... إذا كان هناك حديث متواصل بشأن ضرورة تنفيذ الأحكام والقرارات والأوامر القضائية المكتسبة لقوة الشيء المقضي به الصادر في مواجهة الإدارة فإنه في المقابل لابد من التأكيد على إيلاء العناية والاهتمام اللازمين للأموال العامة الصادرة عن الجهاز القضائي لفائدة الدولة. ونعني بذلك ملايير الدراهم المُشتَّتة والموزعة بين دفتي الملفات المطمورة في أرشيفات المحاكم التي تنتظر منْ ينفض عنها الغبار، وهذه الملايير لاتهم فقط استرجاع الأموال المحكوم بها لفائدة مصالح الدولة بمختلف محاكم المملكة (المحاكم العادية والاستثنائية والمجلس الأعلى للحسابات منذ إحداث كل واحدة منها) وإنما تشمل أيضا استخلاص الغرامات والمصاريف القضائية المسكوت عن تنفيذها، إضافة إلى تعثر مسطرة تنفيذ الأحكام في قضايا المصادرة في نوازل المخدرات مثلا والتي تثير جملة من الإشكالات تطرقنا إلى بعضها في العدد المنصرم من هذه الصفحة. في هذا السياق كانت وزارة العدل والوكالة القضائية للمملكة التابعة لوزارة المالية قد اشتغلتا على تركة محكمة العدل الخاصة الملغاة سنة 2004 وخلصتا إلى أن المبالغ المحكومة من قبل هذه المحكمة لوحدها مابين 1965 و2004 بلغت 1420841755.88 درهم في 645 قضية من أصل 1621 نازلة والتي استرجع منها فقط 4 ملايير سنتيم، في حين أن أكثر من 138 مليار سنتيم لاتزال مُعلقة حسب تصريح لوزير العدل الأسبق المرحوم محمد بوزبع في قبة البرلمان. وهذه المبالغ لاتعكس واقع الاختلاس بالإدارات العمومية ممّا عُرض على هذه المحكمة لكون أولا أن المبالغ المحكوم بها لاتُمثل حجم الأموال المدعى اختلاسها من طرف المؤسسات العمومية لأن هناك أحكاما قضت برفض جزئي أو كلي للمطالب المدنية لعدم ثبوتها في حق المتهمين المتابعين، أو لارتكاب الجهة المدافعة عن الدولة خللا مسطريا، وثانيا أنه لابد من طرح سؤال بشأن المبالغ المتبقية من 1621 قضية المعروضة على ذات المحكمة، أي 976 ملف، دون الحديث عن الغرامات والمصاريف القضائية المحكوم بها لفائدة الدولة التي لم يتم احتسابها، والملفات المحكوم بها من قبل باقي المحاكم العادية والمحكمة العسكرية والمجلس الأعلى للحسابات وفقا لما هو مفصل في كتابنا حول: (قضايا اختلاس المال العام في المغرب) عن مطبعة دار القلم بالرباط. كما أن تركة محكمة العدل الخاصة الموزعة على تسع غرف استئنافية سنة 2004 وصلت 114 ملف جنائي، قدرت مبالغ 102 قضية منها بما يفوق 13 مليار سنتيم و11 نازلة مبالغها غير محددة بما في ذلك فضيحة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التي قيل أن أموالها بلغت 115 مليار سنتيم، إضافة إلى 141 ملف تنفيذ جري 114 ملف غيابي و11 قضية محالة على 11 محكمة ابتدائية . لاشك أن البحث عن هذه الملفات من قبل وزارة المالية بوجه خاص سيحل جملة من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، خصوصا أنها على بيّنة من العراقيل التي تواجه استرجاع الأموال المنهوبة والمختلسة إسنادا إلى الأحكام القضائية والتقارير ذات الصلة، وذلك من خلال مؤسسة الوكيل القضائي للمملكة وأجهزة التفتيش والمراقبة.