في الوقت الذي أعلن فيه وزير الداخلية الإيطالي، جوليانو أماتو، أن وزارته وضعت كل الترتيبات اللازمة لإنجاح عملية الاقتراع، أكدت بعض المصادر الإيطالية ل«المساء» أن القنصلية الإيطالية بمدينة الدارالبيضاء وسفارة إيطاليا بالرباط ستتوصلان بأظرفة من إيطاليين يقيمون بالمغرب يدلون فيها بأصواتهم في هذه الانتخابات، بعد أن توصلوا ببرقيات من وزارة الخارجية الإيطالية توضح لهم فيها طريقة وشروط الاقتراع. وعود اليمين واليسار بنهاية الأسبوع الجاري تنتهي الحملة الانتخابية للأحزاب السياسية الإيطالية المتنافسة جميعها للحصول على عدد كبير من المقاعد بمجلسي النواب والشيوخ الإيطاليين، فاليمين الإيطالي وأحزابه رغم انشقاقاتها ودخول بعضها مثل حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الشعب، بقيادة سيلفيو برلسكوني، في خلاف حاد حول من يقود التحالف اليميني، إلا أنها تتقاسم نفس الفلسفة وتعتمد على نفس البرامج (على الأقل تلك المتعلقة بالهجرة ) لإقناع الناخبين الإيطاليين بضم أصواتهم لصالحها في هذه الانتخابات السابقة لأوانها. فسيلفيو برلسكوني وحزبه الجديد المسمى بحزب الشعب يراهن على ورقة التقليل من قيمة الضرائب التي يؤديها الإيطاليون وعلى الزيادة في الأجور مع خلق سوق شغل مرن له القدرة على التفاعل مع جميع الأزمات والتحديات التي يصادفها المجتمع الإيطالي، هذا إضافة إلى تأكيده على ضرورة إصلاح المؤسسة التعليمية بإيطاليا بأجور مناسبة للمدرسين وبمساعدات مالية للتلاميذ والطلبة المحتاجين، مع التركيز على البحث العملي. وفي إطار البرنامج نفسه قدم برلسكوني وعودا إلى الإيطاليين بحمايتهم من خطر الجريمة المنظمة ومن خطر الهجرة السرية، من خلال وضع قوانين جد صارمة تحول دون انتشار مهاجرين غير شرعيين داخل المجتمع الإيطالي. حزب التحالف الوطني الذي يتزعمه جان فرانكو فيني، الرجل الثاني داخل التحالف اليميني بعد بلرسكوني أو «برلوسكا» كما يحلو لليساريين تسميته، جاء ببرنامج أكثر صرامة وتشددا مع الهجرة السرية ومع ما يسميه اليمينيون الإيطاليون بالتغلغل الإسلامي. فقد عبر أحد قادته الرئيسيين، ويتعلق الأمر بالمشاكسة دانييلا سانتانكي، عن تفاصيل هذا البرنامج مبرزة أن حزبها سيعمل على إخراج إيطاليا من أزمتها الاقتصادية من خلال التخفيض من الضرائب المتعلقة بالطاقة وتقديم مساعدات وتسهيلات للمؤسسات الصناعية والتجارية الإيطالية، إضافة إلى دعم الاستثمارات. وكشرت سانتاكي عن أنيابها عندما اعتبرت الإسلام والهجرة، في برنامج حزبها الانتخابي، خطرا على المجتمع الإيطالي، حيث أبرزت أن التحالف الوطني يرفض مدارس قرآنية أو تدريس التعاليم الإسلامية داخل المدارس الإيطالية، مؤكدة أن ذلك يهدد ثقافة المجتمع الإيطالي ويساعد الإسلام على التغلغل داخل المجتمع الإيطالي. وأوضحت سانتاكي، من منبرها كناطقة بلسان حزبها اليميني، أن الهجرة السرية تمثل خطرا ثانيا على المجتمع الإيطالي وعلى أمنه واستقراره مقدمة وعودا إلى الإيطاليين بمحاربة هذه الظاهرة وبالوقوف سدا منيعا أمامها وبلغة القانون، وقالت: «سنصدر قوانين جديدة تحد من الهجرة السرية مع الاحتفاظ بقانون بوسي فيني، وسنقوم بوضع خريطة تحدد أماكن المهاجرين السريين وسنعمل على ترحيلهم، هذا إضافة إلى وضع خريطة أخرى تتعلق بالمساجد والمراكز الإسلامية ومنع الأئمة المتطرفين من الاستحواذ عليها». وحذرت سانتانكي، وحزبها التحالف اليميني، من خطر الإسلام حتى أثناء تناولها للقضايا الدولية مبرزة أن حزبها يرفض انضمام تركيا إلى دول الاتحاد الأوربي وقالت: «حزبنا يرفض انضمام تركيا إلى دول الاتحاد ويطالب بإعادة النظر في اتفاقية شينغن». أما بالنسبة إلى الحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي يتعارض في الرؤى والتوجهات مع الحزبين اليمينيين السابقين، فقد كان في حملته الانتخابية أشد اتزانا من سابقيه، إذ إن زعيمه بيير فيرديناندو كازيني لم يستعمل لا الإسلام ولا الهجرة لبلوغ أهدافه ليركز فقط على ضرورة تحقيق الاندماج بين الجاليات المهاجرة والمجتمع الإيطالي ويؤكد دعم حزبه لفكرة الهجرة المنظمة والمنتقاة إلى إيطاليا مع دعم آخر لقوات الأمن الإيطاليين لحماية إيطاليا من الجريمة المنظمة. الأحزاب اليسارية المشتتة والتي لم يتمكن تحالفها من إنقاذ حكومة رومانو برودي من السقوط، تبقى برامجها غير واضحة إلا تلك المتعلقة بالحزب الديمقراطي الذي يتزعمه فالتر فيلتروني وحزب النشأة الشيوعية بقيادة فاوستو بيرتينوتي. فالحزب الأول يتوفر على برنامج شبيه إلى حد بعيد ببرنامج حزب الشعب اليميني إلا في ما يتعلق بالهجرة التي أكد فالتر فيلتروني أن إلغاء قانون بوسي فيني وتعويضه بقانون آخر أكثر موضوعية وإنسانية، يكون الحل الأمثل لمعضلة الهجرة السرية، ملمحا إلى أن تسوية الأوضاع القانونية للمهاجرين السريين تدخل في هذا الإطار. وفي محاولة منه لكسب مزيد من الأصوات في اقتراع بداية الأسبوع الجاري، حاول فيلتروني ربط موضوع الهجرة بالأمن داخل المجتمع الإيطالية، موضحا ضرورة دعم الأجهزة الأمنية الإيطالية للقيام بمهمة حماية الحدود والمجتمع الإيطاليين من تدفق مهاجرين غير شرعيين إليها. فاوستو بيرتينوتي والنشأة الشيوعية الإيطالية ركز في حملته الدعائية على ضرورة محاربة تهريب الأموال وتهرب الشركات والأغنياء الإيطاليين من أداء الضرائب وكذا في إصلاح التعليم وإجبار التلاميذ على الدراسة بالمدارس والمعاهد الإيطالية إلى حدود سن 18 سنة، مع تقديم الدعم إلى المؤسسات التربوية الإيطالية لتقوم بدورها التعليمي دون مركبات نقص. برلسكوني يخشى الهزيمة وظف سيلفيو برلسكوني وحزبه «حزب الشعب» أموالا طائلة تعد بملايين اليوروهات لتحقيق فوز ساحق على غريمه اليسار متمثلا في الحزب الديمقراطي الذي يتزعمه فالتر فلتروني، لكنه رغم كل الإمكانيات المادية المتاحة له والترتيبات الجيدة لإنجاح مهمته، أظهر تخوفا كبيرا من عدم إقناع الناخبين الإيطاليين بتوجهاته وبحملته الدعائية التي وظف لها مجموعة قنواته «ميديا سات» ومن الترتيبات التي وضعتها وزارة الداخلية لإنجاح عملية الاقتراع. ففي بداية الأسبوع الجاري وقبل الموعد الانتخابي بخمسة أيام، أثار برلسكوني جدلا كبيرا حول البطاقات الانتخابية التي من المفترض أن يستعملها الناخبون لاختيار الجهة أو الحزب الذي سيمثلهم في البرلمان الإيطالي، موضحا أن هذه البطاقات تتوفر على رموز متشابهة ومتعددة قد تخلط الأمور على الناخبين وتجعلهم يخطئون في التعبير عن الحزب الذين ينوون تمثيله. وقال: «أنا متأكد، في حالة الاحتفاظ بهذه البطاقات الانتخابية، من أخطاء فادحة يومي 13 و14 إذ إن عددا منها (البطاقات) ستلغى بسبب عدم وضوح الصورة لدى الناخبين، لهذا أطالب وزارة الداخلية بإعادة طبع بطاقات جديدة تتوفر فيها الشروط اللازمة لإنجاح الانتخابات». تخوفات أخرى عبر عنها برلسكوني عندما وجد أن غريمه فلتروني أصبح يحظى بشعبية كبيرة وأصبحت أسهمه في بورصة قيم الانتخابات في صعود مستمر، مما جعله يبادر خلال شهر كامل من الدعاية الانتخابية إلى تغيير إستراتيجيته وإلى مهاجمة اليسار والحزب الديمقراطي وفي مناسبات عديدة، كانت أشهرها في تجمع بمدينة ميلانو حين قام بتمزيق برنامج غريمه اليساري فالتر فلتروني أمام أتباع حزب الشعب اليميني. العزوف عن صناديق الاقتراع ما إن تم الإعلان عن سقوط حكومة برودي حتى دخلت القوى السياسية في جدل كبير حول كيفية الخروج من هذه الأزمة السياسية، ليتفق الجميع على ضرورة تنظيم انتخابات سابقة لأوانها لاختيار حكومة جديدة تسير البلاد خلافا للحكومة اليسارية الفاشلة. تنظيم هذه الانتخابات المبكرة جعل وزارة الداخلية الإيطالية تكثف من جهودها لإنجاح عملية الاقتراع في موعد قياسي منح لها لم يتعدى الشهر، لتبادر إلى حملات تحسيسية عبر الإعلام الإيطالي الرسمي لإقناع الناخبين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، معطية تفاصيل عن هذه العملية تتعلق بكيفية اختيار ممثليهم. نفس المعلومات التي تبثها قنوات «راي» الوطنية الإيطالية، يجدها الناخب الإيطالي في ظرف يرسل إليه عبر البريد أو يجدها بإدارة بلدية المدينة التي يقيم فيها. السلطات الإيطالية المحلية» وحتى لا تتهم بإخضاع المواطنين الإيطاليين لمساومات من أجل التوجه إلى صناديق الاقتراع، يتجنب المسؤولون عنها أية اتصالات مباشرة مع الناخبين لتمنحهم فقط معلومات حول يوم الاقتراع ومواعيده والأماكن المخصصة له. فرغم المجهودات التي تبذلها هذه السلطات ومعها حتى سياسيون ينتمون إلى تيارات متعددة لضمان مشاركة مكثفة للناخبين الإيطاليين، إلا أن معلومات الوكالات والمكاتب الإيطالية المتخصصة باستقراء الرأي تفيد أن نسبة المشاركة ستكون ضعيفة جدا مقارنة بالانتخابات الماضية، مؤكدة أن هناك عزوفا لدى الإيطاليين عن الخوض في هذه الانتخابات وفي معرفة تفاصيلها. هذا العزوف لامسته ليس فقط لدى جاري وصديقي لويدجي، الذي أكد لي أنه لا يهتم بانتخابات 13 و14 من أبريل لكون نتائجها ستكون تحصيل حاصل. وقال: «كلهم فاسدون. اليسار أو اليمين ليست لديهما القدرة على تغيير واقع البلاد إلى الأفضل بل هما من أدخلا إيطاليا في أزمات متواصلة لهذا لا يجب أن أكترث لهذه الانتخابات التي تثقل كاهلنا بنفقاتها المبالغ فيها». الانتخابات الإيطالية بالمغرب مثل باقي عواصم المدن الكبرى العالمية، التي تتواجد فيها تمثيليات دبلوماسية إيطالية، ستشهد مدينتا الدارالبيضاءوالرباط في بداية الأسبوع القادم (في 10 أبريل) عملية اقتراع مواطنين إيطاليين بالتمثيلية الدبلوماسية والقنصلية الإيطالية من أجل الإدلاء بأصواتهم بخصوص الانتخابات السياسية التي ستشهدها إيطاليا. وأكد مسؤول إيطالي بمدينة الدارالبيضاء، في اتصال هاتفي مع «المساء»، أن كل الترتيبات موضوعة لاستقبال أظرفة الناخبين الإيطاليين المقيمين بالمغرب التي تتضمن اختيار ممثليهم بالغرفتين، مبرزا أن العملية التي ستشرف عليها قنصلية إيطاليا بالدارالبيضاء وسفارتها بالرباط بتسيير من وزارة الخارجية الإيطالية، بدأت منذ أن أرسلت هذه الأخيرة في 26 من مارس الماضي أظرفة إلى مواطنيها المقيمين بشتى أنحاء المغرب، تتضمن لائحة بأسماء الأحزاب الإيطالية ومرشحيها بإفريقيا وكذا بعد التفاصيل المتعلقة بالاقتراع وبأهدافه إضافة إلى بطاقات تتوفر على رموز الأحزاب سيستعملها الناخب للإدلاء بصوته. وقال المسؤول الإيطالي إن على الناخب المقيم بالمغرب إرسال ظرفه إلى السلطات الدبلوماسية الإيطالية بالدارالبيضاء أو الرباط قبل الساعة الرابعة بعد الظهر من يوم العاشر من أبريل حتى يتسنى لهذه الأخيرة إرساله في وقته المحدد إلى وزارة الخارجية الإيطالية التي تسلمه بدورها إلى وزارة الداخلية التي تقوم بعملية الفرز في ليلة 14 من شهر أبريل لتحديد الفائزين في هذه الانتخابات. وسيختار أكثر من مليوني إيطالي مقيم خارج الحدود 12 ممثلا عنهم بمجلس النواب و6 آخرين بمجلس الشيوخ (6 نواب بمجلس النواب و2 بمجلس الشيوخ عن أوروبا و3 بمجلس النواب و2 بمجلس الشيوخ عن أمريكا الجنوبية و2 بمجلس النواب وواحد بمجلس الشيوخ عن أمريكا الوسطى والشمالية وممثل واحد بالمجلسين المذكورين عن إفريقيا وأسيا).