يتساءل الأجانب المقيمون بإيطاليا، ومعهم عدد من الإيطاليين، عن الأسباب الكامنة وراء إلصاق تهم الاغتصاب المرتكبة بإيطاليا بالمهاجرين والأجانب بصفة عامة. فلا حديث لوسائل الإعلام الإيطالية اليمينية في هذه الأيام إلا عن اعتداءات جنسية ارتكبها مهاجرون، إما من أوربا الشرقية أو من شمال إفريقيا، في حق نساء إيطاليات وأجنبيات، ولا جدل في الأروقة السياسية وحتى تحت قبة البرلمان الإيطالي إلا عن هذا الموضوع الذي جعل حكومة سيلفيو برلسكوني تعجل باتخاذ تدابير أمنية جديدة ستسمح لمتطوعين من المجتمع المدني الإيطالي بالمشاركة في حفظ الأمن بالمدن الإيطالية وستمكن السلطات الإيطالية بالضرب وبقوة على أيادي المغتصبين، خصوصا الأجانب منهم. وتأتي هذه التدابير والحملات التي يشنها اليمين ووسائل إعلامه ضد المهاجرين في ظروف الأزمة الخانقة التي تعيشها إيطاليا وفي ظل صمت رهيب ومطبق للجمعيات الحقوقية التي تدافع عن حقوق المهاجرين بإيطاليا. خطة عصبة الشمال يبدو أن حزب عصبة الشمال، ومعه أحزاب يمينية أخرى، قد نجحت في توسيع الهوة بين الإيطاليين والمهاجرين بعد أن أوقعت بينهما في إطار خطة إعلامية وسياسية محكمة. فحزب عصبة الشمال، الذي نصب نفسه مدافعا عن مصالح إيطاليي الشمال وعن قيمهم الثقافية والدينية، استطاع، بفضل الأزمات التي تعيشها إيطاليا وبفضل حملاته الإعلامية والسياسية الشرسة ضد الإسلام والأجانب القادمين من دول العالم الثالث، أن يصل إلى الحكم مرة أخرى وأن يحصل أحد قادته البارزين على حقائب أقوى الوزارات بإيطاليا ضمن حكومة برلسكوني، مثل وزارة الداخلية التي منحت لاسم روبيرتو ماروني. فطمع قادة هذا الحزب في الهيمنة على مزيد من الأقاليم والمدن بشمال ووسط إيطاليا، جعلهم يضاعفون حملاتهم ضد الإسلام وضد الأجانب لتشويه صورتهم أمام الإيطاليين حتى يتمكنوا من إصدار قوانين واتخاذ تدابير تكسب الحزب شعبية أخرى بين الإيطاليين ومكانة داخل رقعة الخريطة السياسية الإيطالية. فبعد استعمال ورقة أن الأجانب يسرقون عمل ومناصب شغل ومنازل يستحقها الإيطاليون وبعد تنفيذ خطة أن الإسلام يشكل خطرا على المجتمع الإيطالي، يأتي الدور هذه المرة على جرائم الاغتصاب ليحاول الحزب، ومعه أحزاب يمينية أخرى، إلصاقها بالأجانب المقيمين بإيطاليا وكأنها حصر عليهم وجزء من ثقافتهم. فاليمين الإيطالي، خصوصا عصبة الشمال، أصبح يعلن، من حين إلى آخر، عن حالة طوارئ بتزايد جرائم الاغتصاب داخل المجتمع الإيطالي فقط عندما يرتكبها الأجانب، معتمدا في ذلك على وسائل الإعلام التي يتوفر عليها والتي تبتعد عن الحياد لتهاجم الأجانب وتضعهم في خانة المجرمين. ففي هذه الأيام، لا حديث لوسائل الإعلام وللشارع الإيطالي إلا عن جرائم الاغتصاب التي ارتكبها مهاجرون قيل إنهم رومانيون ومغاربة وتونسيون، فقد جلبت جريدة «لاريبوبليكا» وجرائد أخرى في الأسبوع الماضي خبرا عن جريمة اغتصاب يتهم فيها مغربي، 44 سنة، في حق إيطالية 38 سنة بإحدى ضواحي مدينة باري الإيطالية. وقد روى هذا الخبر، الذي يبدو مبالغا فيه ومشكوكا في أمره، أن مهاجرة رومانية استدرجت الضحية الإيطالية المدمنة على المخدرات إلى منطقة خالية من السكان قبل أن تهددها بسكين لتجبرها على التوجه معها إلى كوخ يقيم فيه مغربي لتسلمها إليه ويقوم بفعلته، حسب ما ذكرته الجريدة الإيطالية. في نفس الأسبوع، تناولت وسائل إعلام أخرى خبرا آخر بطلاه مهاجران رومانيان اتهما باغتصاب فتاة إيطالية بإحدى حدائق العاصمة روما والاعتداء على صديقها بالضرب قبل أن يختفيا عن الأنظار. وكما يبدو، فقد أصبح التبليغ عن جرائم الاغتصاب موضة بإيطاليا، حيث إن عددا من المدن الإيطالية، بعد ذلك، سجلت فيها حالات تبليغ عن جرائم اغتصاب ارتكبها أجانب وتعرضت لها بالدرجة الأولى نساء إيطاليات، وكأن النساء الأجنبيات أقل جمالا وجاذبية منهن. هذا التصعيد الإعلامي غير المفهوم، الذي أصبح يركز على الجرائم التي يرتكبها الأجانب أكثر من تلك المرتكبة من قبل الإيطاليين أصحاب الأرض، استغلته أحزاب يمينية ضمن الائتلاف الحاكم، وعلى رأسها عصبة الشمال، للتمكن من تمرير قوانين وتدابير أمنية مثل الترخيص لمتطوعين من المدنيين الإيطاليين بمشاركة الشرطة الإيطالية في حفظ الأمن بالمدن الإيطالية والقيام بجولات أمنية في شوارعها، متسلحين فقط بهواتفهم المحمولة. وإضافة إلى إصدار عقوبات جديدة وصارمة ضد مرتكبي جرائم الاغتصاب، طالب وزير التسهيل الإداري بحكومة برلسكوني روبيتو كالديرولي، وهو كذلك أحد قادة عصبة الشمال، بالمصادقة على قانون يرخص بمعاقبة مرتكبي جرائم الاغتصاب بإيطاليا عن طريق الإخصاء الكيميائي. أرقام إيستات أثناء حملات اليمين الإيطالي وإعلامه لإلصاق تهمة الاغتصاب بالأجانب المقيمين بإيطاليا، أصدرت مؤسسة الإحصاء الإيطالية إيستات، أرقاما مفصلة عن ظاهرة الاغتصاب بإيطاليا، لتؤكد أن نسبة 90 % منها يرتكبها إيطاليون ليمثل الأجانب في ذلك أقل من %10. وأكدت المؤسسة الإيطالية، على لسان مديرتها ليندا لاورا سباديني، أن نسبة 69 في المائة تمثل جرائم اغتصاب يرتكبها إيطاليون داخل بيوتهم وفي حق نسائهم اللواتي يخجلن من التبليغ عنها، لتبقى نسبة 20 %، حسب نفس المسؤولة، تمثل اعتداءات جنسية خارج البيت وبالعمل أبطالها دائما إيطاليون. وأشارت المسؤولة إلى أن هذه الأرقام تبرز بشكل واضح أن الإيطاليين غير منزهين عن جرائم الاغتصاب وأن تركيز وسائل الإعلام الإيطالية على الأجانب لتلصق بهم هذا النوع من الجرائم مرده إلى أن غالبيتهم يرتكبها في الشارع وفي أماكن عمومية، خلافا للإيطاليين الذين يختارون بعناية مكان ووقت ارتكابهم لجرائم الاغتصاب والعنف ضد النساء. العنف والاغتصاب المرتكب أن من طرف الإيطاليين وإن تم التبليغ عنهما يبقيان محصورين في جرائد محلية لا تلقى اهتماما كالجرائد الأكثر انتشارا بإيطاليا. ففي مدينة صغيرة بجهة البييمونتي (شمال غرب إيطاليا) قدمت امرأة إيطالية شكوى لدى المصالح الأمنية هناك ضد زوجها الذي يرغمها وبالقوة على ممارسة الجنس أمام أعين ابنهما. الخبر رغم فظاعته لم تهتم له وسائل الإعلام الإيطالية لتشير إليه فقط جرائد محلية ضيقة الانتشار. خبر آخر لم يبرح المدينة التي ارتكبت فيها جريمة الاغتصاب، ويتعلق بالاعتداء جنسيا على مهاجرة من أوربا الشرقية من طرف مشغلها الإيطالي الذي مازال حرا طليقا وينفي التهم الموجهة إليه. يمكن أن تجد بجرائد محلية إيطالية أخبارا عن اعتداءات جنسية أخرى قام بها إيطاليون في حق نساء وأطفال وقاصرين، لترفض وسائل الإعلام القوية بإيطاليا تسليط الضوء عليها بشكل غير مفهوم، ولتبحث بالتالي عن أي خبر آخر يمكن أن يتهم فيه «ماروكيني» (مغاربة) أو «روميني» (رومانيون) أو «ألبانيزي» (ألبان). الخوف من المهاجر تعميم فكرة أن الأجانب، خصوصا أولئك القادمين من أوربا الشرقية وشمال إفريقيا، يقفون وراء جرائم الاغتصاب، جعل عددا كبيرا من النساء الإيطاليات، حتى العجائز منهن، يتخوفن من أي مهاجر يصادفنه مساء أو في مكان شبه خال، ليسرعن الخطى وكأنهن صادفن شبحاً. فغالبية النساء الإيطاليات اللواتي استجوبتهن «المساء»، أكدن أنهن أصبحن يخفن من أن ينفرد بهن رجل أجنبي، وذلك من كثرة ما يقرأنه في الجرائد الإيطالية عن جرائم الاغتصاب التي مست عددا من النساء الإيطاليات والتي كان وراءها أجانب. فقد أكدت الإيطالية سوزي، 34 سنة، وهي إطار في شركة بميلانو، أنها تعلم جيدا أن جرائم الاغتصاب ليست حكرا على الأجانب، لكن حملات الإعلام الإيطالي أصبحت تخيفها وتقلقها، وأضافت: «في الحقيقة، أنا لا أخشى الأجانب لأنني زرت عددا من دول العالم، لكن ما تكشف عنه وسائل الإعلام يخيفني ويجعلني لا أستعمل العقل في بعض الأحيان لأضطر إلى إسراع الخطى في حالة مصادفتي لأجنبي في مترو الأنفاق بميلانو الذي أركبه كل يوم». نفس الشيء عبرت عنه سيمونا، 40 سنة، التي تشبه في تفاصيل جسدها رجلا مسنا متقاعدا عن العمل، حيث قالت: «أعتقد أن الرومانيين والمغاربة محرومون في بلدانهم من ممارسة الجنس، ولهذا أنا أخشاهم، وأخشى حتى الخروج ليلا بمفردي». أما الطالبة إيزابيلا، 24 سنة، التي تربط علاقات صداقة مع عدد من الأجانب، فقد أوضحت أنها لا تخشى من الأجانب إلا أولئك الذين يتصرفون بشكل غير حضاري ومنظرهم يوحي بأنهم متشردون وخارجون عن القانون: «لدي عدد من الأصدقاء مغاربة وألبان وأرجنتينيون، لكن هذا لا يمنعني من الخوف من آخرين شكلهم وتصرفاتهم مريبة». قلق الأجانب الأجانب هم الآخرون قلقون ويحسون بأن كرامتهم قد داست عليها أقدام السياسيين والإعلاميين الإيطاليين لتحقيق أهداف رخيصة وضيقة جدا لا تخدم تعايش واندماج الإيطاليين مع الأجانب. فقد حكى لي عدد من أبناء الجالية المغربية وجاليات أجنبية أخرى بإيطاليا، عن إحساسهم بنوع من الدونية كلما رمقتهم بعض أعين الإيطاليات بخوف وحذر، معتبرين أن حملة الإعلام واليمين الإيطاليين لإلصاق تهم جرائم الاغتصاب بهم أمر مبالغ فيه وأن هذا الأمر خلق نوعاً من الموضة بإيطاليا للتبليغ عن الأجانب واتهامهم بالاعتداء الجنسي. كريم، 31 سنة، مغربي يقيم بإيطاليا منذ 9 سنوات، صادف فيها ولمرات عديدة نساء وفتيات إيطاليات وقضى معهن أوقاتاً وصفها بالممتعة: «كنت ومازلت مولعاً بالسهر وارتياد المحلات الليلية، وهذا الأمر جعلني أعرف نساء متعددات من أعمار وأشكال مختلفة وكانت لي مغامرات مع إحداهن وبرغبة منها، لكن الغريب في الأمر أن بعضهن وبعد قضاء حاجاتهن الجنسية كن ينقلبن علي بسرعة وكأنهن لا يعرفنني، فكنت أتخلص منهن بذكاء وبدون مشاكل. وأعتقد أن تبليغ عدد منهن عن جرائم اغتصاب يرتكبها أجانب في حقهن مرده إلى أن بعض الأجانب لا يحسنون التعامل مع هذا النوع من النساء، ومن ثم يدخلون معهن في خلاف يتحول إلى عنف»، يحكي كريم ويضيف: «هناك العديد من الجرائد نشرت أخبارا عن إيطاليات تعرضن، في شقق وأماكن شبه خالية، لاعتداءات جنسية من طرف أجانب، لكن هذه الجرائد لا تتساءل عما كانت تفعله هؤلاء النساء في تلك الأماكن». ونفس القلق عبر عنه مواطن ألباني ل«المساء» حين أكد أنه أصبح يتحاشى الاقتراب من النساء الإيطاليات مخافة أن يتم اتهامه بجريمة الاغتصاب. وقال: «يحاولون تشويه صورتنا بإيطاليا وكأن نساءنا غير جذابات أو كأننا لم نشاهد قط نساء في حياتنا. أعتقد أن النساء الألبانيات والعربيات يوجد فيهن ما لا يوجد في الإيطاليات، والغربيات بصفة عامة». صمت مطبق أمام تصعيد اليمين الإيطالي تجاه الأجانب، لم نشهد أي تحرك لأي جمعية مغربية أو إيطالية للبحث عن الحقيقة أو الرد على اتهام جاليات بكاملها بجرائم الاغتصاب وجرائم أخرى يشيب لها الجنين، فعدد من هذه الجمعيات التي نصبت نفسها مدافعة عن حقوق الأجانب والجالية المغربية التزمت الصمت في حين أن أخرى تربط علاقات جيدة مع اليمين الإيطالي نددت بجرائم الاغتصاب مرددة ما تحكيه الصحف اليمينية الإيطالية لتتهم هي الأخرى الأجانب بالوقوف وراء هذا النوع من الجرائم. هذا التصرف جعل الأجانب المقيمين بإيطاليا يشعرون بخوف أكبر على مستقبلهم بإيطاليا، معتبرين أن الصمت المطبق على الحملات المتكررة ضد المهاجرين هو مؤشر واضح على أن من نصبوا أنفسهم مدافعين عن حقوقهم هم، في الحقيقة، يستغلون مواضيع الهجرة لتحقيق أهداف ضيقة وخاصة. المسكوت عنه رغم أن الإيطاليين يأتون في مقدمة السياح الذين يقصدون دولا بالعالم الثالث للاعتداء جنسيا على أطفال، إلا أن هذا الموضوع يبقى خارج التغطية الإعلامية، اللهم الحملة السريعة التي قامت بها وزارة السياحة الإيطالية للتعريف بهذه الظاهرة ولحث الإيطاليين على توقيف ما أسمته ب «رحلات الخجل» بعد كشفها عن أرقام مخيفة عن هذا الاعتداء الجنسي في العالم والذي يساهم فيه الإيطاليون بنسب جد مرتفعة، فالوزارة كشفت عن رقم 2,5 مليون نسمة من الأطفال بالعالم يتعرضون سنويا للاعتداء الجنسي وعن مبلغ 80 مليون مليار يورو تنفق سنويا على هذه الرغبة التي يشد إيطاليون الرحال من أجلها إلى دول آسيوية وإفريقيا من بينها حتى المغرب. لكن يبقى السؤال المطروح هو: لماذا لم تتحرك عصبة الشمال واليمين الإيطالي لإصدار قوانين صارمة تحمي أطفال العالم من مغتصبين إيطاليين؟