إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    المغرب ينجح في توقيف فرنسي من أصل جزائري مبحوث عنه دولياً في قضايا خطيرة    التحولات الهيكلية في المغرب.. تأملات في نماذج التنمية والقضايا الاجتماعية الترابية" محور أشغال الندوة الدولية الثانية    الأسير الإسرائيلي الذي قَبّل رأس مقاتلين من "القسام" من أٌصول مغربية (فيديو)    افتتاح أخنوش رفقة ماكرون للمعرض الدولي للفلاحة بباريس يشعل غضب الجزائر    تذكير للمغاربة: العودة إلى الساعة القانونية    نهضة بركان يحسم لقب البطولة بنسبة كبيرة بعد 10 سنوات من العمل الجاد    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    مقتل شخص وإصابة عناصر شرطة في "عمل إرهابي إسلامي" في فرنسا    الجيش والرجاء يستعدان ل"الكلاسيكو"    تمارة.. حريق بسبب انفجار شاحن هاتف يودي بحياة خمسة أطفال    التعادل يحسم مباراة آسفي والفتح    اختتام رالي "باندا تروفي الصحراء" بعد مغامرة استثنائية في المغرب    منتخب أقل من 17 سنة يهزم زامبيا    انطلاق مبادرة "الحوت بثمن معقول" لتخفيض أسعار السمك في رمضان    توقيف عميد شرطة متلبس بتسلم رشوة بعد ابتزازه لأحد أطراف قضية زجرية    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    الملك محمد السادس يهنئ العاهل السعودي    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    توقعات أحوال الطقس ليوم الاحد    "مهندسو طنجة" ينظمون ندوة علمية حول قوانين البناء الجديدة وأثرها على المشاريع العقارية    المغرب بين تحد التحالفات المعادية و التوازنات الاستراتيجية في إفريقيا    تجار سوق بني مكادة يواجهون خسائر كبيرة بعد حريق مدمر    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    الصويرة تحتضن النسخة الأولى من "يوم إدماج طلبة جنوب الصحراء"    البطلة المغربية نورلين الطيبي تفوز بمباراتها للكايوان بالعاصمة بروكسيل …    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومميزة في مكافحة الإرهاب    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط محاولة تهريب مفرقعات وشهب نارية بميناء طنجة المتوسط    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاتحاد المغاربي بعد «الربيع العربي»: قنابل موقوتة وحروب استنزاف جديدة

بعد 55 سنة من مؤتمر طنجة الذي جمع قادة الأحزاب الوطنية، في كل من تونس والجزائر والمغرب، وتعهد بإنجاز «الوحدة المغاربية في أقرب وقت»، تتنوع التوترات الأمنية والسياسية بين دول شمال أفريقيا، إلى حد إلغاء سحب السفراء، وإلغاء زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنطقة.
وبعد نحو ربع قرن من قمة مراكش «التأسيسية للاتحاد المغاربي»، في فبراير (شباط) 1989، بمشاركة قادة الدول المغاربية الخمس، يبدو تحقيق شعار «الحلم الوحدوي المغاربي» الذي رفعه المصلحون والمناضلون الوطنيون، خلال القرن الماضي، بعيدا جدا.
لقد برزت «قنابل موقوتة» وصراعات «استراتيجية» جديدة، ارتبط الكثير منها بعجز ساسة «الدولتين الكبريين»، الجزائر والمغرب، عن التخلص من مضاعفات «حروب الاستنزاف الحدودية» الموروثة عن عقود الاحتلال، وعلى رأسها الصراع العنيف منذ 1975، حول الصحراء.
وبعد الآمال التي علقت على مساهمة «الربيع العربي» في التقريب بين العواصم المغاربية، زاد الوضع تعقيدا، وتعمقت الهوة، وتباينت الأجندات، رغم «الشعارات الجميلة» التي تردد هنا وهناك.
فإلى أين تسير المنطقة المغاربية؟ وهل سيغير ساستها أولوياتهم بعد تأكدهم من حجم الخسائر المالية والتنموية الهائلة التي تتسبب فيها سياساتهم «العدائية» بعضهم لبعض، ومن «الكلفة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية» الباهظة جدا لعدم إنجاز آلاف القرارات والتوصيات «الوحدوية» الصادرة خلال العقود الماضية، عن القادة والوزراء والخبراء في الدول الخمس؟
ينبغي الإقرار أولا بكون حصيلة مسيرة مؤسسات العمل المشترك في المنطقة المغاربية لم تكن دوما سلبية، فقد أسفرت مئات، وربما آلاف، من اجتماعات الخبراء والمديرين والوزراء والقادة، خلال السنوات الخمس والخمسين الماضية، عن تطوير العلاقات البينية مغاربيا، وخصوصا بين كل من تونس وليبيا، وتونس والجزائر، والمغرب والجزائر.
ومن خلال المتابعة الدقيقة لتطورات الشراكة الثنائية والجماعية بين الدول المغاربية الخمس، يتضح أن الإخفاقات السياسية الوحدوية لم تمنع تطوير المشاريع المشتركة بالجملة في مختلف القطاعات، والاستفادة من الإعفاءات الجمركية والتسهيلات والامتيازات التي منحتها الاتفاقيات واللجان العليا المشتركة ومؤسسات العمل الثنائية والمغاربية التي ما تزال ترعاها الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي في الرباط والهيئات التي تشرف عليها، وبينها مؤسسات مالية وإدارية عليا وجهوية يدعمها عدد هائل من الخبراء والفنيين وصناع القرار الحكومي والخاص.
ورغم غلق الحدود الجزائرية المغربية منذ أغسطس (آب) 1994، والأزمات الأمنية والسياسية، فإن المغرب هو الشريك التجاري العربي والمغاربي الأول للجزائر، حسب إحصائيات المبادلات الرسمية في البلدين.
في الوقت عينه، تؤكد تقارير أمنية واقتصادية متفرقة أن ملايين السكان في الجزائر والمغرب يعيشون في المحافظات الحدودية للبلدين من «التجارة الموازية»، ومن «التهريب»، وما يسمى «الاقتصاد الموازي» أو «السوق السوداء».
وتتكرر الظاهرة نفسها بحجم أكبر في المحافظات الحدودية التونسية الجزائرية، والتونسية الليبية، حيث أصبحت «التجارة الموازية» و«صناعة التهريب» من بين «آليات التشغيل والتنمية» المسموح بها رسميا من قبل سلطات البلدان الثلاثة، إلى درجة أصبحت فيها تقديرات جامعية وإعلامية وشبه رسمية تونسية وليبية وجزائرية، تتحدث عن كون قيمة المبادلات الرسمية بين تونس وكل من جارتيها ليبيا والجزائر تفوق بخمسة أضعاف، الأرقام الرسمية التي تحوم حول مليار دولار بالنسبة لكل بلد.
وتقدر مصادر تونسية شبه رسمية عدد العاملين في قطاع «التهريب» مع ليبيا والجزائر، بأكثر من نصف مليون مواطن، أي أن ما لا يقل عن عشر السكان في تونس يعتمدون في مورد رزقهم على المبادلات التجارية البينية «غير القانونية»، وعلى المواد «الآسيوية» المهربة من جمارك الدول المغاربية.
وفي قطاعات السياحة والعلاج الخاص والخدمات، تقدر المصادر الرسمية أن تونس وحدها تستقبل سنويا، منذ عقود، ما بين مليونين وأربعة ملايين سائح مغاربي غالبيتهم من ليبيا والجزائر، يؤكد الجميع أنهم يجلبون معهم إلى تونس وإلى الاقتصاد الموازي مليارات من الدولارات، ويساهمون في إحداث عشرات آلاف مواطن الرزق الإضافية.
وتتكرر الظاهرة نفسها بين المغرب والجزائر، إذ تؤكد إحصائيات مؤسسات الطيران والسياحة والأعمال، تنقل عشرات آلاف المسافرين والسياح الجزائريين والمغاربة في الاتجاهين جوا، رغم غلق الحدود البرية.
تحديات لكن المؤشرات الإيجابية الكثيرة لا ينبغي أن تحجب حقائق مؤلمة أكدها غالبية الجامعيين والساسة من البلدان الخمسة مرارا، على رأسهم الدكتور عبد الجليل التميمي مدير «مؤسسة التميمي للدراسات»، الذي نظم مؤتمرا دوليا عن «الخسائر الاقتصادية والاجتماعية» بسبب تعثر إنجاز الاتحاد المغاربي، تحت عنوان «كلفة اللامغرب». وأكدت الورقة الختامية لهذا المؤتمر الدولي أن «الكلفة ثقيلة جدا: حرمان دول المنطقة من أكثر من نقطتين في نسب النمو ومئات الآلاف من فرص التشغيل الجديدة».
لا بد من التسليم أولا بأن الساسة في البلدان المغاربية كانوا سباقين منذ 1958 إلى إعلان الإرادة السياسية للوحدة، خلال لقاء الزعامات التاريخية لأحزاب التحرير في مؤتمر طنجة التاريخي.
في هذا السياق أيضا، أكد الدكتور توفيق البشروش أن «التجارة الخارجية والعلاقات المغاربية تتأثر سلبا بعجز السياسيين عن بناء الاتحاد المغاربي»، بينما أكد مصطفى الفيلالي، الوزير في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة ثم المسؤول عن آلية التنسيق بين الدول المغاربية في تونس، أن «قادة حكومات الاستقلال وبناء الدولة الحديثة لم ينجحوا في بناء توافق مغاربي يمكنهم من تكريس القرارات الإدارية والحكومية، والتوصيات الطموحة الخاصة بتفعيل الشراكة الاقتصادية».
حلقة مفرغة ويرى كثير من الخبراء والسياسيين أن «الدوران في حلقة مفرغة» بدأ منذ إعلان الرباط غلق حدودها مع الجزائر المضطربة أمنيا، مما أعاد المشروع المغاربي إلى «المربع الأول» على حد تعبير الأستاذة الجامعية الليبية الدكتورة فايزة يونس الباشا.
ويربط المؤرخان عبد اللطيف الحناشي، وخالد عبيد، بين تعثر تحقيق الاتحاد الاقتصادي والسياسي والأمني، و«مربع حروب الاستنزاف بين الشقيقتين الجزائر والمغرب، بسبب الخلافات الحدودية الموروثة عن التقسيم الاستعماري للمنطقة عشية استقلال تونس والمغرب، ومربع النزاع حول الصحراء الغربية، وتناقضات المواقف من جبهة البوليساريو التي تعمل منذ أواسط عقد السبعينات من القرن الماضي، على الانفصال عن المغرب وتأسيس (جمهورية عربية صحراوية) تتخذ قيادتها منذ عقود مخيمات «البوليساريو» في تيندوف (جنوب غربي الجزائر) مقرا دائما لها».
ولفت الجامعي والناشط الحقوقي التونسي جلول عزونة، الانتباه إلى ما وصفه بتسبب «معضلة الصحراء الغربية» في عرقلة مسار تفعيل الآلاف من «قرارات القمم والاجتماعات رفيعة المستوى حول الشراكة بين دول الاتحاد المغاربي ثنائيا وإقليميا».
واتضح أن على رأس تلك العوامل «الخلافات الحدودية» بين الجزائر والرباط، الدولتين الكبريين في المنطقة المغاربية، والأهم من حيث حجم الجالية في المهجر عموما، وفي فرنسا وبلدان جنوب أوروبا خصوصا.
ولا تقتصر تلك الخلافات الحدودية على ملف الصحراء، بل تشمل كذلك خلافات حول ترسيم الحدود شمالا، لأن السلطات الاستعمارية توسعت عام 1956 غربا وشرقا، عند رسم حدودي المملكة المغربية وتونس قبل إعلان استقلالهما، لأن قيادتها كانت تصف الجزائر ب«الفرنسية»، وتعدها جزءا من التراب الفرنسي، ولم تكن تنوي الانسحاب منها.
وتسبب ذلك الخلاف الحدودي في اندلاع أول «مواجهة مسلحة» مغربية - جزائرية عام 1963 (حرب الرمال) بعد سنة من إعلان استقلال الجزائر.
بطالة الشباب وتكشف تقارير رسمية ومستقلة كثيرة، مثلما يورد الأستاذ عيسى البكوش، ارتفاع قيمة الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، بسبب تعذر تنفيذ القادة لالتزاماتهم بشأن بناء الاتحاد المغاربي اقتصاديا.
ومن أهم تلك الخسائر:
* حرمان مئات الآلاف من شباب الدول المغاربية العاطلين عن العمل، من فرص توفير موارد رزق بالجملة، له علاقة مباشرة وغير مباشرة بتجسيم قرارات تحرير تنقل رؤوس الأموال والسلع والمسافرين في كل الاتجاهات في الدول الخمس.
* حرمان رجال الأعمال في الدول المغاربية من فرص بناء سوق موحدة بها نحو 100 مليون مستهلك عوض الأسواق الصغيرة الحالية. وانعكس ذلك سلبا على كل فرص الإنتاج والاستثمار والتشغيل، كما حال دون «تحسين السيولة المالية وترفيع قيمة الادخار وعلى تجسيم نيات الاستثمار الوطني والمغاربي والعربي والدولي»، على حد تعبير الخبير العربي الدكتور عبد الله تركماني.
* حرمان اقتصادات الدول الخمس من فرص التكامل الثنائي والجامعي: جنوب - جنوب، عبر تقاسم الأدوار والأولويات والاختصاصات، مثلا عبر تخصص موريتانيا في صيد الأسماك والزراعات الحيوانية وصناعات الحديد، والمغرب وتونس في إنتاج الفوسفات والباكورات الزراعية والزيوت والصناعات الغذائية وصناعات الإلكترونيك ومكونات السيارات، مقابل تخصص الجزائر وليبيا في إنتاج المحروقات (بسعر تفضيلي للدول المغاربية) والصناعات النفطية والبتروكيماوية.
* حرمان المنطقة المغاربية من شركاء ومستثمرين عرب وأجانب من الحجم الكبير، لأن الدول الأوروبية وأميركا واليابان والصين والهند، وبقية الدول الصناعية الغنية، تشترط توحيد المنطقة المغاربية وتحسين البنية الأساسية فيها «حتى تغامر باستثمارات عملاقة فيها»، على حد تعبير الدكتور الصادق بلعيد.
* حرمان المنطقة المغاربية من لعب دور الفاعل الاستراتيجي الإقليمي والدولي، بما يتماشى مع موقعها الجغرافي المميز بالقرب من أوروبا وعلى ضفاف البحر الأبيض المتوسط، وكبوابة لأفريقيا وللعالم العربي.
* حرمان ملايين المهاجرين المغاربة في أوروبا وخارجها، من لعب دور اقتصادي وسياسي يفيدهم في بلدانهم الجديدة ويمكنهم من المساهمة في توظيف المليارات من مداخيلهم في أوروبا وأميركا وآسيا (خصوصا في دول الخليج) في تنمية مواطنهم.
الوساطة السعودية يذكر أن التنسيق المغاربي في مستوى الخبراء والوزراء وقادة الدول، تواصل بشكل ماراثوني طوال السنوات الستين الماضية، لا سيما منذ قمة «زيرالدة» بالجزائر في يونيو (حزيران) 1988، التي جمعت، لأول مرة، قادة الدول المغاربية الخمس بحضور العاهل السعودي الراحل الملك فهد بن عبد العزيز.
وأمكن إنجاز تلك الخطوة بعد وساطة سعودية مماثلة قام بها الأمير فهد، حين كان وليا للعهد، في المغرب على هامش قمة عربية، إذ جمع لأول مرة الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد والعاهل المغربي الملك الحسن الثاني، في خطوة ساهمت في إذابة جليد عقد حرب الصحراء.
ومهدت تلك الخطوة التاريخية لقمة تأسيس الاتحاد المغاربي في فبراير (شباط) 1989 في مراكش، ثم قمته الأولى في تونس في يناير (كانون الثاني) 1990، التي وضعت الأسس القانونية والإدارية والترتيبية والاقتصادية لتجسيم المضمون السياسي لاتفاقية التأسيس في مراكش.
إذن فالأسس القانونية والسياسية رسمت منذ نحو ربع قرن في مراكش وتونس، ووقع تفعيلها في القمم المغاربية الدورية التي عقدت ما بين 1990 و1994 في الجزائر وفي ليبيا ثم في الدار البيضاء ونواكشوط.
ووقع تركيز الآلية الدائمة للاتحاد في الرباط مع اتفاق على أن يكون الأمين العام تونسيا ومساعدوه من بقية الدول الخمس، ويتولى هذه الخطة منذ نحو ثماني سنوات الحبيب بن يحيى، وزير خارجية تونس الأسبق، خلفا للحبيب بولعراس ولمحمد عمامو، وكلاهما وزير سابق للخارجية في تونس.
كما وقع تفعيل الشراكة الاقتصادية قطاعيا وثنائيا وثلاثيا بصيغ كثيرة، لا سيما من خلال الاتفاقيات والخطوات العملية التي قطعتها تونس مع كل بلد مغاربي بصفة ثنائية، وبصفة أخص مع جارتيها ليبيا والجزائر.
وأوشكت المنطقة المغاربية أن تسبق الاتحاد الأوروبي في تجسيم قرارات طموحة جدا، من بينها التحرير الجمركي الشامل، وتحرير تنقل السلع ورؤوس الأموال والمسافرين من دون شروط.
تحديات وفرص لكن رغم كل هذه التحديات والنقائص، فإن المنطقة المغاربية تبدو أمام فرص كثيرة لتدارك أمرها، والانطلاق بنسق أسرع في تجسيم المقررات الخاصة ببناء المشروع المغاربي قطاعيا وثنائيا وإقليميا.
* أولى أبرز الفرص الجديدة بعد «الربيع العربي»، تصالح غالبية النخب العلمانية وصناع القرار البارزين في الدول الخمس مع القوى السياسية الإسلامية، التي أصبحت طرفا فاعلا في اللعبة السياسية داخل كل دول شمال أفريقيا، سواء تلك التي شملتها إصلاحات داخلية عميقة مثل المغرب، والتي أصبحت مسرحا لتغييرات راديكالية على أعلى هرم السلطة مثل تونس وليبيا.
* وبصرف النظر عن المشكلات الأمنية والسياسية المعقدة التي تعيشها تلك الدول، وخصوصا ليبيا، بسبب «انهيار مؤسسات الدولة المركزية»، فإن التقارب بين التيارين الإسلامي والعلماني في الدول الخمس زائد مصر، يمكن أن يوفر ضمانات جديدة لإنجاز المشروع المغاربي وضمان بناء سوق كبيرة مفتوحة تمتد من سيناء إلى طنجة ونواكشوط.
ولعل من أبرز المؤشرات الإيجابية التي قد تدعم الخروج من دوامة «الإفلات» من تنفيذ المقررات الوحدوية الصادرة عن الاجتماعات والقمم المغاربية، دخول دول جنوب المتوسط في مسار شراكة وتبادل حر مع فضاءات اقتصادية ومالية عالمية عملاقة، من أبرزها الاتحاد الأوروبي، الشريك الرئيس لدول الاتحاد المغاربي زائد مصر.
ومهما كانت الخسائر التي لحقت باقتصادات دول جنوب المتوسط، بسبب انهيار عدد هائل من شركاتها الصغرى، التي تضررت من منافسة نظيرتها الأوروبية والعالمية، فإن من مميزات اتفاقات الشراكة الأورومتوسطية والأوروبية المغاربية، أنها أقحمت كل بلد مغاربي في الفضاء الاقتصادي نفسه مع جيرانه بصفة آلية، بعد إبرام اتفاقيات مع بروكسل.
وإذا سلمنا بأن واشنطن ومنافسيها الآسيويين، اليابان والصين والهند، يشجعون الدول المغاربية على الاندماج، فإن مسار التوحد يمكن أن يتقدم بضوء أخضر دولي أكثر وضوحا.
خلاف الصحراء لكن كثيرين، وضمنهم السفير صلاح الدين الجمالي (وزير الدولة التونسي الأسبق للشؤون المغاربية)، يرون أن كل «مؤشرات الانفراج الاقتصادية والسياسية والأمنية ستبقى محدودة الأثر إذا لم يتوصل صناع القرار في الرباط والجزائر إلى توافق سياسي وسطي ينهي عقودا من الاقتتال ومن حروب الاستنزاف ومن (الانفجارات) غير المرغوب فيها بسبب تباين وجهات النظر في طريقة حسم الخلافات الحدودية والسياسية الجزائرية والتناقضات فيما يتعلق بطريقة تسوية نزاع الصحراء الذي طال أكثر من اللازم».
ويعتقد بعض الخبراء أن «حسم نزاع الصحراء يحتاج إلى تدخل دولي أكثر حزما ونجاعة».
الورقة الدولية وبعد أن تعثرت أخيرا زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى المنطقة، بسبب التوتر الجديد في علاقات الرباط والجزائر و«أزمة القنصلية الجزائرية في الدار البيضاء»، فإن إقرار مبدأ تنظيم الزيارة الرسمية للعاهل المغربي إلى واشنطن، رغم إلغاء زيارة كيري، دليل آخر على كون واشنطن ما تزال تتحكم في جانب كبير من قوانين اللعبة الدبلوماسية والسياسية في بلدان شمال أفريقيا.
وفي هذا السياق، تبدو واشنطن وشركاؤها الغربيون أكثر قدرة من ذي قبل على «الخروج من الحياد السلبي في النزاعات الجزائرية المغربية»، وعلى تقديم «مقترحات ملموسة» توقف إهدار المليارات في نفقات التسلح ودبلوماسية الحرب وفي حماية «حدود هشة»، خصوصا بعد أن تصاعد تأثير عصابات الإرهاب وتبييض الأموال، وتنوعت عمليات الجماعات المسلحة وتوسعت لتشمل كل دول «الساحل والصحراء وشمال أفريقيا» من سيناء إلى المحيط الأطلسي.
لقد تسبب «الربيع العربي» في نزوح نحو ثلث الشعب الليبي إلى كل من تونس ومصر والجزائر والمغرب، وبينهم آلاف من أعضاء الميليشيات السابقة الموالية للعقيد الراحل معمر القذافي أو لمعارضيه، بما يوشك أن يفجر «قنابل موقوتة كثيرة» في كل الدول المغاربية، وخصوصا في الجزائر المجاورة لمالي، والتي تؤكد التقارير أن «المهربين» و«الإرهابيين» في جنوبها يقومون سنويا بتهريب أكثر من عشر إنتاج الجزائر من المحروقات في اتجاه مالي وبلدان «الساحل والصحراء الأفريقية»، حيث السلطات المركزية ضعيفة جدا، وبعضها متورط بدوره مع عصابات التهريب والإرهاب و«الاتجار غير المشروع في المال والسلاح والمخدرات والبشر».
فهل يحسن قادة المنطقة الجدد الاستفادة من المعطيات الدولية الجديدة لتجسيم أحلام الوحدة التي تغنى بها شهداء الحركة الوطنية ورواد الدولة الحديثة بعد الاستقلال، أم تنتصر عليهم القوى الانفصالية وعصابات العنف والجريمة المنظمة وجماعات الإرهاب الجديدة، التي تسبب القصف الفرنسي الأطلسي لمواقعها في «مالي»، في هجرتها نحو «الشمال»، وخصوصا نحو الجزائر وتونس وليبيا المجزأة والمقسمة منذ انهيار السلطات المركزية فيها؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.