قررت محكمة إيطالية الحكم على برلسكوني بتقديم خدمات شخصية لفائدة بلدية روما عِوَض إيداعه السجن بسبب الفساد المالي والتهرب الضريبي . برلسكوني الذي شغل الدنيا منذ سنوات بفضائحه المالية ومغامراته الجنسية والذي يستولي على اكبر القنوات التلفزية الإيطالية ويملك ثروة يصعب حصرها . برلسكوني رئيس حكومة ايطاليا القوي في سنوات خلت ، والذي خبر دواليب الحكم والسياسة ومثل بلاده في عشرات للقمم العالمية ، وحظي باستقبالات كثيرة في البيت الأبيض والاليزي وفي كل دول العالم الكبرى . برلسكوني هذا الذي يبلغ حوالي 78 سنة ، أنهى منذ أسابيع عقوبته المتمثّلة في قضاء اربع ساعات يوميا في ملجا للعجزة مهمته الوحيدة هي رعايتهم ، سيشرع بعد ايام في تنفيذ عقوبة اجتماعية اخرى هي كنس وتنظيف الشوارع ، نعم تنظيف الشوارع . استحلفكم بالله ان تتخيلوا معي ان القضاء المغربي يصدر احكاما مثل تلك التي طالت هذا المسؤول الايطالي في مواجهة كبار المسؤولين المغاربة المتهمين بالفساد المالي واختلاس الأموال العامة ، آنذاك ستتحول كل مدن البلاد الى انظف مدن العالم ، بل لو ان العالم العربي طبق مثل هذه العقوبة لتحولت مدنه وعلى الأقل عواصمها الى انظف مدن العالم. في المغرب نعيش وضعا كارثيا بخصوص استرجاع الأموال المختلسة ، محاكمات ماراثونية ، معظم المتهمين في سراح مؤقت ، وبعدها إما أن يتم طَي الملف بطريقة او باخرى ، او صدور حكم مخفف يقضي صاحبه مدة عقوبته في غرفة من خمس نجوم في سجن ما ،أو الإقامة في جناح مريح بإحد المستشفيات العمومية . لو تم تطبيق مثل هذه العقوبة في المغرب ، سيُصبِح المألوف ان نصادف وزيرا او مديرا عاما لمؤسسة عمومية كبرى ، وهو يكنس شوارعنا وينظفها ، ويجمع أزبالاها ونفاياتها ، وقد نشفق عليه وتردد مع بنكيران لازمته المعهودة ( عفا الله عما سلف) او لان هذا الامر سيُصبِح عادة مألوفة فان قلوبنا ستتحجر ، ولن نبالي بمثل هذه المشاهد ، وربما قد تدفعنا اريحيتنا الاسلامية والعربية والمغربية لنقول له ( الله يعاونك ) او قد نبادر الى ان نقذف له قارورة ماء بارد او كسرة خبز او دريهمات . يجب ان نصارح أنفسنا قليلا ، فالدولة عجزت عن محاربة الفساد ، وعجزت عن تطبيق القانون الذي اضحى سيفا يهدد الفقراء دون الأغنياء ، وعجزت عن تنفيذ الأحكام الصادرة في ملفات الاختلاسات ، كما عجزت عن استرجاع الملايير المحكوم بها . لقد قدمت وزارة العدل والحريات خلال الأشهر الماضية عدة مشاريع قوانين لتغيير الترسانة القانونية المطبقة حاليا ، وفي مقدمتها قانون المسطرة الجنائية والقانون الجنائي ، ومادامت المصادقة لم تتم بعد على هذه المشاريع ، فما رأي السيد وزير العدل والحريات في ان يضيف هذا الصنف من العقوبات في القانون الجنائي ، فقط لترهيب جحافل المفسدين ومختلسي المال العام ، واعتقد ان التلويح بمثل هذا القانون سيخفف من حالات الفساد المالي الذي ينخر دواليب الدولة في القطاع العام وشبه العام والخاص .