هلال يكشف لمجلس الأمن تزييف الجزائر للحقائق حول قضية الصحراء المغربية    البرلمان الكولومبي يجدد دعمه للوحدة الترابية للمملكة المغربية    خبير اقتصادي ل"رسالة 24″: القطار فائق السرعة القنيطرة مشروع استراتيجي يعزز رؤية 2035    استعادة التيار الكهربائي تنهي ساعات من العزلة والصمت في البرتغال    الأوقاف تحذر المواطنين من إعلانات متداولة بشأن تأشيرة الحج    البطولة.. أربعة فرق تحاول تجنب خوض مباراتي السد وفريقان يصارعان من أجل البقاء    عملية جراحية تنهي موسم روديغر مع الريال    الوداد يوضح رسميا بشأن وضع موكوينا ويؤجل فسخ عقده إلى نهاية الموسم    بورصة البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الانخفاض    "كان" الشباب.. المنتخب الوطني المغربي يواصل تحضيراته استعدادا لمواجهة كينيا بعد غد الخميس    أرسنال يستضيف باريس سان جرمان في أولى مواجهتي نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    الحسيمة: إطلاق حملة واسعة لتحرير الملك العام استعدادًا لموسم الصيف    مهرجان كان السينمائي.. لجنة تحكيم دولية برئاسة جولييت بينوش وعضوية ليلى سليماني    مؤسسة المقريزي تسدل الستار على الأسبوع الثقافي الرابع تحت شعار: "مواطنة تراث إبداع وتميّز"    شباب خنيفرة يسقط "الكوكب" ويحيي الصراع على الصعود    المكتب الوطني للمطارات يعلن عن عودة الوضع إلى طبيعته في كافة مطارات المملكة    لقاء علمي بجامعة القاضي عياض بمراكش حول تاريخ النقود الموريتانية القديمة    عودة حمزة مون بيبي : فضيحة نصب تطيح بمؤثر شهير في بث مباشر وهمي    بعد انقطاع كهربائي غير مسبوق.. هكذا ساعد المغرب إسبانيا على الخروج من "الظلام"    السايح مدرب المنتخب النسوي للفوتسال: "التأهل للنهائي إنجاز تاريخي ونعدكم بالتتويج بلقب الكان.. والفضل يعود لهشام الدكيك"    عمر حجيرة يترأس الدورة العادية للمجلس الإقليمي بالجديدة    وزير التعليم يربط تفشي العنف المدرسي بالضغط النفسي    مراكش: تفاصيل توقيف أستاذ جامعي يشتغل سائق طاكسي أجرة بدون ترخيص    "الجمعية" تحذر من انفلات صحي واجتماعي بالفقيه بن صالح    كيوسك الثلاثاء | بنعلي تعلن قرب تحقيق الأهداف الطاقية قبل أربع سنوات من الموعد المحدد    "البيجدي" يدعو إلى ترسيخ مصداقية الاختيار الديموقراطي وإصلاح شامل للمنظومة الانتخابية    التيار الكهربائي يعود بشكل شبه تام في إسبانيا والبرتغال    منظمة العفو الدولية: "العالم يشاهد عبر شاشاته إبادة جماعية مباشرة في غزة"    الصين: تسليط الضوء على دور القطاع البنكي في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الصين والمغرب    طقس الثلاثاء .. أجواء حارة في عدد من المدن    تمارة.. اعتقال أب وابنه متورطين في النصب والاحتيال بطريقة "السماوي    وهبي: تعديل القانون الجنائي سيشدد العقوبات على حيازة الأسلحة البيضاء    كندا.. الحزب الليبرالي يتجه نحو ولاية جديدة بعد فوزه في الانتخابات التشريعية    فاطمة الزهراء المنصوري: عدد الطلبات الاستفادة من الدعم المباشر بلغ 128 ألف و528    لبؤات القاعة يبلغن النهائي على حساب أنغولا ويتأهلن للمونديال    انقطاع كهربائي واسع في إسبانيا والبرتغال يربك خدمات الإنترنت في المغرب    الصين: الحكومات المحلية تصدر سندات بحوالي 172 مليار دولار في الربع الأول    الصين تتوقع زيادة بنسبة 27 في المائة في السفر عبر الحدود خلال عطلة عيد العمال    التيار الكهربائي يعود إلى معظم مناطق إسبانيا    جسر جوي جديد بين تشنغدو ودبي.. دفعة قوية لحركة التجارة العالمية    حصاد وفير في مشروع تطوير الأرز الهجين بجيهانغا في بوروندي بدعم صيني    لماذا يستحق أخنوش ولاية ثانية على رأس الحكومة المغربية؟    سانشيز يشيد بتعاون المغرب لإعادة الكهرباء    البوليساريو تنهار… وتصنيفها حركة ارهابية هو لها رصاصة رحمة    حصيلة الدورة 30 للمعرض الدولي للنشر والكتاب    ‪بنسعيد يشارك في قمة أبوظبي ‬    منظمة الصحة العالمية: التلقيح ينقذ 1.8 مليون شخص بإفريقيا في عام واحد    أزيد من 403 آلاف زائر… معرض الكتاب بالرباط يختتم دورته الثلاثين بنجاح لافت    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    بريطانيا .. آلاف الوفيات سنويا مرتبطة بتناول الأغذية فائقة المعالجة    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    العرائش: عزفٌ جنائزي على أوتار الخراب !    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    منصف السلاوي خبير اللقاحات يقدم سيرته بمعرض الكتاب: علينا أن نستعد للحروب ضد الأوبئة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحو القضاء على «معضلة التعذيب» في مغرب التحديث
نشر في المساء يوم 19 - 08 - 2009

في الوقت الذي بلغت فيه قيم حقوق الإنسان بمختلف أجيالها درجة عالية من الاحترام الدولي، كادت تداعيات «الحرب على الإرهاب» التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية، بعد 11 شتنبر 2001، أن تعصف بكل تلك القيم الكونية التي تراكمت عبر التاريخ
يعتبر التعذيب ظاهرة بنيوية وهيكلية لا ترتبط فقط بطبيعة النظام السياسي وليست فقط أسلوبا مركزيا وثابتا لتعاطي الكثير من الحكام مع معارضيهم وفق مبدأ «العصا لمن يعصى»، إنه ظاهرة عالمية، لا زمان ولا مكان له، قد يبرز في جميع المجتمعات الغنية والفقيرة، القديمة والحديثة، لأنه كان ممارسا عبر مختلف المراحل والحقب التي مر منها الإنسان والمجتمع بصفة عامة؛ بل أكثر من ذلك فمعظم الزعماء قديما وحديثا عرفوا كيف يتخلصون من خصومهم، فمبدأ «أفْطِر بِهْْ قَبْلَ غَذَائِهِْ بك» ظهر منذ زمن طويل، ومبدأ «إن السياسة لا دين لها» عرفه الإنسان قبل أن يولد «نيكولا ماكيافيلي» الذي يعتبر أول من قنن القوة وشرحها شرحا واضحا كعامل أول في التدبير السياسي، وكأن هذا العامل لم يوجد قبل أن يَجِدَهُ ويقننه «ماكيافيلي» ويلخِصه في عبارته الشهيرة «الغاية تبرر الوسيلة»؛ فلا شك أن القوة كانت دائما عبر التاريخ تجعل المنتصر قاضيا، والمغلوبَ مُتَهَماً كما قال «هتلر»، لكن منذ سقوط جدار برلين وتنامي هيمنة نموذج «الديمقراطية الليبرالية» وتنامي دور المجتمع المدني سقطت معه إمكانية الاستمرار في تبني سياسة لا تعير الاهتمام لحقوق الإنسان، خصوصا أمام ظهور مؤشراتٍ تَهَاوَى معها مبدأ السيادة الداخلية للدول وجعلتها غير قادرة على التمادي في استنكار الانتقادات الموجهة إلى سياستها في مجال حقوق الإنسان حيث ظل العديد من البلدان ينكر باستمرار وجود معتقلين سياسيين أو أماكن احتجاز غير شرعية.
لكن في الوقت الذي بلغت فيه قيم حقوق الإنسان بمختلف أجيالها درجة عالية من الاحترام الدولي، كادت تداعيات «الحرب على الإرهاب» التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية، بعد 11 شتنبر 2001، أن تعصف بكل تلك القيم الكونية التي تراكمت عبر التاريخ، لتبلغ إدعاءات التعرض للتعذيب من جديد ذروتها وتتفشى بشكل كبير منذ ذلك الحين طيلة ولاية «بوش» في مناطق عديدة من العالم على نحو منذر بالخطر، علما أنه لا يجوز التذرع بأية ظروف استثنائية أيا كانت، سواء أكانت هذه الظروف حالة حرب أو تهديدا بالحرب أو عدم استقرار سياسي داخلي أو أية حالة من حالات الطوارئ العامة الأخرى كمبرر للتعذيب.
فرغم أنه يكاد لا يوجد صَكٌُُ لحقوق الإنسان إلا ويشير من بعيد أو قريب إلى الحرمة الجسدية للإنسان، فإن «اتفاقية مناهضة التعذيب الأممية وغيرها من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984» (CAT) هي الاتفاقية الأممية الوحيدة المتخصصة والمكرسة والملزمة لمناهضة التعذيب وقد انبتقث عنها «لجنة مناهضة التعذيب» تختص بمراقبة تنفيذ الدول الأعضاء التزاماتها والرد على حالات التعذيب، وأمام استمرار ممارسات التعذيب عالميا فقد أضيف للاتفاقية بروتوكول اختياري عام 2002 ووضع حيز التنفيذ سنة 2006 غايته الوقاية من التعذيب أي التدخل قبل وقوع التعذيب.
وإذا كان المغرب قد وقع الاتفاقية المذكورة (CAT) سنة 1993 ووضعها حيز التنفيذ عام 1996، فإنه (المغرب) دخل في تنفيذ التزاماته وفق مسار متدرج ومتقطع بلغ عمره إلى حد الآن 15عاما تقريبا تحت مراقبة دول ومؤسسات ومنظمات حقوقية دولية ووطنية لم تتردد في انتقاد تعامله مع «معضلة التعذيب» قانونا وممارسة، حيث اتخذ عدة تدابير إدارية وقضائية وشبه قضائية (تحكيمية) وتشريعية لمنع التعذيب في الأراضي الخاضعة لولايته القضائية، إذ تَمَيٌَزَ المسار الرسمي بإسهال مؤسساتي حقيقي، برزت على إثره إلى الوجود مؤسسات حقوقية مكلفة بتلقي الشكاوى المرفوعة ضد السلطات، فمن جهة تم إصلاح «المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان» الذي أصبحت تركيبته منفتحة أكثر على المنظمات الحقوقية الوطنية بشكل مكنه من تجاوز اختصاص الاستشارة نحو التصدي لأعمال التعذيب والممارسات المشابهة، ومن جهة أخرى تم إحداث مؤسسة جديدة حملت اسم «ديوان المظالم» في إطار «المفهوم الجديد للسلطة» بهدف تعزيز حماية الفرد من الشطط في استعمال السلطة- الذي يعتبر التعذيب أحد مظاهره- هذا بالإضافة إلى تعديل قانون المسطرة الجنائية في اتجاه إحكام الرقابة القضائية على أعمال الضابطة القضائية مع نبذ «الاعتراف» المنتزع عن طريق التعذيب؛ وكذا الكشف عن حقيقة الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبت خلال الفترة الممتدة بين 1956 إلى 1999 ضد معارضي النظام السياسي (المعتقلين السياسيين ومختفين أغلبهم من اليساريين والعسكريين الذين شاركوا في محاولات الانقلاب عامي1971 و1972، والصحراويين المعارضين)، عبْر اتخاذ تدابير تحكيمية غير قضائية («لجنة التحكيم المستقلة»، «هيئة الإنصاف والمصالحة») لإنصاف ذوي الحقوق والضحايا وتعويضهم ماديا ومعنويا بما في ذلك إعادة تأهيلهم بالاستناد إلى بعض مقتضيات اتفاقية مناهضة التعذيب لاسيما المواد 12 و13 و14، دون تحديد المسؤوليات المؤسساتية بدقة، لطي ملفٌٍٍ طالما أزعج المغرب في المحافل الدولية، ولتكون آلية من آليات العدالة الانتقالية.
ويمكن القول إن المغرب لم يستجب لأهم مقتضيات الاتفاقية المذكورة إلا بعد تنفيذه للالتزام الموجود في صلب مادتها الرابعة وفق التعريف المحدد في مادتها الأولى، وذلك بإدراج نص صريح في قانونه الداخلي يجرم ويعاقب ممارسات التعذيب كجريمة أصلية بعد تبنيه للقانون رقم 04.43 المعدل والمتمم للفصل 231 من مدونة القانون الجنائي الصادر الأمر بتنفيذه في فبراير 2006 والذي أصبح معروفا ب«قانون تجريم التعذيب»، وجاء كرد فعل على الضجة التي أحدثها عدد من المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية خاصة بعد ارتفاع ادعاءات التعرض للتعذيب التي صاحبت اعتقالات ما بعد أحداث 16 ماي 2003 الإرهابية، حيث مهد ذلك لاتخاذ المغرب قرارات أخرى أكثر تقدما كما هو الشأن عندما رفع التحفظ عن اختصاص «لجنة مناهضة التعذيب» بالأمم المتحدة في إمكانية إجراء تحقيقات سرية وزيارة المغرب (المادة 20 من اتفاقية مناهضة التعذيب)، وحين اعترف بصلاحيتها كذلك في تسلم ودراسة بلاغات حول التعرض للتعذيب واردة من أفرادٍ أو ممن ينوب عنهم (المادة 22)؛ لتكون المملكة قد دخلت مرحلة مهمة في تاريخها الحقوقي، حيث لم يكن أحد يجرؤ على تصوره قبل عقدين من الزمن مَضَيَا، والتي ربما لم تكن لتتحقق ما لم تتوفر إرادة سياسية حقيقية، فذلك التمييز المطلق بين الداخل والخارج في التدخل لمنع التعذيب، أصبح نسبيا، بل سيصبح لا أساس له إذا ما استكملت المملكة العملية المتعلقة بالانضمام إلى البروتوكول الاختياري الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب؛ أي أن الدولة ستكون مضطرة، بمقتضى التزامها هذا، لأن تتنازل عن بعض الاختصاصات التي كانت تندرج سلفا ضمن المجال المحفوظ، وذلك لفائدة مؤسسات دولية، خاصة وأن هذا البروتوكول الذي يعتبر آخر ما أنتجته هيئة الأمم المتحدة في مناهضتها للتعذيب، انبثقت عنه لجنة فرعية لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة تضم خبراء مستقلين يعملون بصفتهم الفردية المهنية ولا يمثلون حكوماتهم بأي شكل من الأشكال، حيث تتمتع بصلاحية تنفيذ نظام زيارات منتظمة إلى أماكن الاعتقال لتقديم توصيات سرية عملية إلى الدولة لمنع التعذيب وسوء المعاملة وضمان تنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاقية؛ لأن ذلك سيزيد من بذل الجهد لتحسين أماكن الوضع تحت الحراسة النظرية وصيانتها وتوفير التغذية اللازمة وتحسين معاملة المحتجين أو الموضوعين تحت الحراسة النظرية؛ فهذه الآلية الجديدة هي آلية فعٌالة وقائية تعزز آليات المراقبة الدولية التي يضطلع بها «المقرر الخاص المعني بالتعذيب»، و«لجنة مناهضة التعذيب»، و«مجلس حقوق الإنسان» بالأمم المتحدة؛ على اعتبار أنها تهدف إلى منع وقوع التعذيب (الوقاية) وليس الرد على حالات التعذيب. وبالنظر إلى تعدد آليات المراقبة الدولية والوطنية، القبْلية والبعدية الحكومية وغير الحكومية في مجال حقوق الإنسان، فإن ذلك يضع المغرب «تحت المجهر» ويحاصر مختلف الممارسات التي تدخل في خانة التعذيب والمعاملة الحاطة بكرامة الإنسان، خصوصا بعد أن أعلنت عشر منظمات غير حكومية مغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في 26 يونيو 2008 أنها أنشأت لجنة وطنية ضد التعذيب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.