جيل مضى يعرف الصديق معنينو كنجم تلفزيوني في زمن ولادة التلفزيون المغربي، ولما كان هذا الجهاز يدخل كل بيوت المغاربة في سنوات الصراع السياسي، فإن الصحافي فيه تحول إلى شاهد قريب جدا من قلب صنع القرار في البلاد، وهكذا كان معنينو قريبا من الحسن الثاني في محطات مفصلية من تاريخ المغرب، وكان الملك يعتبر التلفزة سلاحه الخاص للانتصار لسياساته ضد المعارضة اليسارية التي كان سلاحها هو الصحافة المكتوبة. في هذا الحوار المطول، الذي ننشره عبر حلقات، يقربنا الصديق معنينو، الذي وصل إلى منصب مدير الإعلام والكاتب العام لوزارة الإعلام على عهد ادريس البصري، من أجواء الماضي التي ماتزال ترخي بظلالها على الحاضر، ويطوف بنا على الأجزاء الأربعة من مذكراته "أيام زمان".
«قفة» الأخبار الموصولة بحبل بالطابق الرابع
بين قسم التحرير بالإذاعة في زنقة « البريهي» وقسم التحرير بالتلفزة في مسرح محمد الخامس مسافة لا بأس بها، كان يقطعها رجل مسن، يشتغل ك» شاوش» بالإذاعة، كان على دراجته الهوائية يحمل تحت معطفه ما جمعه من أوراق إخبارية، أنتجها قسم التحرير بالإذاعة، فيوصلها إلى الطابق الرابع، كانت العملية تتكرر عدة مرات في اليوم، وكان المسكين مضطرا إلى « تسلق» الدرج لإيصال» الأمانة» إلى أصحابها. أذكر أنه كان ضعيف البنية كثير الاحتجاج، يعتبر هذا العمل جهدا إضافيا يستحق عليه تعويضا من التلفزة...وكان على حق في مطلبه.
عندما ساءت أحواله الصحية، فكر في تخفيف العبء على نفسه، فاشترى» حبلا» طويلا وصعد إلى الطابق الرابع، وربط به» قفة» قديمة، وتركها تتدلى حتى وصلت إلى المستوى الأرضي للعمارة قبالة مدخلها، ثم ربط الحبل في مسمار وانصرف. هذا الاختراع العجيب مكنه منذ ذلك اليوم من عدم تسلق الدرج، بل كان يكتفي بوضع الأوراق في القفة، ثم يصيح عدة مرات « الأخبار، الأخبار»، فيتحرك أحد الصحافيين ويتولى جر الحبل، كما كان يفعل الفلاحون القدامى وهم يخرجون الدلو من قعر البئر للحصول على الماء. هكذا كانت تشتغل تلفزة المملكة في ستينيات القرن الماضي.