في الوقت الذي تفيض فيه خزانات مدن بالماء و يستخدمها الناس رفاهية يتحول القليل من الماء في بعض القرى المغربية إلى ضرورة ملحة من أجل حياة كريمة لا تستقيم إلا بوجود مادة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها. الطريق إلى الرياينة
غير بعيد عن مدينة الشماعية (84 كلم غرب مراكش) تقع منطقة الرياينة التي تتكون من حوالي 12 دوارا وتقع شرق النقطة الكيلومترية السابعة على طريق أكادير بنحو أربع كيلومترات .
الوصول إلى هذه الدوواير يتم عبر الخطافة (نقل غير مرخص) أو عبر العربات المجرورة "لكرويلة" التي تسلك طريقا غير معبدة بين التلال.
نغادر الشماعية صوب شيشاوةوأكادير جنوبا على الطريق الوطنية المعبدة، وصولا إلى دوار الميهات حيث المنعرج على اليمين، بعد حوالي 7 كيلومترات، هناك نودع الطريق المعبدة لتستقلبنا طريق جديدة تم إصلاحها قبل سنوات بطريقة تقليدية "التوفنة" قبل أن تتآكل وتتحول إلى شبه طريق .
بعد 4 كيلومترات تستقبلك أعمدة الكهرباء الذي أدخل القرية قبل 12 سنة وتلال الرياينة التي يتكأ عليها دوار عرابات الذي يعد أكبر دوار في المنطقة رفقة دوار الحجاج المحاذي حيث لا يفصل بينهما سوى طريق غير معبدة، وضع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب في بدايتها لسكان عرابات (شمالا) سقاية اسمنتية وفي آخره سقاية مثلها لسكان الحجاج .
صهريج وبراميل زرقاء غير بعيد عن السقاية الأسمنتية التي تنتظر صنبورا وماءا منذ سنوات يمسك سي أحمد، بعكازه وهو ينظر إلى عشرات الشباب والنساء وهم يهرولون ببراميلهم الزرقاء المجرورة بواسطة الدواب، وأوعية بلاستيكية حيث موعد الحصول على حصة من الماء الذي تجلبه إحدى الشركات إلى القرية في صهاريج لا تكفي حتى لعُشُر سكان دوار واحد .
يتسابق مرة أو مرتين في الأسبوع عشرات الشباب والنسوة على ما تجود به "الدولة" من ماء عبر صهريج واحد.
بسؤالنا له عن هذا التداعي إلى الصهريج من قبل سكان القرية قال "إن الوضع مستمر ولن يحله سوى نزول المطر الذي لم يهطل بالقدر الكافي هذه السنة وفاقم من نذرة الماء بالمنطقة ."
في هذه الدوواير غالبا ما يلجأ السكان إلى قطع بضع كيلومترات لجلب الماء خاصة بالليل بسبب الجفاف .
البئر الوحيد الذي يسقي منه ثلاث دوواير من المنطقة هي عرابات وحجاج واولاد بوزيد لا يمكنه تغطية حاجيات الساكنة في الصيف، فلا تكاد ساعات الليل تنصرم حتى تختفي قطرات الماء بشكل كامل بسبب توافد السكان على البئر في وقت واحد.
معروف أن العديد من المناطق القروية شهدت هذا العام نذرة في المياه لكن الجفاف هذه السنة فاقم من الوضع، فخلال شهور الصيف الثلاثة وما بعدها مازال السكان يعانون، والغريب أن المنطقة غير بعيدة عن المدار الحضري، كيف أوصلوا الكهرباء وأغفلوا الماء الذي هو مادة حيوية؟ يتساءل تهامي وهو أحد ابناء المنطقة.
ويضيف تهامي في حديث ل"الأيام24" نعاني من قلة الماء، خاصة في الصيف منذ أزيد من عشر سنوات.
ماء الصهريج الذي يتم جلبه هنا غير جيد ولا يشربه الناس بل هو غير صالح للشرب يتم استخدامه في الغسيل و سقي البهائم عادة.
التهامي يرى أن مشكلة الماء مشكلة عويصة تؤرق سكان دواوير الرياينة التي تعاني منذ سنوات خاصة في الصيف حيث تشتد الحاجة إلى الماء ويشتد العطش ومعه تشتد المعاناة التي تلخصها البراميل المصطفة من أجل بضع لترات من الماء لا تكفي لسقي "الكسيبة" وغسل المواعين والملابس والاستحمام.
" تصور أن العيالات من الدوار في هاد الجفاف كيمشيو يسقيو الماء مع الجوج ديال الليل ومكينش شي حد تسوق لينا في هاد الأزمة ."يضيف تهامي.
معاناة المرأة أكثر
الكثير من النساء هنا تلخصن معاناتهن مع الطرق الشاقة لجلب الماء، فغالبا ما تضطر المرأة القروية إلى قطع مسافة غير يسيرة لجلب الماء إذا ما كانت أرملة ولها أطفال صغار أو سافر زوجها للمدينة طلبا للرزق.
مقهورون في هذه المنطقة يتم تزويدنا بمياه عن طريق الصهريج مرتين أو ثلاث في الأسبوع وهي غير كافية لثمانين برميلا، الصهريج لا يغطي سوى 15 برميلا والباقي يتدبرون امور جلب الماء من مناطق بعيدة وبعض الآبار الخاصة ، تقول مليكة وهي ربة بيت بانفعال واضح "نعاني في الحرارة حوالي 15 سنة من المعاناة، في هذه الدواوير في الصيف والشتاء وكمية الماء لا تكفي للشرب الناس والبهائم والغسيل ."
النساء هنا يجلبن الماء شأنهن شأن الرجال يتوجهن للآبار البعيدة من هنا ويجلبن الماء ولولا أن أحد السكان منح للناس فرصة السقي من بئره الخاص لكانت كارثة .
عندما يشتد الوضع يضطر مواطنون من دواري الحجاج وعرابات إلى وضع آبارهم الخاصة رهن الساكنة في وقت معين للاستفادة من الماء رغم أنها تتعرض للجفاف نظرا للضغط الذي يشهده البئر على مدار اليوم .
فأغلب الآبار على قلتها هنا تعرف جفافا كبيرا في الصيف، ويستمر حتى نزول المطر وإذا لم تجد السماء تزداد المعاناة، خاصة وأن بئرا صغيرة بعمق 5 أمتار لا يمكنها مقاومة مئات الدلاء على مدار الساعة ، فالبئر الوحيد الذي يسميه السكان شويريج لايمكنه الصمود أمام عشرات البراميل البلاستيكية.
ترك الدراسة مقابل الماء
سعيد الفرجاني رئيس جمعية المزارع للتنمية يقول "منذ سنين مشكلة الماء مطروحة هنا ويتفاقم هذا الوضع في الصيف ومع توالي سنوات الجفاف يصبح الوضع كارثيا ".
سعيد كشف في حديثه ل"الأيام 24"عن مسألة غاية في الأهمية، وزيادة على ما قالته مليكة، فإن قلة الماء تسببت في الهدر المدرسي للفتيات اللواتي يتم توظيفهن في جلب الماء من قبل أسرهن، وهن يعانين من مشكلة الهدر في الأصل بسبب الظروف الاجتماعية، إذ غالبا ما تعمد الأسر إلى وضع نهاية لتمدرس الفتاة بعد مرحلة الابتدائي، كما أن النقص يؤثر على الساكنة و الكسيبة وجلب الماء يتم في مشقة لبعد الآبار عن الدوار .
وأضاف الفرجاني أنه "رغم أن المكتب الوطني للماء الصالح للشرب يعمل على مشروع تزويد الدوار بالماء فإن أغلب الأسر لا تقوى على دفع تكاليف التزويد نظرا لظروفها الاقتصادية مشيرا أنهم كجمعية قاموا بمراسلة مجلس الجهة" واقترحنا عليهم من أجل مشروع تزويد المنطقة بخزان ".
وكشف الفرجاني أن الفلاح بهذه الدواوير غالبا يحتاج يوميا إلى حوالي 800 لتر من الماء، أي ما يعادل 4 براميل بلاستيكية زرقاء. اولاد الرياينة يتفاعلون مع الوضع أنشأ شباب الرياينة صفحة على فيسبوك للتفاعل مع أهم القضايا التي تهم منطقتهم، وكغيرهم من رواد مواقع التواصل الاجتماعي يسعى الشباب إلى خلق ديناميكية من خلال إيصال صوتهم، على غرار ميلود وهو شاب يغني الراب ويسعى لبعث رسالة من خلاله كلمات أغانيه، التي تكشف جانبا من معاناة دوواوير يحلم شبابها بغد أفضل .
ميلود صرح ل"لأيام 24" أنه لا يفهم كيف يتم تجاهل هذه المنطقة ومناطق أخرى واصفا الأمر بالذل حيث تأخر ربط الدوواير بالماء، محملا المسؤولية للجميع قبل أن يطرح علينا سؤالا هل لدينا حق في هذا الوطن ؟ المكتب الوطني للماء الصالح للشرب يوضح :التزويد بالماء مسألة وقت
في تواصلنا مع الإدارة المركزية للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب اعتبرت أن مسألة تزويد هذه الدوواير تبقى مسألة وقت ليس إلا .
وقال المكتب في رسالة توصلت بها "الأيام 24" إن مشروع الشماعية الخاص بتزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب بلغ 50 دوارا في إطار نفس المشروع حيث تم الشروع في استغلال 18 نافورة عمومية للتزويد بالماء الشروب.
أما فيما يخص مشروع قناة مد المياه الجهوية "لبخاتي-اثنين غيات"، فقد وصل عدد الدواوير المستفيدة إلى 7 دواوير.
ومع أن المكتب لم يشر في رسالته إلى دواوير الرياينة التابعة لجماعة اجنان ابيه، إلا أن مصدرا مطلعا بالمكتب كشف ل"الأيام 24" أن التزويد توقف بسبب مشاكل تقنية ويمكن استئنافه لاحقا.