قضت غرفة الجنايات المكلفة بالجرائم المالية بمحكمة الاستئناف، منذ فترة بالرفع من العقوبة الحبسية للرئيس السابق للتعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية، وتقليص التعويض من مليار سنتيم خلال المرحلة الابتدائية إلى 100 مليون سنتيم استئنافيا..دون أن تبادر الجهات المعنية باسترجاع الأموال المبددة إلى الخزينة العامة، مما يجعل تلك الأحكام غير ذات فعالية. ملف "التعاضدية" يذكرنا بملفات سابقة تتعلق بجرائم الأموال، التي لازالت لم تنفذ وبالتالي لازالت الملايير من الدراهم في خبر كان، فيما كان يفترض أن تساهم تلك الأموال -لو استرجعت- في تنمية البلاد، وفتح مجموعة من الأوراش لفك العزلة عن مجموعة من المناطق النائية؟ فما جدوى تقديم متهمين إلى المحكمة بتهم ثقيلة مثل الاختلاس والرشوة وجرائم الغدر في الوقت الذي تظل فيه الأموال العامة المختلسة غير منفذة، ألم يحن الوقت لاسترجاع الأموال المنهوبة في ظل الربيع العربي الذي اتخذ من ضمن شعاراته محاربة الفساد و المفسدين واسترجاع الأموال العامة المنهوبة، وفي ظل دستور جديد أصبح القضاء من خلاله يمثل سلطة من مستوى السلطتين التشريعية والتنفيذية. خلال اجتماع الدورة العادية للحساب الإداري لسنة 2011 لمقاطعة بن امسيك جماعة الدارالبيضاء المنعقد يوم الإثنين 23 يناير 2012، طالب عبد المالك لكحيلي رئيس فريق مستشاري العدالة والتنمية بمجلس المدينة، باعتماد شعار "لنجعل من سنة 2012 سنة استرجاع الأموال المنهوبة "، قال لكحيلي: "يجب أن نبدأ نحن كأعضاء المجلس بأنفسنا ونطالب بالتحقيق معنا كمستشارين كم كانت ممتلكاتنا حين تم انتخابنا، وكم هي قيمة ممتلكاتنا الآن؟"ماذا بعد كل هاته الخطابات، وكم من المستشارين استجابوا إلى هذا النداء؟. ملفات "التعاضدية"، "ملف المكتب الوطني للمطارات"، "ملف القرض العقاري والسياحي"،"ملف مطاحن المغرب"...ظلت عالقة، وهو ما يجعلنا أمام سؤال عريض حول حجم الأموال التي يخسرها المغرب بسبب عدم تنفيذ الأحكام، فاستنادا إلى الفصل 247 من القانون الجنائي يحكم القضاء لزوما بمصادرة الأموال والقيم المنقولة والممتلكات والعائدات لفائدة الدولة إما كليا أو جزئيا، من أي شخص كان وأيا كان المستفيد منها، لكن ما حدث أن هناك قضايا حكمت على مستوى العقوبات الحبسية في حين أن أموالها المختلسة مازالت عالقة. ولازالت المبالغ المحكوم باسترجاعها بسبب جرائم الأموال متعثرة منذ إلغاء محكمة العدل الخاصة سنة 2004 هذه السنة التي كان على الدولة أن تسترجع 148 مليار سنتيم (في عدد محدد من الملفات)، في 621 قضية حكمت مابين 1965 و2004 إلا أنه تم تنفيد فقط 4 ملايير في حين ظلت 138 مليار في خبر كان. اليوم أصبح المغرب يربط السلطة بالمحاسبة، وبالتالي آن الأوان لفتح تحقيق لكل الملفات التي كشف عنها المجلس الأعلى للحسابات ومحاسبة من تبث تورطهم واسترجاع الأموال المختلسة أو المبددة...هذا ما سيعطي مصداقية أكثر للأحكام القضائية، وللتحديات التي أطلقتها الحكومة الجديدة. أعلنت وزارة العدل والحريات أخيرا عن إحالة تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2010 على لجنة استشارية مكونة من قضاة متخصصين في الجرائم المالية لدراسة فحواه، وإبداء الرأي في ما تضمنه من مقتضيات، ومايمكن أن يحتويه من مخالفات لأحكام القانون الجنائي، وتدخل هذه العملية-بحسبها- في إطار مقاربة جديدة للتعامل مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات، إذ إلى جانب الإحالات التي يمارسها الوكيل العام للملك لدى المجلس المذكور على وزير العدل والحريات، تسعى الوزارة إلى تفعيل المقتضيات القانونية التي تعطي للنيابة العامة حق المبادرة إلى مباشرة الإجراءات الضرورية للبحث عن مرتكبي المخالفات للقانون الجنائي، وكذا تلك التي تعطي لوزير العدل والحريات صلاحية إبلاغ ما يصل إلى علمه من مخالفات إلى الوكلاء العامين للملك وأمرهم بمتابعة مرتكبيها أو تكليف من يقوم بذلك...نهج الرميد مبادرة جديدة في التعاطي مع تقارير المجلس الأعلى للحسابات..وفي انتظار الكشف عما أسفرت عنه تلك التحقيقات، يجب أن تصاحب هذه المبادرة تنفيذ الأحكام القضائية واسترجاع الأموال، واستثمارها في خدمة جميع المواطنين.