في ظل تراجع الصادرات إلى المغرب.. مربو المواشي الإسبان يطالبون بفتح أسواق جديدة    تعزيزات مشددة ليلة عيد الفطر تحبط محاولات للهجرة السرية إلى سبتة المحتلة    حادث خطير في طنجة يوم العيد.. إصابة شابين في اصطدام دراجة نارية بسيارة مركونة    الإمارات.. الحكم بالإعدام على ثلاثة أشخاص في قضية قتل مواطن إسرائيلي مولدوفي    كأس أمم إفريقيا لأقل من 17 سنة (الجولة 1/المجموعة 1).. منتخب زامبيا يفوز على تنزانيا (4-1)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء.. امطار متفرقة بعدد من المناطق    "المطارات" ينبه إلى التحقق من رحلات    اتفاق ينصف حراس أمن مطرودين    خطيب العيد بتازة يوصي بالأرحام    ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال ميانمار إلى 2065 قتيلا    أمير المؤمنين يؤدي صلاة عيد الفطر بمسجد أهل فاس بالرباط    أسود تفترس حارسا في حديقة حيوانات بالجزائر    مارين لوبان تواجه السجن ومنع الترشح بعد إدانتها باختلاس أموال عامة    الجيش الملكي في اختبار صعب أمام بيراميدز بالقاهرة    التسويف والتماطل يدفع مبرزي التربية الوطنية للإضراب والاحتجاج في أبريل المقبل    المصور محمد رضا الحوات يبدع في تصوير إحياء صلاة عيد الفطر بمدينة العرائش بلمسة جمالية وروحية ساحرة    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    الادخار الوطني بالمغرب يستقر في 28,8 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفصل الرابع من سنة 2024    ترامب يزور السعودية منتصف ماي المقبل    إيقاف خط جوي مع طنجة يُثير غضب ساكنة ورزازات    ست حالات اختناق بسبب غاز أحادي أكسيد الكربون ليلة عيد الفطر    نبيل باها: الانتصار ثمرة عمل طويل    نتنياهو يعين رئيسا جديدا ل "الشاباك"    منع مارين لوبن من الترشح 5 سنوات    أجواء مهيبة في صلاة العيد بسلا    ارتفاع الذهب لمستوى قياسي جديد    مرشد إيران يتوعد ترامب ب"رد حازم"    كان محكوما بالمؤبد.. العفو الملكي يشمل بلعيرج    الملك محمد السادس يؤدي صلاة عيد الفطر المبارك بمسجد أهل فاس بالمشور السعيد بالرباط    وكالة بيت مال القدس تتوج عمليتها الإنسانية الرمضانية في القدس بتوزيع 200 كسوة عيد على الأيتام المكفولين من قبل المؤسسة    الملك محمد السادس يتوصل بتهانئ ملوك ورؤساء وأمراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر المبارك    كأس العالم لسلاح سيف المبارزة بمراكش: منتخبا هنغاريا (ذكور) والصين (سيدات) يفوزان بالميدالية الذهبية في منافسات الفرق    جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1533 شخصا بمناسبة عيد الفطر السعيد    منتخب الأشبال يقسو على أوغندا بخماسية في مستهل كأس إفريقيا    صفقة ب367 مليون درهم لتنفيذ مشاريع تهيئة وتحويل ميناء الناظور غرب المتوسط إلى قطب صناعي ولوجستي    ادريس الازمي يكتب: العلمي غَالطَ الرأي العام.. 13 مليار درهم رقم رسمي قدمته الحكومة هدية لمستوردي الأبقار والأغنام    عفو ملكي عن عبد القادر بلعيرج بمناسبة عيد الفطر 1446 ه.. من هو؟    ترامب لا يمزح بشأن الترشح لولاية رئاسية ثالثة.. وأسوأ السينايوهات تبقيه في السلطة حتى 2037    مطالب لربط المسؤولية بالمحاسبة بعد أزيد من 3 سنوات على تعثر تنفيذ اتفاقية تطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت    ما لم تقله "ألف ليلة وليلة"    إشباع الحاجة الجمالية للإنسان؟    لماذا نقرأ بينما يُمكِننا المشاهدة؟    آسفي تبلغ ثمن نهائي كأس العرش    طواسينُ الخير    كأس إفريقيا U17 .. المغرب يقسو على أوغندا بخماسية نظيفة    المعهد العالي للفن المسرحي يطلق مجلة "رؤى مسارح"    الاتحاد الإسلامي الوجدي يلاقي الرجاء    الموت يفجع الكوميدي الزبير هلال بوفاة عمّه    دراسة تؤكد أن النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    منظمة الصحة العالمية تواجه عجزا ماليا في 2025 جراء وقف المساعدات الأمريكية    انعقاد الدورة الحادية عشر من مهرجان رأس سبارطيل الدولي للفيلم بطنجة    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    دراسة: النساء يتمتعن بحساسية سمع أعلى من الرجال    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    هيئة السلامة الصحية تدعو إلى الإلتزام بالممارسات الصحية الجيدة عند شراء أو تحضير حلويات العيد    أكاديمية الأوسكار تعتذر لعدم دفاعها وصمتها عن إعتقال المخرج الفلسطيني حمدان بلال    تحذير طبي.. خطأ شائع في تناول الأدوية قد يزيد خطر الوفاة    رحلة رمضانية في أعماق النفس البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأستاذ محمد تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية بالرباط ل"التجديد":مستقبل المنطقة المغاربية رهين بالتعاون بين المغرب والجزائر
نشر في التجديد يوم 09 - 02 - 2003

في سياق زيارة وزير الخارجية الجزائري السيد عبد العزيز بلخادم حاليا لبلادنا بدعوة من نظيره المغربي السيد محمد بن عيسى، نقدم هذا الحوار مع الأستاذ تاج الدين الحسيني أستاذ العلاقات الدولية بالرباط وفيه نتطرق معه إلى أهم القضايا العالقة والتي تؤثر سلبا لا على مستوى العلاقات المغربية الجزائرية فحسب، ولكن أيضا على مستوى المغرب العربي ككل، ومن ذلك قضية الصحراء المغربية.
ومن القضايا التي طلبنا من الأستاذ تاج الدين الحسيني إبداء رأيه فيها الزيارة الأخيرة للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة جيمس بيكر للمنطقة المغاربية وقراءة الأطراف المعنية لنتائجها ومواضيع أخرى منها الدور الفرنسي في التقريب بين الرباط والجزائر وتأثير التسلح الجزائري على مصالح المغرب والدور الأمريكي في ذلك.
كيف قرأتم الأستاذ تاج الدين الحسيني الجولة الأخيرة للسيد جيمس بيكر بمنطقة المغرب العربي؟ وما تعليقكم على نتائجها؟
الجولة الأخيرة للسيد جيمس بيكر تعتبر تعديلا أخيرا لما يسمى بالاتفاق الإطار الذي سبق أن اقترحه على الأطراف المعنية بحل النزاع في الصحراء المغربية. وكما هو معلوم فإن المقترح الأخير الذي تقدم به جيمس بيكر يدخل في إطار البحث عن حل سياسي بعد أن وصلت إمكانية تنظيم استفتاء في الصحراء إلى الباب المسدود، ذلك أن المغرب ومن جانب آخر الجزائر ثم جبهة البوليزاريو لم يصلوا إلى اتفاق بخصوص الأشخاص المشاركين في عملية الاستفتاء، وهذه العرقلة التي دعمتها البوليزاريو بعملية إقصاء العديد من المرشحين للمشاركة في التصويت كانت نتائجها سلبية، وهي عدم إمكانية تنظيم الاستفتاء المراقب من طرف الأمم المتحدة.
وهكذا سبق للمبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة جيمس بيكر أن قدم اقتراحا اعتبره بمثابة حل ثالث يهدف إلى إبقاء السيادة المغربية على إقليم الصحراء على أساس أن يتمتع الصحراويون المقيمون بعين المكان بنصيب وافر من الحكم الذاتي في ما يتعلق بالشؤون المحلية وإدارة الثروات الداخلية، على أن تحتفظ الحكومة المغربية بشؤون الدفاع والسياسة الخارجية والأمن داخل الصحراء، وذلك على أساس أن ينظم استفتاء يحدد مصير الإقليم بعد أربع سنوات من هذه المرحلة الانتقالية. وكما هو معلوم فهذا المقترح رفضته الجزائر كما رفضته البوليزاريو، ويبدو أن الاقتراح الجديد لا يختلف كثيرا عن المقترح القديم ولكنه يتميز بنوع من المرونة التي تهدف إلى إرضاء الجزائر قصد إقناعها بالقبول، بينما ظهر واضحا أن البوليزاريو أثناء استقبالها لجيمس بيكر لم تبد له نفس التعاطف والاستقبال العاطفي الذي خصته به في الجولة السابقة، وقد كان المسمى محمد عبد العزيز المراكشي يعتبر أن هذا الموقف هو تعبير عن سخط البوليزاريو وعدم رضاها عن تحول الاتجاه من طرف الأمم المتحدة في مايتعلق بتطبيق الاستفتاء الذي ترى أنه إن طبق في إطار ما رسم له في البداية فإن
نتائجه ستكون في صالحها، ولذلك فالبوليزاريو تبقي متمسكة بنفس موقفها في رفض أي اقتراح آخر غير اقتراح الاستفتاء وفق شروطها الخاصة ووفق المنهج الذي اعتمدته في البداية.
ولذلك فالمقترح الجديد الذي جاء به جيمس بيكر يحاول أن يتجاوز الرفض الجزائري. على أن الجزائر هي الطرف الرئيسي المعني مادامت تتوفر على كل الوسائل لممارسة الضغوط على البوليزاريو من جهة، ومادامت هي التي تراقب لوجيستيكيا واستراتيجيا كل تحركات البوليزاريو في منطقة إيفني.
تبدو في الكواليس بعض إمكانيات إرضاء الجانب الجزائري من خلال قبول الفكرة القديمة الجديدة التي تهدف إلى تمكين الجزائر من ممر للمحيط الأطلسي، ربما يوفر إمكانيات تصدير النفط الجزائري والغاز نحو الولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أن هذه الأخيرة ستشجع مثل هذا التوجه الذي سيخدم مصالحها الاستراتيجية، ويظهر كذلك أن المخطط الجديد لا يعتبر الجزائر طرفا معنيا بصفة مباشرة وهذا مما يريحها بطبيعة الحال بالنظر إلى التبعات السياسية والقانونية المرتبطة بقضية الصحراء، ولكنه في نفس الوقت يعطيها أهمية كبرى على مستوى التسوية. ويشاع الآن أنه في المرحلة المقبلة إذا تمت موافقة جميع الأطراف على المخطط الجديد فهذا يعني أن المرحلة الانتقالية سوف لن تشهد فقط إمكانية قيام المينورسو بدور معين، بل إمكانية إسناد المراقبة لبعض المراقبين الجزائريين الذين قد يشاركون في مثل هذه العملية، وإن صح هذا التأويل فإنه سيعطي ربما للجزائر دورا لم يسبق لها أن اشترطته منذ نشوب النزاع في منتصف السبعينات. وفي اعتقادي أن كل الأطراف المعنية وصلت الآن إلى عنق الزجاجة بخصوص مشروع التسوية، لأن الأمانة العامة للأمم المتحدة وعلى لسان أمينها
العام كوفي عنان تعتبر أن هذه المرحلة هي جد متقدمة في التسوية لدرجة أنه صرح قائلا "إنني أعتقد أن كل مآلات التسوية الآن تعتمد على الأطراف أنفسهم" بحيث يعتبر الأمين العام أن مسلسل التسوية وصل الآن إلى وضعية تتطلب من الأطراف المعنية اتخاذ مواقف نهائية من قبل هذه الأطراف، وهذا هو السبب الذي جعل مبعوثه الخاص جيمس بيكر يعطي مهلة لها تنتهي في 31 مارس المقبل.
وكيف قرأ المغرب زيارة بيكر الأخيرة
بالنسبة للمغرب هناك وعد صريح من طرف وزير الخارجية المغربي بأن تتم دراسة المشروع الذي عرضه بيكر بروح بناءة، وكلمة "بناءة" في القاموس الدبلوماسي تعني أساسا أن المغرب سوف لن نغير موقفه الذي سبق أن عبر عنه بخصوص المشروع السابق. وأعتقد أنه على الدبلوماسية المغربية أن تدرس بدقة وعناية هذا المشروع لأن نقطة الخط الأحمر التي تفصل بين ما يمكن قبوله من طرف الدبلوماسية المغربية وما يمكن رفضه هو قضية السيادة الوطنية على إقليم الصحراء التي لا يمكن أن يلحقها أي ضرر مع إمكانية التوسع في مجالات الحكم الذاتي التي سوف لن تقتصر في جميع الأحوال فقط على إقليم الصحراء، بل ربما سوف تعمم على باقي الجهات المغربية التي هي 61 جهة في إطار القانون المنظم للجهات، وفي إطار نموذج للتنمية المستديمة يدمج هذه الجهات في آليات تقترب كثيرا من النموذج الفدرالي، أي ذلك الذي تطبقه دول متقدمة مثل الاتحاد السويسري في إطار نظام الكنطونات، أو النظام الألماني الذي يشكل نموذجا متفتحا بالنسبة للمستقبل، وحتى للتعايش مع الآليات المقبلة التي تفترضها التنمية، وعلى وجه الخصوص علاقات الشراكة مع الاتحادات الأجنبية وإقامة مناطق للتبادل
الحر، والتوسع نحو الاستثمار الأجنبي.
وماذا عن قراءة الطرف الجزائري لهذه الجولة
أعتقد أن الموقف الجزائري بخصوص الاقتراح الأخير لجيمس بيكر جاء إيجابيا إلى حد بعيد حسب تقديرات الصحافة الجزائرية وردود فعل في البلدان الغربية، بحيث صرحت الجزائر بأنها ترفض مثلا أن تتهم بأنها تعرقل مثل هذه المشاريع.
وترى في المقابل أنه من الضروري إعطاء الأهمية الكافية لكل الاقتراحات قصد الوصول إلى حل نهائي، وأعتقد أن مثل هذا الموقف، بغض النظر عن أنه يحمل صيغة المراوغة والدهاء السياسي في التعامل مع الموضوع، إلا أنه موقف أقل حدة وأقل تصلبا من ذلك الذي عبرت عنه الجزائر في المناسبات السابقة.
هل هذا يعني أن الجزائر تساهم هي الأخرى في مناورات عبر الكواليس تتدخل فيها أطراف رئيسية من أجل التوسية؟
في اعتقادي أن هناك دولا مهمة تلعب الآن دورا أساسيا في صيانة هذا الموضوع وأخص بالذكر كلا من فرنسا وأمريكا وكذلك إسبانيا التي نعتقد أن مسلسل تعاونها مع كل الأطراف، خاصة الجزائر والمغرب، يفترض ضرورة إيجاد حل عادل ونهائي لهذا المشكل الذي دام أكثر من ربع قرن.
تذهب بعض التحاليل السياسية إلى أن المقترح الأخير لجيمس بيكر يسعى إلى إرضاء الطرف الجزائري ويستهدف في المقابل وحدة المغرب الترابية؟ هل هذا صحيح من وجهة نظركم؟
أنا شخصيا لم أسمع بمثل هذه التحاليل، ولكن أعتقد أنه أن يأتي جيمس بيكر باقتراح جديد ويدخل عليه التعديلات التي يبدو أنها من جهة توسع دوائر الحكم الذاتي، ومن جهة أخرى تتجه نحو إعطاء الجزائر دورا معينا في المرحلة الانتقالية، هذا في حد ذاته قد يضيق الخناق على المغرب شيئا ما في ما يتعلق بهامش المناورة الذي يتوفر عليه في هذا الموضوع، لكن في اعتقادي أنه إذا كانت فترة الحكم الذاتي ستستمر لفترة محدودة، ويشاع الآن أنها ستتقلص إلى أربع سنوات، فهذا يعني أن نهاية هذه الفترة ستتوج بإجراء استفتاء عام يطبق بالنسبة للإقليم ككل وبالنسبة لكل الموجودين على سطح الإقليم، وفي اعتقادي دائما أن مثل هذا الاستفتاء ستكون نتائجه بشكل عام في صالح المغرب.
يسعى الرئيس الفرنسي جاك شيراك حاليا إلى التقريب بين الجزائر والمغرب، في نظركم ما مدى نجاح مثل هذه المحاولة بالنظر إلى حجم مشكلة الصحراء المغربية وانعكاساتها على الطرفين معا.
معلوم أن فرنسا وإسبانيا تتحملان معا مسؤولية خطيرة بالنسبة لملف الصحراء، وماأزال أذكر أن الوثائق التي تتعلق بالسيادة المغربية في حد ذاتها موجودة بين يدي هاتين الدولتين، ولم تسمحا لحد الآن بالإفراج عن تلك الوثائق التي تؤكد بكيفية لارجعة فيها أن إقليم الصحراء ومنذ القديم لم يكن أرضا مواتا، ولم يكن أرضا من دون مالك، ولكنه كان يخضع للسيادة المغربية. وأعتقد اليوم أن من واجب الحكومة الفرنسية ومن جانب الرئيس جاك شيراك على الخصوص أن يأخذ مبادرة إيجابية في هذا المجال وخاصة دعم المساعي السلمية للوصول إلى حل نهائي لهذا المشكل. ففرنسا عضو دائم العضوية داخل مجلس الأمن، ولها إمكانيات ممارسة الضغط في هذا المجال، ولها علاقات قوية مع كل من الجزائر والمغرب، ويمكنها أن تلعب دور الوسيط بين البلدين قصد التوصل إلى الحل. وأكثر من هذا ففرنسا التي هي الآن بقيادة الرئيس شيراك تعبر عن ممارسة مطلقة لليمين للحكم سواء على مستوى رئيس الدولة أو على مستوى الحكومة، أعتقد أن لديها إمكانيات وافرة لأخذ مثل هذه المبادرات والسعي نحو تنفيذها بكل الوسائل، وربما تتوج مثل هذه المبادرات بالتقريب بين وجهتي نظر الطرفين قصد عقد قمة
مشتركة، وحتى تكون الاستفادة من عقد الشراكة الأوروبي بين المغرب والجزائر وأوروبا وكذلك لمنطقة التبادل الحر بشكل يقوم على أساس التنسيق والتعاون بين البلدين الجارين.
لوحظ مؤخرا أن الجزائر تسعى إلى تقوية ترسانتها العسكرية بشكل مثير، الأمر الذي يفسر على أنه قد يشكل خطورة على المغرب، أليس كذلك؟
كل إشكالية ترتبط باختلال توازن القوة الإقليمي في أي منطقة من مناطق العالم إلا وتنعكس سلبيا على علاقات الجوار، وهذه تقريبا قناعة راسخة لدى أغلب المحللين، وخاصة عند أولائك الذين يتبنون منهج المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، ولذلك أعتقد أنه من الخطإ الجسيم أن تباشر بعض من القوى العظمى إلى دعم دولة معينة في إطار مجالها الإقليمي، وضخ الأسلحة بقوة، لأن ذلك سيؤدي إلى اختلال التوازن، وكل اختلال يمكن أن يحسم عن طريق اللجوء إلى الحرب. وقد لاحظنا هذا في العديد من مناطق العالم، فلاحظناه في منطقة الخليج عندما تمكنت العراق من إحداث نوع من التفوق في الأسلحة بفضل عائد البترودولار مما أدى بها إلى تفجير حربين في مدة وجيزة، مع إيران ثم مع الكويت. وهي الآن تعيش في دوامة لا حدود لها من علاقات الحرب، ولاحظناه أيضا داخل أوروبا قبل الحرب العالمية الأولى وقبل الحرب العالمية الثانية عندما تفوقت ألمانيا على جيرانها. وكذلك من الخطإ الجسيم أن تمارس الدول الكبرى هذه اللعبة لدعم الجيران لمواجهة بعضهم البعض من حيث شراء أو بيع الأسلحة، والمصيبة الكبرى هي أن هذه البلدان التي تنفق مبالغ طائلة في شراء الأسلحة تقوم
بذلك على حساب الحاجيات الأولية للتنمية المستديمة. فالجزائر تعرف دينا خارجيا يفوق 22 أو 23 مليار من الدولارات، وساكنتها تعيش أوضاعا سيئة على المستوى الاجتماعي والإنساني والاقتصادي، وأوضاع البيئة جد متردية ومع ذلك فالجزائر تنفق أموالا جد طائلة في شراء الأسلحة، والخلاصة أن هناك تفوقا ملحوظا الآن على مستوى توازن القوة الإقليمي، وفي اعتقادي أن مثل هذه الوضعية تفسر من قبل الأمريكيين بشكل يتضمن الكثير من المرونة، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية التي أصيبت بنكسة 11 شتنبر 2001 تعتبر بأنه مادامت الجزائر تطالب بهذه الأسلحة لمواجهة الإرهاب بالداخل فإن طلباتها مبررة، وبالتالي يمكن أن تستجيب لها الحكومة الأمريكية، وقد لاحظنا عند زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط وليام بيرنز الأخيرة أنه حاول إحداث نوع من التوازن في علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بكل من المغرب والجزائر. ففي الوقت الذي دعم فيه العلاقات التاريخية للمغرب مع بلاده بخصوص علاقات التعاون الاقتصادي والسياسي وإقامة منطقة للتبادل الحر، سافر إلى الجزائر ليعدها بدعم لامحدود من الأسلحة لمقاومة الإرهاب، وهذا يدخل في إطار
السياسة الأمريكية التي تحاول أن تجد لها موطئ قدم داخل القارة الأفريقية وفي شمالها بالضبط، ويدخل في إطار منافسة أوروبا على منطقة نفوذ جديدة، وهذا أصبح أمرا معروفا الآن في السياسة الأمريكية في مختلف مناطق العالم.
ألا يمكن القول إن ما يشبه التحالف الأمريكي الجزائري حاليا قد يشكل هو الآخر تهديدا لمصالح المغرب الاستراتيجية، ومستقبل العلاقات المغربية الأمريكية؟
من الصعب جد الآن أن نتحدث عن تحالف أمريكي جزائري، والأصل أنه ليس هناك تحالف بقدر ما هنالك مصالح مشتركة بين الطرفين، فنحن نعلم جيدا أن الولايات المتحدة الأمريكية تستورد كميات هائلة من الغاز الطبيعي ومن البترول من الجزائر وهي تشكل ما نسبته 9% من وارداتها من مناطق العالم المختلفة، والشركات الأمريكية الكبرى مدعوة للقيام باستثمارات مهمة في هذا المجال بالجزائر، ويضاف إلى ذلك أن السياسة الأمريكية وهي السياسة الواقعية تقوم أصلا على أساس أنه ليس هناك مبادئ دائمة ولكن هناك مصالح مشتركة على أساسها يمكن أن تحسم كل القضايا التي تعرفها علاقات الطرفين.
لا يمكن الحديث عن العلاقات المغربية الجزائرية دون الحديث عن الاتحاد المغاربي؟ في نظركم كيف تتوقعون عودة الفاعلية لهذا الكيان أمام استمرار الجزائر في معاكسة وحدة المغرب الترابية؟
للأسف الشديد فقطار اتحاد المغرب العربي توقف منذ مدة، وتوقفه جاء في ظل ظروف مطبوعة بالتوتر السياسي بالأساس، خاصة في ما يتعلق بقضية الصحراء، لكن خارج قضية هذه الأخيرة يمكننا أن نلاحظ أن السياسة المغاربية لا تعرف أي حد أدنى من التنسيق، ويمكننا أن نقول هنا مرة أخري إن أزمة اتحاد المغرب العربي تجد عمقها في تفاعلات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المغاربية. ومادامت البلدان المغاربية عاجزة عن سلوك تطبيق ديموقراطي سليم يعطي الحق للمواطنين المغاربيين في أن يقولوا كلمتهم في كل ما يتعلق بمستقبلهم فستبقى الأوضاع على ماهي عليه، خاصة وأننا نعيش في منطقة تعرف فسيفساء، أحيانا متناقضة على مستوى التشكيل السكاني وعلى مستوى الاختيارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ومن ذلك أن المغرب يؤمن بالملكية الدستورية وبالديمقراطية القائمة على التعددية ويمنع الحزب الواحد، بينما الجزائر وبرغم انتهاء الحزب الواحد بها، إلا أن المؤسسة العسكرية حلت محل جبهة التحرير الجزائرية، وتونس تعرف نظاما يتميز بنوع من التوجه نحو التحكم في السلطة بشكل يهمش الأحزاب السياسية ويهمش ظاهرة التعددية. وتعيش ليبيا نظاما ليس
جمهوريا ولكنه جماهيري له خصوصياته ولم يسبق له مثيل في التاريخ ويقوم على المؤتمرات الشعبية وعلى دور القائد واللجان. وتبقى موريطانيا حلقة ضعيفة في المنطقة وتأثيراتها جد محدودة. ولذلك فهذا التنوع في فسيفساء التشكيل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للمنطقة يلعب في حد ذاته دورا أساسيا في عرقلة مسيرة الاتحاد المغاربي، وعلينا أن نذكر جيدا أنه في أوروبا لم تتحقق الوحدة الأوروبية إلا بفضل التناسق السياسي بين الأنظمة، ولم تقبل كل من إسبانيا والبرتغال بالاتحاد إلا بعد نهاية الحكم الدكتاتوري وبعد دخول هذه البلدان معركة ديموقراطية حقيقية قائمة على التعددية والليبرالية واحترام حقوق الإنسان. وبالتالي فإن الأسباب الموضوعية في نظري لعرقلة بناء اتحاد مغرب عربي قوي هي كامنة في وضعية المجتمع السياسي والمدني بهذه البلدان. وبطبيعة الحال فإن قضية الصحراء تلعب دورا أساسيا في كبح جماح مواقف القيادات السياسية في السير بعيدا نحو الاندماج، وأعتقد أنه من الخطإ الجسيم الاستمرار في هذا الوضع على ما هو عليه حيث ستؤدي الأجيال المقبلة ثمنه بشكل مكلف جدا، لأن مستقبل المغرب العربي لم يعد بمثابة الترف الكمالي الذي تطمح إليه
الشعوب في تحقيق التناسق، بل هو ضرورة حتمية للبقاء على قيد الحياة. فنحن في مواجهة تكتلات وقلاع اقتصادية كبرى لا حدود لها. ومن ذلك أن أوروبا التي كنا نعرفها بأوروبا الست أصبحت الآن خمسة عشر دولة وستصبح 25 دولة في سنة 2004، والولايات المتحدة الأمريكية التي نتعامل معها كقطب منفرد قد وسعت دائرتها نحو كل من المكسيك وكندا وستوسعها نحو مناطق أخرى كالشيلي على مستوى مناطق التبادل الحر، ونفس الشيء يمكن أن نقوله على مستوى الدول الأسيوية والتركيز الذي تقوده الصين أو اليابان التي هي في حد ذاتها كتلة اقتصادية. والخلاصة أنه أن مادام يتعامل مع هذه القوى بمنطق الدول المنفردة فمعناه أننا نرتكب أخطاء استراتيجية لا تغتفر ونحن نجني نتائج أخطائنا السلبية يوما بعد يوم، ولذلك فكل يوم تآخر فيه إقلاع حقيقي لقطار المغرب العربي إلا وسنؤدي ثمنه غاليا سواء على الصعيد الاستراتيجي أو على صعيد رهانات التنمية الاقتصادية أو على مصالح ساكنة البلدان المغاربية التي ستكتوي خاصة بالنسبة للأجيال القادمة بآثار مثل هذه التصرفات.
يعاب على الدبلوماسية المغربية أنها دبلوماسية غير فاعلة مقارنة مع نظيرتها الجزائرية الأمر الذي يؤثر على ملف الصحراء بشكل سلبي وعلى بناء وحدة مغاربية قوية، هل هذا صحيح؟
بالنسبة لقضية الصحراء أعتقد أن الأخطاء التي ارتكبت على مستوى الدبلوماسية المغربية هي تلك التي عاشتها هذه الدبلوماسية في السبعينيات والثمانينيات على الخصوص، بحيث كان هناك اعتقاد راسخ أنه بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية وتوقيع اتفاقية مدريد واسترجاع المغرب للصحراء، اعتبرت تلك الدبلوماسية أن ملف الصحراء قد انتهى، في حين اعتبرت الدبلوماسية الجزائرية أن الملف نفسه قد بدأ وشرعت في إيفاد بعثات شابة وناشطة إلى العديد من الدول في إفريقيا وآسيا وخاصة وسط إفريقيا واستطاعت بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة أن تخترق تلك المجالات بقوة مما من أثر سلبا على موقعنا الدبلوماسي داخل منظمة الوحدة الإفريقية وأدى بنا إلى الانسحاب منها، وكان ذلك ضربة موجعة للدبلوماسية المغربية في هذا المجال. ولكننا الآن لاحظنا أن هناك تقدم محمود في أداء الدبلوماسية المغربية التي استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تنتزع نوعا من التراجع عن الاعتراف بالجمهورية الوهمية لدى العديد من دول أمريكا اللاتينية وإفريقيا، وهذا مكسب سياسي يعتد به، وإذا سارت وتيرة هذه المكاسب في تصاعد فإنه يمكن أن نجني ثمارها قريبا بعودة مظفرة
إلى منظمة الوحدة الإفريقية، وباكتساب موقع قوة في علاقاتنا مع هذه البلدان التي كان ينبغي أن تربطنا بها، أكثر من الجزائر، علاقات وثيقة وقوية. والآن أرى أن الرهان الحقيقي اليوم لم يعد مرتبطا بشساعة السلوك السياسي في مناطق بعيدة من العالم، بل أصبحت الاستراتيجية والمنهج السليم يفترض التركيز على دول محددة واضحة وهي الدول الأعضاء داخل مجلس الأمن، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وإسبانيا. والتركيز على هذه الدول في نظري يمكن أن يحمل ثمارا طيبة في المستقبل القريب. وأعتقد أن القرار الحكيم الذي اتخذه العاهل المغربي بتمكين صيادي منطقة كاليسيا الإسبانية من الصيد في المياه المغربية لفترة محددة وبغير مقابل مادي في الشواطئ المغربية هو قرار حكيم، ولاحظنا أن نتائجه الإيجابية تمثلت في الانفتاح غير المسبوق في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية المغربية الإسبانية التي ربما سنجني نتائجها الإيجابية قريبا على المستويات الأخرى بما في ذلك ملف الصحراء المغربية.
حاوره:
عبد الرحمان الخالدي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.