في مثل هذا اليوم من كل سنة تحيي دول المعمور والمغرب - من ضمنها - ، اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، هذه الممارسة التي تعتبر ظاهرة قديمة لم تقتصر على مجتمع دون غيره ولا على نظام سياسي أو فئة أو مستوى اجتماعي أو ثقافي معين، فلقد كان الإنسان ومنذ الأزل يمارس التعذيب ضد أخيه الإنسان باسم الدين تارة، وباسم سيادة السلطان أو باسم مفهوم معين للعدالة تارة أخرى، ولم يتم تجريم ظاهرة التعذيب في المواثيق الدولية إلا منذ زمن قريب. في هذا الإطار يجدر بنا التنويه بمصادقة المغرب في منتصف التسعينيات على اتفاقية الأممالمتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والمهينة للكرامة لسنة 1984، وكذا للتعديلات التشريعية التي أدخلها، بمقتضى القانون رقم: 04-43 المتعلق بمناهضة التعذيب على القانون الجنائي تحيينا وملاءمة. غير أن ما يميز ذكرى هذه السنة ببلدنا هو ما شهدته منطقة سيدي إفني من أحداث أليمة وإن اختلفت التقارير الحقوقية الأولية بشأنها فإنها أجمعت على استنكارها.. وفي انتظار نتائج تقصي الحقائق البرلمانية وكذا التقارير النهائية لمختلف المنظمات الحقوقية، لابد من طرح بعض الملاحظات حول مدى تنفيذ المغرب للالتزامات التي تفرضها مصادقته على الإتفاقية، وكذا حول بعض بنود القانون رقم 04-43. 1 - إن الإتفاقية تحدد مجموعة من الإلتزامات على من يصادق عليها يمكن إجمالها في: الوقاية والتجريم والمعاقبة على التعذيب؛ - منع تسليم المجرمين للدول الأخرى إذا كانت ستمارس ضدهم التعذيب (مع التنبيه إلى عدم التزام المغرب به) - تعويض ضحايا التعذيب؛ إعطاء الاختصاص الشامل أو الولاية العامة لمحاكمة شخص في المغرب أو تسليمه إلى دولة لها إمكانية محاكمته... 2) إذا كان التنصيص على تجريم التعذيب بالقانون من شأنه أن يشكل وقاية، فهل الالتزام بالوقاية من التعذيب موجود على مستوى تدخل القوات العمومية؟ الواقع أنه ومع عدم وجود نص صريح بالوقاية، ومع عدم الالتزام به في الممارسة العملية، رغم ما يتم طرحه من عدم وجود الإمكانيات المادية والوسائل الكافية للقيام بالتحريات والوصول إلى المجرمين الحقيقيين، فإن هذا الالتزام يبقى معلقا، وعلى من يعنيه الأمر بذل مجهودات في هذا الإطار ولو بالبدء بتدريسه إلى كل جهة مكلفة بتطبيق القانون. 3) يصعب تبرير موقف المغرب من عدم تنصيصه على تجريم ضروب المعاملة القاسية أو المهينة أو اللاإنسانية، ذلك أنه إذا كان تجريم التعذيب يمثل حماية للكرامة الإنسانية، فإن هذه الأخيرة كل لا يتجزأ، أي يجب حمايتها في جميع عناصرها، لاسيما وأنه يصعب التمييز بين التعذيب والممارسات المشابهة. 4) أما بخصوص الالتزام بتسليم المجرمين أو متابعتهم بناء على الاختصاص الشامل فإن المشرع لم يضع في اعتباره هذه الحالة عند وضعه لقانون المسطرة الجنائية، علما أن المصادقة كانت سنة 1996 والقانون الأخير كان في سنة 2003، مما يفيد التساؤل عن وجود إرادة لتطبيق النص، ونفس ما قيل عن هذا الالتزام يمكن إسقاطه على التعويض عن ممارسة التعذيب باعتبار أن القانون الأساسي لهيئة الإنصاف والمصالحة استثنى التعذيب من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. إن كل ما سبق يدعو جميع الفاعلين إلى توحيد الجهود من أجل محاربة هذه الجريمة الأزلية بالضغط من أجل تعديل القانون رقم 04-43 ليتوافق مع اتفاقية مناهضة التعذيب والممارسات المشابهة.