ساعات قليلة بعد دعوة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الطيب الفاسي الفهري الجزائر إلى فتح الحدود بين البلدين، المغلقة منذ 1994، سارع بعض سكان المنطقة الشرقية والتجمعات السكنية القريبة من الحدود إلى معبر زوج بغال الفاصل بين البلدين للتحقق مما إذا كانت الحدود قد فتحت بالفعل، ولم تتأخر الشائعات في المجيء سريعا هي الأخرى، إذ انتشر وسط الوجديين خبر زائف يقول إن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة أيد دعوة المسؤول المغربي إلى فتح الحدود، في القناة التلفزية الجزائرية الرسمية. حدود مهجورة المؤكد أن رجال الأمن المغاربة المرابطين في النقطة الحدودية شبه المهجورة لم يواجهوا يوما من العمل منذ سنوات مثلما حصل لهم أول أمس، إذ كانت مجموعات من الأشخاص تتوافد على المنطقة للتأكد من الخبر، خصوصا أن مقهى جديدا، أنشئ قريبا جدا منها، ظل طيلة اليوم يستقبل الزبائن والفضوليين. فقد كثفوا مراقبتهم بشكل قوي لمنع التقاط الصور للنقطة الحدودية التي لم تكن سوى عبارة عن علامات للسير نزعت من مكانها طالما أنها لم تعد صالحة لتنظيم المرور بين البلدين، وبعض الأحجار، ولوحة كبيرة بيضاء كتب عليها «المنطقة الحدودية زوج بغال». ووقفت شابة تحاول أخذ صورة للمكان بهاتفها النقال، لكن إثنين من رجال الأمن ركضا نحوها متسابقين وانتزعا منها المحمول ثم أفرغا الصور التي به قبل أن يرداه إلى صاحبته، وعندما حاولت «المساء» التقاط صورة لوح رجل أمن من بعيد مطالبا بالتوقف، وعندما علم أنني صحافي قال: «لدينا تعليمات صارمة هنا بمنع التصوير»، وأضاف أنه مستعد لإدخالي إلى قلب المنطقة الحدودية حتى مشارف المركز الحدودي الجزائري في الجانب الآخر في حال تقديم ترخيص رسمي يسمح بالتصوير. غير أن الحصول على إذن رسمي يتطلب تجاوز جميع التراتبيات الإدارية إلى وزير الداخلية شكيب بنموسى شخصيا، لأن المنطقة أكبر من مجرد حاجز ترابي بل هي علامة تماس بين بلدين يتقاسمان الكثير من الخلافات وينظران إلى أقل شيء بكثير من الحساسية والحذر الدبلوماسي. وكان المغرب قد طالب بشكل رسمي بفتح الحدود بين البلدين، وقال وزير الشؤون الخارجية والتعاون الطيب الفاسي الفهري الجمعة الماضية، عقب فشل الجولة الرابعة من مفاوضات مانهاست بين المغرب والبوليساريو، إن المغرب ينتظر الفرصة لتعميق العلاقات مع الجزائر قصد تطبيع العلاقات الثنائية بفتح الحدود، لكن الجزائر رفضت الدعوة على لسان وزيرها في الخارجية نور الدين يزيد زرهوني الذي قال أول أمس السبت إن بلاده ترى قضية فتح الحدود مع المغرب مرتبطة باتفاق عام وشامل لتحسين العلاقات المتوترة بين البلدين، بما فيها مسألة الصحراء، لتبقى قضية فتح الحدود معلقة إلى حين. وبينما رفض رجل أمن الإدلاء بأي شيء يهم الموضوع، مكتفيا بالقول إنه «لاشيء يذهب ولا شيء يأتي» على جانبي الحدود بين البلدين، عبر الكثيرون ممن قابلتهم «المساء» في النقطة الحدودية عن خيبة أملهم من تضييع الجزائر لهذه الفرصة مرة أخرى، بعد سلسلة من المحاولات التي بذلها المغرب، وشككوا في احتمال التجاوب الجزائري مع المبادرة المغربية بسبب ثقل الخلافات الثنائية وتعدد الملفات المعلقة بينهما، وخاصة قضية الصحراء. نقاط حدودية يطلق سكان المنطقة الشرقية على منطقة زوج بغال اسم «الحدادة»، أي الحدود باللهجة المحلية، ويمكنك أن ترى على بعد مسافة قليلة منها بلدة العقيد لطفي، وهي أقرب تجمع سكني جزائري من الحدود المغربية، وبعدها مدينة وهران التي لم تكن حركة المرور تنقطع بينها وبين وجدة في السابق. لكن زوج بغال ليست سوى النقطة الحدودية الأكبر بين المغرب والجزائر، والتي عبر منها الحسن الثاني والشاذلي بنجديد نحو الجزائر عبر القطار في نهاية الثمانينات بعد توقيع معاهدة اتحاد المغرب العربي، إذ هناك نقاط حدودية صغرى كانت تشهد حركة يومية في الماضي، هي معبر أحفير ومعبر بني ادرار ومعبر تويسيت قرب قرية سيدي يحيى بين وجدة والسعيدية. ويقول سكان المنطقة إن الوضع الاقتصادي يتوقف على فتح الحدود مع الجزائر بعد 14 سنة من الكساد الذي ضرب المنطقة التي أصبحت تعيش على التهريب عبر الجزائر ومليلية. وقال نور الدين لشلق، النادل بمقهى «ليطاب» التي أنشئت قبل ثلاث سنوات قرب النقطة الحدودية، إن فتح الحدود سوف ينعش الحركة التجارية بالمنطقة ويخلق مناصب شغل جديدة ويضع حدا لمعاناة السكان، خصوصا البسطاء الذين كانوا يعيشون على التجارة بين البلدين والنقل بين الحدود. أما العاقل رشيد، وهو موظف بسيط يعمل في نفس الوقت في تحويل العملات، فيتذكر أن عدد الأشخاص الذين كانوا يعبرون الحدود بين البلدين حتى بداية التسعينات كان يتجاوز عشرة آلاف شخص، خصوصا يومي الخميس والجمعة اللذين يعتبران يومي عطلة أسبوعية في الجزائر، وقال إنه كان يربح الكثير من تحويل الدينار والأورو عندما كانت الحدود مفتوحة. ونفس الرأي يعبر عنه آيت الكرطيط مصطفى الذي يقول إن المنطقة تفتقر إلى المعامل والمصانع لامتصاص البطالة في أوساط الفئات النشطة، وقال إن إغلاق الحدود دفع العديد من شباب المنطقة إلى الهجرة نحو أوروبا كما دفع بعض التجار وأصحاب الفنادق إلى بيع محلاتهم للتخلص من ثقل الضرائب، بعد الكساد العام الذي أصاب المنطقة. وقال آيت الكرطيط إن فنادق وجدة في الماضي كانت تمتلئ عن آخرها مما يضطر بعض الأسر إلى إخلاء غرف داخل بيوتها لإيواء الجزائريين، خاصة في الأوقات التي تصل فيها زيارة الجزائريين للمنطقة إلى ذروتها، مثل العطلة الأسبوعية والمناسبات الدينية، حيث يتقاطر عشرات المئات من المواطنين الجزائريين على منطقة العيونالشرقية التي تحتضن ضريح سيدي بوعمامة، أحد شيوخ الطريقة الشيخية الشاذلية. ووصف سائق سيارة أجرة إغلاق الحدود بين البلدين بالكارثة التي أصابت المغاربة والجزائريين على الجانبين معا، وقال: «إذا كان هناك سلم فمن الأفضل أن تفتح الحدود لنرتاح، أما إذا لم يكن هناك سلم فيجب أن تبقى مغلقة»، ثم تحول إلى محلل سياسي وقال: «الوضع الذي تعيشه وجدة يشبه الوضع الذي تعيشه جميع المدن التي تكون على الحدود بين بلدين في العالم، انظر إلى الولاياتالمتحدة والمكسيك». لكن قضية فتح الحدود تتجاوز الشق التجاري والاقتصادي إلى البعد الإنساني، فالعديد من العائلات المغربية والجزائرية المرتبطة في ما بينها بالمصاهرة ترى في الإغلاق مأساة إنسانية وعائلية، إذ إن الكثير من هذه العائلات لم يتبادل الزيارات منذ أكثر من عشر سنوات، بسبب الحراسة المشددة على الحدود. ويقول بعض سكان المنطقة إن رسم الحدود بين البلدين قبل أكثر من خمسين عاما قسم عائلات كثيرة، وجد بعضها نفسه داخل هذا الشريط الحدودي أو ذاك.