أدخلت مواقف وقوانين حزب عصبة الشمال العنصرية من جديد إيطاليا في جدل سياسي كبير، بعد مصادقة البرلمان الإيطالي في الأسبوع الماضي على أحد قوانينه الداعية إلى إحداث تفرقة في المدارس الإيطالية بين تلاميذ أجانب وإيطاليين. اعتماد القانون الجديد إلى جانب قوانين تعليمية أخرى، أعدتها وزيرة التعليم الإيطالية جيلمني، عجل بخروج الإيطاليين إلى الشوارع احتجاجا على ما وصفوه بتفقير المؤسسات التعليمية الإيطالية وتجرديها من آلياتها ومقوماتها البيداغوجية خصوصا تلك المتعلقة بالإندماج مع الثقافات الأخرى. أكد عدد كبير من الأجانب المقيمين بإيطاليا أن موجة العنصرية قد تضاعفت بمستويات كبيرة بهذا البلد الأوربي بعد وصول اليمين فيه إلى سدة الحكم وبعد دخول مجتمعه في أزمة اقتصادية خانقة. قانون لرفض الاندماج صادق البرلمان الإيطالي الأسبوع الماضي على قانون جديد أعده حزب عصبة الشمال يمنع أبناء الأجانب المقيمين بإيطاليا من الدارسة جنبا إلى جنب مع التلاميذ الإيطاليين. ويجبر القانون الجديد التلاميذ الأجانب الذين يرغبون في الإقامة بإيطاليا على إجراء اختبارات عدة في اللغة الإيطالية والثقافة العامة قبل أن يرخص لهم بولوج أقسام المدارس الإيطالية، وفي حالة عدم اجتيازهم للاختبار فمصيرهم البقاء في قسم أطلق عليه اسم «قسم الجسر». وعبر حزب عصبة الشمال ورئيس فريقه بالبرلمان الإيطالي روبيرتو كوتا الذي أعد مشروع القانون عن ساعدتهما بالمصادقة على القانون وتطبيقه، مؤكدين أن ذلك يمثل نصرا جديدا للحزب وللإيطاليين ضد ما أسموه بالغزو الثقافي للأجانب. وقال كوتا إن تطبيق هذا القانون التعليمي الجديد سيمكن من ضمان نسبة مهمة من التلاميذ الإيطاليين داخل القسم الواحد تفوق نسبة الأجانب، معتبرا أن ذلك حماية للهوية والثقافة الإيطاليين. وقال: «لا أعتبر هذا القانون الجديد عنصريا فهو سيساعد الأجانب على الاندماج داخل المجتمع الإيطالي وداخل المنظومة التربوية من خلال تعلمهم اللغة والثقافة الإيطاليتين». وحسب المهتمين بالشأن التربوي الإيطالي فإن تطبيق هذا القانون الذي سيفصل بين التلاميذ الأجانب والإيطاليين مرده من جهة إلى تعالي صيحات آباء وأولياء التلاميذ الإيطاليين من تكاثر أبناء المهاجرين الأجانب بمدارس الشمال الإيطالي بنسب تتعدى في بعض الأحيان الأربعين في المائة وإلى رغبة عصبة الشمال في لعب دور المنقذ للإيطاليين، مما يطلق عليه قادته بالغزو الجديد للأجانب. فقوة الحزب المتطرف المذكور الذي حقق شعبيته بشمال إيطاليا على حساب الهجرة والأجانب والمسلمين، تكمن في التجاوب الشعبي المستمر مع هموم الإيطاليين، من سكان الشمال الذين عبروا طوال السنوات الأخيرة عن تضايقهم من تكاثر أبناء الأجانب بالمدارس الإيطاليين دون أن يتضايقوا من تكاثرهم بمعامل ومصانع الشمال الإيطالي التي أصبحت في حاجة ملحة إليهم بسبب شيخوخة المجتمع الإيطالي هناك. هذا التجاوب يمكن وبشكل واضح رصده من خلال القنوات التلفزية والإذاعات والجرائد المحلية ذات التوجه اليميني التي تنتشر بكثرة بالشمال الإيطالي، والتي تركز على نقل هموم الشارع الإيطالي وعلى خلق تواصل بين القادة اليمينيين والرأي العام. فحول التمييز بين التلاميذ الأجانب والإيطاليين كان الحوار ساخنا وعبر عدد كبير من المستمعين الإيطاليين بشمال إيطاليا عن سعادتهم بتطبيق القانون الجديد وبالدور الذي لعبه حزب عصبة الشمال في ذلك، مؤكدين أن إيطاليا يجب أن تتصدى لأي محاولة لتغلغل الأجانب داخل نسيج مجتمعها لتغيير هوية أبنائه وثقافتهم. إصلاح التعليم الإيطالي قانون آخر جعل عددا كبيرا من التلاميذ ومدرسيهم ومعهم جمعيات الناشرين بإيطاليا يخرجون في مظاهرات حاشدة في شوارع المدن الإيطالية، احتجاجا على تطبيقه وعلى نظرة وموقف وزيرة التعليم ماريا ستيلا جيلميني لإصلاح التعليم الإيطالي. فقد شهدت يوم الجمعة الماضي ميادين وشوارع كل من مدن تورينو وميلانو وجنوا وروما وبلونيا ونابولي وبادوفا وحتى بعض المدن الصغرى خروج المئات من المتظاهرين مدعومين من جمعيات ونقابات المدرسين والناشرين، بعد أن تعرفوا على تفاصيل القانون الجديد الذي سيبعد أكثر من 20 ألف مدرس وأستاذ عن المؤسسات التعليمية وسيجعل تلاميذ القسم الواحد يلقنون جميع الدروس بمدرس واحد عوض ثلاثة، كما هو معمول به حتى الآن إلى أن يطبق القانون الجديد، هذا إضافة إلى تأثير القانون نفسه على وضعية الناشرين الذين سيضطرون إلى انتظار خمس سنوات قبل أن يتمكنوا من تغيير وإصدار مقررات تعليمية جديدة تضمن لهم مداخيل مالية مهمة كانوا يحصلون عليها في كل موسم دراسي. فوزيرة التعليم الإيطالية جيلميني وبعد تسلمها لمهامها الوزارية تنبهت إلى أنه في العشر سنوات الأخيرة تضاعفت ميزانية التعليم بإيطاليا في ظل انخفاض نسبة التمدرس، لتتأكد أن نسبة 97% من الميزانية المخصصة تذهب كأجور للمدرسين والمسؤولين عن المؤسسات التعليمية بإيطاليا، فقررت إصدار قانون لتخفيض عدد المدرسين بالمدارس الإيطالية التي أصبحت لا تؤدي الدور المنوط بها كما كان في السابق واستثمارها في خلق مناهج جديدة لتعليم أبناء الإيطاليين وفي جلب آليات ومعدات تساعد التلاميذ على تعامل أحسن مع المناهج والمقررات التعليمية لتمكينهم من استفادة أكثر. فقبل سنة صدم الإيطاليون بخبر قيام مدرسة بإحدى الثانويات الإيطالية بإثارة تلاميذها لممارسة الجنس معها ليقوم أحدهم بتصوير المنظر وبثه عبر موقع يوتوب لينتشر الخبر بسرعة كبيرة بين وسائل الإعلام الإيطالية، وتدخل إيطاليا من جديد في جدل سياسي وفي التفكير في البحث الجاد عن مدرسة جديدة تخلق جيلا له القدرة على حمل مشعل أسلافه. بمدرسة إيطالية أخرى اعتاد تلاميذ مشاغبون على ضرب مدرسهم وإهانته دون أن تصدر عن هذا الأخير أية ردود أفعال، فلولا كاميرا الهاتف المحمول لأحد التلاميذ التي قامت بتصوير الاعتداء اليومي على المدرس الإيطالي لاستمر الوضع على ما هو عليه حتى اليوم وكأن الهدف من تواجد التلاميذ بقسم هذا المعلم المغلوب على أمره هو إهانته وضربه. بثانويات وإعداديات أخرى بمدن كبرى إيطالية أصبح الأمن الإيطالي يتحدث عن انتشار المخدرات فيها وعن تلاميذ يتعاطونها ويحملونها معهم أكثر من حملهم للكتب والمقررات وذلك بفضل التسيب والانهيار الذي أصاب المؤسسات التعليمية الإيطالية. وبطبيعة الحال أصبح هذا الوضع المأساوي يؤثر وبشكل كبير على نسبة مهمة من التلاميذ والطلبة الإيطاليين إلى درجة احتلالهم درجات متأخرة في أوروبا في الإطار المعرفي، فغالبيتهم يجهلون اللغات الحية وبعض التفاصيل المعرفية تتعلق بالتاريخ والجغرافية ومواد أخرى، هذا إضافة إلى أن الوضع نفسه جعل عددا مهما من التلاميذ الإيطاليين يفضلون التوقف عن الدراسة بعد اجتيازهم لجميع الأقسام الإجبارية التي يحددها القانون الإيطالي، ليفضلوا العمل بالمعامل والمصانع الإيطالية عوض ولوج الجامعات والمعاهد العليا. احتجاج لم تجد البرلمانية الإيطالية من أصل مغربي سعاد السباعي إلا مغادرة قاعة مجلس النواب للاحتجاج على مبادرة عصبة الشمال المتطرفة وعلى المصادقة على قانونه العنصري الذي سيحرم الأجانب من التعلم جنبا إلى جنب مع الإيطاليين. فقد عبرت وبامتعاض وخيبة أمل كبيرين عن المستوى الذي وصلت إليه السياسة الإيطالية، لتمكن حزب متطرف ومناهض للأجانب والمسلمين من فعل كل ما يريد داخل المجتمع الإيطالي وداخل مؤسساته حتى التعليمية منها. فسعاد رغم انتمائها إلى التحالف اليميني الذي يضم حتى حزب عصبة الشمال إلا أنها وحزبها التحالف الوطني يجدان أن مواقف وتوجهات وأحكام قادة الحزب الأخضر (عصبة الشمال) عنصرية مائة في مائة وقد تدفع في المجتمع الإيطالي إلى الدخول في صراعات ومواجهات هو في غنى عنها. فقد أكدت ل»المساء» أن القانون الجديد الذي سيحرم الأجانب من التعليم مع الإيطاليين سيحدث شرخا كبيرا داخل المجتمع الإيطالي وسيشكل عقبة أمام الاندماج داخل المؤسسات التعليمية الإيطالية. وقالت إن إيطاليا لا تحتاج إلى قوانين عنصرية لعزل الأجانب وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية، بل ما تحتاجه إيطاليا هو دمج المهاجرين داخل نسيج مجتمعها لضمان تعايش سلمي بين الجميع. نفس النبرة صدرت عن أحزاب اليسار المعارض التي اعتبرت أن تطبيق القانون التعليمي الجديد هو بمثابة عودة النظام الفاشي إلى إيطاليا ومؤشر على إذكاء وتنامي العنصرية داخل المجتمع الإيطالي. وقال بييرو فاسينو، عن الحزب الديمقراطي اليساري، إن المصادقة على القانون تبقى أمرا مخجلا لإيطاليا وللإيطاليين مبرزا أن مواقف حزب عصبة الشمال العنصرية يجب ألا تبرح مقر الحزب وفروعه بمدن الشمال الإيطالي وأن تحويلها إلى قوانين يشكل خطرا على إيطاليا ويهدد مصالحها العنصرية تزحف بشهادة غالبية الأجانب المقيمين بإيطاليا الذين استجوبتهم «المساء»، فإن العنصرية والكراهية للأجانب أصبحت تستفحل داخل المجتمع الإيطالي وتتنامى بشكل ملحوظ مشكلة ردا ميكانيكيا على المشاكل والأزمات الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية التي تعيشها إيطاليا. فموجة العنصرية لم تقتصر على الشمال الإيطالي بل ضربت حتى بعض الأقاليم الجنوبية ولم تنحصر فقط بين عامة الشعب الإيطالي البسيط، بل طالت حتى سياسيين من البرلمان الإيطالي الذي تأسس لتحقيق المساواة والديمقراطية داخل المجتمع الإيطالي، هذا ولم يسلم من هذه العنصرية المعلنة والعداء للأجانب حتى الأطفال الذين عبر بعضهم وبكل وضوح عن مواقف آبائهم والمجتمع الذي يعيشون فيه. فقبل أسبوع وبمدينة فاريزي (أقصى الشمال الإيطالي) قام مجموعة من الأطفال الإيطاليين بالاعتداء على طفلة مغربية كانت تستقل الحافلة للعودة إلى البيت، لينهالوا عليها بالضرب والشتم وطلبوا منها عدم الصعود مرة أخرى للحافلة لأنها مخصصة فقط للإيطاليين. وبنفس المدينة التي يتحكم فيها حزب عصبة الشمال، قام أطفال مجهولون بتغيير لون تماثيل ورقية صنعها تلاميذ إحدى المدارس هناك، من اللون البني الذي يمثل أجناس وثقافات أخرى إلى اللون الأبيض، كتعبير منهم على رفض الأجانب داخل المجتمع الإيطالي. ودائما بالشمال الإيطالي لقي مواطن إيطالي من أصل بوركينابي حتفه بمدينة ميلانو بعد أن اعتدى عليه صاحب مقهى بنفس المدينة بالضرب لدخولهما في مشادات كلامية بسبب اتهام صاحب المقهى للشاب البوركينابي بسرقة حلوى من محله. الجنوب الإيطالي لم يسلم هو الآخر من هذا النوع من الاعتداء، حيث قام مسلحون من عصابات لا كامورا بجهة لاكمبانا بقتل ستة أفارقة مرة واحدة بعد أن أفرغوا فيهم رصاص مدافعهم الرشاشة روسية الصنع التي دمرت المحل الذي تواجدوا فيه. عائلات الضحايا الأفارقة أكدت بأن عملية تصفية تتعلق بعنصرية الإيطاليين، في حين أن تقارير الأجهزة الأمنية هناك تشكك في ذلك وتنحو نحو ضلوع الضحايا في الاتجار في المخدرات وأن مقتلهم جاء كردة فعل لعصابات لا كامورا على مزاحمتهم لها في سوق المخدرات بالمنطقة. عنصرية بالبرلمان عنصرية أخرى تلاقيها البرلمانية الإيطالية من أصل مغربي سعاد السباعي من طرف بعض البرلمانيين الإيطاليين ضمن تحالفها ومن طرف جرائد يمينية مشهود لها بالتطرف، مثل جريدة «لابادانيا» التي تتحدث بلسان حزب عصبة الشمال، فهذه الجريدة اتهمت سعاد وبشكل غير مباشر بمساندتها للتطرف الإسلامي بإيطاليا، مبرزة في أحد مقالاتها التي نشرت في الأسبوع الماضي أنها كانت وراء مبادرة استقدام 70 إماما مغربيا من الرباط وتعمل جاهدة على تمكين الإسلام من التغلغل داخل المجتمع الإيطالي. فالجريدة رغم علمها المسبق بأن استقدام الأئمة المغاربة جاء بتنسيق بين السلطات الإيطالية والمغربية، إلا أن المسؤولين عنها قرروا استغلال الموضوع وفبركة معطياته لمهاجمة البرلمانية الإيطالية من أصل مغربي، فقط لأن قادة حزب عصبة الشمال يرفضون تواجد مسلمين داخل قبة البرلمان الإيطالي. جريدة «لا بادانيا» لم تكتف بالقول بأن مساندة سعاد للإسلام والمسلمين تعتبر جريمة، بل حاولت التشكيك في الأئمة الذين بعث بهم المغرب إلى إيطاليا، لتعتبرهم متطرفين وتعتبر أن المغرب كذلك بلد ينتج الإرهاب والتطرف.