ها قد عاد سيلفيو برلسكوني حاملاً وعوده المفرطة المألوفة خلال الحملة الانتخابية. لكن هل سيقع الإيطاليون في الفخ نفسه؟ إذا فعلوا ذلك، قد يصبح البلد محكوماً بالفشل. وإذا لم يفعلوا، قد تعود إيطاليا إلى الفوضى السياسية التقليدية في مطلق الأحوال، بحسب "شبيغل". تسري إشاعات كثيرة منذ أيام وتصدر تعليقات غامضة على موقع "تويتر" من مستخدم يحمل اسم "برلسكوني 2013". صرّح برلسكوني، أخيرا، بمفاجأته الكبرى، فأعلن "الاقتراح الصادم" (أي وعده...). في 10 فبراير الجاري الساعة 12:32 ظهراً في مركز المؤتمرات القديم في ميلانو، شرح برلسكوني أنه لا ينوي حصراً إلغاء الضريبة العقارية، بل إنه يريد، أيضا، إعادة الأموال إلى كل من دفعها بحلول مارس (نقداً عند الضرورة). وقال: "يمكنكم استرداد أموالكم في أي مكتب بريد، إذن صوّتوا لي!". أثار ذلك الإعلان موجة فرح عارمة قبل ثلاثة أسابيع فقط من الانتخابات. فصرخت إحدى السيدات: "سيلفيو أنت أسطورة!". لكن لم تشعر الأسواق المالية بالفرح نفسه، بل سارعت إلى إبداء رد فعل سلبي. كانت أوروبا تظن أن هذا الفصل من استعراضات برلسكوني انتهى. لكن ها هو يعود مجدداً: إنه الرجل الخالد في عالم السياسة الإيطالية، والرجل الشعبي الموهوب، والسياسي البارع في جمع الأصوات! وعد برلسكوني بإلغاء ضريبة الأملاك المفروضة على أصحاب المنازل. يعيش 80% من الإيطاليين في منازلهم الخاصة ويسددون الضريبة التي أعاد رئيس الوزراء ماريو مونتي فرضها كجزء من جهوده لإصلاح ميزانية الحكومة الإيطالية المثقلة بالعجز. سرى مفعول الضريبة قبل أسبوع من عيد الميلاد (رأس السنة). كان ذلك القرار كفيلاً بتنشيط معجبي برلسكوني، الذين بدأوا يلوحون بعلم حزبه "شعب الحرية". عودة "المومياء" رفع برلسكوني زخم حملته في اليوم التالي، فوعد بالإعفاء عن المتهربين من الضرائب، علما أن عددهم كبير في إيطاليا. يساوي معدل عائدات الضرائب المفقودة بسبب ظاهرة التهرب من الضرائب (قيمتها 160 مليار دولار) حوالي 6% من ديون إيطاليا السيادية. لا شك أن عودته إلى الساحة السياسية شكّلت صدمة كبرى. سيترشح بذلك للمرة السادسة ويخوض "معركته السياسية الكبرى الأخيرة"، بحسب قوله. سيبلغ 77 عاماً هذه السنة، ويدافع عن نفسه راهناً في قضيتين أمام المحاكم. ولم تمرّ سنة بعد منذ أن خفّضت الوكالات تصنيف إيطاليا الائتماني بسبب وضعها السياسي المضطرب، وقد قدم برلسكوني استقالته في 12 نونبر 2011. لكن ها قد عادت "المومياء" الآن وأصبحت سريعاً أهم شخصية في الانتخابات العامة المرتقبة. يبدو أن تعليقاً من برلسكوني (مثل التعليق الذي أعلنه يوم الأحد) يكفي لتدهور حالة الأسواق والمجازفة بارتفاع أقساط السندات السيادية الإيطالية. كذلك يكفي لتجديد المخاوف في شأن الدولة الإيطالية المريضة، وعودة القلق من انتشار العدوى، وتفاقم أزمة الأورو والشلل السياسي الذاتي. باختصار، إنه الخوف من عودة إيطاليا السابقة. بفضل مونتي، تمكنت أوروبا من التعامل مع إيطاليا مختلفة طوال 13 شهراً، فأصبح البلد يطبق الإصلاحات بما يضمن تغيير الأساليب المتصلّبة في مقاربة الأمور. طوال 13 شهراً، قاد مونتي ثورة صامتة واستعادت الأسواق ثقتها بإيطاليا وتجنب البلد الاضطرابات الاجتماعية. لكن بدأ الوضع الآن يصبّ في مصلحة برلسكوني مجدداً. أستاذ في تسويق نفسه في شهر يناير الماضي، كان تحالفه الانتخابي متأخراً بفارق مهم عن المرشح المفضل الحقيقي في هذه الانتخابات، السياسي اليساري الوسطي بيار لويجي برساني (61 عاماً) من "الحزب الديمقراطي". لكن تراجع ذلك الفارق الآن، وفق منظمات استطلاعات الرأي، إلى أقل من 5%. ويسجل خصمه مونتي 13% من نسبة التأييد فقط في استطلاعات الرأي، أي حوالي نصف نتيجة برلسكوني. ما يزال برلسكوني أستاذاً في تسويق نفسه، فهو يجيد إدارة الحملات الانتخابية أكثر من أي شخص آخر. كذلك يملك حتى الآن عدداً من قنوات التلفزة ولا يمر يوم من دون أن يظهر في برنامج حواري للتباهي بأعماله البطولية، والتحدث عن نجاحه في كسب قلب حبيبته الجديدة فرانشيسكا التي تبلغ 27 عاماً، والتذكير بأنه دفع 20 مليون أورو لنجم كرة القدم ماريو بالوتيلي بصفته صاحب فريق "إي سي ميلان". لكنّ الشعب وقع أسير جرأته وبراعته في رصد مخاوف الإيطاليين العاديين ورغباتهم. في أحد الأيام، أشاد بالدكتاتور الفاشي السابق بينيتو موسوليني في ذكرى محرقة اليهود ثم هدد في اليوم التالي المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بانسحاب إيطاليا من منطقة الأورو. كذلك، تذمر من "القاضيات اليساريات" اللواتي أمرْنَه بدفع ثلاثة ملايين أورو لزوجته السابقة كنفقة شهرية. إنها شعارات شعبية مبتذلة، لكنها تفيد برلسكوني وتُكسبه الأصوات. يتوجه 50 مليون إيطالي إلى صناديق الاقتراع، منذ أمس الأحد واليوم الاثنين، (24 و25 فبراير). لكن تتعلق المسألة الأبرز بمعرفة ما إذا كانوا سيضعون ثقتهم مجددا في رجل كان يعدهم بتحقيق معجزة اقتصادية إيطالية منذ 20 سنة تقريبا، ولكنه قاد البلد فعلياً إلى الدمار المالي. أو هل سيشغّل الناخبون الإيطاليون ذاكرتهم القديمة هذه المرة؟ يبدو القرار سهلاً ظاهرياً. لكنّ برنامج برلسكوني يبدو مغرياً على أقل تقدير. كذلك، لا تستطيع بعض العائلات انتظار ثمار الإصلاحات طويلة المدى. وفق مقولة إيطالية شهيرة "بيضة اليوم خير من دجاجة غد!". تناقض هائل عندما كان الرومان القدامى في وضع مأساوي ولم يعلم أحد في مجلس الشيوخ ما يجب فعله، عُيّن رجل صادق في منصب "دكتاتور". خلال فترة قصيرة، تمكن من الحكم بكل حرية من دون أن يقلق في شأن الأغلبية السياسية. بعد تلك المرحلة، كان من المتوقع أن يتنحى الدكتاتور المؤقت مجدداً وقد فعل ذلك. يجسد ماريو مونتي (69 عاماً) تلك الشخصية في تاريخ إيطاليا الحديث، فقد عينه الرئيس الإيطالي مباشرةً، فكان أشبه بمبعوث خاص للمنطق السياسي ومفوّض لتلبية الضرورات الاقتصادية. لا يمكن أن يكون التناقض أكبر من ذلك بين مونتي وبرلسكوني، أي بين أستاذ متزن في الاقتصاد وفارس جذاب. حصل مونتي وحكومته التكنوقراطية على أكثر من سنة للتركيز على مشاريع الإصلاح التي لم تطلقها الأحزاب السياسية الإيطالية يوماً لأنها كانت تنشغل دوماً بكسب الأصوات وإسداء الخدمات بدل حكم البلد بما يخدم مصلحة الأجيال المستقبلية. رفض مونتي قبول راتب شهري مقابل خدماته، وكأنه أراد من خلال هذه التضحية الصغيرة التعبير عن استعداد مواطنيه الإيطاليين لتحمل المشقات. تفاعلت الأسواق المالية بشكل إيجابي فور تعيين مونتي في 16 نونبر 2011، وبدأت المخاوف ومخاطر ارتفاع أقساط سندات الحكومة تتراجع، وبقيت منذ ذلك الحين على مستوى مرتفع، ولكن غير خطير، أقله حتى يوم الأحد الذي أعلن خلاله برلسكوني عن وعده الانتخابي في ميلانو. لا شك أن النتائج التي حققها مونتي تستحق الاحترام. فهو سعى إلى تطبيق "إصلاح عام" على الأقل في المجتمع الإيطالي، فضلاً عن التعامل مع شروره وأمراضه مثل الفساد وسوء الإدارة ونفوذ المافيا. كان الوقت قد حان لتنظيم إيطاليا بحسب قوله: "نحن وحدنا المسؤولين عن محنتنا". عودة إلى الماضي أعاد مونتي البلد إلى الساحة الدولية، بعدما أصبح محط سخرية في عهد برلسكوني. تبنى أسلوبا جديدا يدعو إلى احترام مؤسسات البلد والمحاكم والخصوم السياسيين بدل الازدراء بتلك الأطراف. مونتي أستاذ من فاريزي في شمال إيطاليا، وكان حذرا في طريقة تفسيره أزمات البلد وفاعلا في حلها. جمع حزمة تقشف بقيمة 30 مليار أورو وفرض إصلاحات في نظام التقاعد بناء على النموذج الألماني، مع تحديد سن التقاعد (66 عاماً) وفرض ضوابط إضافية على التقاعد المبكر. كانت تلك الخطوة بالغة الأهمية بالنسبة إلى إيطاليا، فأثبتت أن هذا البلد الجميل يمكن أن يتغير فعلا. كانت إيطاليا على شفير الانهيار حين استلم مونتي الحكم. وكان المحللون البريطانيون والأمريكيون يراهنون على حصول إفلاس وطني ووقوع سيناريو يشبه ما حدث في اليونان. لكن استنتجت الصحيفة السويسرية (Neue Zürcher Zeitung) بعد مرور 100 يوم على وصول مونتي إلى الحكم: "أصبحت إيطاليا بلدا مختلفا". لكن سرعان ما بدأ الإيطاليون يرفضون التغييرات. كان سائقو سيارات الأجرة والصيادلة أول من نجحوا في محاربة تقليص امتيازاتهم. لم تنجح أي حكومة إيطالية يوما في التصدي لجماعة السائقين. كان يجب أن يتمسك مونتي بمواقفه، لكنه لم يحصل على الصلاحيات اللازمة لفعل ذلك. إنجازات غير مكتملة لا عجب أن زخم الإصلاح الذي أطلقه مونتي بدأ يتلاشى في منتصف ولايته. أطلق الجهود من الصفر، لكنه لم يكملها حتى النهاية. انهار قانون مكافحة الفساد وحملة الإصلاحات في منتصف الطريق. ولم تتقدم جهود مونتي لتفكيك تضخم البيروقراطية في الحكومة بكل ما تحمله من محسوبيات ونقابات تعيق عمل الحكومة دوماً. حصل تصادم بين مختلف الفئات، لكن أصبح المجتمع الإيطالي على مر القرون بارعاً في إحداث التغيير المفاجئ بكل سلاسة. مع ذلك، لم تُرصد آثار إصلاحات مونتي في عالم الاقتصاد الحقيقي بعد، وما تزال إيطاليا متأخرة وراء منافسيها على مستوى الإنتاجية، ولم تتراجع تكاليف اليد العاملة بشكل جذري. في المقابل، لم يتعب برلسكوني، أحد أغنى رجال إيطاليا، من أداء دور الثائر الاجتماعي على شاشات التلفزة. يقول في إشارةٍ إلى مونتي "زاد ذلك الرجل عدد العاطلين عن العمل بنصف مليون شخص خلال 13 شهراً. هذا هو الواقع وليست مجرد إشاعات". في المقام الأول، فشل النمو الموعود في التبلور على أرض الواقع، وقد حصل ذلك مع أن مونتي التزم بالمقاربة الاقتصادية التي طبقتها ميركل (أو لأنه التزم بتلك المقاربة بحسب رأي النقاد). فهو كلّف لجنة بالتدقيق بالإنفاق الحكومي وسعى إلى تخفيض النفقات، ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 22% وأعاد فرض ضريبة الأملاك المكروهة. فُرضت هذه التدابير كلها لتخفيض عجز الحكومة في عام 2013 وإرضاء متطلبات الاتحاد الأوروبي. بسبب برنامج التقشف الذي طبقه مونتي، خسر نسبة كبيرة من الدعم من دون تحقيق نتائج كبرى. تواجه إيطاليا سنة أخرى من الركود. تراجع الإنتاج الاقتصادي بنسبة 2،1% في عام 2012 ومن المتوقع أن يتراجع بنسبة 1% في هذه السنة. كذلك، تعجز إيطاليا حتى الآن عن جذب المستثمرين الأجانب وهي تحتل المرتبة 73 على لائحة "مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال" الذي وضعه البنك الدولي. محاربة "الوحش" يبدو أن الوصول إلى نهاية جيدة في استثمار في جنوب إيطاليا أمر صعب جداً. في شهر نونبر، تخلت شركة "شل" عن مشروع بناء مصنع للغاز السائل في صقلية، وتخلت شركة الغاز الطبيعي البريطانية العملاقة (BG) عن مشروع مماثل في مدينة برينديزي الجنوبية بعد إنفاق 250 مليون أورو على التخطيط ومواجهة 11 سنة من الرفض على جميع المستويات. شملت المواقف الرافضة مخاوف بيئية، مع أن أحد أشهر مصانع الفحم في أوروبا يبث الدخان في الهواء فوق برينديزي. سيكون الغاز الطبيعي أكثر نظافة طبعا، لكن أصبح الغاز الآن نادرا وأعلى كلفة نظرا إلى الحاجة إلى استيراده. دعمت إدارة مونتي المشروع. واتخذ برلسكوني موقفا مماثلا حين كان رئيس الحكومة، ولكن هذا الموقف لم يمنع زميلا له في الحزب من إطلاق احتجاجات في برينديزي ووصف مصنع الغاز المرتقب ب"الوحش". مجددا، تنطبق المقولة الإيطالية "بيضة اليوم خير من دجاجة غد!" على الوضع القائم. ساعد مونتي بلده قليلا وأعاد تنشيطه، لكن ما تزال إيطاليا في مكانها رغم كل شيء. في بداية عهد حكومته الانتقالية، اعتبر الإيطاليون أن مونتي رجل مصرفي يستطيع حمايتهم من الكارثة. أما اليوم، فيلاحظون أن الأستاذ المتزن والجدي سابقا بدأ يتحول إلى سياسي عاد ومرشح عدائي في الانتخابات. لقد تلاشت ثقتهم به نتيجة لذلك. تبدو حملة مونتي محكومة بالفشل. اعتبر النقاد أنه أخطأ حين انتقل من دوره كمسؤول تكنوقراطي إلى سياسي حزبي. في الحقيقة، تردد لفترة طويلة قبل الترشح، وقد عارضت زوجته ورئيس البلد هذا القرار. بدا اسم تحالفه في الحملة الانتخابية معقدا جدا: "القرار المدني مع مونتي لأجل إيطاليا". كيف يمكن أن يتذكر أحد هذا الاسم؟ يبدو متشنجا على التلفزيون وقد توقف عن التحدث عن المسائل المحورية منذ فترة طويلة وفضّل مهاجمة عدوه القديم والجديد برلسكوني. نحن أمام حملة انتخابية إيطالية بامتياز، وها هي تدخل الآن في مرحلتها الحاسمة. تراها أشبه بمباراة محتدمة مبنية على التشهير والخداع والجدل الدائم، لكنها تفتقر إلى أي نقاش مفيد حول البرامج الحزبية أو الوضع المأساوي الذي يواجه البلد. عرض مستمر لدى برلسكوني مصلحة في بذل قصارى جهده لمنع نشوء أغلبية يسارية في مجلس الشيوخ. يأمل أن يتمكن مستقبلا من نسف القوانين التي تحد من نفوذ إمبراطوريته الإعلامية، أو التي تسمح بملاحقته قضائيا. يعلم أن فرصته في تولي منصب رئيس الوزراء ضئيلة، لذا ليس لديه ما يخسره. يطلق الوعود التي لا يستطيع الالتزام بها وهو مصمم على متابعة العرض بأي ثمن. يحصد مرشحون شعبيون آخرون الأصوات في السباق نحو خط النهاية. بيبي غريلو من حركة "الخمس نجوم" الاحتجاجية هو أحد المرشحين. يتجول غريلو في أنحاء البلد ضمن "جولة تسونامي"، وهو يكره ميركل ولا يريد تسديد ولو فلس من الدين، ويدعو "القاعدة" جدياً إلى قصف البرلمان في روما، معتبرا أنه مستعد لتوفير الإرهابيين مع جميع المتطلبات الضرورية الأخرى. تشير استطلاعات الرأي إلى أن غريلو قد يحصد 20% من الأصوات، وربما يصبح ثالث أقوى قوة انتخابية عبر كسب تأييد عدد كبير من الإيطاليين، الذين لم يحسموا خياراتهم بعد وسئموا من السياسة. مع اقتراب موعد الانتخابات، تبقى جميع الخيارات واردة. ما يزال الأمل موجوداً بأن يشغّل 50 مليون إيطالي ذاكرتهم. حتى لو لم يفعلوا ذلك، يمكن أن يسترجع البلد حقبة الربيع الإيطالي القصير حين كان الهدف الوحيد لا يتعلق بتدمير الخصوم السياسيين، لأن الخوف من الانهيار دفع جميع المعسكرات إلى وقف الهجوم المتبادل. بالنسبة إلى السياسي المخضرم بيار فرديناندو كاسيني، تبدو هذه الفترة أصلاً "معجزة حقيقية". وبما أنه ديمقراطي مسيحي، يحق له أن يؤمن بالمعجزات! كارثة محتملة ما يزال برساني المرشح الأوفر حظاً، ومن المتوقع أن يصبح رئيس الوزراء الإيطالي المقبل. كان عضوا في الحزب الديمقراطي الاجتماعي لأكثر من 20 سنة، وكان شيوعيا قبل ذلك. إنه ابن عامل في محطة وقود من منطقة إميليا رومانيا، ويشكل جزءا من الطبقة السياسية التي لا تحظى بشعبية واسعة. تولى مناصب حكومية مختلفة في عهد رئيس الوزراء السابق رومانو برودي، وهو يبقى مجرد شخصية سياسية باهتة في مطلق الأحوال. لكن في أواخر عام 2012، خلال الانتخابات الأولية ضمن حزبه، هزم رئيس بلدية فلورنسا الشاب، ماتيو رينزي. وفي نتيجة قياسية، صوّت له أكثر من ثلاثة ملايين شخص في الانتخابات الأولية، ما جعل برساني المرشح المفضل بالنسبة إلى كل من تعب من نزوات برلسكوني وكل من يتوق إلى الاستقرار السياسي والعدالة الاجتماعية. لكن بغض النظر عن هوية الفائز في الانتخابات في 25 فبراير، أصبح واضحا أن تحقيق أغلبية ثابتة في مجلسَي البرلمان قد يكون أمرا شائكا. لكن نشوء حكومة هشة تُجبَر على التنحي بعد بضعة أشهر (ستكون الحكومة الستون من هذا النوع منذ عام 1947) سيكون أمرا كارثيا لا بالنسبة إلى إيطاليا فحسب، بل أوروبا كلها أيضا. بالتالي، ما هو حجم الضرر الذي قد يُحدثه برلسكوني؟ ربما يحقق تحالف برساني في نهاية المطاف أغلبية صغيرة في البرلمان. وفق قانون الانتخاب الراهن، يحصل الحزب الذي يحصد معظم الأصوات تلقائيا على 54% من المقاعد على الأقل. لكن القصة مختلفة في مجلس الشيوخ، ثاني مجلس من البرلمان، حيث تُوزَّع المقاعد على أعضاء مجلس الشيوخ وفق المناطق. إذا نجح برلسكوني في التفوق في لومبارديا إلى جانب "رابطة الشمال"، يمكنه إعاقة اقتراحات الحكومة اليسارية الوسطية. لومبارديا أهم ولاية متأرجحة وأشبه بولاية أوهايو الأمريكية في الانتخابات الإيطالية.