أجرت نشرة regard critique الكندية حوارا مع الخبير الدولي ابراهيم السعيدي ضمن ملف خاص حول « افريقيا في قلب الحدث الدولي» « الأهمية الاستراتيجية لافريقيا»، تطرق فيه لعدة مواضيع تهم العلاقات المغربية الجزئرية ومنطقة الساحل والصحراء، كما تطرق الحوار الذي جاء في ركن «رأي خبير» للنشرة المتخصصة في الدراسات الدولية الكبرى، إلى التطورات التي عرفتها دول المغرب العربي في ظل الربيع العربي. و تعميما للفائدة تقدم «التجديد» الترجمة الكاملة للحوار. ● ما هي أكبر الرهانات أمام إفريقيا الشمالية في الوقت الحاضر؟ ❍ يمكن القول إن هناك نقط تشابه على المستويات الاقتصادية وكذلك في الوضع الأمني بين الدول المغاربية – إذا كنا نتحدث عن المغرب، والجزائر، وتونس، وليبيا- ولكن هناك أيضا اختلافات جوهرية حسب التجربة الوطنية لكل بلد على حدة. في حالة ليبيا؛ فإن هذا البلد يوجد الآن في مرحلة ما بعد النزاع، بمعنى؛ مرحلة إعادة البناء: إعادة بناء المؤسسات السياسية، وإتمام المصالحة الوطنية، وإقامة مؤسسات سياسية لما بعد سقوط نظام لم يمثل قط تجربة سياسية ديمقراطية. وتجب كذلك إعادة البناء على المستوى الأمني، وبالخصوص إنشاء جيش محترف وليس جيشا حزبيا أو إيديولوجيا؛ وهذا ما يمثل تحديا كبيرا بالنسبة لهذه الدولة. إنه مسلسل لم ينتهِ بعد وليس هناك أي تقدم معتبر في هذا الاتجاه. حالة تونس؛ البلد الذي كان أول من أطلق هذا الربيع العربي، هي حالة مختلفة تماما: إنه بلد خارج لتوه من نظام استبدادي و يقوم تدريجيا بإعادة بناء مؤسساته السياسية. المسلسل لم ينتهِ بعد؛ ولكن البلد الآن في مرحلة الانتقال الديمقراطي. فالمؤسسات الموروثة عن النظام السابق قد تغيرت جوهريا: هناك اليوم رئيس جديد ظل دائما يناضل من أجل حقوق الإنسان ويتمتع بثقافة ديمقراطية، مؤسسة رئاسية جديدة، برلمان جديد ونخبة سياسية جديدة. إنها نخبة إسلامية؛ ولكنها منبثقة عن مسلسل ديمقراطي شفاف؛ وصوت لها الشعب الذي أبلغها إلى الحكم. إن حالة تونس تقدم الشهادة على أن الربيع العربي كان مكسبا للإسلاميين؛ بما أن القوة السياسية الأولى في البلد في الوقت الراهن هي حركة النهضة. هناك إذن مسلسل للتغيير، للانتقال الديمقراطي بنخبة سياسية مختلفة بالكامل. والصعوبة الرئيسية التي تهدد مسلسل التغيير هذا مرتبطة بالمشاكل الاقتصادية، ذلك أنه من غير الممكن إنجاح انتقال ديمقراطي في سياق أزمة اقتصادية مع غياب للموارد. وعلينا أن نتذكر بأن الشباب الذين أشعلوا فتيل هذا الربيع العربي قد فعلوا ذلك من أجل الحصول على شغل. إن الهشاشة والفقر لدى الشباب الجامعيين ما زالت تطيل العيش في أزمة غياب الآفاق. هذا الانتقال الديمقراطي مهدد إذن بالصعوبات الاقتصادية، وتنتظره كذلك إقامة تعددية حزبية حقيقية. بعد سقوط نظام بنعلي كان هناك توقعا بأن النظام الموالي الذي سوف تمسه عدوى الربيع العربي سوف يكون هو الجزائر؛ غير أن النظام الجزائري ما زال يقاوم إلى الآن. فالرئيس بوتفليقة ما زال رئيسا، ولم نشهد ثورة شعبية في الجزائر. وإذا كان النظام القائم في هذا البلد قد عرف كيف يصمد فإن ذلك راجع بالأساس إلى كون الجزائر قوة طاقية؛ فالبلد الذي يمثل ثاني أقوى اقتصاد في إفريقيا قد استفاد إذن بشكل كبير من ارتفاع أسعار النفط في استعمال رأسماله هذا في شراء السلم الاجتماعي، وخصوصا بتقديم الدعم إلى المقاولات الصغرى. غير أن البلد مع ذلك لا يتوفر على استراتيجية اقتصادية واضحة بما يكفي، متماسكة ومنسجمة، وخصوصا لا يتوفر على استراتيجية على المدى البعيد. إن المشكلة الكبرى حاليا في الجزائر هي مشكلة مشروعية؛ بما أن البلد يحكمه نظام استبدادي. أما فيما يخص المغرب؛ فإنني غير مقتنع بمفهوم النموذج، إنني أومن فقط بمفهوم التجارب الوطنية. إن البلد قد مسته عدوى الربيع العربي سياسيا بالفعل؛ ولكن الوضع ظل مع ذلك مستقرا. إن المغرب ملكية عرفت كيف تتأقلم بسرعة مع الظرفية. لقد عرف البلد كيف يستفيد من الدروس والتجارب التي عاشتها الدول المغاربية الأخرى، بما أنه أدخل الإصلاحات السياسية الضرورية حتى يتمكن من امتصاص الغضب الشعبي، ويشتري الاستقرار الاجتماعي ويقتسم السلطات مع الشعب. لقد تبنى الملك دستورا جديدا؛ صحيح أنه ليس دستورا مثاليا في الديمقراطية؛ ولكنه جاء بتعديلات أحدثت بعض التوازن في السلطات وكرست بعض الفصل بينها. ولقد أسفرت الانتخابات بعد ذلك عن إفراز حكومة منتخبة ديمقراطية يقودها إسلاميون معتدلون يتبنون استراتيجية تسعى إلى طمأنة الرأي العام المحلي و الدول الحليفة مثل فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية. والتحدي الأكبر أمام هذه الدولة يكمن في كون المسلسل لم ينته بعد ويجب إكماله من أجل إقرار مؤسسات سياسية ذات شرعية ومشروعية. والتحدي الآخر هو تحدٍّ اقتصادي في الواقع. لقد كان على المغرب أن يبادر إلى الإصلاحات لأنه لا يتوفر على موارد مالية، على عكس الجزائر التي عوضت الإصلاحات بالمساهمة المالية. ● هل هناك توافق و/أو تنافس بين هذه الدول من شأنه أن يفسر مشكلات الأمن الوطني المشتركة بينها؟ ❍ بالنسبة لهذه الدول تتحدد مسألة الأمن الوطني في أمور السيادة والسلامة الترابية، لدرجة أن السلطات في هذه الدول تخصص ميزانيات ضخمة في التسلح، تطبيقا للنظرية التي تقول بأن السلامة الترابية والقوة تتمثل في كميات الأسلحة التي تملكها. والواقع أن مسألة السيادة والسلامة الترابية هذه في الدول المغاربية مرتبطة بشكل وثيق بمسألة الحدود. إن الأمر يتعلق في الحقيقة بنقص أو غياب في مراقبة الحدود. وهذا ما يطرح تحديا كبيرا؛ ذلك أنه يلاحظ أن هناك تفاعلا مع الوضع في الساحل. هذا الشريط الصحراوي الذي يمتد من موريتانيا إلى الصومال، والذي يضم مجموعة من الدول الهشة التي لا تمتلك الوسائل المالية ولا الجيوش المدربة والمجهزة جيدا بما يمكنها من فرض احترام القانون؛ تحول إلى منطقة اللاقانون تتحكم فيها مجموعات من الأنشطة غير المشروعة؛ مثل تهريب السلع، وتهريب المخدرات، والهجرة السرية، و الاتجار في الأسلحة، ...إلخ. هذا المشكل يمس الجزائر بالدرجة الأولى بسبب مساحتها الشاسعة. ويجدر بالذكر أن هذا البلد يتقاسم 6385 كلمترا من الحدود البرية في نفس الوقت مع الدول المغاربية ومع دول الساحل؛ ومن بين هذه الدول كلها؛ فقط دولتان تتوفران على الوسائل الضرورية للقيام بمهامهما السيادية وقادرتان على تأمين حدودهما؛ هما المغرب وتونس. أما الدول الأخرى التي لها حدود مع الجزائر فهي دول ضعيفة وتفتقر افتقارا شنيعا إلى الوسائل، وسلطاتها المركزية عاجزة عن ممارسة وظيفتها السيادية. هذا اللا أمن الحدودي ازداد سوءًا بعد حالة الحرب الأهلية التي عرفتها ليبيا. فهذه الحرب قد مكنت المجموعات الإرهابية، وخصوصا «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» (AQMI)، من تطوير مسالك الوصول إلى الاستحواذ على الأسلحة التي تركتها قوات القذافي. وفي النهاية فإن هذه الدول غير قادرة على تبني سياسة أمنية حقيقية على الرغم من وعيها بأهمية أن تتوفر على استراتيجية مندمجة في تأمين الحدود. وهذا راجع بالخصوص إلى التنافسية بين الأنظمة في المنطقة أو إلى نزاعات بين بعض الدول المغاربية؛ لم تجد طريقها إلى الحل. مشكل اللاأمن هذا يتسبب بدوره في مشكل كبير آخر هو مشكل «اللامغارب»، أي غياب اندماج إقليمي في جميع المجالات. هذا الوضع لا يمثل فقط بالنسبة لهذه الدول مشكل أمن وطني، ولكنه يتسبب في خسارة اقتصادية تبلغ ما بين 2% و 3% من الناتج الداخلي الخام. هذا الاندماج أصبح إذن ضرورة مركزية وملحة لإخراج هذه الدول من التخلف. وإذا أردنا النظر إلى المظاهر غير العسكرية للتحدي؛ فإن ما يحتل المرتبة الأولى من بين هذه المظاهر هو: اللاستقرار، والفقر، وغياب سياسات عمومية، والرشوة وغياب الديمقراطية. ● هل تعتقدون أن فتح تبادلاتها الاقتصادية مع دول جديدة غير إفريقية من شأنه أن يساعد هذه الدول على حل مشكل اللاأمن هذا؟ ● إن تعدد الفرقاء الاقتصاديين هو دائما أمر يجلب السلم. فبقدر جعل الاقتصاديات أكثر استقلالية؛ سوف تستثمر الدول في استراتيجيات اقتصادية تنموية، وبالتالي في السلم عوض الاستثمار في استراتيجيات الحروب والتنافس السياسي. فالواقع أن 65% من صادرات هذه الدول موجهة إلى الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدةالأمريكية موجودة بقوة في الدول المغاربية في قطاعات الطاقة، بينما تسعى الصين وروسيا إلى أن تجد لها هي الأخرى مواقع قدم. وللصين أصلا تواجد مهم جدا في مجالات الإعمار والبنيات التحتية في المدن المغاربية. والرهان الكبير من أجل الخروج من وضع الركود الاقتصادي هذا هو؛ على المستوى الوطني: محاربة الرشوة، والشفافية، والمضي في مسار الدَّمَقرطة، والاستثمار في الاندماج الإقليمي. وفي هذا الصدد هناك غياب للإرادة السياسية يتجاوز النزاعات القديمة. ● إذا كان لكم أن تتقدموا بتوصيات إلى حكومة «الكيبيك» لتنمية علاقاتها مع الدول المغاربية، ما هي هذه التوصيات؟ وما رأيكم في معاهدة التبادل الحر الموقعة بين المغرب وكندا؟ ❍ الدول المغاربية تعتبر مكسبا بالنسبة ل»الكيبيك». ولحد الآن تقتصر العلاقات مع هذه الدول على المجالات الثقافية، والهجرة، والتبادلات الجامعية. وتوصيتي ستكون هي تنويع حقول المصالح التي تمر عبر الحفاظ على التعاون القائم في مجالات الثقافة والتبادل الجامعي والهجرة، وتنميته أكثر، وكذلك البحث في إنعاش التبادلات الاقتصادية. إن «الكيبيك» يمثل قيمة مضافة بالنسبة للدول المغاربية فيما يخص التكنولوجيات الحديثة. إن في إماكنه أن يمنح الكثير في مجال تبادل التجارب لبعض هذه الدول، ومن بينها المغرب، التي سوف يكون عليها أن تتحول نحو النموذج الشمال-أمريكي في هذه المجالات. هذا بالإضافة إلى أن الدول المغاربية لها ثقافة للتبادل الحر مع أوروبا. وعلى المدى الطويل؛ وإن كانت أحجامهما الاقتصادية غي متكافئة؛ فإن معاهدة التبادل الحر بين المغرب وكندا سوف تكون مفيدة للبلدين معا. بالنسبة للمغرب؛ فإن العائد من هذه الاتفاقية سوف يكون في الحصول على تقدم ملموس في مجال التكنولوجيات الحديثة، وبالنسبة لكندا سوف يكون هو باب تفتح أمامها على سوق من أربع وثلاثين مليون نسمة في بلد يتمتع بالاستقرار وله طموح أن يبلغ نسبة نمو7 %. وهو بلد يمثل كذلك باب ولوج إلى إفريقيا الغربية.