تضاعف في العشر سنوات الأخيرة بإيطاليا وبشكل ملحوظ عدد الأجانب المتزوجين بإيطاليين أو إيطاليات وتضاعف معها جدل ونقاش السياسيين ورجال الدين الإيطاليين الذي يصب عموما في اتجاه وضع حد لهذا الزواج المختلط الذي اعتبره بعضهم تهديدا للمجتمع الإيطالي واستغلالا لمواطنيه. إذا كان رجال السياسة، وغالبيتهم يمينيون، يحاولون وضع قوانين وتدابير صارمة للتصدي الزواج المختلط الذي اعتبروه وسيلة تمكن الأجانب من الحصول على رخصة الإقامة وعلى الجنسية الإيطالية بسهولة، فإن الكنيسة الإيطالية تحاول جاهدة تحذير معتنقي دينها وممارسي تعاليمها، خصوصا الإيطاليات منهم، من الزواج بأجانب مسلمين معتبرة ذلك خطرا على هويتهن ومساسا بالحريات التي يضمنها لهن المجتمع الإيطالي. وبين هذا وذاك، فالزواج المختلط رغم كونه وسيلة لتحقيق مصلحة وربح مادي لدى الكثيرين، فإنه يمثل لدى نسبة قليلة علاقة إنسانية تتحكم فيها مشاعر وأحاسيس تغلب في بعض الأحيان على الهوية والتقاليد والدين. تضاعف الزواج المختلط حسب مؤسسة «إستات» الإيطالية للإحصاء، فإن نسبة الزواج المختلط بين الإيطاليين والأجانب تضاعفت بشكل ملحوظ بإيطاليا خلال السنوات العشر الأخيرة لتنتقل من 4،8% إلى أكثر من 14%. فبعد أن كان عدد عقود الزواج بين مواطنين إيطاليين وأجانب محصورا سنة 1997 في 70 ألفا، تضاعف في سنة 2008 ليصل إلى 200 ألف عقد. وتتربع جهات الشمال الإيطالي، خصوصا جهتي لومبارديا وإيميليا رومانيا، على قمة هذا النوع من الزواج بنسبة تفوق 40 في المائة لتتبعها جهات مثل البييمونتي والفينيتو وتوسكانا التي تعيش بها نسبة مهمة من اليد العاملة الأجنبية. وإذا كانت نساء أوربا الشرقية، خصوصا الأوكرانيات والروسيات والرومانيات، يسجلن أرقاما مرتفعة من حيث زواجهن بالرجال الإيطاليين فإن الرجل المغربي يحتل المرتبة الأولى ضمن الرجال الأجانب من حيث نسبة الزواج بالإيطاليات. وتتعدى نسبة الرجال الإيطاليين المتزوجين بأجنبيات 60 في المائة، حيث سجل رقم مرتفع لرجال تتراوح أعمارهم ما بين الأربعين والستين سنة يتزوجون بنساء غالبيتهن من أوربا الشرقية وأمريكا اللاتينية، لتبقى النساء المسلمات، وعلى رأسهن المغربيات، في مؤخرة الترتيب وبنسب ضعيفة. هذا التزايد المستمر في نسبة الزواج المختلط مرده، حسب عدد من المختصين، إلى ازدياد أعداد المهاجرين بإيطاليا وإلى بداية تفهم الإيطاليين للثقافات الأخرى والاندماج مع أبنائها، إضافة إلى كشفهم أن نسبة من هذا النوع من الزواج تحولت إلى تجارة مربحة بسبب تواجد عدد كبير من المهاجرين السريين الراغبين في تسوية وضعيتهم القانونية، وبسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها إيطاليا والتي جعلت عددا من أبنائها يضطر إلى عقد قرانه بمهاجر سري مقابل مبلغ مالي يفوق الستة آلاف يورو. تدابير عنصرية يحاول اليمين الإيطالي جاهدا وضع حد لتزايد نسبة الزواج المختلط بين الإيطاليين والأجانب، إلى حد عرض بعض أحزابه، وعلى رأسها حزب عصبة الشمال، مشروع قانون على البرلمان الإيطالي وعلى المجالس الجهوية يهدف إلى وضع عراقيل أمام الراغبين في عقد هذا النوع من الزواج. وكان السيناتور فيديريكو بريكولو التابع لحزب عصبة الشمال المتطرف قد أعلن عن مواصلة حزبه حث اليمين الإيطالي على إصدار قوانين صارمة لوقف زواج الإيطاليين بالأجانب، مطالبا بالتأكد من أن علاقة الزواج بين الطرفين نابعة من حب حقيقي وليست بهدف تحقيق المصالح. وقال إن على الإيطاليين أن يحتاطوا من المهاجرين ويفكروا ألف مرة قبل اتخاذ قرار الزواج بهم، مبرزا أن أغلبهم لا تهمه من هذه العلاقة إلا رخصة الإقامة أو الجنسية الإيطالية. وفي انتظار أن يتخذ البرلمان الإيطالي قرارا بشأن هذه القوانين العنصرية، بادر بعض عمداء مدن الشمال الإيطالي إلى اتخاذ تدابير خاصة مثل استحضار الشرطة بشكل مفاجئ إلى البلدية قبل توقيع الأجنبي والإيطالي على عقد زواجهما، وذلك للتأكد من الوضعية القانونية للأجنبي المرشح للزواج. بمدينة كرافادجو (نواحي مدينة بيرغامو) قام عمدتها المعادي للأجانب والمنتمي إلى حزب عصبة الشمال بإصدار تعليمات لموظفي بلديته تمنعهم من تزويج مهاجرين غير شرعيين بإيطاليين، وتلح عليهم في إبلاغ الشرطة عنهم حسب قانون «بوسي فيني» المنظم للهجرة بإيطاليا، ليتبعه في ذلك عدد من عمداء المدن الآخرين الذين وجدوا في بادرته حلا لإيقاف ما أسموه بالصفقات المشبوهة والمخجلة. صدى هذه الحملة مكن مصالح الأمن الإيطالية قبل أشهر من اعتقال مهاجر سنغالي غير شرعي كان قد أعد كل شيء لعقد قرانه بإيطالية في الثلاثينات من عمرها إلا شيئاً واحدا لم يعره اهتماما، وهو الشيء ذاته الذي كشف بشكل واضح هدفه من الزواج بالإيطالية، فعندما سألته موظفة البلدية المكلفة بالترتيبات المتعلقة بالزواج عن اسم زوجته قال لها بكل بلادة: «لا أعرف اسمها»، مما أثار شكوكها لتبلغ رجال الشرطة الذين كانوا في انتظاره يوم عقد القران بداخل مبنى البلدية قبل اعتقاله وترحيله إلى بلده الأصلي، نفس الشيء وقع لمهاجرة مغربية غير شرعية في الأربعينات من عمرها حين جلبت إلى إحدى بلديات الشمال الإيطالي شابا إيطاليا لم يتجاوز العشرين سنة من أجل تحديد موعد للزواج به، فما كان من البلدية إلا أن أبلغت رجال الأمن الذين اعتقلوها يوم توقيع عقد الزواج بعد أن أثار فارق السن بينها وبين الشاب الذي كانت تعقد العزم على الاقتران به شكوك الموظفين بالبلدية. التخوف من الإسلام الكنيسة الكاثوليكية الإيطالية دخلت هي الأخرى خط اليمين الإيطالي في محاربة الزواج المختلط، لكن فقط في علاقته بأجانب يعتنقون الإسلام، فقد أصدر مجمع الأساقفة الإيطاليين بيانا بخصوص الموضوع حذروا فيه الإيطاليين من مخاطر الزواج بمهاجرين مسلمين، مؤكدين لهم أن حرياتهم التي يضمنها لهم المجتمع الإيطالي وقوانينه تبقى مهددة وغير مضمونة في ظل وجود زوجات وأزواج مسلمين لا يعترفون إلا بشريعة وقوانين الإسلام. وقال البيان الذي اعتبره عدد من اليساريين الإيطاليين عنصرية معلنة للفاتيكان وأساقفتها: «نحن لا نشجع على الزواج المختلط بين الكاثوليكيين والمسلمين لأنه زواج يفشل في غالب الأحيان وتترتب عنه مشاكل كبيرة يكون ضحيتها الأبناء». أما كاثوليكيين آخرين بشمال إيطاليا فقد ذهبوا أبعد من ذلك حين أكدوا أن زواج الإيطالية من أجنبي مسلم يجعلها مع مرور السنين مضطرة إلى التخلي عن هويتها الدينية لتعتنق الإسلام ولتؤثر حتى على أبنائها ليعتنقوا هم الآخرون الإسلام، مما يشكل - حسب قولهم - خطرا على المجتمع الإيطالي وعلى هويته الدينية. نجاح وفشل حسب أرقام مؤسسة «إستات» الإيطالية، فإن زواج الإيطاليين من أجانب مسلمين مندور إلى الفشل بنسب كبيرة مقارنة بزواج الأجانب الآخرين من إيطاليين. فشل هذا النوع من الزواج، حسب نفس المؤسسة، يلامس وبنسب مرتفعة زواج إيطاليات من مهاجرين من شمال إفريقيا خصوصا المغاربة منهم. فإذا كان عدد من الإيطاليين يشيرون بأصابع الاتهام إلى الدين الإسلامي وشرائعه كسبب رئيسي في فشل زواج المسلمين بإيطاليات، فإن عددا من أبناء الجالية العربية الإسلامية ممن كانت لهم تجربة زواج مع إيطاليات يؤكدون أن السبب الحقيقي يكمن في اختلاف العادات والتقاليد وفي عدم رغبة غالبية الزوجات الإيطاليات في التفاعل بشكل إيجابي مع ظروف وثقافة الزوج، أما أصوات أخرى فتشير إلى عدد من الأسباب من بينها عدم قدرة الأزواج العرب خصوصا المغاربة منهم، على تحمل مسؤولياتهم الأسرية وتورط عدد منهم في ربط علاقات غرامية مع عدد من النساء، غالبيتهن من بنات البلد الأصلي . «قضيت مع زوجي أكثر من 19 سنة وأنجبت منه طفلا يبلغ من العمر الآن 15 سنة، أحببت بسببه المغرب والإسلام لأعتنقه وأرتدي الحجاب رغم أن هذا الأمر جلب لي عددا من المشاكل مع عائلتي. ومع مرور الوقت بدأت أحس بأنه أصبح يبتعد عني بشكل تدريجي وغير مفهوم رغم أنني كنت أحاول أن أكون معه مغربية في طباعي ومسلمة في تعاملي، كان يغيب عن البيت لأيام، مرة في السعودية للعمرة ومرات في المغرب من أجل تجارته وزيارة الأقارب. بقيت على هذا الحال ورضيت به إلى أن وجدته ذات يوم متلبسا بالخيانة الزوجية، حيث كان بصحبة مغربية بغرفة نومي، وساعتها لم أتردد في طرده من بيتي ومن حياتي بعد أن خلعت الحجاب ورميت به في المسجد الذي كنت أقيم فيه صلاة الجمعة» تحكي الإيطالية دانييلا، 43 سنة، وعلامات الحزن وخيبة الأمل بادية على وجهها. أما حسن فيرى عكس ذلك ويعتبر أن المرأة الإيطالية هي السبب في نهاية مشروع الزواج المختلط مع أجنبي مسلم، حيث قال: «كانت سنة جميلة تلك التي قضيتها مع زوجتي الإيطالية سرعان ما تحولت إلى كابوس حقيقي ومشاكل لا نهاية لها بعد انتهاء عقد عملي وتحولي إلى عاطل. فرغم أنني كنت أنتظر ردا من عدد من الشركات للحصول على وظيفة، قررت عدم البقاء خاملا لأعمل بشكل متقطع وغير قانوني من حين إلى آخر لأجلب إلى البيت أكثر من 800 يورو شهريا إلا أن هذا لم يكن يرضيها لتعبر لي مرات عديدة عن عدم قدرتها على التحمل ولأكتشف أن لها علاقات أخرى مشبوهة، فقررنا الطلاق بشكل ودي وأخوي وبدون مشاكل». تجربة دانييلا وحسن رغم أنها تكررت في غالبية العلاقات الزوجية بين مغاربة وإيطاليات، فإنها ليست القاعدة. فقبل أكثر من 17 سنة، حط المغربي خليل الرحال بمدينة ميلانو قادما إليها من الدارالبيضاء، كان منبهرا بالغرب وبمجتمعه المتفتح والحر ومعجبا بنسائه الشقراوات. بعد قضائه أكثر من 8 أشهر بمدينة ميلانو وبشكل غير شرعي، حصل في الأخير على رخصة الإقامة التي مكنته من عمل قانوني ومن حياة كريمة جعلته يفكر في العودة إلى ممارسة نشاطه الرياضي بأحد النوادي بمدينة ميلانو، هناك تعرف على زوجته إليزابيتا التي أعجب بها كثيرا ليدعوها إلى زيارة المغرب أثناء عطلة الصيف، الشيء الذي جعلها تغير فكرتها عن المغاربة والإسلام وتعبر بالتالي له عن رغبتها في الزواج منه لبناء أسرة تختلف عن الأسر الإيطالية آنذاك: «لقد أنجبت منها طفلين وأنا جد سعيد معها، هل تعرف السبب؟ ... السبب هو أن كل واحد منا يفهم تفاصيل ثقافة الآخر ويحترمها ويضحي من أجل استمرار هذه العلاقة لنثبت لجميع من عارضوها وتوقعوا لها الفشل أن الزواج المختلط، خصوصا بين مسلم وإيطالية مسيحية، يمكن أن ينجح إذا كان الطرفان واعيين ومتفاهمين ولا يتشبث كل واحد منهما بموقفه وثقافته معتبرا إياها هي الصحيحة»، يحكي خليل (45 سنة) بتفاؤل كبير في المستقبل. أما إليزابيتا فأكدت أن حياتها الزوجية المستقرة مع خليل نابعة من تغليب المنطق في كل شيء، وقالت: «أعتبر نفسي جد محظوظة مع زوجي الذي يؤمن بشيء اسمه الأسرة، فمعه تغيرت الصورة عن المغاربة وعن المسلمين، خصوصا بعد زياراتي المتكررة للمغرب». زواج المصالح في الأسبوع الماضي، ألقت شرطة مدينة تورينو القبض على عصابة، أفرادها إيطاليون وأجانب، بتهمة ترتيب عمليات زواج مشبوهة بين أجانب وإيطاليين مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين ستة آلاف وعشرة آلاف يورو، وذلك لتمكين أجانب من الحصول على رخصة الإقامة أو الجنسية الإيطالية. اكتشاف هذا النوع من التجارة جاء بعد توصل الشرطة ومحققيها بمعلومات من بلدية تورينو وبلديات المدن المجاورة لها حول التزايد المستمر للزواج المختلط بين الأجانب والإيطاليين لتتوصل إلى أن المسؤول عنه هو عصابة تضم رجال أعمال إيطاليين وأجانب يجنون من ورائه أرباحا مالية مهمة ويحققون به مصالح جميع الأطراف المساهمة في العملية. وبعيدا عن المقابل المادي وعن العمليات المشبوهة فهناك بعض الإيطاليين، خصوصا الشيوخ منهم، الذين يجدون في زواجهم من شابة قادمة من أوربا الشرقية أو أمريكا اللاتينية أو إفريقيا مصلحة لهم، تتمثل في الخروج من وحدة قاسية و العثور على أحد يعتني بهم في بيت بارد وموحش بدون أبناء أو زوجة، في حين أن الشابات الأجنبيات يجدن في زوج إيطالي في سن أجدادهن فرصة مناسبة للحصول على رخصة الإقامة والجنسية الإيطالية وعلى حياة كريمة بعيدا عن قسوة المعامل والشركات والعمل في مجال الدعارة. اتصل بي ذات مرة صديق إيطالي اعتنق الإسلام وطرح علي سؤاله التالي: «هل الزواج يعتبر شرطا للقيام بفريضة الحج؟» أجبته بالنفي وقلت له إن شروط الحج هي: الإسلام، البلوغ، العقل، الحرية والاستطاعة، فما كان منه إلا أن قال لي متعجبا: « لقد اتصل بي أحد المشرفين على المسجد الذي أصلي فيه ليوجه إلي دعوة لتناول وجبة الغذاء في بيته، وهناك قدم لي أخته التي تقيم معه بعد أن شرح لي أن الزواج يعتبر شرطا من شروط الحج بعد أن علم أنني أنوي القيام بهذه الفريضة، وكان بين الفينة والأخرى يلمح لي إلى أنها غير متزوجة وأنها على خلق ومسلمة صالحة و... إذن الزواج ليس شرطا... أشكرك أخي».