بعد تسجيله لخروقات مست الحقوقيين والإسلاميين والصحافيين تقرير منظمة العفو الدولية يقطع حبل المودة مع المغرب لم يعمر حبل الود بين الجمعيات الحقوقية الدولية وبين المغرب طويلا،فبعد مرحلة الهدنة التي دشنها محمد السادس أثناء اعتلائه للعرش بإطلاق عدد كبير من المعتقلين السياسيين،و بتشكيل هيئة الإنصاف والمصالحة،ثم عودة عدد من المنفيين السياسيين، عادت العديد من المنظمات الحقوقية الدولية لتدق ناقوس الخطر حول عودة شبح الانتهاكات و الخروقات التي أصبحت خبزا يوميا لعموم المغاربة، وهو ما يشكل ردة حقوقية حسب العديد من المتتبعين للشأن الحقوقي المغربي. "" آخر هذه التقارير صدر عن منظمة العفو الدولية والتي سجلت أهم القطاعات التي عاشت انتهاكات صارخة خلال السنة الماضية، و أهمها الانتهاكات التي سجلت في شأن الحقوقيين المغاربة وعلى رأسهم أعضاء الجمعية المغربية لحقوق الإنسان الذين صدرت في حقهم أحكام بالسجن بعد رفعهم لشعارات اعتبرت أنها ماسة بالمقدسات خلال فاتح ماي لسنة 2007، يليهم الصحافيون الذين عاشوا بدورهم محاكمات إما بتهمة المس بالمقدسات أو توبعوا بنصوص القانون الجنائي عوض قانون الصحافة في قضية أسبوعية "الوطن الآن"، والتي لازال أحد صحافييها وهو مصطفى حرمة الله يقضي عقوبة حبسية. وأشار ذات التقرير إلى كون جماعة العدل والإحسان وكذا النشطاء الصحراويون ثم معتقلي القضايا التي لها علاقة بالإرهاب أهم الأقطاب الذين سجلت في حقهم انتهاكات حقوق الانسان. ونظرا لجدلية العلاقة التي تربط بين هذه القطاعات والدولة بحكم أن إيجاد الحل لا يكمن بيد الدولة وحدها،و إنما رهين برغبة الطرف الآخر في وضع نهاية للأزمة، كما هو الحال في ملفي جماعة العدل والإحسان التي ترفض كل المقترحات العلنية والسرية للدولة، وكذا ملف الصحراويين المرتبط بإيجاد حل لقضية الصحراء، ربطت "المشعل" الاتصال بفتح الله أرسلان الناطق الرسمي لجماعة العدل والإحسان والتي سبق لها لأكثر من مرة أن نددت بصمت الجمعيات الحقوقية عن الخروقات التي يتعرض لها أعضاؤها، فأكد أنهم داخل الجماعة يقدرون كل مبادرة تساند المظلومين وتفضح ما يرتكبه المخزن من خروقات في حق أبناء الشعب المغربي. لكنهم يأسفون أنه في حالة جماعة العدل والإحسان لا يوازي التحرك الحقوقي مستوى ما يرتكب في حق الجماعة من خروقات خطيرة تجاوزت كل الحدود ؛ سواء في كمها، أو شمولها لمجمل المدن والقرى، أو في حدتها وأشكالها حيث تجاوزت كل الخطوط باعتقال النساء والأطفال وترهيبهم، وقطع الأرزاق من خلال طرد عدد من الأعضاء من وظائفهم والسطو على ممتلكات عدد آخر، وكذا طرد عدد من الأسر من بيوتهم بعد إغلاقها بالشمع الأحمر، وبالنظر أيضا إلى طول فترة الحملة الأخيرة التي ما تزال مستمرة طيلة سنتين بدون انقطاع. و أوضح أرسلان أنهم يتمنون أن تكون بعض البيانات والتقارير الحقوقية الأخيرة بداية للخروج من الفتور الملاحظ في التجاوب الحقوقي وتجاوز الاعتبارات الضيقة المتحكمة فيه في كثير من الأحيان، والتزام المنظمات الحقوقية بشعار الاستقلالية الذي ترفعه والذي من المفترض أنه يشكل رأسمال أية منظمة تنشد الموضوعية والتي من دونها تطرح المصداقية في الميزان. وفي معرض رده عن صعوبة إيجاد حل لما تتعرض له الجماعة بسبب مواقفها من النظام والتي تؤشر على استمرارية ما تتعرض له من خروقات، أكد أرسلان أن الاضطهاد لازم جماعته منذ نشأتها، مع التفاوت فقط في حدته والمستهدف منه، فمرة يستهدف قطاعا من قطاعات الجماعة، ومرة يتجه نحو القيادات، وأحيانا أخرى يشمل كل الجماعة كما هو الحال منذ 24 ماي 2006 إلى اليوم، مذكرا بأنه بلغه منذ لحظات (يوم فاتح يونيو) خبر إحالة 15 عضوا من الجماعة في مدينة سيدي قاسم على المحاكمة ليضافوا إلى المئات الآخرين. وأشار أرسلان أن المخزن ما زال "هو هو"، لهذا فهو لا يتوقع أن يغير من أسلوبه لأنه ملازم له ويدخل في بنيته وبالتالي فسبب القمع واضح وواحد، سواء تعلق الأمر بجماعة العدل والإحسان أو غيرها من المعارضين، وهو" الاستبداد المخزني ". مستفهما :"من المسؤول إذن عن وجود حل لهذا الملف؟ هل هذه الطبيعة الاستبدادية للنظام المبنية أساسا على إخضاع المعارضين باستعمال وسيلتين بشكل متواز، وهما القمع والتدجين، بهدف الترويض وتغيير الموقع من المعارضة إلى دائرة المخزن؟ أم جماعة العدل والإحسان التي لا تدعو إلى عنف وتدعو لحل يشترك فيه الجميع بطريقة سلمية دون إقصاء أي طرف إلا من أقصى نفسه بالطبع؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرح ." ويرى أرسلان أن تأثير التقارير الدولية الحقوقية والمالية والاجتماعية في النظام واقع يعرفه الجميع، موضحا:" أن المخزن ترتعد كل فرائصه أمام جملة في تقرير أجنبي في الوقت الذي لا تتحرك منه شعرة وهو يتجاهل كل الشعب المغربي ويهضم حقوقه ويمارس عليه كل أصناف العنف. وفسر الناطق الرسمي للجماعة سبب تخوف النظام من التقارير الدولية بكون كل بند أو خلاصة فيها قد تعني ضياع صفقة أو دين أو منحة، أو قد تنغص على أقطابه حركة أموالهم واستثماراتهم في الخارج. من جهته أعلن عبد الله البقالي نائب رئيس النقابة الوطنية للصحافة المغربية أنهم في النقابة يولون أهمية كبيرة للتقارير الدولية المتعلقة بحرية التعبير والصحافة،لكنهم لا يعتبرون كل ما تأتي به هذه التقارير مقدسا، لأنها تضم ما هو صحيح وما هو خاطئ، وأشار إلى أنهم يتفقون مع تلك التقارير التي تقر أن هناك تراجعا نسبيا لحرية الصحافة . وأشار البقالي أن المجال الإعلامي هو الذي تقاس به درجة الحرية في مجتمع من المجتمعات، لذلك فهو المرآة العاكسة لكل الانتهاكات التي تحدث في المجالات الأخرى إلا انه وبحكم أننا في مرحلة انتقالية، فنحن في تمرين على الديمقراطية وبالتالي انه من الطبيعي أن تكون هناك تجاذبات، لهذا فهو يأمل أن تنتصر القوى التي تجذب المغرب نحو الحداثة و الديمقراطية. ورغم أن التقرير الصادر عن منظمة العفو الدولية قد حدد أهم القطاعات التي مستها الانتهاكات، فالملاحظ هو أن جميع الأطراف المذكورة قد شكلت أذرع الضغط على الدولة سواء النشطاء الصحراويون أو اطر جماعة العدل والإحسان التي نجحت في تشكيل جبهة خارجية وتمكنت من اختراق الحصار الإعلامي المضروب عليها وتمكنت من جلب مؤدين لحقها في التعبير عن أرائها حتى من طرف خصومها من باقي أطياف المشهد السياسي المغربي فإن الجسم الإعلامي المغربي هو الوحيد الذي يتعرض للمضايقات دون أن يتمكن من الضغط على الجهات المعنية لإيقاف ما يتعرض له، وهو ما نفاه البقالي مؤكدا أن هناك عدة تحركات على مستويات شتى، لأنهم يعتبرون أنفسهم في نقابة مسؤولة، لذلك فهم يشتغلون على عدة مستويات منها المستوى التواصلي ببحث القضايا مع السلطات المعنية وأيضا بالنزول إلى الشارع إذا اقتضى الحال، وهذا ما حدث مثلا في قضية الزميل مصطفى حرمة الله والذي يقضي عقوبة سجنية، بحيث نظمت النقابة وقفات احتجاجية في الشارع العام، كما عقدت جلسات عمل مع مسؤولين حكوميين للتنديد بخطورة ما يجري. محمد السكتاوي / مدير عام منظمة العفو الدولية فرع المغرب حصر تقرير لمنظمة العفو الدولية المجالات التي عرفت خروقات لحقوق الإنسان في تلك التي مست المدافعين عن حقوق الإنسان ،الصحافيين،النشطاء الصحراويين،جماعة العدل و الإحسان ثم مكافحة الإرهاب. هل هذه هي المجالات التي عرفت خروقات فقط؟ + إن التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم يركز بشكل خاص على الملامح الكبرى لانتهاكات حقوق الإنسان، ولا يدخل في التفاصيل التي يمكن العودة إليها في التقارير الخاصة بكل بلد على حدة، فالهدف من التقرير السنوي هو لفت انتباه الحكومات إلى المجالات التي ينبغي الاهتمام بها لتطهير سجلاتها من الانتهاكات التي تطغى عليها. وبخصوص المغرب فقد سبق للمنظمة في تقارير سابقة، ومذكرات وجهتها إلى الحكومة، أن عبرت عن بواعث قلقها بشأن عدم التحقيق في مزاعم التعذيب والاعتقال السري التي كثيرا ما يثيرها الضحايا وعائلات المعتقلين والمحامون ومنظمات حقوق الإنسان، كما لا يمكن لأحد أن يتجاهل التفاوت الاجتماعي والفقر الصارخ وانتشار البطالة، الأمر الذي يشكل انتهاكات واضحة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويؤشر على احتمال وقوع أخطار في المستقبل، ولابد أن نستحضر أيضا بعض الانزلاقات في التعامل مع القضايا ذات الصلة بالتهديدات الإرهابية، فقد عرف المغرب في الآونة الأخيرة تحويلا للنقاش حول حقوق الإنسان إلى مدى مشروعية هذه الحقوق، وهو جدل يحد من الحريات، ويؤجج مشاعر الارتياب والخوف والتعصب والتجاذب بين الحكومة وبين المواطنين. ولا يعني هذا إنكار التقدم الذي تحقق في مجالات هامة من قبيل العمل ببعض معايير حقوق الإنسان، وإنشاء مؤسسات وطنية لتوفير الحماية القانونية لحقوق الإنسان، ولكن على الرغم من هذه الجوانب الإيجابية، فإن الواقع ليس دائما ناصع البياض، فالتفاوت والإفلات من العقاب والفساد لا تزال سمات تطبع مجتمعنا. ويأمل المدافعون عن حقوق الإنسان أن يأتي العام المقبل بمراحل انتقالية سياسية مهمة للمغرب، فانتخابات 2009 المرتقبة يجب أن تكون فرصة لوضع التزامات مؤسسية جديدة من طرف الفاعلين السياسيين والنقابيين والاقتصاديين وغيرهم من أصحاب القرار، كما نأمل أن تجيء هذه الانتخابات بقيادات سياسية جديدة تمتلك الجرأة والشجاعة لإحداث التغييرات اللازمة لتمتيع المغرب بديمقراطية راسخة الأركان، واتخاذ إجراءات متينة في مجال سيادة القانون وحقوق الإنسان واستقلال القضاء. لقد كان المغرب رائدا في تجربة هيأة "الإنصاف والمصالحة" على مستوى شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ولكن عليه أن يبدي مزيدا من القوة والإرادة السياسية في إرساء حقوق الإنسان، ولا حاجة للتأكيد بأنه لا يمكن تعزيز الاستقرار السياسي وتحقيق الرخاء الاقتصادي على المدى البعيد إلا في مجتمعات منفتحة تحترم حقوق الإنسان، وتقبل المساءلة. يلاحظ أن هذه المجالات مرتبطة بقضايا من الصعب حلها كقضية الصحراء وكذلك موضوع جماعة العدل الإحسان، هل هذا يعني أن ملف انتهاك حقوق الإنسان لن ينتهي على الأقل في المستقبل القريب ؟ + نعم، إن مشكلة الصحراء والجماعات السياسية ذات التوجه الديني والتيارات المتطرفة، يمكن أن تشكل بعض التحديات أمام تطور المسار الحقوقي في المغرب، غير أن أي مواجهة لمثل هذه التحديات تستدعي معالجة تقوم على الحصافة الاستراتيجية وبعد النظر، ولا شك أن حقوق الإنسان المعترف بها دوليا توفر أفضل إطار لهذه المعالجة لأن مسألة حقوق الإنسان تمثل اتفاق الآراء عالميا حول الحدود المقبولة، وأوجه القصور المرفوضة في السياسات والممارسات الحكومية. إن نظرة مستنيرة تقتضي من الجميع عدم الاستسلام للتشاؤم والخوف، وتجعل من واجب الحكومة وهي تنظر إلى المستقبل اعتماد استراتيجية تقوم على الاستدامة في مجال حقوق الإنسان، والابتعاد عن الاستراتيجية الأمنية التي تضحي بهذه الحقوق. فالاستراتيجية المستدامة تعني تعزيز الأمل وحقوق الإنسان والديمقراطية، بينما تقتصر الاستراتيجية الأمنية على التصدي للمخاوف والأخطار. فهل سينتهج المغرب استراتيجية مستدامة لحقوق الإنسان في التعامل مع كافة التحديات وفي جميع الظروف؟ إننا نأمل أن يتطلع المغرب إلى العالم من حوله ويتعلم الدرس الذي يقول إن أفضل وسيلة لتوطيد الاستقرار واسترجاع ثقة المواطنين وضمان مشاركتهم في الشأن العام، تتمثل في المؤسسات التي تعزز احترام حقوق الإنسان. وفي هذا الإطار تدعو منظمة العفو الدولية كافة الحكومات إلى الامتناع عن تقويض جهود الناس في سبيل إحقاق حقوقهم، وتوقيف التمييز ضد الفئات المهمشة، والاستجابة لمطالب الذين يعانون من الإقصاء والتهميش. ولأن المجتمعات أصبحت تؤدي ضريبة الحرب القذرة على الإرهاب، منذ التفجيرات الإرهابية ل 11 شتنبر في الولاياتالمتحدةالأمريكية، يكون من واجب الحكومات، وهي تواجه التهديدات الإرهابية، ضمان الحق في عدم تعرض أي شخص للتعذيب، وأن تكون مستعدة لإجراء تحقيقات وافية على وجه السرعة في كل أنباء التعذيب، وأن تقدم المسؤولين عن ارتكاب التعذيب إلى ساحة العدالة، بغض النظر عن هويتهم أو مواقعهم. ويجب أن تكفل لجميع من تعرضوا للتعذيب الحق في الحصول على تعويض فوري وكامل، بما في ذلك التعويض المادي وإعادة التأهيل، وبموازاة مع ذلك عليها أن تتصدى لكل أشكال العنف ضد النساء بما في ذلك التعذيب. كما يجب عليها أن تتصدى لجميع صور التمييز ولأية عوامل أخرى من شأنها أن تساهم في وقوع عدم المساواة والتفاوت الاجتماعي وتهميش المستضعفين، كما ينبغي أن توفر لضباط الشرطة والسجون والقوات المسلحة برامج تدريبية في مجال احترام حقوق الإنسان. ومن جهة أخرى لا يجب أن تمثل ظروف الاعتقال والسجن انتهاكا للمعايير الدولية لمعاملة السجناء. وبخصوص قضية المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء فإنه لا يجوز إجبار أي شخص على العودة إلى بلد قد يتعرض فيه لمخاطر التعذيب. إن الخطر الحقيقي الذي يهدد حقوق الإنسان لا يتمثل في الإرهاب، وإنما يتمثل في كون القيم والرؤية المكرسة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تتعرض اليوم للهجوم على ثلاثة جبهات، وهي:"الحرب القذرة على الإرهاب" التي تبيع وهم الأمن على حساب الحقوق والحريات الأساسية، والخلل المنهجي في موازين القوى التي تقلل من شأن المرأة وتعتبرها مواطنة من الدرجة الثانية، وتفشي الفقر بين الناس. وهذا ليس مجرد واقع تعيس، وإنما فضيحة رهيبة للغاية في مجال حقوق الإنسان. لذا لا بد للحكومات من تحمل مسؤوليتها الكاملة في الرد على هذه الفضيحة. يلاحظ أن هناك مجالات أخرى قد عرفت خروقات إلا انه لم يتم التطرق إليها، هل رصدكم لهذه الخروقات رهين بتكرارها أم ماذا ؟ + كما ذكرت في السابق، إن التقرير السنوي لمنظمة العفو الدولية لا يتطرق إلى التفاصيل، وإنما يسلط الأضواء على أبرز حالات انتهاكات حقوق الإنسان التي تحصل في هذا البلد أو ذاك. وبالنسبة للمغرب فقد رصد تقرير 2008 ما تعاني منه حرية التعبير وتكوين الجمعيات من تضييق، لاسيما حينما يتعلق الأمر بالقضايا التي تعتبر حساسة سياسيا كالمؤسسة الملكية والدين والوحدة الترابية، غير أن هذا لا يعني حصول انتهاكات أخرى لا تتوقف منظمة العفو الدولية عن إثارتها في بياناتها وتقاريرها العامة ومذكراتها التي توجهها إلى الجهات الحكومية المعنية. وفي الوقت نفسه، يسعى أعضاء المنظمة وأنصارها في سائر أنحاء العالم إلى حث الرأي العام على ممارسة ضغوط على من بيدهم مقاليد الحكم وغيرهم من ذوي النفوذ من أجل وضع حد للانتهاكات، وتيسر المنظمة لكل شخص أن يرسل مباشرة خطابات ومناشدات تعكس بواعث القلق إلى من يمكنهم تغيير الوضع. ولا تدخر منظمة العفو الدولية وسعا في العمل على تغيير مواقف الحكومة والقوانين الجائرة، فتحرص دوما على تزويد وسائل الإعلام والسلطات والأمم المتحدة بالمعلومات الموثقة، مع حثها على اتخاذ إجراءات فعالة. ويشهد المغرب اليوم، وإلى حد كان من المستحيل تقريبا تصوره قبل عقد من الزمن، حركة نشطة للمجتمع المدني، والمواطنين الذين يطالبون بإعادة الالتزام بإعلاء نشأة حقوق الإنسان وتعزيزها، وهذا يقوي الأمل في أن المستقبل سيكون أفضل. إن تمتيع معتقلي الرأي في القصر الكبير وبني ملال بالعفو الملكي وهم الذين سجنوا بتهمة "المس بالمقدسات" بسبب مشاركتهم في مظاهرات سلمية رددوا خلالها شعارات تمس بالحكم الملكي إشارة يمكن قراءتها بأن من حق كل فرد أن ينشر ويتلقى المعلومات ويعبر عن معتقداته السلمية دون خوف أو تدخل أو قمع، وهذا ما يجعل الأمل قويا ومفعما بالحياة. لماذا لا تتحدث الجمعيات الحقوقية الدولية العاملة في المغرب، عن الخروقات التي تمس المجالات الاجتماعية الاقتصادية مثلا على شاكلة ما تقوم به في بلدانها ،لان جلها يهتم بالحقوق السياسية ؟ + لقد ركزت منظمة العفو الدولية منذ تأسيسها سنة 1961 على الحقوق المدنية والسياسية، وناضلت بكثير من الحماس من أجل تحرير سجناء الرأي، وضمان محاكمات عادلة وإلغاء عقوبة الإعدام، ووضع حد للقتل خارج نطاق القضاء و"الاختفاء" والاعتقال السري والتعذيب، ونجحت المنظمة في تحرير عشرات الآلاف من معتقلي الرأي، وتحطيم العديد من المعتقلات السرية، كما اقتنعت حكومات كثيرة في العالم بإدخال تعديلات على قوانينها وممارساتها، وتراجعت جماعات المعارضة المسلحة في أكثر من منطقة عن احتجاز الرهائن وتعذيب السجناء وإزهاق الأرواح وغير ذلك من أعمال القتل العمد والتعسفي. واليوم تدرك منظمة العفو الدولية وهي تواصل نضالها من أجل الحقوق المدنية والسياسية، أنه من المحال مواجهة تحديات المستقبل دون إعطاء الأهمية اللازمة لإحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال نظام متعدد الأطراف للقيم العالمية، يستند إلى المساواة والعدل وسيادة القانون حيث لا يمكن وضع مراتب تفضيل ما بين الحق في حرية التعبير والحق في التعليم، والحق في عدم التعرض للتعذيب والحق في الضمان الاجتماعي. إن منظمة العفو الدولية تدرك جيدا أن بناء مجتمعات ديمقراطية وعادلة تقتضي أن يعترف أصحاب القرار بمبدأ عالمية حقوق الإنسان، بمعنى أن كل فرد قد ولد حرا، يتمتع بالمساواة، ومبدأ الترابط بين هذه الحقوق، وأنها جزء لا يتجزأ، أي أنه لابد من الوفاء بجميع الحقوق سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو مدنية أو سياسية أو ثقافية، والالتزام بها جميعا على قدم المساواة، يمثلان الأساس اللازم لأمننا الجماعي وإنسانيتنا المشتركة. وفي هذا الإطار، تعد منظمة العفو الدولية العدة لحملة عالمية من أجل كرامة الإنسان تطالب بمساءلة الذين ينتهكون الحقوق الإنسانية للأشخاص الذين يعيشون في فقر على أفعالهم، كذلك ستروج منظمة العفو الدولية للتمتع المتكافئ بالحقوق من جانب الأشخاص الذين يعانون من الفقر، فضلا عن حقهم في المعلومات وحرية التعبير والدفاع عن حقوقهم. ولتحقيق هذه الأهداف سنسلط الضوء خلال هذه الحملة العالمية، "حملة الكرامة الإنسانية" على حالات انتهاكات حقوق الإنسان التي تقف وراء الفقر، بما فيها الإخلاءات القسرية وحرمان الشعوب الأصلية من حقوق الأراضي، والانتهاكات المتعلقة بصحة الأم وفيروس السيدا وغيرها. إن إحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هي معركة عصر العولمة، فلم يعد بالإمكان تجاهل هذه الحقوق، ولم يعد بالإمكان التعامل مع الجوع والتشرد والأمراض التي يمكن الوقاية منها وكأنها مشكلات اجتماعية مستعصية، إذ لا يمكن وضع اللائمة في الحرمان من هذه الحقوق على انعدام الموارد وحده، فهو ينجم كذلك عن انعدام الإرادة السياسية وعن التمييز. وتدعو منظمة العفو الدولية وهي تناضل في إطار "حملة الكرامة الإنسانية" الحكومات إلى الامتناع عن تقويض جهود الناس في سبيل إحقاق حقوقهم ويجب أن توقف التمييز ضد الفئات المهمشة، وأن تستوعب الذين يعانون من الإقصاء والتهميش. كما يجب أن توجه الشركات وغيرها من الفاعلين غير التابعين للدولة لضمان احترام حقوق الإنسان، إن هذه الالتزامات لا تقف عند حدود بلدانها، بل تتجاوزها لتشمل أفعالها في الخارج، سواء كانت بمفردها أو من خلال المؤسسات المالية الدولية. ولعل ما يعرفه العالم حاليا من تدهور مريع للأوضاع الاجتماعية للناس، وإهدار لحقوقهم الأساسية ونحن نقترب من الذكرى السنوية الستين لإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، هو ما جعل منظمة العفو الدولية تصدر تقريرها السنوي 2008 بغلاف أسود، تعبيرا عن الحزن والألم والغضب أيضا لتقاعس الحكومات عن تعهداتها والتزاماتها التي أعلنت عنها حينما أصدرت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان منذ 6 عقود سنة 1948.