخصية".
وعن دور اللجان الجهوية إزاء وضع الصراعات الحقوقية بالمنطقة، أبرز الشرقاوي، في حديثه مع "الأيام"، أن اللجان الجهوية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان: "نجحت إلى حد ما في خلق التواصل والنقاش حول المشاكل المتعلقة ببعض الحقوق في المنطقة، بشكل مستقل وشامل وبدون خلفيات سياسية، واستطاعت فرض ذاتها واحترامها، في ظل ما تشهده المنطقة من صراعات سياسية وحقوقية".