على بعد أشهر من نهاية ولايته ، اكتشف رئيس الحكومة أن بين المغربي والإدارة سوء فهم كبير ، وأن المواطن لا يتوجه إلى الإدارة إلا مكرها ، وإذا خرج منها بسلام فانه يفرح ، هذا اذا لم يتعرض للتنكيل والعذاب . تصريحات بنكيران هذه جاءت خلال كلمة لتدشين الانطلاقة الرسمية لبوابة البيانات المكانية للمرافق العمومية خلال الأسبوع الماضي . سبحان الله ، وكأن هذه البوابة الإلكترونية للبيانات هي البلسم الشافي الذي سيضفي على المواطنين الراحة والسكينة ، ويقيهم ما يتعرضون له من أصناف الذل والهوان التي ألفوها كلما توجهوا الى إدارة ما لقضاء أغراضهم . بعد اكثر من ستة عقود مرت على استقلال المغرب ، مازال المواطن المغربي يتنازل عن شموخه وكرامته وإبائه ، ليتركها خارج الإدارة قبل أن يضع قدميه فيها ، يضع أمام عينيه أنه سيكون عرضة للاحتقار والاستفزاز من طرف بعض المسؤولين والتابعين لهم ، ويكون مستعدا للتنازل عن شيء من كرامته من أجل قضاء مصالحه ، مستشهدا بمقولة المغاربة الشهيرة التي مفادها ماذا بإمكان الميت أن يفعل إزاء القائم عل تغسيله وتطهيره وتكفينه ؟ . وحتى نلامس الموضوع ونحيطه بوقائع تحدث يوميا في العديد من مرافق إدارتنا المريضة ، لابأس أن ننقل الى السيد رئيس الحكومة نموذجا يكاد مواطنونا يعيشونه بشكل يومي داخل صندوق التقاعد بشارع العرعر وسط الرباط . السيد بنكيران ومعه وزيره المبدع في كل شيء ، ووزيره في المالية المسؤول عن صندوق التقاعد ، يعلمون أن المواطنين المترددين على مكاتب هذا الصندوق اغلبهم من الشرائح المتقدمة في العمر ، من ضمنهم مرضى مصابون بأمراض مزمنة ، وهم يحتاجون إلى الحد الأدنى من التعامل النظيف، غيرأن ما يعانيه هؤلاء ، داخل مصالح مكاتب التقاعد يندى له الجبين . منذ أيام انفرجت أسارير شيخ مسن داخل هذا الصندوق ، بعد ان لاحظ أن دوره قد اقترب ، وأن الرقم المنادى عليه هو 500 لأنه يحمل الرقم الذي يليه ، إلا أن الموظف المكلف بالاستقبال أقفل الشباك وانصرف لحال سبيله ، رغم أن الساعة لم تكن تشير للحادية عشرة صباحا ، لتظل طوابير المواطنين دون حراك ، ولما تجرأ على الاستفسار ، علم ان الموظف غادر الإدارة الى المقهى لتناول قهوة وتدخين سيجارة . لم يجد المنتظرون بدا من الانتظار فدورهم كان وشيكا ، إلا أن صاحبنا وبعد عودته ، ونكاية بالمواطنين ، وعوض أن يسترسل في النداء حسب الأرقام التي بلغها ، قرر معاودة النداء ابتداء من 600 على أن يعود إلى بقية الأرقام بعد الوصول الى رقم 700 . وفي صندوق التقاعد بالرباط لاحق لأحد أن يحتج أو يستفسر ، وإلا كان مصيره الإلغاء من قائمة النداء . المواطنون غير محتاجين الان إلى البوابة الإلكترونية التي دشنها بنكيران ، والتي نتنبأ لها ومنذ الان بانها ستظل بدون تحيين للمعلومات ، بل إنهم محتاجون لأن يتم التعامل معهم كأولوية بالنسبة إلى الإدارة التي يتعين أن تكون في خدمتهم . المواطنون يا بنكيران يطلبون إعادة الاعتبار لهم ، وهذه هي الديمقراطية الحقيقية .