قد تدخل العلاقات المغربية الجزائرية منعطفًا جديدًا اذا ما أعيد فتح الحدود بين البلدين المغلقة منذ 14 عامًا. وآخر هذه النداءات جاءت على لسان وزير الخارجية المغربي الطيب الفاسي الفهري، إذ أكد، في تصريحات صحافية، أهمية العلاقات التي تجمع بين الشعبين المغربي والجزائري. وقال إن المغرب متشبث بتطبيع العلاقات مع الجزائر، خاصة من خلال إعادة فتح الحدود، مشيرًا إلى أن المملكة على استعداد للتعاون على المستوى الثنائي مع الجزائر من أجل التوصل إلى حل لقضية الصحراء المغربية في إطار الأممالمتحدة، طبقًا لنداء مجلس الأمن. "" وتعليقًا على إبداء الجانب المغربي إستعدادًا للحوار والتعاون قال "السعيد بوحجة" الناطق باسم جبهة التحرير الجزائرية في تصريحات خاصة ل "إيلاف"، إنّ الجزائر مع مبدأ الدخول في "حوار إيجابي" يتولى الحسم في قضايا الخلاف الاساسية بين البلدين، وأوضح في الحديث عن فتح الحدود ان "على كل طرف تحمل مسؤولياته"، معتبرًا أنّ قرار غلق الحدود ينسجم مع مبدأ "الوقاية خير من العلاج"، في إشارة منه إلى نظر الجزائر بعين الريبة إلى ما شهدته الحدود من نشاط مكثف ل "شبكات الإرهاب والمخدرات والإجرام". ومن المغرب يرى أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي تاج الدين الحسيني، الذي قال بأن "مسألة إغلاق الحدود غير مقبولة"، مشيرًا إلى أنه "وضع غير منطقي، ولا قانوني، ولا إنساني". وذكر تاج الدين الحسيني، في تصريح ل "إيلاف"، أن "المغرب يعتبر أن إغلاق الحدود يكبد البلدين مليار دولار في بضعة أشهر فقط". وعلى الرغم من الإيجابية في تصريحات الطرفين قال "السعيد بوحجة" أنّ "الطرف الآخر غير واع بالمسؤولية"، محمّلاً الرباط مسؤولية بقاء اللجان المشتركة دونما تفعيل، وهو ما أعاق معالجة كل القضايا المطروحة بشكل نهائي، تمامًا مثل معضلة الصحراء التي لا يزال التفاوض فيها بين المغرب وجبهة بوليساريو يراوح مكانه رغم عديد الجولات التي تمت تحت الرعاية الأممية إلى حد الآن. وبدوره يتسائل "الحسيني" عن كيفية تحريك قطار إتحاد المغرب العربي في ظل إستمرار الخلاف بين المغرب والجزائر، اللذين يعدان قطبين أساسيين في المنطقة. وأضاف أنه "في حالة إجراء استفتاء فإن أكثر من 80 في المئة من الجزائريين سيصوتون لصالح إعادة فتح الحدود"، مشيرًا إلى أن "الجزائر تريد أن تلقي باللائمة على المغرب، على اعتبار أنه أول من بادر إلى إغلاق الحدود سنة 1994". وخلص إلى القول بأن "هذا الوضع غير عادي ويتعارض مع مصالح وإرادة شعبي البلدين". يشار الى ان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، شدّد على أنّ نزاع الصحراء لن يشكل حجر عثرة بين الجزائر والمغرب، وأوضح في حديث صحفي: "قلتها وأعيدها، مسألة الصحراء لن تكون عقبة أمام تطوير العلاقات بين بلدينا"، وأبدى بوتفليقة أمله بتوصل الرباط وجبهة بوليساريو لحلّ دبلوماسي ينهي المعضلة المزمنة. كما قال بوتفليقة، إنّ بناء اتحاد المغرب العربي يتطلب وقتًا، على الرغم من وجود إرادة سياسية لإقامة هذا الصرح الذي يظلّ مجمّدًا للعام الخامس عشر على التوالي. وسبق ل"عبد العزيز بلخادم" زعيم جبهة التحرير ووزير الدولة الممثل الشخصي للرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة"، أن أكّد على بقاء حدود بلاده مع المغرب "مغلقة إلى حين ضبط الأمور" على حد تعبيره. وصرّح بلخادم: "لا ينبغي أن تتحمل الجزائر مسؤولية غلق الحدود دون ذكر السبب الذي أدى إلى ذلك"، بينما قال وزير الداخلية الجزائري "نور الدين يزيد زرهوني"، مؤخرًا، أنّ الجزائر لا تزال تحلم ببناء مغرب عربي كبير، وتكافح لأجل تجسيد هذا المسعى. وكان مصدر دبلوماسي مغاربي قد كشف قبل فترة، أنّ الدول الخمس المشكّلة للاتحاد المغاربي: الجزائر- المغرب – تونس- ليبيا وموريتانيا، تعكف حاليا على دراسة مشروع مبادرة جديدة تقوم على تأسيس تكتل اقتصادي جهوي يكفل الاندماج الإقليمي، ويكون شبيها بنواة الاتحاد الأوروبي، وستغدو في حال نجاحها بديلة عن الاتحاد المغاربي المولود سنة 1989 والموجود في غرفة الإنعاش منذ العام 1994. وبحسب المصدر ذاته الذي فضّل التكتم على هويته، فإنّ هناك ثمة اتجاه يلقى إجماع دول المنطقة لبعث مشروع يراجع تجربة الاتحاد المغاربي ويستفيد من أخطائه، لافتا إلى أنّ الاتحاد في شكله المعروف تجاوزه الزمن، سيما بعد الركود الذي طبع حركية أقطابه ما أدى إلى تقويض كل الجهود لإخراجه من عنق الزجاجة على مدار الأحد عشر سنة الماضية. وكان المغرب سباقًا إلى الدعوة للتخلي عن فكرة الاتحاد المغاربي بشكله الحالي، وقال العاهل المغربي محمد السادس في إحدى رسائله إلى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، إنّ الرباط مهتمة بإنشاء اتحاد مبني على التكامل والاندماج الاقتصادي كخيار استراتيجي يتكيف مع الظرف الحالي المتسّم بالتكتلات الجهوية والإقليمية". ويتصور محللون، أنّ معضلة الصحراء، ستبقى القنبلة التي ستنسف أي تجربة في المنطقة المغاربية، بالمقابل، يتوقع قطاع آخر من المراقبين إلى أنّ المشكلة المذكورة يمكن تجاوزها عبر المشروع المرتقب الإعلان عنه في غضون الفترة القادمة. وتعد قضية الصحراء أكبر سبب لتوسع هوة الخلاف بين المغرب والجزائر، وأدى هذا النزاع المفتعل إلى دخول اتحاد المغرب العربي في موت سريري منذ عدة سنوات. وكان اتحاد المغرب العربي، الذي حمل حلم توحيد الشعوب العربية، تأسس في 17 شباط (فبراير) 1989 في مدينة مراكش في قمَّة تاريخية جمعت العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني والرؤساء الجزائري الشاذلي بن جديد، والليبي معمر القذافي، والتونسي زين العابدين بن علي، والموريتاني معاوية ولد سيدي أحمد الطايع. يذكر أن إقفال الحدود البرية بين المغرب والجزائر، اتخذ عام 1994 عقب هجوم شن على فندق "أطلس آسني" بمدينة مراكش، خلف قتلى وجرحى في صفوف السياح بينهم إسبان، ووجهت أصابع الاتهام إلى عناصر من أصل جزائري بتخطيط، وتنفيذ الهجوم الذي قيل آنذاك أنه استهدف استقرار المغرب وأمنه. وسبق أن أجريت أربع جولات تفاوض رسمية في منهاست (ضاحية نيويورك) بين المغرب والبوليساريو، لكنها لم تنجح في تقريب وجهات النظر والتوصل إلى تسوية. وعقد اجتماع غير رسمي، في 10 و11 آب (أغسطس) قرب فيينا بين وفدي المغرب والبوليساريو بمبادرة من المبعوث الخاص للأمم المتحدة كريستوفر روس. وشارك ممثلون للجزائر وموريتانيا في الاجتماع.