مغاربة الجنسية الإيطالية يتمنى غالبية مغاربة إيطاليا، ومعهم مهاجرون من جنسيات أخرى، الحصول على الجنسية الإيطالية بشتى الوسائل، وينتظرون بفارغ الصبر الفرصة المناسبة أو استكمال الشروط الضرورية التي ينص عليها القانون الإيطالي للحصول عليها و لو طال ذلك حتى 10 سنوات. هذا الوضع جعل بعضا ممن حصل عليها من المغاربة يعتقد أن الجنسية الإيطالية هي ميزة خاصة و«بريستيج» قبل أن تكون حقوقا وواجبات. فقد كنت في كل مرة أغادر فيها التراب الإيطالي نحو المغرب أو عكس ذلك إلا وألامس هذا التفاخر المبالغ فيه لبعض المغاربة ممن أصبحوا إيطاليين بين عشية وضحاها، فهؤلاء يجدون في مطارات العودة أو المغادرة فضاء أو فرصة لإظهار اختلافهم عن المغاربة الآخرين، من خلال التلويح يمينا وشمالا بجوازهم الأحمر القاتم الذي يحمل اسما مغربيا قادما من «دوار الكلب» أو «بني خلف» و«بني مسكين». في مطار مالبينسا (50 كلم شمال غرب ميلانو) أخذت مكاني بين المسافرين المتوجهين إلى المغرب انتظارا لدوري حتى أتمكن من إتمام إجراءات السفر والحصول على التذكرة من الموظفة الإيطالية المكلفة بذلك. وأنا في الطابور استرعت انتباهي تصرفات سيدة مغربية في الثلاثينيات من عمرها كانت تنتظر الدور هي الأخرى صحبة ابنها للحصول على تذكرة سفرها، للتوجه إلى المغرب، كانت تتحرك وتلتفت يمينا وشمالا بشكل غير عادي وأكثرت من تحريك يدها اليمنى التي تحمل جواز سفرها الإيطالي وأساور ذهبية «ماد إن ماروكو»، شعرها البني الذي يشبه في تفاصيله شعر النساء الغربيات لم يخف ملامح وجهها المغربي، ولباسها الذي يدخل في إطار الموضة الإيطالية لم يمنعها من إظهار تصرفات لا تصدر إلا عن المغاربة، وحديثها مع ابنها بلغة إيطالية ركيكة ممزوجة بلكنة قروية أظهرت كل شيء، خصوصا بعد أن رن هاتفها المحمول لترد عليه وتتضح لي الصورة أكثر، فقد قالت لمخاطبها بلكنة قروية: «لا أحتاج إلى بطاقة التعريف، فأنا إيطالية و......» توقفت المواطنة الإيطالية الجديدة عن الحديث دون أن تتوقف يدها عن التلويح بجواز السفر يمينا وشمالا قبل أن ترد: «لا أعتقد أنهم سيمنعونني من الدخول لأنني لا أحتكم على بطاقة التعريف الوطنية؟ فهذا هو العبث بعينه... فلو قاموا بمضايقتي فسأشتكيهم إلى السفارة الإيطالية هناك». منظر آخر من مناظر الإحساس بالقيمة المضافة الناتجة عن الجنسية الإيطالية وهذه المرة من مدينة صغيرة بجهة الببيمونتي تدعى غالياتي حين دخل أحد المغاربة هناك في مشادات كلامية مع مواطنه القادم من نواحي مدينة خريبكة والحاصل على الجنسية الإيطالية، تحولت فيما بعد إلى تهديد بالسلاح الأبيض. هذا الأخير الذي كان يعتقد أن جنسيته تمنحه الحق بالخروج إلى الشارع بسكين حاد لتهديد جاره وابن جلدته المغربي بالقتل قائلا: «سأغيبك عن هذه الدنيا، ولن أتعرض لأي متابعات قضائية فأنا مواطن إيطالي». حضرت الشرطة إلى مكان النزاع بعد أن استقدمها إيطاليون تمنوا في قرارة أنفسهم لو أن السلطات الإيطالية تصدر قوانين جديدة تمنع فيها حصول مثل هؤلاء الأجانب على الجنسية الإيطالية، فما كان من صاحب الجنسية إلا أن أكد لرجال الأمن أنه مواطن إيطالي ويجب على «المخزن» الإيطالي إنصافه. فقال لشرطيين: «أنا مواطن إيطالي ويجب أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار». فرد عليه أحد رجال الشرطة قائلا: «أن تكون إيطاليا أو يابانيا أو حتى أمريكيا لا يمنحك الحق أن تهدد الناس بالسلاح الأبيض وتشكل خطرا على حياتهم، فهذا التصرف لا يشرف لا إيطاليا ولا الإيطاليين». وعلى بعد كيلومترات من المدينة المذكورة حصل مغربي آخر على الجنسية الإيطالية فقرر مغادرة عمله كعامل بأحد المصانع هناك، فهو أصبح غير قادر على تحمل أبناء جلدته الذين يضايقونه خصوصا بعد أن أصبح إيطاليا. لهذا وحتى لا ينزل إلى مستواهم فضل مغادرة العمل بحثا عن عمل آخر لا يزاوله إلا الإيطاليون، في الحقيقة لا أعلم هل تمكن هذا المغربي الإيطالي الجنسية من إيجاد هذا العمل، لكن أعتقد أن إيطاليا في ظل أزمتها الاقتصادية الخانقة وتأزم سوق الشغل فيها، ستجعله يندم على قرار خروجه من العمل والقبول بآخر قد يكون أقل منه أجرا أو مغادرة إيطاليا نحو بلد أوربي أو غربي آخر. قوانين جديدة في الطريق شروط متعددة يجب أن تتوفر في الأجنبي للحصول على الجنسية الإيطالية، أولها الإقامة والعمل لمدة عشر سنوات بإيطاليا وبشكل شرعي، ثانيها ألا يكون من أصحاب السوابق، لهذا فهو مطالب عند جمعه للوثائق المتعلقة بملف طلب الجنسية الإيطالية بأن يضمنها شهادة عدم السوابق من السلطات الإيطالية وسلطات البلد الأصلي، إضافة إلى تقديمه وثائق تدل على إقامته وعمله بإيطاليا أكثر من عشر سنوات، هذا مع ملء استمارة تتعلق بسيرته ومعلومات عنه تمنحها له وزارة الداخلية الإيطالية قبل أن يسلم كل الوثائق إلى مكتب خاص بمحافظة المنطقة التي يقيم فيها صاحب الطلب. نفس العملية يقوم بها من تزوج مواطنا أو مواطنة إيطالية، ليقدم فقط شهادة تثبت أن صاحب الطلب متزوج بمواطن إيطالي ومعها شهادة عدم السوابق مقدمة من طرف السلطات الإيطالية وسلطات البلد الأصلي، بعد إتمام العملية وتقديم الملف إلى مكتب الجنسية التابع لإدارة المحافظة يلزم صاحب الطلب أن ينتظر أكثر من خمسة أشهر قبل أن تستدعيه السلطات الأمنية بالمدينة التي يقيم فيها، لتستجوبه وتعرف عنه معلومات إضافية، لتضمينها إلى الملف قبل إعادته مجددا إلى وزارة الداخلية بروما التي تقيم الوضع وتقرر إن كان صاحب الطلب سيحصل على الجنسية أم لا، فالقانون الإيطالي في هذا الباب ينص على أن الجنسية الإيطالية تبقى هبة وليست حقا، لهذا فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر استعمل هذا المفهوم لرفض عدد كبير من طلبات الجنسية خصوصا بالنسبة إلى مواطنين أجانب يعتنقون الإسلام. أحمد. ب مواطن مغربي يقيم بإيطاليا ويعمل فيها أكثر من 15 سنة، لكنه إلى حد الآن لم يتوصل برد من طرف السلطات الإيطالية بخصوص الطلب الذي قدمه قبل ثلاث سنوات للحصول على الجنسية الإيطالية. وقال: «قدمت طلبا قبل ثلاث سنوات وضمنته كل الوثائق اللازمة، لكنني لم أحصل على جواب أولي بخصوص الموضوع، فقد انتظرت أكثر من سنة استدعاء مركزية الشرطة لاستجوابي بخصوص الملف، لكن عدم توصلي بأي رد جعلني أوكل محاميا للاستفسار عن سبب هذا التأخير الذي مازال أمرا غامضا بالنسبة إلي وإلى المحامي الذي لم يفعل أي شيء». تعابير وجه أحمد الحزينة وهو يتحدث عن عدم توصله برد من السلطات الإيطالية بخصوص ملف الجنسية وتوقفه مرات ومرات عن الكلام لأخذ نفس جديد، كلها أمور أوضحت لي أن الجنسية الإيطالية تدخل هي الأخرى دائرة همومه الكبيرة، وأضاف: «ما يحز في النفس هو أن الجنسية الإيطالية لا يحصل عليها إلا (العروبية) الذين لا يعرفون لا كبيرة ولا صغيرة عن اللغة والثقافة الإيطاليتين وليست لديهم رغبة لا في الإندماج مع الإيطاليين ولا حتى مع أبناء جلدتهم، فكيف يعقل أن يحصل على الجنسية الإيطالية شخص يتحدث الإيطالية مثل طرزان وليس لديه أدنى فكرة عن تفاصيل الحياة الثقافية والسياسية الإيطالية...»، رغم أن كلام أحمد ناتج عن عدم توصله إلى حد الآن بالجنسية الإيطالية، لكن ما قاله كان فيه الكثير من الحقيقة، فقد صادفت كثيرا من المغاربة ممن حصلوا على الجنسية الإيطالية الذين لا يجيدون الحديث حتى بالدارجة المغربية فما بالك بالإيطالية، فأحدهم كان رئيس جمعية بشمال إيطاليا، لا يهدأ له بال حتى يذكرك بأنه حاصل على الجنسية الإيطالية، ولهذا الغرض فهو يحمل معه دائما جواز سفره الإيطالي الذي أصبح شكله يختلف نوعا ما عن الجوازات التي يحملها الإيطاليون، فقد كان مظهره باليا من كثرة وضعه في جيب سرواله وأصبح لونه الأحمر الداكن يفقد قوته ليظهر مثل «الجفاف». فلو علم الإيطاليون أن جواز سفرهم سيصبح على هذا الشكل، لما منحوا جنسيتهم لمثل هؤلاء الذين أساؤوا إلى صورة المغرب بتصرفاتهم غير الحضارية قبل أن يسيئوا إلى إيطاليا وصورتها بالخارج. وزارة الداخلية الإيطالية ولتدارك الموقف وإنقاذ الإيطاليين من مواطنين جدد قد يسيئون إلى «لا غرانديتسا إيطاليانا» ( الشموخ الإيطالي)، قامت من خلال وزيرها جوليانو أماتو بإعداد قانون جديد يتعلق بالجنسية الإيطالية. فهذا القانون الذي لم يصادق عليه بعد، لسقوط حكومة برودي، يرى أن على من يرغب في الحصول على الجنسية الإيطالية ألا ينتظر عشر سنوات قبل القيام بذلك، بل فقط خمس سنوات، لكن مقابل ذلك فهو مطالب باجتياز امتحان في اللغة الإيطالية وفي تاريخها وثقافتها مع معرفة بسيطة بتفاصيل سياستها، هذا وسيقف هذا القانون في حالة تطبيقه حاجزا أمام الأجانب الذين يرغبون في الحصول على الجنسية الإيطالية عن طريق الزواج من مواطن إيطالي، فهم للحصول على هذه الجنسية سيكونون مضطرين إلى قضاء أكثر من تسع سنوات في عش الزوجية، إذ أنهم مطالبون بقضاء ثلاث سنوات قبل أن يقدموا ملف طلب الجنسية، وانتظار ثلاث سنوات للحصول عليها وفي حالة التطليق فعليهم انتظار ثلاث سنوات أخرى لإتمام عملية الطلاق. لكن القانون نفسه جلب معه شيئا إيجابيا ويتلخص في منح أبناء المهاجرين الذين ازدادوا بإيطاليا الجنسية الإيطالية بشكل مباشر دون انتظار استكمال 18 سنة كما هو معمول به في القانون الحالي الجاري به العمل. الجنسية.. حماية وحرية وجد عدد من المغاربة في الجنسية الإيطالية حلا للتخلص من القيود المتعلقة بتجديد رخص الإقامة والبحث عن آفاق أخرى خارج إيطاليا، فخالد.م الذي حصل على الجنسية الإيطالية منذ أكثر من أربع سنوات أصبح لا يعاني من مشاكل تتعلق بتجديد رخصة الإقامة ويجد حرية أكبر في التنقل والعمل بجميع أرجاء العالم. فهو عائد للتو من تجربة بكندا دامت سنة تقريبا، حيث أقام بموريال التي عمل بأحد مطاعمها قبل أن يقرر العودة إلى إيطاليا التي ألف أجواءها الدافئة والشعبية. وقال: «في الحقيقة حصولي على الجنسية الإيطالية فتح في وجهي آفاق أخرى ومتعني بحرية أكبر، فأنا في السابق كنت غير قادر على ترك العمل للبحث عن آخر مخافة أن يصل موعد تجديد رخصة الإقامة وأصبح غير قادر على إيجاد عقد عمل أتمكن من خلاله من تجديد رخصتي، أما اليوم فالأمور تغيرت وأصبحت أختار وبحرية العمل الذي أرغب فيه دون ضغط رخص الإقامة أو شيء من هذا القبيل، إضافة إلى أنها (الجنسية) أبعدتني عن متاهات رخصة الإقامة وجمع الأوراق والانتظار الطويل الذي مازال عدد من إخواني المغاربة والأجانب يعيشون عذابه... فأنا وبسبب ما قاسيته مع رخصة الإقامة هذه ومع العمل بإيطاليا، فقد قررت وبعد حصولي على الجنسية الإيطالية، مغادرة إيطاليا نحو فرنسا التي اشتغلت فيها سنة قبل أن أغادرها هي الأخرى نحو كندا التي لم تعجبني أجواءها الباردة، لأقرر العودة مرة أخرى إلى إيطاليا التي يتواجد بها أصدقاء كثيرون ومعارف وأفتقد أجواءها الجميلة والدافئة، رغم أنها تعيش أزمة خانقة». الجنسية التي جلبت الحرية التي يتمتع بها خالد في التجول والإقامة بين الدول الأوربية والغربية بصفة عامة، كانت هي نفسها التي يعتمد عليها بعض المغاربة الخارجين عن القانون للقيام بعمليات تجارية غير قانونية مثل الاتجار في المخدرات وفي السيارات المسروقة بحيث إنهم في حالة إلقاء القبض عليهم فالسلطات الإيطالية لا تصدر في حقهم قرارا بالترحيل إلى الوطن الأصلي باعتبارهم إيطاليين. فقبل أسبوع ألقت شرطة جهة لومبارديا الإيطالية القبض على عصابة كبيرة تختص في سرقة وتهريب السيارات إلى شمال إفريقيا وأوربا الشرقية، من بين أفرادها مغربيان يتمتعان بالجنسية الإيطالية، كان دورهما ينحصر في تزوير جميع الرخص والبطاقات والوثائق المتعلقة بتمرير هذه السيارات المسروقة إلى شمال إفريقيا عن طريق المغرب. الحاصلون على الجنسية الإيطالية تمكنوا من ولوج حتى عالم المخدرات ليصولوا ويجولوا بين دول الاتحاد الأوربي لجلب المسحوق الأبيض وبيعه «بالعلاّلي» بالمدن الإيطالية الكبرى مثل طورينو وميلانو وبريشيا وبادوفا وبولونيا أو بمدن أوربية أخرى مثل مارسيليا وليون وباريس الفرنسية وبرشلونة الإسبانية. فالجنسية الإيطالية أصبحت تمثل لهم حماية ضد قرار الطرد أو الترحيل إلى المغرب، لأن تجار «البيضة» المغاربة الحاصلين على الجنسية يعلمون جيدا أن سجن سان فيتوري بميلانو أو سجن ربيبيا بروما أو سجن فديجفانو أو غيره سيجدون فيها لا محالة إقامة ولشهور أو لسنوات حسب «الكيلوات ديال البيضة أو الزطلة» التي كانت بحوزتهم.