عبيد أعبيد – بدأت تلوح في الأفق بعض علامات التصدع والخلاف داخل التشكيلة الحقوقية المؤيدة للخط السياسي لجبهة البوليساريو بالصحراء حسب ما كتبته صحف مغربية وأخرى محسوبة على جبهة البوليساريو، وهي الشبكة التي طالما اعتمدت عليها جبهة البوليساريو في دبلوماسيتها الحقوقية في نزاعها مع المغرب على صعيد المنتديات الدولية والإقليمية . وقد برز هذا الاعتماد بشكل جلي خلال آخر مؤتمر عقدته جبهة البوليساريو بمنطقة "التفاريتي"؛ حين تم منح النشطاء الحقوقيين ال54 القادمين من حواضر الصحراء الكلمة الحصرية لمناقشة تقرير تقدمت به لجنة "الانتفاضة والمقاومة داخل الأراضي الصحراوية"، إلى جانب ما ذهبت إليه قيادة الرابوني (مقر قيادة جبهة البوليساريو بتندوف بالجنوب الجزائري)، في الرفع من عدد تمثيليتهم في الأمانة العامة للجبهة، من 12 عضو إلى 16 عضو، في إشارة إلى الاعتماد الكبير الذي باتت توليه القيادة لتشكيلاتها الحقوقية داخل حواضر الصحراء. غير أن "الترسانة" الحقوقية الموالية للخط السياسي لجبهة البوليساريو بدأت تتصدع جدرانها خلال الثلاث سنوات الأخيرة، بعد أن بزغ فيض من التقارير الصحفية المحسوبة على جبهة البوليساريو تتحدث عن "تخوين" و"مدسوسين" و"صراعات" بين صفوف نشطاء حقوقيين صحراويين . فضلا عن خلافات تدبيرية أخرى حول "حب الزعامة والظهور واستغلال الامتياز"، إذ في ظل تكتيك "بلقنة" المنطقة بالهيئات الحقوقية الموالية لحساب الصراع السياسي لجبهة البوليساريو، أضحت بينها حالة من التدافع من أجل البروز وفرض الوجود ولو عبر استغلال المنطق القبلي. وإزاء هذا الوضع المؤثر في معادلة الصراع حول الصحراء بين المغرب والبوليساريو، طرح موقع "لكم. كوم" سؤالين رئيسين: هل بدأت تخسر جبهة البوليساريو تشكيلتها الحقوقية بالصحراء التي طالما اعتمدت عليها في صراعها مع المغرب؟ وهل يصدق ما باتت تلوح به الصحافة المغربية بخصوص "القلق" الذي أضحى يساور قيادة الرابوني من الزعامات الحقوقية الجديدة بالصحراء من أن تخطف عنها لواء تمثيل الصحراويين على الواجهة الدولية؟ أهم الهيئات الحقوقية الناشطة في الصحراء بعد القرار الأممي لسنة 1991 القاضي بتجميد عملية إطلاق النار، بدأت جبهة البوليساريو في الاعتماد على حرب ثانية تقوم على تجنيد شبكة من النشطاء الحقوقيين من أجل كشف انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من طرف المغرب بالصحراء، لإحراجه داخل الأممالمتحدة وباقي المنتديات الدولية. ويتجاوز عدد المنظمات الفاعلة ضمن الشبكة 10 منظمات صحراوية، تصدر تقارير قاتمة عن وضعية حقوق الإنسان في الصحراء محملة المغرب المسؤولية عن تلك الأوضاع. وتعتبر "جمعية المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان" (CODESA)، التي تترأسها أمنتو حيدار، ونائبها علي سالم التامك، من أبرز الهيئات الحقوقية المؤيدة لجبهة البوليساريو بالصحراء، إذ تعد من أول الهيئات الحقوقية التي استدعاها المبعوث الأممي كريستوفر روس، خلال زيارتيه المتتاليتين للعيون كبرى حواضر الصحراء. تليها في الهرم الحقوقي "الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالصحراء الغربية" (ASVDH)، يرأسها إبراهيم دحان، ونائبته الغالية ادجيمي، التي تصدر تقارير منتظمة عن حالات "التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان بالصحراء" لدرجة تطابق لغة تقرير المقرر الأممي الخاص بالتعذيب، خوان مانديز، خلال زيارته للعيون، مع ما كان يرد في تقاريرها . إضافة إلى "رابطة حماية السجناء الصحراويين" (ASVDH)، التي تعد هي الأخرى من أبرز التشكيلات الحقوقية الناشطة في مجال مراقبة أوضاع السجناء الصحراويين في السجون المغربية، فضلا عن "جمعية المعتقلين والمفقودين الصحراويين" (AFAPREDESA) وهي من أقدم التشكيلات الحقوقية تأسست في 1989، ويقع مقرها في تندوف، وهي عضو مراقب في اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان وعضو في التحالف الدولي لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، بالإضافة إلى شبكة علاقاتها الواسعة مع العديد من المنظمات الحقوقية عبر العالم. وبالرغم من عدم تواجدها بحواضر الصحراء، فإنها تزاول نشاطها باستمرار بالتنسيق مع نظيراتها من المنظمات الحقوقية الصحراوية. وتتكون الشبكة الحقوقية المؤيدة لجبة البوليساريو من منظمات أخرى أكثر فاعلية بالصحراء ك"منظمة شمس الحرية لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان" (FS) أسسها مجموعة من المعتقلين السابقين في السجون المغربية، ويترأسها أحمد الناصري، المعتقل السابق في سجن "سلا -2-" وتصدر تقاريرها السنوية بشكل منتظم، كان أخرها تقريرها الأخير لوضعية حقوق الإنسان بالصحراء لسنة 2012، حملت فيه المغرب مسؤولية "الاعتقال التعسفي والنفي والاستعمال المفرط للقوة وتهديد السلامة البدنية والنفسية للمدافعين الصحراويين عن حقوق الانسان بالصحراء"، إضافة إلى " لجنة الدفاع عن حق تقرير مصير الشعب الصحراوي" المعروفة اختصارا ب "كودابسو"، تأسست في أبريل 2005 بالعيون، يترأسها محمد ددش، الذي حصل على جائزة "رافتو" النرويجية لحقوق الإنسان، و"لجنة مناهضة التعذيب في الصحراء الغربية" التي تأسست في 2005 بمدينة الداخلة، يترأسها الناشط الصحراوي المامي أعمر سالم إسباني الجنسية، وتنسق مع عدد من المنظمات الدولية في مجال التعذيب، وتوثق لكل الانتهاكات الحقوقية المرتكبة من طرف الأمن المغربي بالصوت والصورة. "التخوين" بين النشطاء أكد الناشط الحقوقي الصحراوي عن جمعية "كوديسا"، العربي مسعود، لموقع "لكم. كوم"، وجود فكرة "التخوين" بين صفوف النشطاء الحقوقيين الصحراويين المؤيدين ل"مطلب تقرير المصير للشعب الصحراوي"، وعزا مسعود الأمر إلى فرضيتي "العفوية وغياب التشبع بثقافة حقوق الإنسان" لدى الملوحين باتهام "الخيانة والتجسس"، أو دفع المخابرات المغربية للصحراويين من أجل إثارة نقاش عدمي يحوم حول وجود "الخائنين والمدسوسين"، يقول العربي . الناشط الحقوقي الصحراوي، لم يخف وجود خلافات بين النشطاء الصحراويين المدافعين عن حقوق الإنسان بالصحراء، إلا أنه اعتبر :"إن الخلاف يظل مرتبط فقط بأمور تدبيرية وبأولويات في الاهتمام الحقوقي بين النشطاء". غير أن ما أفاد به أحد أبرز النشطاء الحقوقيين الصحراويين –إلتمس عدم ذكر إسمه- ل"لكم. كوم" يدحض قول الناشط الحقوقي عن جمعية "كوديسا" العربي مسعود، مؤكدا وجود حالة من "التخوين وانعدام الثقة" بين الهيئات الحقوقية الصحراوية فيما بينها من جهة، وبين الهيئات الحقوقية وجبهة البوليساريو من جهة أخرى. ولم يخف الناشط الحقوقي الصحراوي، وهو من أبرز المدافعين عن حق "تقرير المصير للشعب الصحراوي"، أزمة "التقزيم والقدح" بين النشطاء الحقوقيين الصحراويين بخصوص أنشطتهم" . الصراع بين النشطاء.. من وحي "الصحافة المغربية" شن الناشط الحقوقي الصحراوي، ورئيس "الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالصحراء الغربية"، أبراهيم دحان، هجوما على "الصحافة المغربية" بوصفها هي من تقوم بتسويق أخبار حول "الصراع والانشقاق" بين النشطاء الحقوقيين الصحراويين . ونفى بشدة ما أوردته الصحف المغربية حول وجود "صراعات" بين النشطاء الحقوقيين الصحراويين حول الزعامة. مؤكدا بالقول :"إن الجسم الحقوقي الصحراوي له إجماع على أن هناك احتلال مغربي، وعلى ضرورة حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره". ولم ينفي دحان، التقارير الصحفية التي تتهم النشطاء الحقوقيين الصحراويين بالضلوع في علاقة مع جبهة البوليساريو، إذ أكد بأن العلاقة التي تجمع بينهم وجبهة البوليساريو هي علاقة طبيعية مادامت الأهداف مشتركة بينهم . إشارة إلى مطلب "استقلال" الصحراء عن المغرب عن طريق "حق تقرير المصير" . مشيرا إلى أن المملكة المغربية وهيئة الأممالمتحدة لها علاقة "رسمية" مع جبهة البوليساريو، إذ الأولى من خلال "التفاوض معها في مانهاست"، والثانية من خلال الاعتراف بها على أساس أنها الممثلة الشرعية للشعب الصحراوي . من جانبها أيضا، اختلفت بشدة الناشطة الحقوقية، ونائبه، الغالية أدجيمي، مع فكرة "التخوين" و"الانشقاقات" داخل الجسم الحقوقي الصحراوي، مؤكدة على أن الأمر مرتبط فقط بالاختلاف حول أمور تدبيرية وتنظمية بين النشطاء ليس إلا. "استياء" النشطاء من القيادة أهم تجلي لحالة "الاستياء" المنتشية في صفوف بعض النشطاء الحقوقيين الصحراوين، هي المكالمة الهاتفية التي ضبطت بين الذراع الاستخباراتي لقيادة البوليساريو في جزر الكناري، عمر بولسان، وأحد النشطاء "المستائين" بالعيون من ازدواجية اختيار من يستحق الدعم المالي والمعنوي من طرف القيادة، وكذا من يشاركون في الوفود والمؤتمرات الدولية. وورد في مضمون المكالمة الهاتفية –بداية صيف 2012- احتجاج واستياء أحد النشطاء الصحراويين بالعيون من إهمال القيادة ل"أبطال" حقوقيين بالعيون على الرغم من وفائهم لمبادئ قيادة البوليساريو، وتهميشهم دون اعتبار لتاريخ نضالاتهم ضد المغرب، وحمل الناشط الحقوقي "المحتج" (لقب بنفسه ب الحافظ) ضمن المكالمة الهاتفية مسؤولية "الإهمال" للمناضلين الحقوقيين الصحراويين ل"عمر بولسان" بصفته "رجل تنفيذي" لجهاز مخابرات البوليساريو. واعتبر الناشط الصحراوي بأن "المعيار القبلي" هو ما تعتمده القيادة في اختيارها لمن يشارك في الوفود الحقوقية الدولية. وفي السياق ذاته، أسرت بعض المصادر الحقوقية ل"لكم. كوم" بأن الصراع ليس فقط بين "عمر بولسان" وبعض "المناضلين الصحراويين"، بل تعداه ليصل الخلاف والشجار بين أبرز الوجوه الحقوقية بالصحراء بسبب عمر بولسان الرجل النافذ داخل قيادة الرابوني. وهو ما عزاه المصدر نفسه إلى مشكل "القبلية". فحسب مصدر "لكم. كوم" ظهرت صراعات بين كل من نائب رئيسة جمعية ال"كوديسا" على سالم التامك وعمر بولسان، بسبب اتهام الأول للثاني ب"إذكاء روح القبلية" حينما يولي مكانة اعتبارية لأبناء قبيلته (أولاد تيدرارين) للمشاركة في الوفود الحقوقية الدولية. وهو الصراع الذي أرخى بظلاله أيضا على علاقة علي سالم التامك برئيس "الجمعية الصحراوية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان بالصحراء الغربية" إبراهيم دحان، بسبب دعم هذا الأخير لعمر بولسان بصفته واحد من أبناء قبيلته . "تخوف" قيادة الرابوني التقى "لكم. كوم" أحد المقربين من قيادة الرابوني في الجناح الإعلامي –التمس عدم ذكر اسمه- وأسر للموقع ب"التخوف والقلق" الذي يربك قيادة الرابوني من بعض الهيئات الحقوقية التي بدأت تتحرك داخل حواضر الصحراء وخارجها على مستوى المحافل الدولية، الشيء الذي جعل القيادة تتخوف من أن تسحب تشكيلاتها الحقوقية بساط "التمثيلية" من تحت عروشها، وأردف المصدر بالقول: "البوليساريو تحاول إضعاف جزء من شبكتها الحقوقية وأعني بذلك التنظيمات التي تبحث عن استقلالية اكبر في علاقتها بجبهة البوليساريو، والتي إن لم تكن كل قيادة البوليساريو فإن جناحا فيها على الأقل يرى في هذه الاستقلالية خطرا متزايدا على القيادة.. ". مشيرة إلى أن القيادة أضحت ترى بأن التشكيلات الحقوقية "الفاعلة" بالصحراء، أضحت تهدد "الزعامات الحالية بالمخيمات"، الأمر الذي ولَّد للأخيرة قناعة من أجل الدفع بتشكيلاتها "الطيعة" للتخوين والتشويش على الجزء الفاعل والمستقل عن قيادة الجبهة. وجوابا عن سؤال هوية الهيئات الحقوقية التي تشكل مصدر القلق للجبهة، اكتفى المصدر المطلع بالإشارة إلى نموذج أعضاء جمعية المدافعين الصحراويين عن حقوق الإنسان (كوديسا) فقط، التي تترأسها الناشطة الصحراوية أمنتو حيدار، ونائبها علي سالم التامك، ورفاقهما محمد المتوكل والعربي مسعود . نشاط حقوقي مدفوع "الأجر" من جهته، الباحث الصحراوي ورئيس مركز الدراسات الصحراية (مؤسسة رسمية مغربية)، رحال بوبريك، اختلف مع فكرة "تخوف قيادة الرابوني" من الزعامات الحقوقية الجديدة بالصحراء، مشيرا إلى أن القيادة هي من تمول وتدعم وترسم بشكل دقيق خارطة الطريق لعمل النشطاء الحقوقيين الصحراويين بالصحراء . فكيف يصير لها "تخوف" من تشكيلاتها الحقوقية النشيطة بالصحراء التي تراهن عليها بشكل قوي في المنتديات الدولية والإقليمية لمباغتة المغرب؟ وقال بوبريك ل"لكم. كوم" بأن التشكيلات الحقوقية بحواضر الصحراء مرتبطة بأجندات سياسية وأيديولوجية لجبهة البولساريو تحت لواء حقوقي، مؤكدا بأن عملها الحقوقي "مؤدى عنه" و لا يدافع عن حقوق الإنسان في بعدها الكوني، لذلك فهي لا تكشف عن خروقات حقوق الإنسان في مخيمات الجبهة بتندوف. وعلى الرغم من فرضية "العلاقة المتوترة" بين جبهة البوليساريو ونشطائها الحقوقيين بالصحراء، وبين هؤلاء الحقوقيين، والتي لا يمكن استبعاد دور المخابرات المغربية في الوقوف وراء نشر "أخبارها" التي تجد لها صدى كبيرا في بعض وسائل الإعلام المغربية، فقد استطاعت الهيئات الحقوقية الصحراوية أن تقطع أشواطا طويلة في زمن قياسي لإحراج الرباط حقوقيا وسياسيا أمام المنتظم الدولي بالأممالمتحدة، بشكل أقنع المفوضية الأممية لحقوق الإنسان بأن تشدد من لهجتها ضد المغرب، وأقنع قوة عظمى مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية للتقدم بمقترح توسيع مهام "مينورسو" (بعثة الأممالمتحدة في الصحراء) لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ومخيمات تندوف.