لا حديث لوسائل الإعلام والشارع الإيطاليين في هذه الأيام إلا عن مقتل مواطنة إيطالية تدعى فديريكا سكواريزي، التي لقيت حتفها قبل أسبوع بمدينة سياحية إسبانية على يد مواطن من الأوروغواي, ورغم أن السلطات الإسبانية حسمت في القضية بإلقائها القبض على المذنب وتقديمه للمحاكمة، إلا أن هذا الأمر لم يمنع حكومتي مدريد وروما من الدخول مجددا في جدل وأزمة دبلوماسيين أحد أبطالها وزير خارجية إيطاليا، ما يهمنا من هذا الأمر ليس فقط تسليط الضوء على هذا الحادث وتفاصيله، بل لنبرز كذلك كيف أن الإيطاليين حكومة وإعلاما ورأيا عاما يهتمون بمواطنيهم ورعاياهم حتى خارج إيطاليا ويستخدمون حتى الآلة الدبلوماسية للذود عنهم وعن مصالحهم، الحادث نفسه وجدته فرصة مناسبة للكشف عن أسماء مغربية لقيت حتفها بإيطاليا في حوادث غامضة، دون تحرك للقنصليات وللسفارة المغربية بإيطاليا. بدأ كل شيء بخبر أعلنته وكالة الأنباء الإيطالية أنسا، أكدت فيه اختفاء سائحة إيطالية تدعى فديريكا سكواريزي بمدينة «لوريت دي مار» الإسبانية (ساحل برافا).الخبر اعتبرته وسائل الإعلام الإيطالية في بادئ الأمر ثانويا في نشراتها وصفحاتها غير الرئيسية، لكن غياب المعلومات الكافية عن اختفاء المواطنة الإيطالية الشابة ( 23 سنة ) والتحرك البطيء للسلطات الإسبانية للبحث عنها جعلا بعض القنوات التلفزية والصحف الإيطالية ترسل مبعوثيها إلى مدينة «لوريت دي مار» لتقصي الحقائق من عين المكان ولإيجاد معلومات إضافية وغير رسمية تدلهم على شيء يقودهم إلى مكان الفتاة الإيطالية المختفية. كانت كل دقيقة تمر دون توصل الصحافة الإيطالية ومعها المحققين الإسبان إلى خيط يقودهم إلى مكان الإيطالية المختفية إلا ويسيل لعاب الصحف والقنوات الإيطالية الأخرى للخبر التي قررت هي الأخرى إرسال مبعوثيها إلى المدينة الإسبانية، خالقين بذلك تجمعا غير مسبوق لإعلاميين إيطاليين بالمدينة الساحلية الإسبانية، مما حرك في بادئ الأمر الصحف الإسبانية المحلية قبل أن تتحرك الصحف والقنوات الإسبانية الشهيرة مثل إلباييس، إلموندو و«تفي أي» (القناة الوطنية الإسبانية)، بطبيعة الحال هذا التحرك الإعلامي الإيطالي المكثف، جعل قضية اختفاء الإيطالية فديريكا الخبر الأول والرئيسي بإيطاليا ليستأثر باهتمام الرأي العام والحكومة الإيطاليين الذين بدؤوا يطرحون عددا من التساؤلات حول مصير مواطنتهم المجهول، الشيء الذي جعل السلطات الإسبانية تكثف من بحثها وتحرياتها بخصوص الموضوع إلى أن عثرت على خيط أول قادها إلى اسم فيكتور دياز سيلفا، وهو مواطن أوروغواني شوهد وهو بصحبة فيديركا قبل اختفائها، أثناء ذلك عثرت الشرطة الإسبانية بحديقة بالمدينة السياحية المذكورة على جثة مشوهة ومجهولة المعالم لشابة في مقتبل العمر، لتسارع السلطات الإيطالية بإرسال محققين للإشراف على عملية تشريح الجثة ولمعرفة إن كانت لفديريكا أم لشخص آخر، تقرير الطب الشرعي كان واضحا وأظهر أن الجثة لفتاة تبلغ من العمر 23 سنة وأن «دي إن أي» الذي أخذ من الجثة كان مطابقا ل«دي إن أي» فديريكا، هذا إضافة إلى إخضاع أظافر الجثة إلى تحليل معملي أظهر أن بها بقايا دم القاتل التي كانت مطابقة لعينة دم أخذت من الأورغواني فيكتور بعد القبض عليه بمدينة تراغونا الإسبانية، بإيطاليا كان الرأي العام يعبر بشكل غيرعادي عن تضامنه مع فديريكا وعائلتها التي تقطن بمدينة بادوفا، صابين جام غضبهم على المواطن الأورغواني وعلى المهاجرين الذين اعتبروهم أحد أسباب تكاثر الجريمة بإيطاليا وأوروبا، ومعتبرين في الوقت نفسه أن إسبانيا تتسامح بشكل كبير مع المهاجرين المتواجدين على أراضيها، رد فعل الشارع الإيطالي على الخبر لم يمر مر الكرام لدى المسؤولين الإسبان الذين اتهموا الصحافة الإيطالية بالمبالغة وبتضليل الرأي العام وخلق الفتن بين الإيطاليين والإسبان، وقال حاكم إقليم كاتالونيا، حسب ما نقلته عنه وكالة الأنباء الإيطالية أنسا، إن الإعلام الإيطالي بالغ في تسليط الضوء على هذه القضية، مؤكدا أن عددا من الصحف والقنوات نشرت وبثت معلومات زائفة وغير صحيحة عن الجريمة المرتكبة، رغم أن السلطات الإسبانية قامت باللازم وتمكنت في ظرف قياسي من إلقاء القبض على مرتكب الجريمة، الرد الإيطالي جاء سريعا هو الآخر وعلى لسان كل من وزير الخارجية فرانكو فراتيني وزميلته المكلفة بالشباب جورجيا ميلوني والسفير الإيطالي بمدريد باسكوالي تيراتشانو، اللذين طالبا المسؤولين الإسبانيين بالكف عن تلقين دروس للإيطاليين وباتخاذ الحيطة والحذر أثناء إطلاق أي تصريحات تتعلق بإيطاليا والإيطاليين، وقالت الوزيرة ميلوني وبتعبير غاضب: «نحن لا نقبل دروسا من أحد وأطالب الإسبانيين بالكف عن ذلك». في حين أن السفير الإيطالي بإسبانيا طالب بتفسير واضح ورسمي بخصوص التهمة التي أطلقها حاكم كاتالونيا في حق الإعلام الإيطالي الذي نعته بالإعلام التضليلي، أما وزير الخارجية فراتيني فقد اعتبر أن مثل هذه التصريحات قد تخلق مزيدا من التوتر بين البلدين، وفي محاولة منه للتقليل من حدة الأزمة والجدل الإسباني الإيطالي سارع حاكم إقليم كتالونيا إلى تقديم اعتذار رسمي على ما صدر عنه، فيما أن رئيس الوزراء الإسباني زباتيرو اكتفى بتقديم التعازي لعائلة الضحية الإيطالية ولحكومة برلسكوني. مقتل مغاربة بإيطاليا يصعب وضع أرقام محددة عن المغاربة المختفين والمقتولين في ظروف غامضة بإيطاليا، وذلك لغياب المتابعة بخصوص هذا الأمر ولدخول عدد من هؤلاء الضحايا إلى الأراضي الإيطالية بشكل غير قانوني، لكن هذا الأمر لا يمنع من القول إن هناك تقصيرا كبيرا في الموضوع من طرف السلطات المغربية بإيطاليا ومن طرف الجمعيات التي يؤسسها أبناء الجالية لخدمة مغاربة إيطاليا .هذا التقصير طال أسماء ضحايا مغاربة مثل الشاب حسن نيجل 36 سنة من مواليد مدينة الدارالبيضاء، الذي فارق الحياة بشكل غامض في نهاية شهر مايو الماضي أثناء اعتقاله بمركز تجميع المهاجرين المسمى ب«Brunelleschi» المتواجد بمدينة تورينو، السلطات الإيطالية التي قامت بعملية تشريح جثة حسن دون تواجد للسلطات المغربية أكدت أن الضحية فارق الحياة لكونه كان مدمنا على المخدرات، لكن بعض الأصوات المنبعثة من داخل المؤسسة السجنية أكدت أن المغربي فارق الحياة بسبب رفض السلطات هناك تقديم الإسعافات الطبية له وتركه ليلة كاملة يتوجع بسبب آلام في المعدة وحمى مرتفعة، في حين أن البعض الآخر من أصدقاء الضحية كانت لهم رواية أخرى تفيد أن حسن فارق الحياة بفعل فاعل ومن طرف مجهولين وأن تقرير السلطات الإيطالية خصوصا ذلك المتعلق بالطب الشرعي يبقى غير صحيح وتشتم منه رائحة الغموض، نفس الغموض مازال يلف قضية مقتل المغربي عبد الرحمان خلفة الذي فارق الحياة حسب رواية السلطات الإيطالية ورجال الشرطة المالية الذين كانوا يتعقبوه، بعد غرقه في نهر البو بتورينو، في حين أن أصدقاءه من المغاربة أكدوا أن عبد الرحمان ضرب على رأسه من طرف أحد عناصر الشرطة قبل أن يغرق في النهر، مبرزين أن الشاب المغربي المزداد بمدينة الدارالبيضاء يجيد السباحة وقد قطع نهر البو سباحة مرات عديدة ودون مشاكل، هذه الرواية رغم كونها أقرب إلى الواقع من رواية رجال الشرطة إلا أن تقرير الطب الشرعي، الذي اطلع عليه مسؤولو قنصلية تورينو دون حضورهم تشريح الجثة، أكد أن الضحية المغربي فارق الحياة غرقا ليطوى هذا الملف ويقبر بشكل نهائي مع جثة عبد الرحمان. قضية أخرى بمدينة ميلانو راح ضحيتها شاب مغربي 25 سنة وجد في أكتوبر من السنة الفارطة مقتولا بالرصاص وفي سيارة مجهولة بإحدى شوارع المدينة الإيطالية، وحتى تقفل الشرطة الإيطالية الملف بسرعة لأن الضحية «ماروكينو» قالت إنه قتل بسبب عمله كمروج للمخدرات، حدث هذا دون أن تتحرك لا جمعيات حقوقية ولا مؤسسات قنصلية مغربية بإيطاليا. بمدينة ميلانو وقبل ثلاث سنوات قتل المهاجر المغربي عبد الخالق نقاب 37 سنة بمسدس رجل أمن خاص لتعتبر السلطات القضائية الإيطالية أن الأمر يتعلق بدفاع عن النفس، رغم أن كل الدلائل تفيد بأن الإيطالي القاتل أطلق رصاصته المميتة على عبد الخالق فقط لأن هذا الأخير دخل معه في مشادة كلامية، وقبل أربعة سنوات عثرت شرطة مدينة تورينو على جثة مهاجرة مغربية تدعى الحسنية ملوك 37 سنة وهي مجهولة المعالم بعد أن أضرم مجهولون النار في سيارتها بضواحي نائية بمدينة تورينو، فرغم أن التشريح أثبت أن الضحية قتلت بطعنات مميتة في صدرها بآلة حادة، إلا أن الشرطة الإيطالية أوقفت التحقيق وأغلقت الملف فقط لعلمها بأن المواطنة المغربية كانت تتاجر في المخدرات. مغاربة إيطاليا في الصف الأخير «وحكرة هاذي لصحاب الطاليان، ديما المغاربة ديال فرانسا هما اللولين» «اللهما هذا منكر، كيفاش يخليونا 24 ساعة بلا مان سافروا» كانت هذه تعليقات واحتجاجات عدد من أبناء الجالية المغربية بإيطاليا الذين كانوا سيسافرون إلى المغرب في الأسبوع الماضي في رحلة عبر طائرة تابعة لشركة «Jet4you» بحيث قيل لهم بشباك استقبال المسافرين «تشيك إين» أن الطائرة التي حجزوا فيها مضطرة إلى مغادرة مطار مالبينسا (شمال غرب مدينة ميلانو) بعدد قليل من المسافرين على أن يبقى الآخرون حتى اليوم الموالي وذلك للتمكن من نقل مسافرين آخرين من مدينة ليون الفرنسية إلى مدينة الدارالبيضاء، مع توضيحهم أن الشركة منحتهم إقامة بأحد الفنادق القريبة من المطار وبخدمات مجانية، نفس الوضع أو أكثر من ذلك أحدثته نفس الشركة ودائما في الأسبوع الماضي وبمطار مالبينسا، حين أصيبت طائرتها التي كانت ستنطلق إلى في رحلة إلى الدارالبيضاء، بعطل في جهاز التكييف لتتأخر عن ذلك بأكثر من ست ساعات، جعلت سيارات الإسعاف تتسارع إلى المطار لإنقاذ بعض المسافرين من الإغماء الناتج عن الحر بعد بقائهم في الطائرة أكثر من ثلاث ساعات دون أن تنطلق بهم بسبب العطل. بعيدا عن مطار مالبينسا وعن الطائرات المعطلة المتوجهة إلى المغرب، نحط الرحال بميناء مدينة جنوا الذي يعرف في كل موسم مأساة يكون ضحيتها مسافرون مغاربة قرروا العودة إلى أرض الوطن عبر باخرات متهالكة وذات المحركات المعطلة، بحيث إن أوضاعها الميكانيكية جعلت ولمرات عديدة عددا كبيرا من مغاربة إيطاليا يبيتون ولأيام بميناء جنوا مثل اللاجئين الفارين من حروب قاسية، توصلت في هذا الإطار باحتجاجات متواصلة من طرف عدد من أبناء الجالية الذين كانوا يتهمون الشركة المغربية الفرنسية بالتقصير في مهمتها وبتفشي مبدأ المحسوبية والزبونية فيها وبتحقير الجالية المغربية بإيطاليا، وكان أحد الفاعلين والنشطاء الجمعويين بمدينة جنوا قد أكد لي تأكيدا تاما حسب معلومات توصل بها من أحد العاملين بالشركة أن الأوضاع الميكانيكية لبعض البواخر تنبئ بالخطر وبإمكانية حدوث كارثة أثناء السفر، وقال: «أصبحت جد متخوف من هذه البواخر القديمة وبالتالي أصبحت أتضايق من سياسة الكيل بمكيالين المتبعة في حق أبناء الجالية المغربية بإيطاليا» وأضاف: «حكرة في إيطاليا وحكرة عند الدخول إلى المغرب، هذ الشي بزاف».