لقد أصبح مطلب توحيد الفضاء المغاربي ضرورة يفرضها الواقع الجديد والتحولات التي شهدتها دول المنطقة سياسيا واجتماعيا، كما يفرضها منطق التنمية والديمقراطية؛ فلا يكمن أن تنشر الديمقراطية والتنمية ضلالها على المنطقة المغاربية بدون توحيد الفضاء المغاربي اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا. كما يفرضها منطق التاريخ، فدول المغرب العربي شهدت تدخلا أجنبيا من القوى الاستعمارية (فرنسا، اسبانيا، انجلترا........). في نفس الفترة التي اجتاحت فيها رياح الاستعمار المنطقة، كما شهدت في نفس الوقت حركات التحرير الوطني التي ساهمت في استقلال دول المغرب العربي. ناهيك عن التلاقح الثقافي الذي حصل بين دول المنطقة في شخص العديد من المثقفين والمفكرين أمثال خير الدين التونسي، أحمد بن أبي الضياف، الشيخ أبو شعيب الدكالي ومحمد السائح وغيرهم من المفكرين الذين ساهموا في مسيرة الثثاقف التي عرفتها بلدان المنطقة، كما أن الدين واللغة يشكل كذلك أحد أهم معالم وحدة المغرب العربي. إلا أنه رغم وجود هذه الروابط المتينة التي يأخد فيها الدين والتاريخ واللغة حيزت كبيرا في تكوين الوعي المغاربي. لازالت هناك مجموعة من المعيقات التي تحول دون تأسيس فضاء مغاربي يكون قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وقاطرة للتحول الديمقراطي الذي لا زال يعرف مخاضات عسيرة في تبلوره نتيجة السياسات التي تتبعها دول المنطقة والتي أبرزها مشكل الصحٍراء بين المغرب والجزائر وفتح الحدود بين البلدين، ومؤخرا المشكل القائم بين ليبيا والجزائر نتيجة سقوط نظام القدافي وتنامي الجماعات المسلحة في المنطقة التي تفصل الجزائر بليبيا. في ظل هذا المشهد ما هي المعيقات التي تحول دون تأسيس فضاء مغاربي يجمع شتات الشعوب المغاربية ويوحدها في كتلة واحدة؟ تم ما هي أهم التحديات المطروحة على هيئات المجتمع المدني في إيصال صوت هذه الشعوب من أجل توحيد المنطقة؟ وكيف ستساهم الأحداث الأخيرة التي عرفتها المنطقة المغاربية من سقوط أنظمة ديكتاتورية وظهور حركات احتجاجية يحدوها جموح في تغيير الواقع إلى الأفضل. 1. معيقات تأسيس فضاء مغاربي إن أولى العوائق التي تحول دون توحيد المغرب العربي مشكل الاستبداد والقداسة وأزمة الشرعية واستقالة النخب أو توقف انخراطها في النقاش العام، إضافة إلى التراجع عن الرهان الفكري والثقافي وغياب المرجعيات والنماذج. فإبعاد النخب المغاربية عن لعب أي دور في بناء وتسيير مؤسسات الاتحاد المغرب العربي، رغم إيمانها بالمشروع المغاربي، بوصفها صاحبة مصلحة في تحقيقه، وحركة هذه النخب الذائبة بين أقطار المغرب العربي، وما تعقده من مؤتمرات وندوات حول الهم المغربي المشترك سنويا، خير دليل على ذلك، لوعي هذه النخبة بالأهمية الإستراتجية للوحدة المغاربية. وبالتالي فإن إبعاد هذه النخب عن القيام بدورها في تسيير مؤسساته وتطوير مشاريعه والدفع بها إلى الأمام، هو خسارة مضاعفة لجميع الأطراف، لما تمتلكه من القدرة على تقديم الأفكار والبرامج القادرة على تطوير المؤسسات المشتركة لاتحاد المغرب العربي، وإيجاد البدائل المغاربية وفقا للمتغيرات الدولية، ذلك أن النخبة المثقفة عادة ما تكون متحررة من الاعتبارات التي تحكم مواقف الرسميين، وذلك التحرر هو ما يمكن النخبة المثقفة من نقد التجربة وتوضيح ثغراتها والعوائق التي توجهها، وفي المقابل طرح ما يخدم مسيرة الوحدة المغاربية بعيدا عن النزعة القطرية والتمسك بالسيادة. إضافة إلى هذا المشكل البنيوي والعضوي هناك مشكل البحث العلمي والتنمية الجهوية داخل الفضاء المغاربي الواسع، فالمؤكد أن البحث العلمي الوطني ظل بعيدا عن تخصيب مبادرات فاعلين ومثقفين لترصيص معالم الهوية المغاربية الواحدة. حيث ظلت قضايا الهوية المغاربية بعيدة عن اهتمامات الجامعة المغربية مما أدى إلى تواري سؤال الهوية الذي يشكل أحد أقطاب الوحدة المغاربية. كما أن قضية الصحراء التي تدخل مشروع قيام مغرب عربي موحد في حالة الموت السريري، نتيجة الصراع القائم بين المغرب والجزائر والذي يحول دون فتح الحدود وتأسيس وحدة اقتصادية واجتماعية. كما أنه لازالت ظلال الدول القطرية قائمة في المنطقة المغاربية رغم التحولات التي شهدتها المنطقة، فرهان وحدة المغرب العربي مرتبط برهان نشوء دول وطنية مدنية. وإضافة إلى هذه المعيقات السالفة الذكر هناك غياب التنسيق البيني وحضر الحواجز الجمركية الشيء الذي يشكل هدرا للفرص الاستثمارية الأجنبية والمحلية. وبهذا المعنى فإن ذلك يكلف دول المغرب العربي خسارة تقدر بمليارات الدولارات سنويا مما ينعكس سلبا على اقتصاديات البلدات الأعضاء، ويرفع نسبة البطالة بشكل رهيب خاصة أن المغرب والجزائر بحكم عدد سكانها في ظل واقع يقول إن المعاملات التجارية البينية المغاربية لا تتعدى 3% في حين إن مبادلاتها مع الاتحاد الأوروبي تتجاوز 66%، وهذا كاف لأن يشكل إجابة واضحة ومهمة على مستوى تعاون الدول المغاربية فيما بينها. كما برز معطى جديد يتمثل في المخاطر الأمنية المحدقة بدول شمال إفريقيا التي تحولت إلى قاعدة خلفية لما يسمى الإرهاب، خاصة في منطقة الساحل والصحراء التي تمتد من شمال تشاد إلى المحيط الأطلسي، وهي منطقة صحراوية قاسية التضاريس، كما أن الحدود المشتركة لدول المنطقة غير محددة وغامضة، ولا يمكن مراقبتها نظرا لشساعتها ولضعف الإمكانيات العسكرية لهذه الدول، الأمر الذي يجعل التهديدات كبيرة؛ وفي هذا الخضم من المنطقي القول إنه ليس من مصلحة المغرب ولا الجزائر الاستمرار في إغلاق حدودهما المشتركة؛ إن ذلك يعيق تطورهما معا، وبالتالي يعرقل مسيرة بناء المغرب العربي، باعتبار ذلك نقطة سوداء في ميزان العلاقات بين البلدين، مما يحملهما المسؤولية التاريخية الجسيمة اتجاه باقي البلدان، لاسيما أننا في عالم أصبحت فيه الحدود لا غية. التسابق للتسلح حيث في مارس 2007 قامت الجزائر بتقديم سلسلة من الطلبات من أجل التسلح لروسيا بلغت 10 مليار دولار، وفي سنة 2009 عقد المغرب عقدا للحصول على أسلحة بمبلغ ربع مليار دولار وقام بتجديد أسطوله الجوي الفرنسي من نوع ميراج. وفي سنة 2007 وقعت ليبيا والمملكة المتحدة عقدا للحصول على صواريخ بمبلغ 900 مليون دولار. إن هذا التسابق نحو التسلح من طرف دول المغرب العربي لا يخدم التنمية والديمقراطية المطروح على أجندة هذه الدول بقدر ما يعمل على إهدار الأموال والثورات التي من المفروض أن تستمر في مشاريع تنموية واقتصادية يرجى من خلالها تحقيق العدالة الاجتماعية ومحاربة الفقر والحرمان الذي يجتم على قلوب آلاف المواطنين. 2. التحديات والرهانات: نحو تأسيس فضاء مغاربي لقد أعاد الربيع العربي سؤال الوحدة المغاربية إلى الواجهة بعد أن بقي حبيس سياسيات ونزعات لا تخدم مصالح الشعوب ومصيرها، وأجبر دول المغرب العربي على أن تعيد حساباتها وأورقها. خصوصا بعد أن تصاعدت نداءات من جانب منظمات المجتمع المدني ونخب مثقفة في إعادة إحياء هدا الفضاء الذي ظل طي النسيان. وطرح على الساسة والدول المغاربية مجموعة من التحديات والرهانات والتي من بينها: • إحياء التواصل الثقافي والتاريخي بين النخب المثقفة بالشركات وتبادل الخبرات. • تفعيل دور الأحزاب ذات الإيديولوجية الوحدوية وتمكين روابط التعاون بينها. • خلق فضاءات اجتماعية وثقافية مشتركة تؤهل التعاون وتكامل اقتصادي وتجاري. • تعزيز روابط التكامل الاقتصادي بين البلدان المغاربية على غرار النمط الأوربي. • كتابة تاريخ المغرب العربي. • فتح نقاش عمومي عبر وسائل الإعلام. • تأسيس مراكز بحث تعنى بالشأن المغاربي أكاديميا والتركيز على مراكز البحث الاستراتجي. • تشجيع على الاستثمار في إعلام مغاربي: قناة فضائية، صحافة مكتوبة، تكنولوجيا الانترنيت. • الدعوة إلى تأسيس مرصد الوحدة المغاربية. • تقوية المجتمع المدني المغاربي ليصبح له دور في التنمية والديمقراطية. * باحث في التاريخ والفلسفة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك [email protected]