شركة يابانية تختار طنجة لتشييد أول مصنع لها في إفريقيا    المداخيل الجبائية ترتفع في الجماعات    ""البيجيدي" يدعو مجلس المنافسة للتحقيق في شبهة تواطؤات بسوق الدواجن والبيض    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية    منظمة الصحة تصدر ترخيصا لأول لقاح لفيروس جدري القردة للأطفال    المغرب يطمح لدخول قائمة أفضل 15 وجهة سياحية عالمياً بحلول 2030    الجناح المغربي في مؤتمر (كوب 29): واجهة للتعريف بإنجازات المغرب في مجال المناخ    نادال مودعا ملاعب التنس: " أريد أن يتذكرني الناس أنني كنت شخصا طيبا قادما من قرية صغيرة قرب مايوركا"    طواف "المسيرة الخضراء.. الصحراء المغربية بعيون عربية" يصل الدوحة    طفلة تسائل الحكومة عن تسول الأطفال الذي يمس بسمعة المغرب قبل تنظيم المونديال    توقيف تلميذ اعتدى على زميله بسلاح أبيض في طنجة    سلطان عمان يهنئ الملك محمد السادس بمناسبة عيد الاستقلال        الفنان حسن الدالي بحصل على 5 نجمات في البرنامج الفني ستارلايت ويواصل التباري من اجل الدخول الى عالم أضواء النجوم        سيناتور أمريكي يدعو لإنهاء تواطؤ بلاده في الإبادة الإسرائيلية بغزة    إلياس المالكي يعود إلى السجن..    تلاميذ مغاربة يحرزون 4 ميداليات في أولمبياد العربية في الراضيات    الجامعة تُهنئ نادي الجيش الملكي بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا للسيدات    الكاف" يعقد اجتماعا بتنزانيا شهر دجنبر القادم    الشامي: 8.5 مليون مغربي ما زالوا خارج التغطية الصحية والقطاع الخاص يلتهم نفقات العلاج    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    "الهجرة السرية" تستنفر درك الجديدة    تصنيف عالمي يرصد تواضع أداء "البنية التحتية المعرفية" في المغرب    المجلس الاقتصادي: متوسط كلفة مريض في القطاع الخاص تفوف نظيره بالقطاع العام خمس مرات    حوادث تخلف 36 قتيلا في مدن المغرب    طنجة: حريق في ليلة ماطرة في أحد مصانع النسيج    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    أزروال يواصل تحفيز ودعم لاعبي المغرب التطواني للعودة من ديربي الشمال بانتصار    محاميان مغربيان يطالبان بإعتقال ومحاكمة نتنياهو بتهمة الإبادة الجماعية في غزة    ملكة الأردن رانيا ترد بطرافة على طلب طالب جامعي    وسط إنزال أمني مشدد.. المجلس الجماعي للقنيطرة ينتخب مكتبه الجديد    السفارة المغربية ببلجيكا والقنصلية العامة بأنفيرس تنظمان حفل استقبال بمناسبة عيد الاستقلال    وقفة احتجاجية بالرباط للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    المنتخب الوطني لمواليد 2000 فما فوق يتعادل مع المنتخب الإيفواري في بنجيرفيل        نائبة أميركية ترفض "متحولة جنسيا" في مراحيض النساء    أستراليا تواجه جذب منصات التواصل الاجتماعي للأطفال    بسبب "فضيحة" عقد 62 مليون سنوياً مع فندق.. حماة المال العام يطالبون النيابة العامة بالتحقيق مع الميراوي    نقابة تعليمية تطالب بإسقاط الأحكام القضائية ضد أساتذة    الطريق السريع تزنيت–الداخلة.. شريان تنمية جديد للصحراء المغربية أبهر العالم    زيلينسكي يحذر من أن بلاده "ستُهزم" إذا قطعت عنها واشنطن المساعدات العسكرية    إغلاق مئات المدارس بسبب التساقطات الثلجية القوية بالمملكة المتحدة    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    أوكرانيا تستخدم صواريخ "أتاكمس" الأمريكية في ضرب الأراضي الروسية..    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    ليدي غاغا سحبت قبالة واحدة من أفضل عروض الوقت الحقيقي من أي وقت مضى    روسيا تبدأ الاختبارات السريرية لدواء مضاد لسرطان الدم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بين الشعور العاطفي وحقيقة الأرقام.. هل المغرب فعلا قوة صاعدة ؟
نشر في الأيام 24 يوم 21 - 01 - 2022


إعداد الملف: زينب مركز
في ماي 2021، وفي عز الأزمة بين الرباط ومدريد، قال وزير الخارجية ناصر بوريطة، "إن المغرب لا يقبل بازدواجية الخطاب والمواقف من طرف مدريد، التي يتعين عليها أن تعي بأن مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، وعلى بعض الأوساط في إسبانيا أن تقوم بتحيين نظرتها للمغرب".
وفي حوار له خلال هذا الشهر، أكد عبد الله بوصوف، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، على ما اعتبره "تطورات مهمة شملت عدة مستويات ثقافية واجتماعية واقتصادية ومؤسساتية، جعلت من المغرب قوة إقليمية مهمة يحسب لها ألف حساب".
وهكذا، في العديد من وسائل الإعلام، أصبحت عبارات مثل: "مغرب ما بعد كورونا ليس هو مغرب ما قبل كورونا"، و"مغرب اليوم أصبح قوة إقليمية" وغيرها…
وهو ما يثير نوعا من الفضول الفكري للتساؤل عن حقيقة هذه القوة المتحدث عنها. هل فرضها السياق السياسي منذ اعتراف الإدارة الأمريكية على عهد ترامب في 10 دجنبر 2020 بسيادة المغرب على صحرائه، وما تلاها من اشتداد الأزمة الصامتة مع فرنسا، والهادرة مع ألمانيا ثم إسبانيا، وما فرضه سياق التصعيد من جهة الجزائر اتجاه المملكة، من تنامي الشعور الوطني الذي يزكي قيم الفخر والاعتزاز ويحول أحيانا المكاسب الصغرى إلى انتصارات كبرى؟ أم وراءها الصعود الاقتصادي المتنامي للمغرب في سياق محيط إقليمي مضطرب، والذي لم تحد منه الأزمة العالمية مع وباء كورونا؟
ألم ترسخ عملية تأمين معبر الكركرات يوم 13 نونبر 2020، بعد شهر من استعراض عناصر بوليساريو قوتها في المعبر الحدودي ومختلف أشكال الاستفزاز التي استشعرها المغاربة حينها، هذا الشعور الوطني من الإحساس بالقوة؟ أم أن هذه القوة التي كررها مسؤولون كبار في الدولة والإعلام الرسمي وغير الرسمي، هي شعور طبيعي يراود المجتمعات في لحظات الأزمة؟

لننصت إذن إلى باحثين ومحللين علنا نقترب من أجوبة صعبة على أسئلة حارقة.

نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية: المغرب سيستمد قوته أساسا من توطيد جبهته الداخلية

أعتقد أننا عندما نتكلم عن قوة المغرب، فيتعين أن ننطلق من مقاربة إيجابية للمكتسبات الكثيرة التي حققتها المملكة، ولا يمكن لأحد أن ينازع في كون أن المغرب وطد مسيرته من أجل تثبيت حقوقه الوطنية على كافة أجزاء ترابه دون أن نكون قد تمكنا من تسوية الموضوع نهائيا، سواء بالنسبة للصحراء المغربية أو بالنسبة لسبتة ومليلية.
المغرب استطاع كذلك أن يقوي مكانته الإقليمية والعربية والدولية وخاصة في علاقته مع أوروبا، وذلك أمر يتعين تسجيله بشكل موضوعي، خاصة مقارنة مع دول الجوار عندما تمكن المغرب من تدبير ما سمي بالربيع العربي بشكل سلمي حضاري ديمقراطي يختلف تماما عما عرفته باقي الدول. كما تمكن المغرب كذلك من أن يخطو خطوات هامة على مستوى توطيد المسار الديمقراطي بما لا يعني أننا وصلنا إلى مستوى بلورة دستور 2011 الجديد كما يتعين أن يكون، وهذا ما أومن به شخصيا، بمعنى أنه ما زالت أمامنا خطوات كثيرة من أجل الوصول إلى ما يحمله الدستور الجديد من فلسفة ومن مشروع مجتمعي.
نجح المغرب أيضا في قطع أشواط أساسية على مستوى تحسين أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية، لكن مظاهر الهشاشة والفقر ومظاهر التهميش بالنسبة لجهات بكاملها ولمناطق وأحياء هامشية في كثير من المدن… كل ذلك يفرض علينا أن نستحضر أن النضال يتعين أن يستمر من أجل إسعاد شعبنا على كافة المستويات، وتحقيق ما أعتبره مدخلا أساسيا لقوة المغرب سواء وطنيا أو على الساحة الدولية.
المغرب سيستمد قوته أساسا من توطيد جبهته الداخلية، بمعنى أنه بقدر ما تقدم المغرب على مستوى بناء ديمقراطي لسياسته المتقدمة ومصالحة فضائه السياسي مع المجتمع، وإقرار عناصر الثقة والمصداقية بفاعلين سياسيين وبمؤسسات منبثقة عن دستور 2011 بقدر ما سيوسع المغرب فضاء الحريات الفردية والجماعية، بقدر ما سيسير المغرب بخطى حثيثة باتجاه إقرار حقوق الإنسان والمساواة بين الرجل والمرأة، على المستوى الديمقراطي والسياسي، وبقدر ما سيتمكن المغرب من بناء اقتصاد متطور كما ينشده النموذج التنموي الجديد، وأخيرا، بقدر ما سيعمل المغرب على تحقيق كرامة الإنسان وعلى الاستثمار في العنصر البشري وعلى توفير إصلاح تعليمي حقيقي وناجح ونظام صحي قوي ومتفوق، وبقدر ما سيكون لنا كذلك فضاء ثقافي وفني متطور وحضاري.
بقدر ما سننجح إذن على كل هذه المستويات بقدر ما ستكون للمغرب كلمة ووزن على مستوى إقليمي، وفي فرض حقوقه الوطنية المشروعة على كافة أجزاء ترابه، وكذلك فرض مكانته وكلمته في علاقته بمختلف الدول، وأساسا منها دول الاتحاد الأوروبي ومختلف الدول العظمى وعلى كل الواجهات الأخرى ومنها الواجهة الإفريقية التي يتعين أن تشكل بالنسبة للمغرب امتدادا وفضاء واسعا، لنمارس ذلك التفوق وتلك الزعامة الذي بدأت تظهر ملامحها الأولى.

علي بوطوالة الأمين العام لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي: لا يمكن اعتبار المغرب قوة مالية أو قوة اقتصادية صاعدة

الحديث عن قوة المغرب أو عن تحوله إلى قوة إقليمية حسب ما تدعي وسائل الإعلام الإسبانية التي تهول أو تبالغ في حديثها حول ما حققه المغرب من تطور في السنوات الأخيرة هو في الحقيقة تهويل لأهداف تروم أساسا تحفيز الحكومة الإسبانية أو الحكومات الأوروبية لتمارس المزيد من الضغوطات على المغرب. لأن إسبانيا تتخوف من وصول المغرب إلى مستوى معين من التطور يسمح له بالمطالبة باسترجاع سبتة ومليلية والجزر الجعفرية، وبالخصوص منافسة إسبانيا على مستوى السوق الأوربية، وخاصة بعدما حققه من اختراق نسبي في إفريقيا الغربية، وبالتالي فإذا اعتمدنا على المؤشرات، فهل فعلا المغرب قوة إقليمية أم لا؟
نرى مع الأسف أن هناك مبالغة في اعتبار المغرب قوة إقليمية، حسب جميع المؤشرات، فعلى مستوى القوة العسكرية، المغرب مرتب حاليا في الرتبة 53. وعلى مستوى القوة الاقتصادية، الناتج الداخلي الخام للمغرب لا مقارنة له مع الناتج الداخلي لإسبانيا. والمغرب مصنف في الناتج الداخلي الخام للفرد في الرتبة 122 وهي رتبة مخجلة، نفس رتبة تقريبا لمؤشر التنمية البشرية، ثم كذلك بالنسبة للقوة المالية، ونحن نعرف بأن المغرب الآن يعتمد على القروض الخارجية وليس له صندوق سيادي رغم بعض الاستثمارات في إفريقيا، وبالتالي فالمغرب لا يمكن اعتباره قوة مالية أو قوة اقتصادية صاعدة. أكثر من ذلك، إذا رجعنا إلى تقرير الخمسينية في 2005 الذي توقع ثلاثة سيناريوهات بالنسبة للتطور في المغرب في أفق 2025 السيناريو الأفضل الذي كان يتوقع أن يصبح المغرب مثل بولونيا، والسيناريو المتوسط أن يحقق نسبة من النمو ولا يصل إلى مستوى بولونيا، والسيناريو الأسوء، أن يبقى المغرب في نفس الرتب على المستوى الجهوي والعالمي وهو السيناريو الذي تحقق مع الأسف.
هناك الكثير من المشاكل الهيكلية، بالرغم من التقدم النسبي الذي تحقق على مستوى الصادرات الصناعية، خصوصا صناعة السيارات وصناعة أجزاء الطائرات وبعض الصناعات الأخرى، فصناعة النسيج تعاني كثيرا بالإضافة إلى قطاع السياحة وما عاناه في السنتين الأخيرتين، وبالتالي فرغم النمو النسبي مقارنة مع بعض الدول العربية في السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، فالمغرب لا زال قوة اقتصادية متواضعة، بحيث أن حصته في السوق الدولية لا تتعدى 0,13 أو0,14، وبالتالي فالقول بأن المغرب أصبح قوة صاعدة ومنافسة لإسبانيا مثل تركيا يجانبه الصواب. وما قالته بعض الصحافة بأن ألمانيا لا تريد تركيا جديدة في شمال إفريقيا هي مجرد تهويل، وراءها ضغوطات جزائرية، ويقف وراءها كل من يعادي المغرب في قضية وحدته الترابية، بالخصوص فرنسا وإسبانيا اللتان تريدان أن تبقى شمال إفريقيا سوقا خاصة بهما وتحتفظ بالامتيازات التي كانت لها خلال الحقبة الاستعمارية.
نحن نتمنى فعلا أن يصبح المغرب قوة إقليمية صاعدة، كل المغاربة يطمحون لذلك، ولكن لحد الآن، كما قلت، الأرقام والمؤشرات وترتيب المغرب على جميع الأصعدة والمستويات لا يمكننا من قول ذلك. المغرب لم يتمكن من تحقيق تحول ديمقراطي، وهذا الدوران في حلقة مفرغة على المستوى السياسي أو التراجعات الحقوقية في السنوات الأخيرة ربما كان لها تأثير كبير، وكذلك لم يستفد من استثمار الطاقة البشرية وقوته في ما يعتبر التحول الديموغرافي الإيجابي الذي منحه فعلا امتيازات ولكنه لم يستفد منها لأن هناك نزيفا للأدمغة وهجرة للطاقات الشابة القادرة على العمل، والتي تساهم كثيرا على مستوى الإنتاج، وبالتالي رغم الطاقات البشرية التي يتوفر عليها المغرب فهو لم يستفد منها كثيرا.

عبد الرزاق الزرايدي مدير معهد رؤى فيزيون للدراسات الإستراتيجية: هناك قوة صاعدة لا غبار عليها وشق عاطفي يتقوى في لحظات الصراع

الحديث عن قوة المغرب، والذي أصبح يتردد على لسان أكثر من مسؤول مغربي، ونجد له صدى حتى في الصحافة الدولية، خاصة لدى الجارة الإيبيرية، فيه شقان: الشق التهويلي الذي ورد في الإعلام الإسباني وفي تقارير ذات منحى استخباراتي تتزيى بلبوس أكاديمي في إسبانيا وألمانيا، ثم شق داخلي/ وطني يرتبط بالوضع الذي أصبح عليه المغرب خلال العقد الأخير على المستوى الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي، وهذا الشق نفسه لا يخلو من بعض النفخ، لكونه مصبوغا في الكثير من الأحيان بشحنة انفعالية/عاطفية، فيها الإحساس الوطني القوي الذي يزداد خاصة في لحظات الصراع أو تحت مختلف التهديدات التي يمر منها الكيان الوطني/ القومي.
والحقيقة أن المغرب حقق إنجازات عديدة ويبدو أن هناك تحولا كبيرا على مستواه الاقتصادي وعلى المستوى العسكري والدبلوماسي أيضا، لكن هناك معيقات تحد أو تعطل هذه القوة أو تشوش عليها.
من الناحية السياسية، يعتبر شكل إدارة الدولة للربيع العربي، مخرجا ذكيا لتخطي أكبر زلزال ضرب المنطقة العربية، وتحول في المغرب إلى عنصر قوة للدولة ومؤسساتها بدل أن يعصف بأسسها ودعائمها، فدستور 2011 يعتبر حدثا تاريخاً مفصلياً، لأن المملكة ربحت رهان نص قانوني هو أب القوانين باعتباره أسماها، وتتبقى معركة التنزيل الديمقراطي مفتوحة وتحتاج لنضج وتعاون مختلف الفاعلين السياسيين ووعي مدني متقدم أيضا، ومرور مرحلة «الحكومة الإسلامية» بالمغرب بشكل سلس وبلا اختبار قوة، هذا عدا احترام الجدولة الزمنية للاستحقاقات الانتخابية ودوريتها، وهذا جانب يعزز الاستقرار ويقوي من طابع الثقة في مؤسسات الدولة.
لكن لا زال أمامنا الكثير من أجل تعزيز قوة الدولة الديمقراطية وتوطيد الجبهة الداخلية بمزيد من الانفتاح والديمقراطية وترسيخ المساواة واحترام حقوق الإنسان وحماية الحريات.
من الناحية الاقتصادية، وبفضل الإصلاحات التي قامت بها المملكة وتحديث نسيجها الاقتصادي، أصبح المغرب «قوة إقليمية» تتمتع بالاستقرار السياسي وإمكانات كبيرة للنمو الاقتصادي، فقد تمكن المغرب، خلال العقدين الماضيين، من مضاعفة ناتجه الإجمالي ثلاث مراة من 41.6 مليار دولار عام 1999 إلى 121.4 مليار عام 2019 ليصبح بذلك القوة الاقتصادية الخامسة في إفريقيا. كما تحول إلى واحدة من أكثر الدول جذباً للاستثمار في القارة السمراء. ويقول آخر تقرير لجريدة «الفايناشيال التايمز» إن من ضمن عشرة بنوك قوية بإفريقيا يوجد بنكان مغربيان على رأسها. لقد بدأ التوجه الملكي نحو إفريقيا يعطي ثماره اليوم، فلولا ثقل المديونية لأصبح لدينا صندوق سيادي قوي لتأمين النشاط الاقتصادي للانطلاق بقوة أسرع، لكن هناك بعد معيق لهذه القوة وهو الهشاشة الاجتماعية، التي وصلت حدا خطيرا عرته أزمة جائحة كورونا. والمغرب لا يمكن أن يتقدم فقط بطرقه وجسوره وقطاراته وصناعاته، ولكن بالأساس ببناء الإنسان المغربي ليعيش في ظل الكرامة. وبعد آخر معيق للتنمية ويتمثل في عدم توسيع قاعدة الثروة الوطنية، وعدم تطور الناتج الداخلي الفردي، وهو بعد معرقل للإقلاع الاقتصادي.
أكبر ملامح القوة الصاعدة للمغرب هو «ميناء طنجة المتوسط» الذي أُطلق في فبراير 2003 عند مدخل مضيق جبل طارق. الذي وضع المغرب في مصاف الدول الرائدة في النقل البحري، وجعله يملك أكبر ميناء إفريقي من حيث عدد الحاويات والأول في البحر المتوسط من حيث الطاقة الاستيعابية. شهد المغرب أيضا إطلاق أول قطار فائق السرعة في القارة والعالم العربي (البراق)، يربط بين طنجة والبيضاء. كما دُشنت أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم قرب مدينة ورززات، حتى أصبح المغرب ملك الطاقة الخضراء بالعالم، بالإضافة إلى بناء شبكة واسعة للطرق السريعة تربط بين 70 بالمائة من المدن المغربية، فضلاً عن خطوط الترامواي في الدار البيضاء والرباط. حول المغرب لمحطة دولية لصناعة السيارات وقطاع غيار الطائرات.
حقيقة بدأت تتجلى في نصف العقد الثاني من الألفية الثالثة القوة المتنامية للمملكة كقوة اقتصادية إقليمية صاعدة، وإستراتيجيته المعززة في إفريقيا جنوب الصحراء، وعودته إلى الاتحاد الأفريقي، ومكانته كوسيط في النزاعات الإقليمية، بفضل سياسة خارجية مغربية متمددة في العمق الإفريقي، تحول في السياسة الخارجية المغربية، وبداية تحركها كدولة إقليمية في المنطقة، تشتغل بعيدا عن محاورها التقليدية، عززها توجه المغرب نحو تعديد الحلفاء وتنويع الشركاء، مع الصين وروسيا ودول وسط وشرق أوروبا وتمتين العلاقة مع بريطانيا، وبحث سبل تقويتها بعد البريكسيت.
وأكبر ملمح للقوة الصاعدة للمغرب هو تعامل الدولة مع جائحة كورونا، حيث أدارت الملف باستقلال تام عن فرنسا، وعقدت صفقاتها مع الصين ومع بريطانيا، ليس فقط للحصول على حصتها مبكرا من اللقاح، ولكن أيضا بحثا عن التحول إلى منصة إقليمية لتسويق اللقاح إلى إفريقيا، وقد تعززت هذه القوة الإقليمية مع التطورات التي حصلت بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه، كما أن خطة العمل الثنائية التي وقعها المفتش العام للقوات المسلحة الملكية مع نائب وزير الدفاع الأمريكي المكلف بالشؤون السياسية أنتوني تاتا من أجل تنزيل خارطة طريق الاتفاق العسكري الذي يمتد من 2020 إلى 2030، جعلت المغرب يحقق نقلة في التفوق العسكري، وردم الهوة بين المملكة ودول جنوب ضفة المتوسط دون الحديث عن الجزائر.
هذا عدا الاستثمارات الضخمة المرصودة في الأقاليم الجنوبية بشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ودول خليجية، قد تنجح في تحويل المغرب إلى ورش كبير، لكن نحتاج لترسيخ الحكامة والالتفات إلى ضرورة انعكاس أي تطور اقتصادي على المواطنين لحفظ حقهم في العيش الكريم.

الكاتب والدبلوماسي السابق عبد القادر الشاوي ل"الأيام": «الشعور الوطني» بالقوة الإقليمية يجب أن يكون شعورا بالحاجة إلى التقدم لا رغبات تعبوية إيديولوجية

كثر الحديث مؤخرا عن قوة المغرب في الداخل كما في الخارج، ومغرب ما بعد كورونا ليس هو ما قبله، ما حقيقة هذه القوة ومن أين تتأتى وأين تتجلى؟ أو ما هي مظاهرها اقتصاديا وعسكريا و دوليا كقوة إقليمية؟
الحديث عن قوة المغرب، فيما يبدو لي، حديث مفترض أو افتراضي ينهض على مزاعم شخصية يبلورها أصحابها، في كثير من الأحيان في ارتباط بظرفية ممتدة في الزمن، ترتبط بثلاثة سجالات أو أكثر قد تكون متداخلة:
1-. المشاريع التنموية ذات الطبيعة الإصلاحية التي تتكلم عنها برامج الحكومات المتعاقبة، وقد تعجز عن تحقيقها كلها أو بعضها، وَتَرِدُ، بوضوح أكبر، في الخطب الملكية المتعلقة بالتنمية أو بمجالات أخرى، وإشاراتٍ إليها وَرَدَت في النموذج التنموي من زاوية التقويم والتشخيص.
2-. القضية الصحراوية التي تحولت، في السنوات الأخيرة، من موقع الدفاع العام إلى الهجوم الخاص الذي يبرره احتدام الصراع ضد الجزائر وبعض الدول الأخرى الموالية لأطروحتي الانفصال وتقرير المصير، هذا بالإضافة إلى انتهاج المغرب لسياسة منفتحة مكنته من اقتحام فضاءات كانت مغلقة في وجهه أو هَجَرَها من تلقاء سياسته، مع المراهنة على «تحشيد» الدعم الدبلوماسي والسياسي، إلى جانب التقدم الملحوظ في التعاطي مع القضية على صعيد الأمم المتحدة والقرارات الصادرة عنها، في ما يتعلق بمشروع الحكم الذاتي.
3- . المخطط الدبلوماسي الذي يتحول تدريجيا إلى أسلوب في الضغط السياسي قصد الإقناع أو الإلزام، دون أن يكون مجديا، بإستراتيجية ذات طابع هجومي (معي لا ضدي) على قاعدة المصلحة الوطنية الخاصة. قد نقول: من خلال معادلة «تفعيل» التوتر و»استعجال» الحسم، والقضية الصحراوية هنا هي العنصر البارز في المعادلة، مع ما يترتب عنها، بطبيعة الحال، من تناقضات لا يتوقعها صناع تلك الدبلوماسية على الصعيد الدولي وفي العلاقات الثنائية أو على الصعيد الإقليمي.
المغرب الرسمي إذا ما تحدث لا يتحدث عن القوة بل عن التطورات والوقائع والمخططات الاقتصادية من خلال الخطب الملكية، كما قلنا، وأحيانا من خلال البيانات الوزارية إلخ.
ولذلك يمكن القول أيضا إن الحديث عن القوة هو استنتاج ملاحظين أو نشطاء أو أجهزة، يفترضون للممارسة السياسية والاجتماعية أفقا وتصورات ومواقف تجعل المغرب في قلب صراع إقليمي محتدم، وفي قلب تحول اقتصادي واجتماعي نوعي، وفي حركة دبلوماسية على ضوء ما تفرضه القضية الصحراوية من متطلبات كما قلنا.
ما سبب تواتر الحديث عن هذه «القوة» بعدد القرار الأمريكي بالاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه.. وما حدث مع إسبانيا وألمانيا من شد وجذب؟
ما يمكن أن نلاحظه هنا هو أن الحديث عن القوة يترافق كذلك مع حالة من شعور متضخم ب»العزة الوطنية» أو ما سميته في مناسبة ب»الأنا الوطني الشوفيني»، وله خلفيات إيديولوجية جنينية لم تتأسس بعد على تصور شامل كعقيدة، لا يمكن أن ينكر المتتبع له ما يقوم عليه في التأمل وفي التأويل من عناصر تاريخية وسياسية وإيديولوجية تمظهرت أغلبها بصورة أقوى في العشرية الأخيرة على ضوء النتائج التي انتهى إليها ما سمي ب»الربيع العربي». فرأينا كيف أسقِطَت أنظمة وكيف دُمّرت أوطان بصورة رهيبة ومفزعة تخيف جميع الماسكين بالعقائد المطلقة والشمولية.
وأضيف إلى ذلك كله أن النموذج التنموي نفسه، في جانب التشخيص الذي قام به لبعض البنيات الاقتصادية والاجتماعية، بصرف النظر عن أسلوبه وطريقته، يكذب في جانب كبير من مقترحاته مختلف الادعاءات الوهمية التي يتعلق بها من ينافحون عن «الأنا الوطني» بدون أساس، أو بشعور محموم يستظهر شيئا كثيرا من العنف فضلا عن أنه ينغلق، بدون وعي، على خصوصية مثالية – لا مادية أيضا – لا يمكن إثباتها موضوعيا. وهو ما يقودني إلى القول إن هذا الأنا الوطني ليس إلا ذلك التعبير الإيديولوجي المقلوب عن ضمور الوعي النقدي المجتمعي الذي يجب أن يصاحب التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي تنشده الأمم لكي تحوز المرتبة الرفيعة في تطورها الديمقراطي والحضاري، في المستقبل وليس في الماضي التاريخي.
ومجمل القول، إذا أردت التأكيد، من جديد، على العناصر العامة التي أشرت إليها، أن مفهوم «قوة المغرب» في الداخل كما في الخارج، الواردة في السؤال، لا أراه إلا من خلال مستويات ثلاثة من حيث الدوافع والاهتمام والأهداف: المستوى السياسي العام من خلال الدبلوماسية والإعلام إلى ما فيهما من مواقف وتصورات، المستوى الاقتصادي من حيث المظاهر والإصلاحات الجارية والتوقعات المنتظرة والمستوى الإيديولوجي – وفي العمق منه ما أسميته ب»الأنا الوطني الشوفيني»- وأصحابه ينعتونه ب(الموري) والمغرب في اعتقادهم «قوة إقليمية نافذة».
لكن يمكن أن نعثر في واقع المنجز من هذه المستويات على بعض مما يزكي هذا الحديث الذي أصبح يدور حول القوة المغربية الصاعدة.
هذه المستويات ظهرت وتقوت في ارتباط بالأوراش الملكية، وفي تواشج مع الإيديولوجية «الإسلاموية، الشعبوية» التي أعلت من طبيعة الهوية الإسلاموية على حساب أبعادها الأخرى، ولكن أيضا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والدور الذي تقوم به في صياغة «الوعي الجماعي» من خلال الإعلام والإعلام المضاد كذلك. بل ويمكن القول إن المستويات المذكورة، التي تتبلور سريعا في صيغ إيديولوجية مع تطور قضية الصحراء وتحدّيات الجِوار، هي عنوان العهد الجديد منذ بداية الألفية الثالثة والصيغة التي تتلاءم معه للدفاع عن الطموحات العامة التي يعمل من أجلها في مجالات مختلفة على الصعيد الإفريقي بوجه خاص وعلى الصعيد المتوسطي في حدود.
ويزكي هذا التصور أن الخطب الملكية أصبحت منذ فترة بعيدة بمثابة نقد مناسباتي لقضايا التطور في البلاد وللأوضاع الاستثنائية القائمة فيها كذلك. مع الإشارة هنا إلى المشاريع الكبرى التي أثارت مخاوف الجيران على البحر الأبيض المتوسط والأطلسي على السواء، وخصوصا منها تلك المرتبطة بإستراتيجية مغرب 2050.
ويلفت انتباهي أن القائلين ب»قوة المغرب» هم في الغالب إعلاميون وسياسيون يعملون، مستغلين في ذلك وسائط إعلامية مختلفة، في سبيل الإقناع بأهداف مباشرة وغير مباشرة قصد جعل القوة كمفهوم عنصرا مركزيا في التفكير العام، وذلك لمواجهة الاتهامات الرائجة في الداخل وفي الخارج (حقوق الإنسان، و»المتاجرة» بالهجرة العلنية والسرية إلخ) إلى جانب التحدي الكبير في إطار المنافسة الإقليمية الذي تمثله الجزائر وتحالفاتها العربية والإفريقية.. بطريقة عدوانية في كثير من الأحيان. وخصوصية الاتهامات أنها تنتقص من الادعاء الديموقراطي المعلن إلى جانب شعارات أخرى ارتبطت بتجارب «العدالة الانتقالية»، وأن التحديات تزيد المغرب عنفا في المواجهة (التسليح وغيره) وتخلق شرطا استثنائيا يعرقل، في حدود معينة، مختلف الطموحات التي يسعى المغرب إلى إنجازها لو توفرت له مبدئيا شروط سلمية أعظم، ولا يمكن أن يكون التحالف، بصرف النظر عن طبيعته ومع مَنْ يَكُون، إلا استقواءً بالغير للتموقع في مخطط مضاد.
وأنهي بهذا قولي إن القائلين ب»قوة المغرب في الداخل كما في الخارج» لا يأخذون بعين الاعتبار، بسبب العمى الإيديولوجي، أن المستويات المذكورة تبدو، في واقع الحال، في تناقض بارز، حتى لا نقول في تناقض تام، مع الحقيقة العامة التي يعرفها الاقتصاديون والمؤرخون والعاملون في الحقل السوسيولوجي وغيره من مجال البحث والمعرفة، تلك الحقيقة العامة المتمثلة في أن:
1- مصادر الثروة في المغرب محدودة لا تستجيب لحاجياته المتنامية مع تزايد عدد السكان والإكراهات الدولية والطبيعية، ولذلك كيَّف اقتصاده حسب طبيعة الإنتاج والقطاعات المنتجة الموجهة للتصدير.
2- وأن الاقتصاد المغربي يعتمد اعتمادا يكاد أن يكون كليا على القطاع الفلاحي، وأنه بعد ما يزيد عن ستين سنة من تاريخ الاستقلال ما زالت نسبة النمو تعتمد على المتغيرات المناخية.
3- مع الإشارة إلى عامل هيكلي يتمثل في عدم التوافق، الملاحظ من قِبل المختصين، بين العرض والطلب على اليد العاملة، مما يجعل البنية الاقتصادية ضعيفة إلى متوسطة المردودية والقيمة، وهو ما ينعكس، بطبيعة الحال، على القدرة المفترضة لاحتواء عطالة الشباب، أزيد من 25 في المائة حسب أرقام المندوبية السامية للتخطيط.
4- والأهم من ذلك كله أو هو نتيجة له: تأخر وتخلف البنى الاجتماعية والأوضاع المتردية لعامة الفئات المتضررة من ذلك وهي كثيرة ومُفَقَّرة. زد على ذلك أن الهدف المعلن للتقليص من حجم الفقر والتغلب على الأمية في البادية والمدن لم يحققا، رغم المجهودات المبذولة، شيئا كثيرا بعد مرور سنوات طويلة ومؤلمة من التطور.
تعتقد أن هناك عوائق بنيوية تحول دون الحديث حقيقة على أرض الواقع عن قوة صاعدة للمغرب؟
أعتقد أن مجمل هذه الأوضاع، التي يمكن استخلاصها بيسر من طبيعة التوجه الاقتصادي والنتائج التي يحققها على صعيد المجتمع، تقود في العموم إلى ترسيخ البنية التبعية للاقتصاد المغربي وتعرقل تطوير بناه الاجتماعية والإنسانية في الاتجاه الذي يخدم حقائق التطور الملموسة على أكثر من صعيد وبخاصة فيما يرجع لتحقيق العدالة الاجتماعية. وهي بهذا كوابح بنيوية قد لا تؤهل المغرب الآن لخوض غمار المنافسة القارية أو الإقليمية على الوجه المطلوب.
وهذا دون الحديث عن الأوضاع الديمقراطية القائمة التي قد تؤثر في ذلك فتجعل الأهلية في شك من قدرة أيّ كان على الإقناع، في نظر أبنائه قبل الملاحظين والمهتمين الأجانب، بالأدوار التي يمكن الاقتناع بأهمية الإقناع بها، فأحرى أن تستجيب للمتغيرات التي استجدت في سياسة المغرب وعلى رأسها:
1-. صراعه ضد الجزائر، ولو أنه برز واضحا منذ استقلال هذا البلد، وتطور خلال فترة مع بعض التراجعات بسبب الأوضاع الداخلية فيه وخصوصا أثناء العشرية، ولكنه لم يتوقف بسبب الموقف المتشنج من الصحراء منذ أزيد من أربعين سنة، والمناورات السياسية الكبرى التي يقوم بها لعرقلة كل حل ممكن، هذا فضلا عن محاصرة المغرب ومنع تطوره في الاتجاه الذي يحلم به. وقد زادته التطورات المرتبطة بالقضية الصحراوية نفسها منذ أن اعترفت أمريكا، على نحوِ مَا اعْتَرَفَتْ به، بأحقية المغرب في صحرائه. يضاف إلى ذلك البعد اليهودي في الدعاية الإيديولوجية التي سهلت العلاقة مع إسرائيل وجعلتها حليفا استراتيجيا يمكن الاستقواء به على الخصوم المحتملين.
2-. الدور المغربي في إفريقيا والمنافسة الفعلية الشرسة للأهداف التي كانت للجزائر في علاقة ببعض الدول الإفريقية من قبل، وكذا بسبب الجوار والحدود الجنوبية التي تشهد قلاقل مختلفة وتدور حولها استراتيجيات متعددة في علاقة بالإرهاب والهجرة السرية ومصادر الطاقة.
3-. وأخيرا بسبب التناقض الجوهري والذي أصبح، بعد الربيع العربي، عنصرا مباشرا وقويا في الدلالة على الاستقرار والاختيار. فالنظام الجزائري كان باستمرار في تعارض شديد مع النظام الملكي والعكس صحيح. وكون المغرب استطاع اجتياز المرحلة بكثير من الحيل والمواقف، فإن الجزائر التي كانت تقرض البنك الدولي في السابق بسبب الوفرة سقطت، من جراء الفساد المعمم والمستشري في أجهزة الدولة والجيش، في فترة ركود قوية ما زالت لم تخرج منها بعد، أو هي تحاول.
ويهمني أن أقول في الأخير إن «الشعور الوطني» وفي طياته مفهوم القوة الإقليمية يجب أن يكون شعورا بالحاجة إلى التقدم، لا ذلك الإحساس الذاتي بواقع التخلف، أو تلك الرغبات الخاصة الشعورية والوجدانية والإرادوية المرتبطة بضرورة تجاوزه بطريقة وهمية اعتمادا على الصيغ الإيديولوجية التعبوية الرامية إلى التغليط. ومن المفهوم من هذا أن المعنى الحقيقي والرشيد للقوة الإقليمية في تجارب الدول والشعوب يعتمد أساسا: على اقتصاد قوي ومتطور، ومجتمع ينعم بالازدهار والسلم، وديمقراطية عمادها دولة الحق والقانون.

إدريس الكراوي رئيس الجامعة المفتوحة للداخلة والرئيس السابق لمجلس المنافسة: المغرب قوي ولكن أمامة 5 تحدّيات

يتداول متتبعو الشأن المغاربي وطنيا، قاريا ودوليا، طبيعة مكانة وأدوار مغرب اليوم كقوة اقتصادية صاعدة، وكذا نوعية التحديات التي سيواجهها لضمان استمرارية هذا الموقع ولتقويته مستقبلا. ومن هنا تظهر أهمية الوقوف على مدى صحة هذه الفرضية بلغة الأرقام وعبر التحليل الموضوعي المستقى من وقائع الأمور.
في هذا الإطار، فإن كل المعطيات تظهر بالفعل بأن المغرب أصبح اليوم ليس فقط قاطرة مغاربية حقيقية، بل إنه أخذ سبقا داخل المنطقة يتراوح حسب المؤشرات والقطاعات والمجالات ما بين 10 إلى 20 سنة. فهذا الموقع، له ما يبرره على أكثر من مستوى.
فعلى المستوى الاقتصادي، أخذا بعين الاعتبار المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الحادة التي واجهتها الجزائر وتونس وليبيا، منذ أزيد من عشرين سنة، والتي انعكست سلبا على أدائها الاقتصادي، تبرز كل المؤشرات وجود تفاوتات كبيرة على مستوى النتائج المحققة من لدن البلدان المغاربية الخمسة في الفترة الممتدة مابين 1980 و 2019.
هكذا يتبين من خلال التقييم المقارن لهذه المؤشرات أن المغرب أصبح يلعب دور قاطرة حقيقية، ويتمتع بمكانة أكيدة للقيادة الإقليمية، تجسد توهجها وإشعاعها ليس داخل المنطقة المغاربية فحسب، وإنما داخل المنطقة الكبرى التي تضم إفريقيا وأوروبا والعالم العربي.
ويتجلى هذا المعطى الجديد في المؤشرات التالية: ففيما يتعلق بمعدل نمو الناتج الداخلي الخام ما بين 1980 و2019، فقد تضاعف بنسبة 5.46 ليصل ما مقداره 118,7 مليار دولار أمريكي في المغرب، وهو أعلى معدل يحقق مقارنة مع ما حققته الجزائر وتونس، حيث بلغ معدل نمو ناتجهما الداخلي الخام على التوالي 4,01 و4,43. ويعزى ضعف معدل النمو المحقق في موريتانيا، الذي بلغ 2,7، إلى المستوى المتدني لناتجها الداخلي الخام الذي ناهز حوالي مليار دولار أمريكي سنة 1980.
وفيما يخص مؤشر التنافسية العالمية، فقد حلت الجزائر في المرتبة 87 والمغرب في المرتبة 70 وموريتانيا في المرتبة 137 وتونس في المرتبة 95 ضمن تصنيف البلدان المغربية من أصل 138 بلدا خضع للتقييم برسم 2018 (تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برسم 2018). وبالنسبة لمؤشر مناخ الأعمال، احتلت الجزائر المرتبة 157 وليبيا المرتبة 186 والمغرب المرتبة 60 وموريتانيا المرتبة 148 وتونس المرتبة 80 من أصل 190 بلدا خضع للتقييم في مجال سهولة ممارسة الأعمال التجارية (تقييم البنك الدولي).
وتكشف معطيات منظمة الشفافية الدولية (Transparency International)، الصادرة برسم 2018، والمتعلقة بوضعية الحكامة التي تقاس بحجم تفشي الفساد، أن الجزائر حصلت على المرتبة 105 وليبيا على المرتبة 170 والمغرب على المرتبة 73 وموريتانيا على المرتبة 144 وتونس على المرتبة 73 من أصل 180 بلدا خضع للتقييم.
أما في مجال حجم استعمال التكنولوجيات الحديثة للإعلام والتواصل، فقد بلغت نسبة مستعملي شبكات الأنترنيت حسب عدد السكان 42,9 بالمائة في الجزائر، و20,3 بالمائة في ليبيا، و58,3 بالمائة في المغرب، و18 بالمائة في موريتانيا، و49,6 بالمائة في تونس (تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برسم 2018).
وفي مجال تقييم وضعية الأمن العام، التي تقاس بمعدل الجرائم المرتكبة لكل 100 ألف نسمة، فقد بلغ 1,4 في الجزائر، و2,5 في ليبيا، و1,2 في المغرب، و9,9 في موريتانيا، و3,0 في تونس (تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برسم 2019). وتمثلت انعكاسات الأداء المشار إليه أعلاه، المرتبط بالمناخ العام للأعمال، في تعزيز جاذبية المغرب مقارنة بالبلدان المغاربية الأخرى. ويكمن المؤشر المجسد أكثر لهذه الجاذبية في حصص البلدان المغاربية الخمسة من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المحققة في المنطقة.
هكذا، أبان حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة المحققة في المنطقة عن تطور التدفقات بملايين الدولارات الجارية خلال الفترة الممتدة من 2010 إلى 2019، إذ انتقلت حسب البنك الدولي من 23000,37 إلى 11381,89 بالجزائر، ومن 1240,63 إلى 1599,76 بالمغرب، ومن 130,53 إلى ناقص883,56 بموريتانيا، ومن 1334,50 إلى 810,17 بتونس. وبلغ هذا الحجم بليبيا 1784,00 برسم سنة 2010، في ظل عدم توافر معطيات تخص الأرقام المحققة برسم سنة 2019.
ولقد كانت لهذه النتائج الاقتصادية انعكاسات على مؤشرات التنمية الاجتماعية، إذ وصل معدل البطالة المسجل في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم ما بين 15 و24، برسم 2017، 23,9 بالمائة بالجزائر، و40,0 بالمائة بليبيا، و18,0 بالمائة بالمغرب، و18,6 بالمائة بموريتانيا، و35,8 بالمائة بتونس، كما أن نسبة السكان الذين يعيشون في وضعية فقر متعدد الأشكال بلغت 51,2 بالمائة في بالجزائر، و33,6 بالمائة بليبيا، و78,1 بالمائة بموريتانيا، و56,8 بالمائة بتونس، في حين قدرت هذه النسبة ب1,9 بالمائة فقط بالمغرب، وذلك حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برسم سنة 2018.
وعلى مستوى البنيات التحتية، يصنف المغرب ضمن البلدان المتطورة في مجال تقييم مؤشر جودة الموانئ، الذي يتراوح ما بين 1 في البلدان التي يتطور فيها هذا المؤشر بشكل ضعيف، و7 في البلدان التي يتطور فيها نفس المؤشر بشكل كبير للغاية حسب المعايير الدولية. وفي هذا السياق، بلغ هذا المؤشر 5 بالمغرب، فيما وصل إلى 4,4 بإيطاليا، و5,1 بفرنسا، و5,2 بالبرتغال، و5,5 بإسبانيا. ويتراوح المتوسط السنوي ما بين 4,1 و5 بالدول الأعضاء بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. أما على مستوى البلدان المغاربية الأخرى، بلغ المؤشر 3,4 بالجزائر، و3,3 بتونس، و2,6 بليبيا، و2,6 بموريتانيا.
أما على مستوى أداء الخدمات اللوجستية المسجل برسم سنة 2018، والمتعلق بتقييم جودة البنية التحتية المرتبطة بالتجارة والنقل، حيث يتراوح ما بين 1 بالنسبة للجودة المتدنية، و5 للجودة العالية. في هذا السياق، وحسب البنك الدولي يحتل المغرب المرتبة الأولى ضمن البلدان المغاربية بمؤشر يبلغ 2,43 متبوعا بالجزائر بنسبة 2,42، وليبيا ب 2,25، وموريتانيا ب 2,26، وتونس ب 2,10.
وبالنسبة لتقييم جودة الطرق، صنفت مجموعة «Global Economy» المغرب، خلال 2019، ضمن البلدان الخمسة الأوائل من أصل 38 بلدا إفريقيا التي تتوفر على بنية تحتية طرقية ذات جودة عالية، فيما احتلت الجزائر المرتبة الثانية، وتونس المرتبة عشرين، موريتانيا المرتبة ما قبل الأخيرة.
وفي مجال تقييم جودة المطارات، كشف تصنيف جوائز سكاي تراكس العالمية للمطارات برسم سنة 2020، الذي يقيم جودة أفضل المطارات عالميا، أن مطار شانغي سنغافورة (Singapour-Changi) لا يزال يحتل المركز الأول للسنة الثامنة على التوالي، متفوقا بذلك على مطار طوكيو هانيدا الدولي (Tokyo-Haneda) الذي حافظ على مركزه الثاني، ومطار حمد الدولي الذي ضمن مقعدا ضمن الترتيب الدولي.
وعلى مستوى القارة الإفريقية، تهيمن ثلاثة مطارات بجنوب إفريقيا على التصنيف الدولي. ويتعلق الأمر بمطارات كيب تاون (Cape Town) والملك شاكا الدولي (Durban King Shaka) وجوهانسبرغ Johannesburg وبالنسبة للمنطقة المغاربية، يتربع مطاران مغربيان على عرش أفضل المطارات العشر بإفريقيا. ويتعلق الأمر بمطار مراكش المنارة الدولي، الذي صنف في المرتبة الخامسة، ومطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء، الذي احتل المركز العاشر. ولا تتضمن القائمة أي مطار آخر في الدول المغاربية الأخرى.
وبهذا الصدد، لابد من الوقوف عند «قصتي نجاح» اللتين أنجزهما المغرب في مجال تقوية البنيات التحتية. ويتعلق الأمر بالقطار الفائق السرعة الرابط بين مدينتي طنجة والدار البيضاء، وميناء طنجة المتوسط، إذ تمكن المغرب، بفضل هاذين المشروعين، من تحقيق طفرة نوعية في مجال النقل البحري والسككي على مستوى إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط. كما يراهن بقوة على الارتقاء بالأقاليم الجنوبية للمملكة، بالتزامن مع مشروع التشييد الجاري لميناء الداخلة الأطلسي، لتصبح هذا الأقاليم منطقة جذب دولية حقيقية، قد يصل نفوذها الاقتصادي لمنطقة كبرى تشمل أوروبا وإفريقيا والمحيط الأطلسي وآسيا عبر الشرق الأوسط. وحينها سيمكن الحديث عن «طريق الداخلة» على غرار «طريق الحرير» و»مدار دبي».
ورغم أهمية هذه المكتسبات، فلازال تصنيف المغرب ضمن مؤشر التنمية البشرية دون هذا المجهود الكبير الذي حققته بلادنا مقارنة بتونس والجزائر، إذ كشف هذا المؤشر، الذي وضعته منظمة الأمم المتحدة استنادا إلى مقارنة شملت 189 بلدا، أن الجزائر احتلت المرتبة 82، وتونس المرتبة 91، وليبيا المرتبة 110، والمغرب المرتبة 121، وموريتانيا المرتبة 161 (تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي برسم 2019).
ويعزى هذا الوضع إلى ضعف أداء المغرب وموريتانيا من حيث مؤشر التنمية البشرية، وأساسا، إلى العجز الحاصل على مستوى جودة التعليم والولوج إلى الخدمات الصحية، وما لهذا من تأثير على صحة الأم والطفل. وبغض النظر عن هذا المعطى، فإن مكانة المغرب كقوة اقتصادية صاعدة لها ما يبررها أيضا على المستوى السياسي والجيوستراتيجي، فعلى هذه الأصعدة، فإن قوة المغرب تتجلى فيما يلي:
تواجد نظام سياسي قوامه مؤسسة ملكية تحظى بمشروعية شعبية معضدة بدولة عريقة في التاريخ أفرزت استقرارا ووحدة وطنية قوية؛ وجيش مهنيي، عصري، متجانس ومتراص حول ثوابت الأمة؛ منظومة أمنية ذات نجاعة واستباقية مشهود لها وطنيا ودوليا؛ تموقع جغرافي استثنائي جعل من المغرب البلد الإفريقي الوحيد الذي يطل على المتوسط والأطلسي؛ رأسمال لامادي غني ومتنوع بوأه مكانة عالمية على أكثر من صعيد؛ رأس مال طبيعي سيؤهل المغرب من أن يأخذ الريادة في مجال الطاقات المتجددة، والاقتصاد الأزرق والاقتصاد الأخضر؛ صورة وإشعاع دولي استطاع المغرب الانفراد على صعيدهما بفعل انفتاحه على العالم كبلد التسامح والحوار بين الحضارات والثقافات والأديان.
كما تتجلى هذه القوة في الثورة الهادئة للفكر الجيوستراتيجي الوطني، تولد عنها تغيير جذري نوعي وعميق أفرز تحالفات جديدة من شأنها أن تعزز المسؤوليات الدولية والإقليمية التي يتحملها حاليا المغرب في مجالات مهمة كالمناخ ، والهجرة، ومحاربة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، وكذا المساهمة في البعثات الأممية لاستباب الأمن في أبعادها الإفريقية والعربية والمتوسطية والأطلسية.
لكن أهم ميزة لقوة مغرب اليوم هو أنه استطاع بتدرج إنجاح معادلة مجتمعية جوهرية من خلال تحقيق توازن ذكي بين الحداثة والدين والديمقراطية، معادلة وتوازن مكنا من تملك المجتمع لمتطلبات ومخرجات التحديث الاقتصادي.
هذا، ومهما يكن الحال، فإن ضمان استمرارية هذه المكتسبات وتقويتها يبقى رهينا برفع المغرب لخمس تحديات جوهرية:
تحدي الأزمة البنيوية للمدرسة المغربية بجميع مستوياتها الأساسي والابتدائي والإعدادي والثانوي والعالي، قصد تمكينها من تكوين الكفاءات، وإنتاج النخب، وصقل المهارات الابتكارية ، وتيسير الارتقاء الاجتماعي، ونشر القيم المرتطبة بالمشروع المجتمعي الذي يؤطره دستور البلاد، ويحدد معالمه النموذج التنموي الجديد، والميثاق الاجتماعي الذي سينبثق عنه.
تحدي الفوارق الاجتماعية والمجالية وتلك المتعلقة بالنوع.
تحدي الحكامة المسؤولة والرشيدة الكمين في تقوية دور المؤسسات الدستورية ذات الصلة، وضمان استقلاليتها. مما يتطلب بناء منظومة وطنية للحكامة الاقتصادية قوية وذات مصداقية تكرس مبدأ مساواة المقاولات والمقاولين أمام الفعل الاقتصادي، وتحارب الفساد الإداري والمالي والريع والاحتكار والرشوة وتضارب المصالح، موفرة في هذا مناخ الأعمال الضروري لتفجير الطاقات الخلاقة لدى كافة مكونات الاقتصاد والمجتمع.
تحدي ما يمكن تسميته ب»الأمن الديمقراطي» من خلال العمل على صون المكتسبات التي حققتها بلادنا في المجالات المرتبطة ببناء دولة الحق والقانون والمؤسسات.
ولئن كانت هذه الإشكالية من مسؤولية الجميع دولة وأحزابا سياسية، ومركزيات نقابية ومنظمات حقوقية، وفعاليات مدنية، وعلمية وثقافية، ومواطنين، ولئن كانت أيضا إشكالية عالمية، فإنها توحي وطنيا بضرورة إبداع نموذج مغربي للديمقراطية ينطلق من خصوصياتنا المؤسسية ليفتح آفاق ممكنة على هذا الصعيد وفق طموح جديد قوامه التوفيق الذكي بين الحرية والمسؤولية، بين الحداثة والدين، وبين الحقوق والواجبات، وبين سلطة الدولة وتحرير المجتمع.
التحدي الخامس والأخير هو التحدي الاقتصادي، ويعد هذا التحدي جوهر كبريات الإشكاليات التنموية التي سترسم معالم التحول البنيوي العميق للاقتصاد المغربي الذي دعا له النموذج التنموي الجديد. ذلك لأن هذا التحول البنيوي، إن هو تحقق، سيحدث دينامية من شأنها تسريع وتيرة التحديث الشامل لمختلف فروع الإنتاج، وخاصة للقطاع الصناعي، كما سيمكن في الآن نفسه من إنتاج ثروات جديدة ذات آثار جذب إيجابية على تمويل النمو والتضامن، مما سيسهم في احتواء السياسة المبنية على الاعتماد على الدين الخارجي المتنامي والذي يرهن مصالح الأجيال المقبلة، فضلا عن انعكاساته على التشغيل.
إلا أن هذا التوجه يتطلب استثمار النبوغ الوطني، والذكاء الجماعي، واليقظة الإستراتيجية لكل المكونات الفاعلة مركزيا وترابيا في عملية التحويل البنيوي هاته. ويبقى الهدف الرئيسي من رفع كل هذه التحديات هو توفير الشروط الضرورية لتحقيق الأمن الاقتصادي الوطني وسيادته، خاصة في المجالات الحيوية بالنسبة للأمن القومي كالأمن الغذائي، والصحي والطاقي، والرقمي، والعلمي، والثقافي، والديني، وكذا الأمن المرتبط بالدفاع الوطني.
ففي هذه الأبعاد العميقة تكمن الأهمية القصوى لإنتاج نخب سياسية واقتصادية وإدارية ومدنية وعلمية جديدة، تؤطر جيلا جديدا من الإصلاحات تأخذ بعين الاعتبار الأخطار التي تنتظر بلادنا، في ظل حصار حقيقي تعرفه بلادنا شمالا وشرقا وجنوبا بدأت معالمه تبرز في الأفق ، مما يستدعي تقوية مناعتنا الداخلية عبر التجنّد الجماعي الدائم والمتجدد والمبدع للتصدي الاستباقي لما يمكن أن ينتظر الوطن، مجتمعا واقتصادا، من أخطار وحروب من نوع جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.