الملك محمد السادس يبعث برقية تعزية إلى الرئيس الألماني على إثر وفاة هورست كوهلر    ورشة عمل بمقر الجامعة العربية حول مكافحة تجنيد الأطفال من قبل الجماعات الإرهابية بمشاركة المغرب    أمطار الخير تنعش آمال الفلاحين بإقليم الحسيمة بعد سنوات الجفاف    اعتداء على لاعبي المغرب الحسيمي داخل القاعة المغطاة بتطوان يثير الاستياء    "جبهة" تنضم للإضراب الوطني العام وتتهم الحكومة بتهريب نقاش قانون الإضراب من مؤسسة الحوار الاجتماعي    بنسبة تزيد عن 20%.. الجهة الشرقية تسجل أعلى معدلات البطالة    بورصة البيضاء تنهي التداول بالأحمر    الذهب يسجل مستوى قياسيا مرتفعا مع زيادة الطلب بعد رسوم ترامب الجمركية    وزير النقل: 32 مليون مسافر استقبلتهم مطارات المغرب خلال 2024    رئيس سوريا يؤدي مناسك العمرة    "نقابة UMT" توضح قرار الانسحاب    الشرطة الهولندية تلقي القبض على البطل العالمي بدر هاري في أمستردام لهذا السبب    لجنة الأخلاقيات تعاقب دومو والشرع    "لاتسيو" الإيطالي يعلن ضم بلحيان    أكثر من مليوني مغربي يرتادون السينما في 2024 وعائدات تصوير الأفلام الأجنبية ترتفع إلى 1.5 مليار درهم    "بوحمرون" يستنفر المدارس بعد العطلة .. والوزارة تتمسك بتدابير صارمة    الوزارة تكشف عائدات السياحة بالعملة الصعبة في سنة 2024    إسبانيا.. بدء محاكمة روبياليس في قضية "القبلة" المثيرة للجدل    تبون يهدد المغرب والمملكة المغربية تبقى أقوى وبأعلى درجات الجاهزية    شركة 'اوبن ايه آي' تكشف النقاب عن أداة جديدة في 'شات جي بي تي'    الرباط: انطلاق أشغال المنتدى الإفريقي للأمن السيبراني    المهاجم المغربي الشاب إلياس داو ينضم إلى نادي أندرلخت البلجيكي    انتشار داء "بوحمرون" على طاولة المجلس الحكومي    ماسك: ترامب وافق على إغلاق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية    ثورة علمية : رقاقات قابلة للزرع لعلاج قصور القلب    "أمر دولي" يوقف فرنسيا بمراكش    مقاييس التساقطات المطرية المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    مبادرة توزيع أغطية في باب برد تروم لتخفيف معاناة مشردين مع موجة برد قارس    …وأخيرا ، حَسُنتْ ليبِرالِيَّتكُم السيد الرئيس!    "وول ستريت جورنال": رسوم ترامب الجمركية أغبى حرب تجارية في التاريخ    "دوغ مان" في طليعة شباك تذاكر السينما بأمريكا الشمالية    تسويق أدوية مهربة يطيح بعصابة إجرامية في مراكش    تاونات أكثر المدن إستقبالا للأمطار في 24 ساعة    سناء عكرود تعرض فيلم "الوصايا" عن معاناة الأم المطلقة    خيرات تدخل السايح إلى المستشفى    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المندوبية السامية للتخطيط: إحداث 82 ألف منصب شغل في المغرب سنة 2024    سكتة قلبية مفاجئة تنهي حياة سفيان البحري    مستحضرات البلسم الصلبة قد تتسبب في أضرار للصحة    أطباء مختصون يعددون أسباب نزيف الأنف عند المسنين    استئناف محاكمة أفراد شبكة الاتجار الدولي بالمخدرات التي يقودها رئيس جماعة سابق    وفاة سفيان البحري صاحب صفحة تحمل اسم الملك محمد السادس    تفشي بوحمرون : خبراء يحذرون من زيادة الحالات ويدعون إلى تعزيز حملات التلقيح    بعد توتر العلاقات بين البلدين.. تبون يدعوا إلى استئناف الحوار مع فرنسا "متى أراد ماكرون ذلك"    "لحاق الصحراوية 2025".. مغربيتان تتصدران منافسات اليوم الأول    بعد "بيغاسوس".. إسرائيل استعملت برنامج "باراغون" للتجسس على صحفيين وناشطين على "واتساب"    جولة في عقل ترامب... وهل له عقل لنتجول فيه؟    الصين: عدد الرحلات اليومية بلغ أكثر من 300 مليون خلال اليوم الرابع من عطلة عيد الربيع    كأس العالم لكرة اليد: المنتخب الدنماركي يحرز اللقب للمرة الرابعة على التوالي    النجمة بيونسيه تفوز للمرة الأولى بلقب ألبوم العام من جوائز غرامي    ارتفاع تحويلات مغاربة العالم    ابن تطوان "الدكتور رشيد البقالي" ينال إعجاب علماء كبار ويظفر بجائزة عالمية في مجال الفكر والأدب    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصص مغربيات ومغاربة بسجون الشام ينتظرون العودة من الجحيم
نشر في الأيام 24 يوم 26 - 03 - 2021

ملف المغاربة العالقين والمعتقلين في كل من سوريا والعراق، ممن كانوا يقاتلون يوما ما رفقة تنظيمات إرهابية على غرار "داعش" و"جبهة النصرة" وتنظيم "شام الأندلس"، من أكثر الملفات الحساسة المطروحة للمناقشة رسميا، كما أنها تشغل بال العائلات ممن يتمنون أن يعانقوا مجددا أقاربهم الذين صدقوا ذات يوم "حلم الخلافة" وسراب إمكانية قيام الدولة الإسلامية انطلاقا من بلاد الشام.

بلغة الأرقام، هناك 1631 من المغاربة سبق لهم الالتحاق بالتنظيمات الإرهابية المذكورة، البعض منهم قضى نحبه في الحروب الطاحنة التي خاضتها «الدولة الإسلامية» في وقت سابق ضد قوات التحالف الدولي، والبعض الآخر منقسم اليوم بين معتقل في سوريا والعراق، وهارب إلى دول مجاورة على غرار تركيا، أملا في العودة إلى المغرب لاحقا.

إن طريق هؤلاء للعودة إلى وطنهم الأم لن يكون مفروشا بالورود، فالأجهزة الأمنية تنظر إليهم على أنهم يشكلون خطرا حقيقيا على الأمن العام، رغم أنهم يؤكدون أنهم قاموا بمراجعات لأفكارهم المتطرفة. وبين هذا وذاك، تخوض التنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين في سوريا والعراق مجهودات كبيرة لتقريب معاناة أبنائها ممن يهمهم الأمر، بينما تستعد لجنة استطلاعية من البرلمان للسفر إلى بؤر التوتر، قبل أن ترفع تقريرا للحكومة يتضمن خلاصاتها ومقترحاتها لطي هذا الملف الحساس. ونحن في "الأيام" ننقل بعض القصص المثيرة والمؤثرة لهؤلاء المغاربة الذين سقطوا في هذه المصيدة.

في أحد صباحات مدينة طنجة الدافئة خلال شهر غشت 2018، رن هاتف السيدة مريم زبرون عبر رقم لم تتعرف إليه، لكنه يوحي للوهلة الأولى أنه رقم هاتف ثابت من الرباط.

قال المتصل إنه من طرف هيئة الصليب الأحمر، وإنه يحمل أخبارا لمريم التي تشتغل أستاذة للغة العربية بمدينة طنجة، عن ابنها (ع) الذي غادر المغرب منذ سنة 2016 متوجها إلى تركيا ومنها التحق بتنظيم الدولة الإسلامية في الشام والعراق، المعروف اختصارا ب»داعش»، وكانت كل الأخبار التي تتوفر عليها مريم إلى حدود تلك اللحظة أن ابنها الهارب من جحيم ما كان يسمى بدولة الخلافة الإسلامية، تم اعتقاله على الحدود التركية، من طرف القوات الكردية المعروفة ب»قوات سوريا الديمقراطية»، وأنه يقبع هناك مسجونا حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

يخاطبها موظف الصليب الأحمر: هل تعرفين أين يوجد ابنك؟

فتجيبه مريم ودقات قلبها تتسارع: قولي فينا هو ولدي؟

يحاول موظف الصليب الأحمر تهدئتها، مؤكدا أن ابنها بخير وبصحة جيدة، وأنه هو من سلمه رقمها في رسالة بعثها بعد أيام من اعتقاله.

لم تتمالك مريم نفسها، إذ اختلطت عليها الأحاسيس ولا تعرف هل تطير من شدة الفرح لسماعها أخبارا سارة عن ابنها الذي تأكدت أنه ما يزال على قيد الحياة، أم تبكي حسرة على اعتقاله من طرف الأكراد وهو الطالب المهندس الذي كان الجميع يفتخر به ويتنبأ له بمستقبل مهني زاهر في المغرب.

غيرت مريم على الفور ثيابها ورافقها زوجها بسرعة إلى الرباط، لزيارة مقر الصليب الأحمر بالعاصمة وتسلم رسالة ابنها، الطالب السابق بمدرسة المهندسين بطنجة، والذي اختار بشكل مفاجئ، مطلع العام 2016 أن يلتحق بعناصر تنظيم «داعش» في سوريا، في أوج سطوة دولة أبي بكر البغدادي التي تلاشت اليوم وأصبحت من الماضي.

تسلمت مريم الرسالة وفتحتها بيدين مرتعشتين، وبدأت تقرأ مضمونها المكتوب بخط اليد: «… السلام عليكم. أمي؟ كيف حالك وكيف حال أبي وأخي؟ سامحوني إن تأخرت عنكم فما باليد حيلة. أريد أن أطمئنكم على أحوالي، فأنا والحمد لله في أحسن حال وما ينقصني خير، ونحن بصدد رد الحكومة المغربية لعل الله ييسر لنا الرجوع إلى البلد».

لم تكن هذه الفقرات سوى جمل متقطعة من بين أخرى تم التشطيب عليها في رسالة المهندس الشاب (ع)، في رسالته التي بعثها لأمه، حيث يرجح أن القوات الكردية المعروفة ب»قوات سوريا الديمقراطية» قامت بحذف فقرات مهمة من مضمون الرسالة، بحكم أن الفقرات المشطب عليها قد تحمل معلومات حساسة لا تريد القوات الكردية أن تخرجها إلى العلن.

إنها حالة شاب مغربي ليس سوى واحد من بين مئات المغاربة المحتجزين اليوم لدى القوات الكردية في سوريا أو العراق، بعد انهيار تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» على يد قوات التحالف الدولي. والذين ينتظرون اليوم أن تسمح لهم الدولة المغربية بالعودة إلى أرض الوطن، مع ما يحمله الأمر من تعقيدات، خاصة وأن السلطات كانت على الدوام صارمة مع مختلف العائدين من جبهات القتال، بداية ممن شاركوا في معارك تنظيم القاعدة في أفغانستان ومرورا بالجهاديين الذين سافروا إلى البوسنة والهرسك، وصولا اليوم إلى مغاربة «داعش».

المغرب يسمح للنساء والأطفال بالعودة

المعطيات التي تتوفر عليها «الأيام» من اللجنة الاستطلاعية التي أعلن تشكيلها مجلس النواب من أجل الوقوف على حقيقة ما يعانيه العديد من الأطفال والنساء والمواطنين المغاربة العالقين ببعض بؤر التوتر، كسوريا والعراق، تؤكد أن الدولة المغربية اقتنعت مؤخرا بالسماح بعودة الأطفال والنساء زوجات «الدواعش» المغاربة، وهو الأمر الذي عبر عنه في وقت سابق عبد الحق الخيام، لما كان يشغل قبل أشهر منصب مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، مما شكل منعطفا جديدا في تدبير هذا الملف.

بخصوص النساء المغربيات الموجودات رهن الاعتقال أو الاحتجاز بسوريا والعراق، فوضعيتهن تنقسم إلى حالين مختلفين: فمنهن المدنيات، وهن النساء المتزوجات من مغاربة أو لهن أطفال من مقاتلين مغاربة أو أجانب، وقد أنجبت العديدات منهن نتيجة اغتصاب أو زواج قسري في إطار ما عرف إعلاميا ب»جهاد النكاح»، وظللن في وضعية مدنية كتابعات لأزواجهن. ثم حالة المقاتلات اللواتي كن طرفا في الحرب، وهذه الوضعية يجب ربطها بنفس وضعية المقاتلين من الذكور الذين شاركوا في القتال، رغم أنهم لا يملكون جنسية الدولة المعنية بالحرب أو أي دولة أجنبية أخرى.

المكتب المركزي للأبحاث القضائية، التابع لوزارة الداخلية أعلن قبل أشهر عن «إطلاق استراتيجية لإعادة النساء والأطفال المغاربة من بؤر التوتر»، دون أن تشمل هذه الاستراتيجية «الدواعش الرجال»، بمبرر أن أولائك النساء وأطفالهن، لم ينتقلوا إلى سوريا والعراق للقتال بل لمرافقة الأزواج والأولياء، حيث تشير جميع المؤشرات إلى أن «المدنيات» منهن لن يتم اعتبارهن «إرهابيات» ولن تتم محاكمتهن بقانون الإرهاب، لكن من المنطقي أن يتم تتبعهن من طرف الأجهزة بعد عودتهن إلى أرض الوطن.

والمؤكد كذلك أن هذا الإعفاء لن يكون شيكا على بياض بالنسبة لجميع المغربيات المسجونات حاليا لدى الأكراد في سوريا والعراق، فمنهن مغربيات كن أميرات في التنظيم الإرهابي، يشتغلن ضمن الدائرة الضيقة لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، ومنهن من تقلدن مهام رسمية كفتيحة المجاطي، زوجة الجهادي كريم المجاطي، المتورط في أحداث 11 شتنبر 2001 وأحداث مدريد والدار البيضاء في 2003، والذي لقي مصرعه في السعودية عام 2005 بعدما دخل في مواجهات بالأسلحة مع قوات الأمن السعودي، ليقتل رفقة ابنه آدم، فيما استمرت زوجته فتيحة تحمل نفس الأفكار الجهادية رفقة ابنها الثاني إلياس، الذي انضم بدوره إلى تنظيم «داعش» ولقي مصرعه في الحروب هناك، بينما ظلت فتيحة المجاطي معتقلة منذ مدة في مخيم «الهول» شمال شرق سوريا لدى القوات الكردية، ومن المؤكد أن جهرها بالولاء ل»داعش» وتقلدها مناصب قيادية في التنظيم لن يمر مرور الكرام، ولن تستفيد من العفو نفسه الذي ستستفيد منه نساء الجهاديين المغاربة، ومن المؤكد أنه سيتم اعتقالها فور دخولها الأراضي المغربية، إن هي قررت العودة، علما أنها حاصلة على جنسية فرنسية.

لكن ماذا عن مغاربة «داعش» الرجال !

بعض الأرقام الرسمية التي كشف عنها في وقت سابق المكتب المركزي للتحقيقات القضائية، التابع للاستخبارات المغربية، يتحدث عن وجود 1631 مقاتلا مغربيا في سوريا والعراق قبل سقوط تنظيم «داعش»، قتل منهم 558 شخصا غالبيتهم في سوريا، فيما عاد منهم إلى المغرب 211 مقاتلا. وهذا يعني أن ما يقارب 862 مغربيا سيكونون على الأرجح موزعين ما بين السجون السورية والعراقية، وأن بعضهم هارب إلى دول مجاورة على رأسها تركيا التي تحتضن اليوم المئات منهم.

تواصلت «الأيام» مع بعضهم فأكدوا أنهم ينتظرون إشارة من الدولة المغربية للعودة إلى وطنهم، في إطار عفو رحيم بعدما راجع العديد منهم أفكاره، كما يمكن أن نقرأ في حوار ياسين الغزوي الذي ننشره مرفقا بهذا الملف، والذي قاتل بدوره رفقة عناصر تنظيم «داعش» ويوجد اليوم في تركيا عالقا هناك، وكل ما يتمناه أن يتمكن يوما ما من العودة إلى الحي المحمدي في الدار البيضاء الذي نشأ وترعرع بين أزقته ودروبه.

الأرقام الرسمية ل«البسيج» تشير كذلك إلى أن الجهاديين المغاربة لم يكونوا ينشطون في تنظيم «داعش» الإرهابي فقط، فهناك 100 جهادي مغربي ينشطون كذلك في تنظيم «شام الأندلس» و50 آخرون ضمن تنظيم «شام النصرة».

غير أنه من المؤكد أن الدولة المغربية لن تتعامل مع مطالب هؤلاء الجهاديين بالعودة إلى المملكة، بنفس المنطق الذي ستتعامل به مع نسائهم وأبنائهم القاصرين، حيث أن طي ملفهم صعب، والدولة لا تريد أن تكرر نفس الأخطاء التي حدثت في بداية الألفية الجديدة، عندما تساهلت مع مغاربة أفغانستان والبوسنة والهرسك، وجزء منهم كانوا مشاركين في الأحداث الإرهابية التي عرفتها مدينة الدار البيضاء في العام 2003 والتي أدت إلى مقتل 40 شخصا بعد تفجير في فندق شهير بالعاصمة الاقتصادية وبعض المناطق الأخرى المتفرقة في ما يعرف اليوم بأحداث 16 ماي الإرهابية.

كما أن أسماء عدد من العائدين من جبهات القتال تضمنتها تقارير التحقيقات الأمنية والاستخباراتية بعد أحداث الدار البيضاء سنة 2007، دون أن ننسى أن أسماء عدد آخر منهم كانت متورطة في الأحداث الإرهابية التي عرفتها العاصمة الإسبانية مدريد في العام 2003.

مئات المغاربة في قبضة قوات الأكراد

لا توجد أرقام دقيقة متوفرة حول عدد المغاربة العالقين في سوريا والعراق، لكن مصادر أشارت إلى وجود ما يفوق 1631 مغربيا ومغربية في المنطقة، منهم أطفال ونساء كان أزواجهن مقاتلين في التنظيم الذي انهار قبل سنوات قليلة، بعد سحقه من طرف قوات التحالف الدولي في كل من سوريا والعراق.

غير أن هذا الرقم قد يكون أقل بكثير من الواقع، حيث يمكن أن نقرأ في تقرير آخر معطيات مختلفة تؤكد أن مخيم «الهول» الموجود شمال شرق سوريا، والمخصص فقط للنساء والأطفال يضم لوحده حوالي 12 ألف امرأة رفقة أطفالهن ممن لا تتعدى أعمارهم 15 سنة.

ففي هذا السجن، يقول التقرير، توجد 582 امرأة مغربية لديهن قرابة 500 طفل، وكلهن نساء رافقن أزواجهن الجهاديين إلى جبهات القتال لدى تنظيم الدولة الإسلامية. عدد من رجالهن قضوا في الحروب وبعضهم مسجون لدى الأكراد ومنهم من هرب إلى دول مجاورة، وبالأخص تركيا. مما يعني أن عددا كبيرا من أسر مغاربة «داعش» تشتتوا بين الدول، أو بالأحرى بين السجون.

مؤشرات بداية الانفراج

في كل الأحوال، فملف هؤلاء المغاربة الداعشيين لن يبقى مؤجلا إلى ما لا نهاية، في ظل وجود مؤشرات وبوادر لبداية الانفراج.

ويبدو أن الدولة المغربية الحساسة جدا من الإرهاب، الذي تعرف عواقبه وتكلفته الاقتصادية والاجتماعية، باتت تنوي التوصل إلى حل، أو هذا على الأقل ما يمكن أن نستشفه إذا ما علمنا أن لجنة استطلاعية تأسست في البرلمان قبل شهور، بمهمة متعلقة بالمغاربة العالقين بكل من سوريا والعراق، يرأسها البرلماني عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب «الأصالة والمعاصرة» ومقررها هو سليمان العمراني عن حزب «العدالة والتنمية»، والتي عقدت مجموعة من الاجتماعات مع وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت ووزير الخارجية ناصر بوريطة، كما استقبلت قبل أيام مجموعة من عائلات المغاربة العالقين، للاستماع إليهم داخل قبة البرلمان.

وقد صرح عبد اللطيف وهبي مباشرة بعد تأسيس اللجنة الاستطلاعية قائلا إن «الأحداث التي عرفتها كثير من بؤر التوتر في العالم العربي، وخاصة في سوريا والعراق، والتي أنتجت مآسي إنسانية وبشرية، باتت تفرض علينا كمغاربة وكدولة أن نتحمل المسؤولية تجاه مواطنينا المتورطين في هذه الحروب التي خلفت وراءها العديد من الضحايا في صفوف الأطفال والنساء، وكذلك أسرا بكاملها نتيجة خيارات سابقة».

وتستعد هذه اللجنة للقيام بزيارة إلى السجون السورية والعراقية بهدف الاقتراب من هؤلاء «المقاتلين» المغاربة الذين شاركوا في الحروب ضمن مجموعة من التنظيمات، سواء منهم أسرى الحرب أو مرتكبي الجرائم، من أجل الاطلاع على وضعهم والاطمئنان على ظروف اعتقالهم وحماية حقوقهم كسجناء وأسرى.

المعطيات تؤكد أنه من الضروري أن يكون هناك تنسيق بين وزارة الخارجية المغربية (والهلال الأحمر المغربي) مع الصليب الأحمر الدولي من أجل زيارة هؤلاء المغاربة، والوقوف على وضعيتهم، والإشراف بشكل مباشر على عودة النساء والأطفال القاصرين، ممن لا ترى الدولة خطرا في عودتهم. ثم الوقوف على وضعية باقي الجهاديين الرجال من أجل إيجاد حل لملفهم الشائك والمزعج للأجهزة الأمنية والاستخباراتية. ولكن في كل الأحوال، لا يمكن التخلي عنهم، فهم في نهاية المطاف مغاربة، عدد كبير منهم تم التغرير بهم، وبعضهم ارتكبوا أخطاء في التقدير نتيجة الفقر والقهر الذي عاشوه في المغرب أو الشحن الفكري والإيديولوجي، كما أن هناك مغاربة آخرين لم يلتحقوا بهذه التنظيمات الإرهابية مباشرة من المملكة، بل كانوا يعيشون في أوروبا ومعظمهم حاصلون على جنسيات مزدوجة.

بحسب مصادر للجريدة من اللجنة البرلمانية الاستطلاعية، فاللجنة تتفاوض اليوم مع الحكومة في شخص وزيري الداخلية والخارجية، وسترفع لهما مجموعة من التوصيات لحل الملف بعد استماعها لمجموعة من الأطراف، بمن فيهم عائلات المغاربة العالقين في سوريا والعراق، وبالتالي على الدولة أن تنكب على إدارة هذا الملف الشائك والمعقد، خاصة وأنه مرتبط بحماية الأمن الداخلي للوطن، حيث أن السماح لمغاربة «داعش» بالعودة إلى أرض الوطن يستلزمه بالضرورة القيام بتأطير استثنائي لهم من الناحية النفسية والصحية والاجتماعية والتعليمية والدينية، دون أن نتجاهل المواكبة الاقتصادية، وهذا قد يفرض سجنهم في البداية من أجل تأهيلهم، كما فعلت الدولة سابقا مع جهاديي أفغانستان والبوسنة والهرسك، وكذلك مع أكثر من 200 جهادي سبق لهم أن عادوا من جبهات القتال في وقت سابق من سوريا والعراق.

إن الوطن غفور رحيم

في الوقت الذي يؤكد عبد اللطيف وهبي أن الحل بيد الدولة وأن قرار عودة المغاربة العالقين في سوريا والعراق قرار سياسي، تتشبث عائلات العالقين بخيط الأمل، في أن تحتضن أبنائها «التائبين» بعد أن تسمح لهم الدولة المغربية بالعودة إلى الوطن.

في حديثها ل»الأيام»، تقول مريم زبرون وهي بالمناسبة الكاتبة العامة للتنسيقية الوطنية لعائلات العالقين والمعتقلين في سوريا والعراق والتي مازال ابن لها في ريعان الشباب معتقلا لدى القوات الكردية، إن «العالقين والمعتقلين لا يحلمون سوى بالعودة ولا يمانعون في قضاء عقوبات سجنية نظير الأخطاء في التقدير التي سقطوا فيها»، مكررة في كل مرة أن الغالبية من مغاربة سوريا والعراق تم التغرير بهم.

مريم زبرون تؤكد كذلك، وهي تتحدث بنوع من الحماسة، أن الدولة المغربية عليها أن تنظر إلى هذا الملف بنوع من الإنسانية، موجهة رسالة مؤثرة إلى الملك محمد السادس، متمنية أن يصدر تعليماته بالعفو عنهم: «… سبق للدولة المغربية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني أن أصدرت قرارا بالعفو عن المغاربة الصحراويين المنضمين لجبهة البوليساريو الانفصالية، وحملوا السلاح ضد القوات المسلحة الملكية، بعد نداء «إن الوطن غفور رحيم». وكل ما نتمناه اليوم أن ينطبق هذا النداء على المغاربة المغرر بهم ممن ذهبوا إلى سوريا والعراق وانضموا لجماعات مسلحة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.